فضيلة الشيخ الكريم: طالب هدى
جزاك الله عنا خير الجزاء، وقد استفدتُ منكم كثيرا...
وإيرادكم السابق دفعني إلى إعادة قراءة ما كتبته في المسألة وإلى قراءة مبحث دليل الخطاب من كتاب ابن حزم "الإحكام" مرتين متتاليتن: مرة سرداً ومرة بالتأني، وفي التأني السلامة.
وكنت أستشكل إلزامات ابن حزم على الحنفية في هذا الأصل، وجعلته محل تعجب في رسالتي في إلزامات ابن حزم.
ومع ما أوردتَه -مسددا - فقد نشطتُ إلى قراءة كلام ابن حزم بتمهل فكان هذا ما انتهيت إليه.
ولا أزال أطمع في أي استدراك أو تنبيه، فلا يزال الإنسان يقوم كتابته ويراجع أمره حتى يأذن الله بأمره.
[FONT=خط لوتس الجديد][[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]quote[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]=طالب هدى;13751]بارك الله فيكم شيخنا الكريم فؤاد [/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]لا يخفاكم ان الإلزام لا علاقة له بتبني القول وإنما هو مرتبط بلوازم قول الخصم في أصوله وأقواله ، وابن حزم يرى أن دليل الخطاب أي مفهوم المخالفة كالقياس وإن سمي بدليل الخطاب[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]نعم، ولذا يسميه بـ "عكس القياس"، ولذا فهو ينقض أقوالهم في باب القياس بأقوالهم في دليل الخطاب، ويعكس عليهم هذا في باب دلالة الخطاب، فيبطل قولهم فيه بقولهم في القياس.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]فالقياس بحسب ابن حزم يناقض المفاهيم، فالقياس إلحاق غير المذكور بالمذكور، ودليل الخطاب هو إخراج غير المذكور بالمذكور.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]ومحالٌ في نص واحد أنْ يُعْتَبَرَ فيه الإلحاق والمخالفة لمعنىً واحد....[/FONT]
فكل ما احتجوا به للقياس فإنَّه أعظم حجة عليهم؛ لأنه ينعكس عليهم فيالقول بدليل الخطاب، وكل ما احتجوا به لدليل الخطاب فهو ينعكس عليهم في القول بالقياس.
[FONT=خط لوتس الجديد]ومن أقواله في هذا الباب: [/FONT]
"قال أبو محمد: وهذا ضد قولهم في القياس وإبطاله."([1])
[FONT=خط لوتس الجديد]وأيضاً:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]"ونحن نسألهم من كلامهم فنقول لهم ما الفرق بينكم إذ قالت طائفة منكم إن ذكر السائمة يدل على أن غير السائمة بخلاف السائمة وقالت طائفة أخرى بل ذكر السائمة إلا على أن غير السائمة موافق لحكم السائمة ما الفرق بينكم وبين من عكس عليكم قولكم؟"[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد](
[FONT=خط لوتس الجديد][2][/FONT])[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]وأيضاً:[/FONT]
"فنقول: إنْ كنتم إذا قضيتم بأنَّ المسكوت عنه بخلاف المذكور، فما قولكم لمن قال لكم: بل ما المسكوت عنه ههنا إلا في حكم المذكور قياسا عليه ؟ "
قلت:
وهذا الإلزام مِن ابن حزم / صحيحٌ غير أنه نازل على مَنْ وسَّع دائرةَ القياس حتى أشركه في أنواع مِنْ دليل الخطاب، أو العكس، لكننا إنْ قصرنا دليل الخطاب على المعنى الذي حدَّدَه المحقِّقون، وهو " أنْ لا يظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدة غير نفي الحكم عن المسكوت عنه"([3])، وقصرنا القياسَ على نوعين، ذَكَرَ ابنُ تيمية أنهما هما النوعان الصحيحان مِنْ أنواع القياس: الأول هو ألا يُعلم فارق بين الفرع والأصل، والثاني هو أنْ يحكم النصُّ لمعنى مِن المعاني."([4])
فهذان النوعان مِن القياس: يفارقان المعنى المحدَّد مِنْ دليل الخطاب، وهو "أنْ لا يظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدة غير نفي الحكم عن المسكوت عنه"([5])، وبه يزول تشنيع ابن حزم، ونحيله على مَنْ أسرف في استعمال الدليلين: القياس، أو دليل الخطاب، فداخل بينهما.
[FONT=خط لوتس الجديد]وهذه جملة من النتائج التي سجلتها في دراستي لإلزامات ابن حزم:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]55- أنكر ابن حزم القياس جملة وتفصيلا؛ فهو عنده أمرٌ زائد على النص، فلم يعتدَّ به في التشريع لا ابتداء، ولا حتى اقترانا، ولا يكون حقَّاً أبدا، ودعَّم هذا أصْلُه في إنكار الحكمة والتعليل .[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]56- انضبطَ ابنُ حزم في إنكار القياس، فهو ينكره كله: ما كان منه مِثْلِيَّاً قام على قياس العلة، أو أَوَّلِيَّاً، كما أنكر ابن حزم المفاهيم برمتها؛ لأنها عنده نوع مِن القياس، وتعدَّى إنكاره للقياس ليشمل كل ما يَمُتُّ للقياس بصلة؛ فأنكر القياسَ اللغوي وعِلَلَه، وأنَّ ما ثَمَّ سوى المسموع إما عن العرب، وإما عن الشرع، منطلقا من قوله: إنَّ اللغة توقيفية، ولم يقف ابن حزم حتى أنكر عللَ المحدثين.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]57- أنكرَ ابنُ حزم المفاهيمَ كلَّها إلا ما أوجبته دلالة النص، أو ضرورة العقل والحس. [/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]58- إنكار ابن حزم لمفهوم الموافقة وهو القياس الجلي كان منه مخالفة ًلأهلِ العلم قاطبةً حتى الظاهرية منهم على حَدِّ تقرير بعض أهل العلم وإن كان ابن حزم ينازع في خلافه للظاهرية في هذه المسألة، فهو ينسب إليهم إنكاره بل ويسوق أدلتهم في ذلك.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]59- وافق ابنُ حزم الحنفية في إنكاره لمفهوم المخالفة، ولذا فإنَّ إلزاماته للحنفية في هذا الباب هي محل استغراب.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]60- مأخذ ابن حزم في عدم اعتداده بالمفاهيم هو أصلُه وأصلُ أهل الظاهِر: أنَّ اللفظ لا يعطيك إلا ما ذُكِرَ فيه، فحسب، إلا أنْ يُعَيِّنَ ذلك ضرورة. [/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]61- ابن حزم يعتبر المفاهيمَ ضرباً مِن القياس ، ويسميه أحياناً بعكس القياس، فكلاهما إلحاق إلا أنَّ القياس إلحاق بالموافقة، والمفهوم إلحاق بالمخالفة، وهو إلزام صحيحٌ غير أنه نازل على مَنْ وسَّع دائرةَ القياس حتى أشركه في أنواع مِنْ دليل الخطاب، أو العكس.[/FONT]
----------
وتقول حفظكم الله:
[FONT=خط لوتس الجديد]ونظير ذلك أن ابن حزم ألزم الجمهور بالقول بمفهوم اللقب كبقية المفاهيم وهو لا يقول بمفهوم اللقب وذلك في معرض إنكاره لمفهوم المخالفة مطلقاً . ينظر : الإحكام ( 7 / 374 ) [/[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]quote[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]][/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]نعم، الأمر كما ذكرتم وتفضلتم، وإن لم أكن متفطنا لهذا الأمر، وقد سجلت على ابن حزم أنه لم يضبط مذهب الجمهور كما ينبغي، وأخذت عليه مؤاخذته على الجمهور في عدم الأخذ بجملة من المفاهيم اللقبية، وهي ليست بحجة لديهم.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]لكن كانت إلزامات ابن حزم للحنفية في المفاهيم [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]على أساس أنها أصلٌ لهم قد تركوه في مواضع[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]لا على [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]مجرد أنها[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]لازمٌ لقولهم في القياس، وهذا واضح في تفاصيل ردوده عليهم في دليل الخطاب.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]فالإلزام يقع تارة على أصل المخالف الذي لم يلتزمه.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]ويقع تارة على[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]لوازم المخالف التي وإن كان ينفيها إلا أنها لازمة لقوله.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]وإلزامات ابن حزم للحنفية في "دليل الخطاب" بالأساس هي من الأول لا من الثاني.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد][/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]ويبدو أن ابن حزم لم يحرر مذهب أبي حنيفة في هذا الباب:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]ولذا فإنه لما ساق أقوال المنكرين لدليل الخطاب لم يذكر منهم الحنفية مع أنه ذكر أسماء المنكرين للدليل، وذكرهم ذكراً مفصلا فهم جمهور أصحابه الظاهريين، وهم طوائف من الشافعيين منهم أبو العباس بن سريج، وهم أيضاً طوائف من المالكيين ([FONT=خط لوتس الجديد][6][/FONT])[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]ولم يشر من بين هؤلاء إلى الحنفية، مع أن القول بإنكار المفاهيم لا يكاد ينسب إلا إلى الحنفية، وقد اعتبروه من المسالك الفاسدة ويسمونه بـ "المخصوص بالذكر"[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد][/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]وإنما ذكر ابنُ حزم الحنفية:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]في ضمن [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]جماعة من المالكية والشافعية تحيروا في التناقض الواقع في الأخذ بدليل الخطاب فجعلوه على مراتب منه ومنه المردود.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]على أن الموضع الذي أحلتني إليه، قد يظن أن فيه إشارة إلى إدراك ابن حزم لموافقة الحنفية له في أصل إنكار دليل الخطاب فإنه قال:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]
"ونحن وإن وافقنا أبا حنيفة في بعض قوله ههنا فلسنا ننكر اتفاقنا مع خصومنا في هذه المسائل وقد يجتمع المصيب والمخطىء في طريقهما الذي يطلبانه أحدهما بالجد والبحث والعلم بيقين ما يطلب والثاني بالجد والبحث والاتفاق[FONT=خط لوتس الجديد]([FONT=خط لوتس الجديد][7][/FONT])[/FONT][/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]ولكن بمراجعة سياق ابن حزم لهذه المسألة:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]تبين أنه لا يريد موافقة الحنفية له في إنكار دليل الخطاب، [/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]وإنما يريد ابن حزم موافقة الحنفية له في مسألتين اثنتين لم يأخذوا فيها بدليل الخطاب، وهي :[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]1- [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]الزكاة من غير السائمة.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]2- [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]نكاح الأمة المؤمنة لواجد طول الحرة المؤمنة.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]فذكر ابن حزم بعد ذلك العبارة السابقة التي تفيد أنه وافق أبا حنيفة في بعض قوله، بعد بيانه أن المالكية نقضوا أصلهم في دليل الخطاب في هاتين المسألتين.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]يدل على هذا قوله في موضع آخر في نفس هذه المسألة:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]" وأجاز أبو حنيفة وأصحابه:[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد] نكاح المسلمة والكتابية لواجد طول لحرة مسلمة وإن لم يخش العنت إذا لم تكن عنده حرة [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]فيؤخذ من قول كل واجد ما أصاب فيه[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]...[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]"[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]ولعل ابن حزم من خلال ما سبق ومن خلال الممارسة التطبيقية لإلزاماته في هذا الباب:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]يعتبر الحنفية من بين المتناقضين في اعتبار دليل الخطاب، فيتعبرونه مرة ويدعونه أخرى، وأنهم في جملة من "لعبوا في هذا المكان بالخطاب كما يلعب بالمخراق فمرة حكموا لغير المنصوص بأن المنصوص يدل على أن حكمه كحكمه ومرة حكموا بأن المنصوص يدل على أن حكمه ليس كحكمه فليت شعري...[FONT=خط لوتس الجديد]([FONT=خط لوتس الجديد][8][/FONT])[/FONT] [/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]"وأوجبوه ينتقل كانتقال الكرة في اللعب"[/FONT]([9])
[FONT=خط لوتس الجديد]ومن أقوال ابن حزم فيمن سلك هذا السبيل:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]"فأين احتجاجهم بدليل الخطاب ولكن غرض القوم إقامة الشغب في المسألة التي هم فيها فقط ولا يبالون أن ينقضوا على أنفسهم ألف مسألة بما يريدون به تأييد هذه حتى إذا صاروا إلى غيرها لم يبالوا بإبطال ما صححوا به هذه التي انقضى الكلام فيها في نصرهم للتي صاروا إليها فهم دأبا ينقضون ما أبرموا ويصححون ما أبطلوا ويبطلون ما صححوا فصح أن أقوالهم من عند غير الله عز و جل لكثرة ما فيها من الاختلاف والتفاسد وإنما هم قوم توغلوا فانتسبوا في التقليد لأقوال فاسدة يهدم بعضها بعضا فألفوها ألفة كل ذي دين لدين أبيه ودين من نشأ معه فلا يبالون بما قالوا في إرادتهم نصر ما لم ينصره الله تعالى من تلك المذاهب الفاسدة."[/FONT]([10])
[FONT=خط لوتس الجديد]يؤكد هذا:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]
أنه قد ذكر الحنفيين مع الشافعيين في اعتبار دلالة المفهوم من قوله عليه الصلاة والسلام: " [/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]
في سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة"[FONT=خط لوتس الجديد]([FONT=خط لوتس الجديد][11][/FONT])[/FONT][/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]تفريعاً على من جعل المفاهيم على مراتب، منها ما يقبل، ومنها ما لا يقبل.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]يقول في ذلك:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]" ومثلوا القسم الثاني بأمثلة اضطربوا فيها فقال الشافعيون [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]والحنفيون:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]
من ذلك قول رسول الله صلى الله عليه و سلم في سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة قالوا فدل ذلك على أن ما عدا السائمة لا زكاة فيها وأنها ليست بمنزلة السائمة."[FONT=خط لوتس الجديد]([FONT=خط لوتس الجديد][12][/FONT])[/FONT][/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]وقال أيضاً في موضع آخر:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]والعجب من الحنفيين:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]في منعهم الزكاة عن غير السائمة بذكره صلى الله عليه و سلم السائمة في حديث أنس وإباحتهم ههنا نكاح الأمة المسلمة لمن وجد طولا لحرة مسلمة فهلا سألوا أنفسهم عن الفائدة في ذكره تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح لمحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ولله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذآ أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم ولله غفور رحيم } [/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]كما سألوا هناك عن الفائدة في ذكر السائمة ولكن هكذا يكون من اتبع رأيه وقياسه وهواه المضل ."[/FONT]([13])
[FONT=خط لوتس الجديد]ومن أمثلة ابن حزم على ترك الحنفية لدليل الخطاب:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]
" وقالوا قوله صلى الله عليه و سلم إنما الأعمال بالنيات دليل على أن لا عمل إلا بنية وأن ما عمل بغير نية باطل....[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]
والعجب ممن احتج بهذا الحديث من أصحاب القياس وهم أترك الناس له:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]فأما الحنفيون:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]
فينبغي لهم التقنع عند ذكر هذا الحديث والاحتجاج به فإنهم يجيزون تأدية صيام الفرض بلا نية أصلا بل بنية الفطر وتأدية فرض الوضوء بغير نية الوضوء لكن بنية التبرد....[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]فأما الحنفيون:[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد] فقالوا من أحرم وحج ينوي التطوع أجزأه ذلك عن حج الإسلام... فأبطلوا احتجاجهم بالحديث المذكور [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]وأكذبوا قولهم في دليل الخطاب[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد] وأوجبوا جواز أعمال بلا نية حيث أبطلها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم وأبطلوا صيام الولي عن الولي والحج عن الميت وأداء ديون الله تعالى عنه وقد أوجبها الله تعالى [/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]واحتجوا أن لا عمل إلا بنية العامل ولا نية للمعمول عنه في ذلك فاستدركوا على ربهم ما لم يستدركوه على أنفسهم وهذا غاية الخذلان."[/FONT]([14])
[FONT=خط لوتس الجديد]وهذا يدل بوضوح:[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد] أن استدراكه على الحنفية إنما هو من باب تناقضهم في اعتبار دليل الخطاب لا من باب أنه لازم قولهم في القياس، ولو كان من باب أنه لازم قولهم في القياس لما صح الإلزام لأن لازم القياس هو الإلحاق لا المخالفة، والواقع هنا المخالفة، ووقعت عليها استطالة ابن حزم، وصرح فيها أنهم بهذا المثال قد أكذبوا قولهم في دليل الخطاب على حد تعبيره.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]مثال آخر:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]"واحتج الطحاوي في إسقاط الزكاة عما أصيب في أرض الخراج:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]
بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم منعت العراق قفيزها ودرهمها الحديث.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]قال:[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد] فلو كان في أرض الخراج شيء غير الخراج لذكره صلى الله عليه و سلم [/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]قال أبو محمد:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]فيقال للطحاوي أرأيت إن قال لك قائل:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]إن قوله صلى الله عليه و سلم فيما سقت السماء العشر دليل على أن لا خراج على شيء من الأرض لأنه لو كان فيها خراج لذكره في هذا الحديث فإن قال قد ذكر الخراج في الحديث الذي قدمنا آنفا قيل له وقد ذكر العشر ونصف العشر في الحديث الذي ذكر آنفا ."[/FONT]([15])
[FONT=خط لوتس الجديد]مثال آخر:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]وقد ذهب بعضهم وهو أبو يوسف:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]
إلى المنع من صلاة الخوف على ما جاءت به الروايات ولقوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم لصلاة فلتقم طآئفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورآئكم ولتأت طآئفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود لذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن لله أعد للكافرين عذابا مهينا } [/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]قال:[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد] فدل ذلك على أنه صلى الله عليه و سلم إذا لم يكن فينا لم نصل كذلك..."[/FONT]([16])
[FONT=خط لوتس الجديد]مثال آخر:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]وأما الحنفيون:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]فحكموا في آيتي الشهادة المسكوت عنه بحكم المذكور[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد] فقبلوا النساء في الرجعة والطلاق والنكاح وفي آية التيمم فأوجبوا إلى المرفقين ولم يحكموا في رقب الظهار والقتل والكفارة للمسكوت عنه بحكم المذكور ولا حكموا لغير السائمة بحكم السائمة [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]ففرقوا ههنا بين المسكوت عنه وبين المذكور [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]فكل طائفة منهم تحكمت في دين الله بعقولها وتقليدها الفاسد بلا برهان[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]وقد قال أبو حنيفة:[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]لا فرق بين الإبار وعدمه، فنسي قوله: لم يذكر [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]ﷺ[/FONT][FONT=خط لوتس الجديد] السائمة إلا لأنها بخلاف غير السائمة، ولولا ذلك لما كان في زكاة السائمة فائدة، وجعل ههنا ذكره عليه السلام الإبار لا لفائدة، وجعله كترك الإبار، فبان اضطراب هؤلاء القوم جملة.[FONT=خط لوتس الجديد]([FONT=خط لوتس الجديد][17][/FONT])[/FONT][/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]قلت:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]مع أنَّ مذهب أبي حنيفة في دليل الخطاب يتفق مع ابن حزم، فكلاهما على إنكاره إلا أنه ساغ إلزام ابن حزم له هنا مِنْ جهتين:[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]1- [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]أنَّ الإمام أبي حنيفة رحمه الله قال بفهوم المخالفة في هذه المسألة حسب معطيات ابن حزم رحمه الله.[/FONT]
[FONT=خط لوتس الجديد]2- [/FONT][FONT=خط لوتس الجديد]أنَّ ابنَ حزم إنما قصد مَنْ تناقض في اعتبار دليل الخطاب، فاعتبره مرة، ولم يعتبره مرة، وهذا يصح أنْ يقعَ فيه منكرو الدليل ومثبتوه.[/FONT]
تنبيهات:
التنبيه الأول: ابن حزم: وإنْ أنكر دليل الخطاب جملة، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أنه لا يعتبر كل ما أخذه الجمهور مِنْ مفاهيم المخالفة، لأنه قد يصح عنده المعنى الذي حصَّلوه عن طريق دليل الخطاب = مِنْ طريقٍ آخر.
مثال ذلك: ما تقدم في الترجمة العلمية مِنْ اعتباره الدليل، فإنَّ النص إذا اضطرَّه إلى معنى لا يصح إلا به، فإنه يأخذ به، ولو كان يلتقي مع الآخذين بالمفاهيم في النتيجة.([18])
ومثال آخر لالتقاءه مع الآخذين بالمفاهيم: أنه إذا تمسَّك بعموم في النص، ثم خرج بعضه عن طريق منطوق نص مِن النصوص، فإنَّ مفهوم هذا النص يلتقي مع العموم الأول، فابن حزم يقول به مِنْ جهة العموم، وغيره يعتبره عن طريق دليل المخالفة([19])، وقُلْ مثلَ هذا فيما إذا وافق مفهوم المخالفة براءةً أصلية أو استصحاباً أو أي معنىً وافق أصلا ظاهرياً.
التنبيه الثاني:لم يُحَرِّر ابن حزم موضع النزاع بينه وبين مخالفيه القائلين بدليل الخطاب مِنْ جهتين:
1- مِنْ جهة أنَّ مخالفيه لم يعتبروا كل المفاهيم، بل صَرَّحوا بإبطال بعضها، كمفهوم اللقب([20]).
2- والجهة الأخرى أنَّ مخالفيه في ما اعتبروه مِنْ دليل الخطاب لم يقولوا به هكذا على إطلاقه، بل اشترطوا له من الشروط التي ضيَّقت المحل الذي اعتبروه من المفاهيم، وهي أيضاً تخرج غالب ما أورده ابن حزم عليهم، وخلاصة هذه الشروط هو قولهم: "ألا يظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدة غير نفي الحكم عن المسكوت عنه"، كأنْ لا يكونَ المنطوقُ خارجاً مخرج الغالب، أو تأكيدا، إلى غير ذلك مما ذكروا([21])...
وعليه: فإنَّ كثيرا مما أورده ابن حزم على المحتجين بدليل الخطاب لم يستهدفهم.
التنبيه الثالث:كلام ابن حزم في هذا الباب – مع كل ما سبق– كلام رجل كبير، خبير بأقوال القوم قد تتبَّع اعتبارهم لهذا الأصل، فوجدهم لم يلتزموه؛ فهلا نفر مِنْ كل فرقة مِنْ هؤلاء طائفة ليراجعوا أصولهم بمثل هذا الاستقراء، مراجعةَ اعتبار هذه الأصول مِنْ أساسها، ومراجعةَ اطرادها، كل ذلك على سبيل البحث عن الحق وطلب انتظام الأصول، لا مجرَّد الجواب عما قيل في مذاهبهم.
فيحرِّرُ المالكي مثلاً مدى انضباط مذهبه في اعتبار دليل الخطاب، ويحرِّرُ الحنفي مدى انضباط مذهبه في إنكار دليل الخطاب.
وهذا بدوره يزيدنا إيمانا بعمق إلزامات ابن حزم، فإنها وإنْ نزلت على بعض الأدلة الصحيحة –كما هو الحال هنا – إلا أنها دلَّت على شيء مِنْ القصور الحاصل في استعمالها، والذي سمح بدوره لمثل هذه الاستطالة مِنْ ابن حزم.
([1]) المصدر السابق (7/922).
([2])الإحكام لابن حزم - (7 / 325
([3]) تلقيح الفهوم بالمنطوق والمفهوم (131).
([4]) مجموع فتاوى ابن تيمية (19/286).
([5]) تلقيح الفهوم بالمنطوق والمفهوم (131).
([6])الإحكام لابن حزم - (7 / 323).
([7])الإحكام لابن حزم - (7 / 347)
([8])الإحكام لابن حزم - (7 / 324)
([9])الإحكام لابن حزم - (7 / 335).
([10])الإحكام لابن حزم - (7 / 336)
([11]) الإحكام لابن حزم - (7 / 324)
([12])الإحكام لابن حزم - (7 / 324).
([13])الإحكام لابن حزم (7 / 347)
([14])الإحكام لابن حزم - (7 / 336، 337)
([15])الإحكام لابن حزم (7 / 342)
([16])الإحكام لابن حزم - (7 / 349).
([17]) الإحكام (7/905).
([18]) ينظر بتوسع: الدليل عند الظاهرية لنور الدين الخادمي (472).
([19]) الإحكام (7/898)، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء لمصطفى الخن (176).
([20]) مفهوم اللقب: هو أنْ يُعَلَّقَ الحُكْمُ إما باسم جنس، كالتنصيص على الاشياء الستة بتحريم الربا، أو باسم عَلَم، كقول القائل: زيد قائم . الإحكام للآمدي (3 /95).
([21]) ينظر: البحر المحيط (4/17)، تلقيح الفهوم بالمنطوق والمفهوم (ص131).
