العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تواليف مالكية مهمة 28: الجامع لأحكام القرآن / للقرطبي

شهاب الدين الإدريسي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
20 سبتمبر 2008
المشاركات
376
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
مالكي
لقراءة الكتاب وتصفحه اضغط هنا

ترجمة المؤلف:

مؤلف هذا التفسير: هو الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبى بكر ابن فرْح - بإسكان الراء والحاء المهملة - الأنصارى، الخزرجى، الأندلسى، القرطبى المفسِّر.
كان - رحمه الله - من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين، الزاهدين فى الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أُمور الآخرة، وبلغ من زهده أن أطرح التكلف، وصار يمشى بثوب واحد وعلى رأسه طاقية، وكانت أوقاته كلها معمورة بالتوجه إلى الله وعبادته تارة، وبالتصنيف تارة أخرى، حتى أخرج للناس كتباً انتفعوا بها. ومن مصنفاته: كتابه فى التفسير المسمى بـ "الجامع لأحكام القرآن"، وهو ما نحن بصدده، وشرح أسماء الله الحُسنى، وكتاب التذكار فى أفضل الأذكار، وكتاب التذكرة بأمور الآخرة، وكتاب شرح التقصى، وكتاب قمع الحرص بالزهد والقناعة ورد ذلك السؤال بالكتب والشفاعة. قال ابن فرحون: لم أقف على تأليف أحسن منه فى بابه وله كتب غير ذلك كثيرة ومفيدة.
سمع من الشيخ أبى العباس بن عمر القرطبى، مؤلف "المفهم فى شرح صحيح مسلم" بعضَ هذا الشرح، وحدَّث عن أبى علىّ الحسن بن محمد البكرى، وغيرهما. وكان مستقراً بمنية ابن خصيب، وتُوفى ودُفن بها فى شوَّال سنة 671 هـ (إحدى وسبعين وستمائة من الهجرة)، فرحمه الله رحمة واسعة.

* التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:

وصف العلامة ابن فرحون هذا التفسير فقال: "هو من أجَلِّ التفاسير وأعظمها نفعاً، أسقط منه القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن واستنباط الأدلة، وذكر القراءات والإعراب والناسخ والمنسوخ"، وذكر المؤلف رحمه الله فى مقدمة هذا التفسير السبب الذى حمله على تأليفه، والطريق الذى رسمه لنفسه ليسير عليه فيه، وشروطه التى اشترطها على نفسه فى كتابه فقال: "وبعد .. فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجمع علوم الشرع الذى استقل بالسُّنَّة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، رأيت أن أشتغل به مدى عمرى، وأستفرغ فه منتى، بأن أكتب فيه تعليقاً وجيزاً يتضمن نكتاً من التفسير، واللُّغات، والإِعراب، والقراءات، والرد على أهل الزيغ والضلالات، وأحاديث كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات، جامعاً بين معانيها، ومبيناً ما أشكل منها بأقاويل السَلَف ومَن تبعهم من الخَلَف .. وشرطى فى هذا الكتاب: إضافة الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يُضاف الأقوال إلى قائليها، والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال: من بركة العلم أن يُضاف القول إلى قائله، وكثيراً ما يجئ الحديث فى كتاب الفقه والتفسير مبهماً، لا يعرف من أخرجه إلا مَن اطلع على كتب الحديث، فيبقى مَن لا خبرة له بذلك حائراً لا يعرف الصحيح من السقيم، ومعرفة ذلك علم جسيم. فلا يُقبل منه الاحتجاج به ولا الاستدلال حتى يضيفه إلى مَن خرَّجه من الأئمة الأعلام، والثقات المشاهير من علماء الإسلام، ونحن نشير إلى جُمَل من ذلك فى هذا الكتاب، والله الموفق للصواب. وأضرب عن كثير من قصص المفسِّرين، وأخبار المؤرخين، إلا ما لا بد منه، وما لا غنى عنه للتبيين، واعتضت من ذلك تبيين آي الأحكام، بمسائل تُفسِّر عن معناها، وتُرشد الطالب إلى مقتضاها، فضمنت كل آية تتضمن حكماً أو حكمين فما زاد مسائل أُبيِّن فيها ما تحتوى عليه من أسباب النزول، والتفسير، والغريب، والحكم. فإن لم تتضمن حكماً ذكرتُ ما فيها من التفسير والتأويل ... وهكذا إلى آخر الكتاب، وسميته بـ "الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السُّنَّة وأحكام الفرقان...".
والذى يقرأ فى هذا التفسير يجد أن القرطبى - رحمه الله - قد وفَّى بما شرط على نفسه فى هذا التفسير، فهو يعرض لذكر أسباب النزول، والقراءات، والإعراب، ويبين الغريب من ألفاظ القرآن، ويحتكم كثيراً إلى اللُّغة، ويُكثر من الاستشهاد بأشعار العرب، ويرد على المعتزلة، والقدرية، والروافض، والفلاسفة، وغلاة المتصوفة، ولم يسقط القصص بالمرة، كما تفيده عبارة ابن فرحون، بل أضرب عن كثير منها، كما ذكر فى مقدمة تفسيره، ولهذا نلاحظ عليه أنه يروى أحياناً ما جاء من غرائب القصص الإسرائيلى.
هذا .. وإن المؤلف - رحمه الله - ينقل عن السَلَف كثيراً مما أُثِر عنهم فى التفسير والأحكام، مع نسبة كل قول إلى قائله وفاءً بشرطه، كما ينقل عمن تقدمه فى التفسير، خصوصاً مَن أَلَّف منهم فى كتب الأحكام، مع تعقيبه على ما ينقل منها. وممن ينقل عنهم كثيراً: ابن جرير الطبرى، وابن عطية، وابن العربى، والكيا الهراسى، وأبو بكر الجصَّاص.
وأما من ناحية الأحكام، فإنَّا نلاحظ عليه أنه يفيض فى ذكر مسائل الخلاف ما تعلق منها بالآيات عن قُرْب، وما تعلق بها عن بُعْد، مع بيان أدلة كل قول.

* إنصاف القرطبى وعدم تعصبه:

وخير ما فى الرجل أنه لا يتعصب لمذهبه المالكى، بل يمشى مع الدليل حتى يصل إلى ما يرى أنه الصواب أياً كان قائله.
فمثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [43] من سورة البقرة: {وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ} .. نجده عند المسألة السادسة عشرة من مسائل هذه الآية يعرض لإمامة الصغير، ويذكر أقوال مَن يجيزها ومَن يمنعها، ويذكر أن من المانعين لها جملة: مالكاً، والثورى، وأصحاب الرأى، ولكنَّا نجده يخالف إمامه لما ظهر له من الدليل على جوازها، وذلك حين يقول: "قلت: إمامة الصغير جائزة إذا كان قارئاً، ثبت فى صحيح البخارى عن عمرو بن سلمة قال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الناس فنسألهم ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله .. أوحى إليه كذا .. أوحى إليه كذا، فكنت أحفظ هذا الكلام، فكأنما يقر فى صدرى، وكانت العرب تلوم بإسلامها فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبى صادق، فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبى قومى بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم واللهِ من عند نبى الله حقاً .. قال: "صلوا صلاة كذا فى حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً"، فنظروا فلم يكن أحد أكثر منى قرآناً، لما كنت أتلقى من الركبان. فقدَّمونى بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت على بُردة إذا سجدتُ تقلَّصت عنى، فقالت امرأة من الحى: ألا تغطون عنا إست قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لى قميصاً، فما فرحتُ بشىء فرحى بذلك القميص".
ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [173] من سورة البقرة: {فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ} .. نراه يعقد المسألة الثانية والثلاثين من مسائل هذه الآية فى اختلاف العلماء فيمن اقترن بضرورته معصية، فيذكر أن مالكاً حظر ذلك عليه. وكذا الشافعى فى أحد قوليه، وننقل عن ابن العربى أنه قال: "عجباً ممن أبيح له ذلك مع التمادى على المعصية، وما أطن أحداً يقوله، فإن قاله فهو مخطىء قطعاً"، ثم يعقب القرطبى على هذا كله فيقول: "قلت: الصحيح خلاف هذا. فإن إتلاف المرء نفسه فى سفر المعصية أشد معصية مما هو فيه، قال الله تعالى فى الآية [29] من سورة النساء: {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ} وهذا عام ولعله يتوب فى ثانى الحال. فمتحو التوبة عنه ما كان".
ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [185] من سورة البقرة: {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ} .... الآية، نجده يعقد المسألة السابعة عشرة من المسائل التى تتعلق بهذه الآية فى اختلاف العلماء فى حكم صلاة عيد الفطر فى اليوم الثانى، فيذكر عن ابن عبد البر أنه لا خلاف عن مالك وأصحابه أنه لا تُصَلَّى صلاة العيد فى غير يوم العيد، ويذكر عنه أيضاً أنه قال: "لو قُضِيَت صلاة العيد بعد خروج وقتها لأشبهت الفرائض، وقد أجمعوا فى سائر السنن أنها لا تُقضى، فهذه مثلها"، ثم يُعَقِّب القرطبى على هذا فيقول: "قلت: والقول بالخروج - يعنى لصلاة العيد فى اليوم الثانى - إن شاء الله أصح، للسُّنَّة الثابتة فى ذلك، ولا يمتنع أن يستثنى الشارع من السُنَن ما شاء، فيأمر بقضائه بعد خروج وقته، وقد روى الترمذى عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن لم يُصَلِّ ركعتى الفجر فليُصَلِّهما بعد ما تطلع الشمس" قلت: وقد قال علماؤنا: مَن ضاق عليه الوقت، وصَلَّى الصبح، وترك ركعتى الفجر، فإنه يصليهما بعد طلوع الشمس إن شاء، وقيل: لا يصلهما حينئذ، ثم إذا قلنا يصليهما .. فهل ما يفعله قضاء؟ أو ركعتان ينوب له ثوابهما عن ثواب ركعتى الفجر؟ قال الشيخ أبو بكر: وهذا الجارى على أصل المذهب، وذِكْر القضاء تجوُّز. قلت: ولا يبعد أن يكون حكم صلاة الفطر فى اليوم الثانى على هذا الأصل، لا سيما مع كونها مرة واحدة فى السنة، مع ما ثبت من السُّنَّة. ثم روى عن النسائى بسنده: "أن قوماً رأوا الهلال فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفطروا بعد ما ارتفع النهار، وأن يخرجوا إلى العيد من الغد. وفى رواية: ويخرجوا لمُصَلاهم من الغد".
ومثلاً نجده عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [187] من سورة البقرة: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ} ....الآية، نجده فى المسألة الثانية عشرة من مسائل هذه الآية يذكر خلاف العلماء فى حكم مَن أكل فى نهار رمضان ناسياً .. فيذكر عن مالك أنه يفطر وعليه القضاء، ولكنه لا يرضى ذلك الحكم فيقول: "وعند غير مالك ليس بمفطر كل مَن أكل ناسياً لصومه. قلت: وهو الصحيح، وبه قال الجمهور إن مَن أكل أو شرب ناسياً فلا قضاء عليه، وإن صومه تام، لحديث أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكل الصائم ناسياً، أو شرب ناسياً فإنما هو رزق ساقه الله تعالى إليه، ولا قضاء عليه..".
ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [236] من سورة البقرة: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ} ، نجده يذكر فى المسألة السادسة من مسائل هذه الآية اختلاف العلماء فى حكم المتعة، فيذكر مَن يقول بوجوبها، ويذكر مَن يقول بندبها، ويعد فى ضمن القائلين بالندب مالكاً رحمه الله، ثم يقول: "تمسك أهل القول الأول بمقتضى الأمر، وتمسك أهل القول الثانى بقوله تعالى: {حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ}، و{عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ} ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين. والقول الأول أولى، لأن عمومات الأمر بالامتناع فى قوله: {مَتِّعُوهُنَّ} ، وإضافة الإمتاع إليهم بـ "لام التمليك" فى قوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} أظهر فى الوجوب منه فى الندب. وقوله: {عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ} تأكيد لإيجابها، لأن كل واحد يجب عليه أن يتقى الله فى الإشراك به ومعاصيه، وقد قال تعالى فى القرآن فى الآية [2] من سورة البقرة: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}.

* موقفه من حملات ابن العربى على مخالفيه:

كذلك نجد القرطبى - رحمه الله - كثيراً ما يدفعه الإنصاف إلى أن يقف موقف الدفاع عمن يهاجمهم ابن العربى من المخالفين، مع توجيه اللَّوم إليه أحياناً، على ما يصدر منه من عبارات قاسية فى حق علماء المسلمين، الذاهبين إلى ما لم يذهب إليه.
فمثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [3] من سورة النساء: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ} .. نراه يروى عن الشافعى أنه فسَّرها على معنى: الا تكثر عيالكم، ثم يقول: "قال الثعلبى: وما قال هذا غيره وإنما يقال: أعال يعيل إذا كثر عياله، وزعم ابن العربى: أن عال على سبعة معان لا ثامن لها، يقال عال: مال، الثانى: زاد، الثالث: جار. الرابع: افتقر. الخامس: أثقل .. حكاه ابن دريد. قالت الخنساء: "ويكفى العشيرة ما عالها". السادس: عال: قام بمؤنة العيال، ومنه قوله عليه السلام: "وابدأ بمن تعول". السابع: عال: غلب، ومنه: عيل صبره أى غلب، ويقال: أعال الرجل: كثر عياله. وأما "عال" بمعنى كثر عياله فلا يصح، قلت: أما قول الثعلبى: "ما قاله غيره" فقد أسنده الدارقطنى فى سُنَنه عن زيد بن أسلم، وهو قول جابر بن زيد .. فهذان إمامان من علماء المسلمين وأئمتهم قد سبقا الشافعى إليه. وأما ما ذكره ابن العربى من الحصر وعدم الصحة فلا يصح. وقد ذكرنا: عال الأمر: اشتد وتفاقم .. حكاه الجوهرى. وقال الهروى فى غريبه: "وقال أبو بكر: يقال: عال الرجل فى الأرض يعيل فيها: إذا ضرب فيها. وقال الأحمر: يقال: عالنى الشىء يعيلنى عَيْلاً ومعيلاً: إذا أعجزك، وأما "عال": كثر عياله، فذكره الكسائى وأبو عمرو الدورى وابن الأعرابى. قال الكسائى أبو الحسن علىّ ابن حمزة: العرب تقول عال يعول وأعال يعيل أى كثر عياله. وقال أبو حاتم: كان الشافعى أعلم بلغة العرب منا .. ولعله لغة. قال الثعلبى المفسِّر : قال أستاذنا أبو القاسم ابن حبيب: سألت أبا عمرو الدورى عن هذا - وكان إماماً فى اللُّغة غير مدافع - فقال: هى لغة حِمْيَر وأنشد:
وإن الموت يأخذ كل حى *** بلا شك وإن أمشى وعالا
يعنى: وإن كثر ماشيته وعياله. وقال أبو عمرو بن العلاء: لقد كثرت وجوه العرب حتى خشيتُ أن آخذ على لاحن لحناً. وقرأ طلحة بن مصرف: "ألا تعيلوا"، وهي حُجَّة الشافعى رضى الله عنه. وقدح الزجَّاج وغيره فى تأويل "عال" من العيال بأن قال: إن الله تعالى قد أباح كثرة السرارى وفى ذلك تكثير العيال. فكيف يكون أقرب إلى ألا تكثر العيال؟ وهذا القدح غير صحيح، لأن السرارى إنما هى مال يُتصرف فيه بالبيع، وإنما القادح: الحرائر ذوات الحقوق الواجبة. وحكى ابن الأعرابى: أن العرب تقول: عال الرجل إذا كثر عياله".
ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية [67] من سورة النحل: {وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} ... نراه يعيب على ابن العربى تشنيعه على مَن يقول من الحنفية وغيرهم بحل النبيذ، وجعله إياهم مثل أغبياء الكفار فيقول: "وهذا تشنيع شنيع، حتى يلحق فيه العلماء الأخيار فى قصور الفهم بالكفار".
وعلى الجملة .. فإن القرطبى رحمه الله فى تفسيره هذا حُرٌ فى بحثه، نزيهٌ فى نقده، عفٌ فى مناقشته وجدله، مُلِمٌ بالتفسير من جميع نواحيه، بارع فى كل فن استطرد إليه وتكلَّم فيه.
أما الكتاب فقد كان الناس محرومين منه إلى زمن قريب، ثم أراد الله له الذيوع بين أُولى العلم فقامت دار الكتب المصرية بطبعه، فتم منه إلى الآن أربعة عشر جزءاً تنتهى بآخر سورة فاطر، وعسى أن يُعَجِّل الله بإتمام ما بقى منه، حتى يتم به النفع، إنه سميع مجيب.

قلتُ: وقد تم طبع هذا التفسير، بل وصلوا إلى الطبعة الثالثة، وهي من أجود طبعات هذا الكتاب .. إضافة إلى طبعة دار الكتب العلمية ...

----------------------------

المقال مقتطف من كتاب التفسير والمفسرون ...
 

محمد المالكي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
299
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
000
بارك الله فيك ونفع بك

أعرف شيخا يقتني نسختين من الكتاب أباح لي مكتبته بكاملها إلا هذا الكتاب
لم يمكني من استعارة ولو جزء من اجزائه
ولاأطالع هذا الكتاب إلا بحضوره في مكتبته
ولايسافر حفظه الله إلا وقد استصحب الكتاب أو عدة أجزاء منه
ثم قال لي لقد هممت أن أدع المطالعة في جميع الكتب إلا كتاب الله عز وجل
قلت : وتفسير القرطبي
قال : وتفسير القرطبي

والكتاب على حد علمي طبع قديما وليس كما قال صاحب المقال

وقول القرطبي رحمه الله عند تفسير الاية 173من سورة البقرة كاف في معرفة حجم الكتاب ومؤلفه

جزيت الخير أخرى ياشهاب
 
أعلى