لكنهما أنكرا على الظاهرية ردهم لمفهوم الموافقة او ما يسمى دلالة النص أو فحوى الخطاب وينكر عليهم المبالغة في الاستصحاب توافقا مع قولهم باستيفاء النصوص ورد القياس .
ولا يخفاكم شيخنا الكريم ان مفهوم الموافقة أو فحوى الخطاب أو دلالة النص على اختلاف أسمائها اختلف في دخولها ضمن القياس أو بمعنى آخر اختلف فيها هل هي دلالة لفظية او دلالة قياسية ؟ وبناء عليه فمن رأى أنها دلالة قياسية - كما هو رأي الشافعي وابن حزم وبعض الشافعية - يطلق عليها أسماء قياسية مثل :
1 - القياس الجلي .
2 - القياس في معنى الأصل .
3 - قياس الأولى .
4 - القياس مع نفي الفارق ونحو ذلك.
إذا علم هذا فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى ان إنكار هذا النوع المختلف في تسميته قياسا يرى ان إنكاره سفسطة ومن بدع الظاهرية التي خالفوا فيها السلف ولذلك يقول : ( ومن لم يلحظ المعاني من خطاب الله ورسوله ولا يفهم تنبيه الخطاب وفحواه من أهل الظاهر ؛ كالذين يقولون : إن قوله : { فلا تقل لهما أف } لا يفيد النهي عن الضرب . وهو إحدى الروايتين عن داود ، واختاره ابن حزم وهذا في غاية الضعف بل وكذلك قياس الأولى وإن لم يدل عليه الخطاب لكن عرف أنه أولى بالحكم من المنطوق بهذا فإنكاره من بدع الظاهرية التي لم يسبقهم بها أحد من السلف فما زال السلف يحتجون بمثل هذا وهذا ) مجموع الفتاوى ( 21 / 207 )
ويقول ضمن كلامه على النذر لشد الرحال لغير المساجد الثلاثة : ولهذا لم يوجب أحد ذلك بالنذر وما علمت في هذا نزاعا قديما ولا رأيت أحدا صرح بخلاف ذلك ؛ إلا ابن حزم الظاهري فإنه يحرم السفر إلى مسجد غير الثلاثة إذا نذره كقول الجمهور وإذا نذر السفر إلى أثر من آثار الأنبياء أوجب الوفاء به ؛ لأنه لا يقول بفحوى الخطاب وتنبيهه وهذا هو إحدى الروايتين عن داود فلا يجعل قوله : { فلا تقل لهما أف } دليلا على النهي عن السب والشتم والضرب ولا نهيه عن أن يبال في الماء الدائم ثم يغتسل فيه نهيا عن صب البول ثم الاغتسال فيه وجمهور العلماء يرون أن مثل هذا من نقص العقل والفهم وأنه من " باب السفسطة " في جحد مراد المتكلم كما هو مبسوط في موضع آخر ) مجموع الفتاوى ( 27 / 250 - 251 )
وقد نقل بعض الأصوليين عن ابن تيمية انه يقول عن إنكار ذلك مكابرة أيضا وممن ذكره الزركشي في البحر المحيط ( 4 / 12 ) وتبعه الشوكاني في إرشاد الفحول ( ص 178 )
والله أعلم
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا
تم التوثيق بحمد الله، ولو كان بواسطة الزركشي، على أمل أن أجده من منصوص كلام ابن تيمية رحمه الله في كتبه المطبوعة.
بالمناسبة ، ذكرتُ في الاستفسار أن المقصود بما أطلق عليه ابن تيمية أنه مكابرة من أهل الظاهر هو ما كان القياس فيه في معنى الأصل وهو محسوب في القياس الجلي الذي يجزم فيه بنفي الفارق، وهو أكثر ما شنع على ابن حزم كما قرره عليه ابن دقيق العيد
وقد جعل ابن تيمية القياس في في معنى الأصل ضمن أنواع القياس التي لا يردها إلى جهلة نفاة القياس كما في كتابه الدرء
وبعضهم يسميه بتنقيح المناط، ويصفه بعضهم بأنه هو مفهوم الموافقة عند الجمهور ودلالة النص عند الحنفية.
وفيه الخلاف الذي ذكرتم في اعتباره من دلالة النص أو القياس.