وضاح أحمد الحمادي
:: متخصص ::
- انضم
- 31 مارس 2009
- المشاركات
- 1,263
- الإقامة
- عدن
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو عبد الرحمن
- التخصص
- لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
- الدولة
- اليمن
- المدينة
- عدن
- المذهب الفقهي
- شافعي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد؛
فهذه خواطر على نمط خواطرنا السابقة، لكنها ليست قديمة كسابقاتها لتغير النظر في كثير منها.
وقد كان طُلِبَ مني ترتيب الخواطر بحب المواضيع، ولكني فاشل تماماً في هذا فاعذروني.
مَسْأَلَةٌ (110) قال رحمه الله: "الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ فَرْضٌ لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ. هَذَا إجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، وَأَصْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}"
أقول : من خشي من استعمال الماء ضرر يلحق به أجزأته الصلاة بالتيمم ولو كان واجداً للماء، وهو لا يخالف في هذا، فالاعتراض على العبارة فقط.
مسألة (111) قال رحمه الله : (مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ إلَّا بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا لَا يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَا صَلَاةٌ دُونَ صَلَاةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ فِيهَا بِالْوُضُوءِ إلَّا لِلصَّلَاةِ عَلَى عُمُومِهَا، لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى صَلَاةً مِنْ صَلَاةٍ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا، وَلَا يُجْزِئُ لِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِلَا نِيَّةٍ وَبِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ. كَانَ حُجَّتَهُمْ أَنْ قَالُوا: إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَقَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ بِلَا نِيَّةٍ"(
ثم قال رحمه الله معترض على حجج الأحناف : "قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، فَكَذَّبَ بَلْ مَا أُمِرَ إلَّا بِغَسْلِهَا بِنِيَّةِ الْقَصْدِ إلَى الْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} نَفَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ أَمَرَنَا بِشَيْءٍ إلَّا بِعِبَادَتِهِ مُفْرَدِينَ لَهُ نِيَّاتِنَا بِدِينِهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ فَعَمَّ بِهَذَا جَمِيعَ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا. ... مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ، سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَهَذَا أَيْضًا عُمُومٌ لِكُلِّ عَمَلٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ بَعْضُ الْأَعْمَالِ دُونَ بَعْضٍ بِالدَّعْوَى.”
أقول : بل الكذب هو الدعوى على الله بلا برهان، أما آية الوضوء .. فكما قال الأحناف، لم يُذكر فيها قصد الصلاة بالوضوء، بل ليس فيها إلا الأمر بغسل الأعضاء المذكورة، وإنما الذي قيد به القصد فهو القيام، فلا نكذب على الله ونزيد فرضاً في الوضوء لم يذكره الله.
وأما قوله سبحانه : {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فلم يدل على قصد الفعل أصلاً فضلاً عن قصد ما لأجله يكون الفعل، بل ليس فيها إلا أن من أرادَ عبادة ففرضه أن يقصد بها الله سبحانه وتعالى وحده نفياً للشرك، ليس في الآية أكثر من ذلك، إلا أن يجاهر المرء بالكذب مستعيناً بقله الحياء، فلا خطاب، وقد أقر ابن حزم بهذا القدر فقال : " فَنَفَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ أَمَرَنَا بِشَيْءٍ إلَّا بِعِبَادَتِهِ مُفْرَدِينَ لَهُ نِيَّاتِنَا بِدِينِهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ فَعَمَّ بِهَذَا جَمِيعَ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا" انتهى
والأحناف يسلمون هذا المقدار، ويقولون من لم يقصد التعبد .. لم ينعقد وضوءه عبادة، والوضوء حينئذٍ وسيلة لتصحيح الصلاة لا عبادة؛ كإزالة النجاسة ـ وسيأتي ـ إذ ليس في الآية أكثر من ذلك فلا نزيد فيها شيئاً.
أما الحديث فليس فيه إلا نية أن يكون العمل لله، لا نية غيرها، فهي كآية الإخلاص، وتقدم الكلام عليها ؛ فلا حاجة إلى الإعادة.
ثم قال رحمه الله : "وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ قِيَاسُكُمْ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِأَوْلَى مِنْ قِيَاسِكُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ وُضُوءٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَيْضًا، وَكَمَا قِسْتُمْ التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ بُلُوغُ الْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، فَهَلَّا قِسْتُمْ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِنِيَّةٍ ..."
أقول : أما القياس فمحل الكلام عليه كتب الأصول، وقوله : "ثم لو كان القياس صحيحاً ... إلخ" فهذا إنما يقوله من لا يعرف القياس، فأما قياس الوضوء على النجاسة .. فلأن كل منهما طهارة رافعة، وليس التيمم كذلك، ولأن كل من الوضوء وإزالة النجاسة أصل، والتيمم رخصة، ولا تقاس الأصول على الرخص، وإن جاز العكس، ولذا يقاس التيمم على الوضوء كما ذكره في مسح اليدين إلى المرفقين من غير عكس، فلا يقاس الوضوء على التيمم في وجوب النية.
وقوله رحمه الله : "وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ دَعْوَاهُمْ أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ يُجْزِئُ بِلَا نِيَّةٍ بَاطِلٌ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ كُلُّ تَطْهِيرٍ لِنَجَاسَةٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى صِفَةٍ مَا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَعَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ، وَكُلُّ نَجَاسَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ بِصِفَةٍ مَا فَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا بِغَيْرِ نَجَاسَةٍ فِي أَجْسَامِهِمْ وَلَا فِي ثِيَابِهِمْ وَلَا فِي مَوْضِعِ صَلَاتِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا كَذَلِكَ فَقَدْ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ"
أقول : من استطاع أن يفهم من هذا شيئاً يخالف فيه الأحناف، فليبده لنتكلم فيه؛ فإنه لو غسل رجل نجاسة في ثوبه بنية التنظيف فقط من غير استحضار للصلاة أو قصدها بالتطهير .. جاز له أن يصلي في ذلك الثوب؛ لأنه فعل ما أمر كما قال ابن حزم رحمه الله، وهو عين قول الحنفية وغيرهم، وعلى هذا قاسوا الوضوء، أما ما ذكر من ذكر كيفية معينة في الوضوء يجب التزامها، فمسلم أيضاً، والخلاف في وجوب النية، فقسنا الوضوء على إزالة النجاسة فيها، والفرق لا يفيد وجوب قصد الفعل في الوضوء دون إزالة النجاسة إلا على رأي ابن حزم وليس بكتاب ولا سنة لِيُلْتَزَم، ونزيد فننقضه عليه بأنكم والجمهور توجبون غسل ما ولغ فيه الكلب سبعاً أولاهن أو إحداهن أو أخراهن بالتراب، فهذه كيفية محددة من قبل الشارع لا يُشْتَرَطُ معها نية التعبد ولا قصد عبادة مستقبلة، فمن فعل ذلك بنية تطهير الإناء ليطبح فيه أو ليضع فيه طعاماً آخر من غير خطور نية التعبد إلى ذهنه فقد كفاه، وجاز له استخدام الإناء ؛ لأنه فعَلَ ما أُمر؛ فظهر أن لا فرق.
مسألة (112) قال رحمه الله : "وَيُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ، لَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَلَا التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ يَجْزِيَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}"
أقول : وجه الإحتجاج بالآية أنه سبحانه أوجب الوضوء عند القيام للصلاة، ولا شك أن من قام وصلى الصبح، لا يقال فيه أنه قام لصلاة الظهر، فمن قام وتوضأ لصلاة الصبح فوضوءه لصلاة الصبح، فإن جاء وقت الظهر فقام لها وجب عليه الوضوء لها بنص الآية؛ لأنه قائم إلى الصلاة والقائم إلى الصلاة يجب عليه الوضوء لها.
فقال رحمه الله عند دفعاً لاحتجاجهم : "وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَافِيَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: إذَا قُمْتُمْ إلَى صَلَاةِ فَرْضٍ، وَلَا إذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ فَرْضٍ فَقُمْتُمْ إلَيْهَا، بَلْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، وَالصَّلَاةُ تَكُونُ فَرْضًا وَتَكُونُ تَطَوُّعًا بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْأَرْضِ قَاطِبَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ لَا تُجْزِئُ إلَّا بِطَهَارَةٍ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ أَوْ غُسْلٍ وَلَا بُدَّ، فَوَجَبَ بِنَصِّ الْآيَةِ ضَرُورَةُ أَنَّ الْمَرْءَ إذَا أَرَادَ صَلَاةَ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَقَامَ إلَيْهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْتَسِلَ إنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ يَتَيَمَّمَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ ثُمَّ لِيُصَلِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصُّ الْآيَةِ بِيَقِينٍ"
أقول : وهذا عين احتجاجهم بالآية، فما باله ابتدأ الكلام بأن لا حجة فيها ؟!
لكن يقال : من قام للصبح وتوضأ فإنما قام لكل صلاة تؤدى في هذا الوقت، فكان وضوءه لكل صلاة تقوم في ذلك الوقت، بدليل أنه يصح أن ينوي بقيامه الفرض وكل نفل يتبعه ، وليس كذلك الصلاة والنوافل التي ليست من وظائف ذلك الوقت؛ فإنه لا يقال لمن قام فجراً وتوضأ قام لصلاة الظهر.
ثم قال : "فَإِذَا أَتَمَّ الْمَرْءُ غُسْلَهُ أَوْ وُضُوءَهُ أَوْ تَيَمُّمَهُ فَقَدْ طَهُرَ بِلَا شَكٍّ. وَإِذْ قَدْ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ طَهَارَتِهِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا مُهْلَةً مِنْ مَشْيٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ عَمَلٍ لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُوجِبْ اتِّصَالَ الصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ لَا بِنَصِّهَا وَلَا بِدَلِيلٍ فِيهَا"
أقول : إنما يصح هذا في فصل لا يخرج القيام عن كونه للصلاة؛ إذ الآية نص في أن الوضوء يجب بسبب القيام الكائن للصلاة، ومن قام فجراً لا يقال : قام لصلاة العشاء، فهذا الفصل مضر لا محالة، ولا يجب القيام للصلاة إلا في وقتها؛ فلا يجب الوضوء إلا حينئذٍ.
ومن قام في أول الظهر للصلاة ثم انشغل بشيء من المباحات لم يضره، لأنه يصح أن يقال فيمن قام أول الظهر وتوضأ أنه قام للصلاة ، سواءً أراد الصلاة في أول الوقت أو وسطه أو آخره؛ فإن كثيراً من الناس يحبون المبادرة إلى الوضوء للصلاة مع أن إقامة الصلاة للإمام لا لهم، فهم قائمون للصلاة عجل الإمام أو أخر ما لم يخرج عن الوقت.
أما النوافل، فإما أن تكون من وظائف الوقت أو مطلقة، فما كان من وظيفة الوقت فالقيام للفرض قيام لنوافل الوقت أيضاً فلا تحتاج إلى وضوء جديد لأن مريد الصلاة بقيامه للظهر قام للفرضه ونفله؛ بدليل أنه يجوز له أن ينوي الجميع بقيام واحد، ألا تراه لو سئل من قام إلى الصلاة : إلى أين؟ جاز له أن يقال : لأصلي الفرض ونوافله.
أما النفل المطلق فليس له وقتٌ يتقيد به القيام له ، فكل قيام لفرض يصلحُ قياماً له؛ فلا يُشترطُ له وضوء جديد.
وزعمه أن لا نص ولا دلالة في الآية على عدم الفصل مردود بوجود الأمرين معاً : أما نصها فإن فيها فاء السببية، أي فإن كان القيام للصلاة فهذا سبب وجوب الوضوء، ومن قام ليفعل شيئاً غير الصلاة فليس داخلاً في مدلول الآية.
أما الدلالة : فما قدمناه من أن من قام لصلاة الصبح لا يقال فيه : قام لصلاة الظهر أو المغرب أو العشاء، فلا يصح وضوءه إلا للصلاة التي قام لها.
فهذه خواطر على نمط خواطرنا السابقة، لكنها ليست قديمة كسابقاتها لتغير النظر في كثير منها.
وقد كان طُلِبَ مني ترتيب الخواطر بحب المواضيع، ولكني فاشل تماماً في هذا فاعذروني.
مَسْأَلَةٌ (110) قال رحمه الله: "الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ فَرْضٌ لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ. هَذَا إجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، وَأَصْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}"
أقول : من خشي من استعمال الماء ضرر يلحق به أجزأته الصلاة بالتيمم ولو كان واجداً للماء، وهو لا يخالف في هذا، فالاعتراض على العبارة فقط.
مسألة (111) قال رحمه الله : (مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ إلَّا بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا لَا يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَا صَلَاةٌ دُونَ صَلَاةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ فِيهَا بِالْوُضُوءِ إلَّا لِلصَّلَاةِ عَلَى عُمُومِهَا، لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى صَلَاةً مِنْ صَلَاةٍ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا، وَلَا يُجْزِئُ لِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِلَا نِيَّةٍ وَبِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ. كَانَ حُجَّتَهُمْ أَنْ قَالُوا: إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَقَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ بِلَا نِيَّةٍ"(
ثم قال رحمه الله معترض على حجج الأحناف : "قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، فَكَذَّبَ بَلْ مَا أُمِرَ إلَّا بِغَسْلِهَا بِنِيَّةِ الْقَصْدِ إلَى الْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} نَفَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ أَمَرَنَا بِشَيْءٍ إلَّا بِعِبَادَتِهِ مُفْرَدِينَ لَهُ نِيَّاتِنَا بِدِينِهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ فَعَمَّ بِهَذَا جَمِيعَ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا. ... مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ، سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَهَذَا أَيْضًا عُمُومٌ لِكُلِّ عَمَلٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ بَعْضُ الْأَعْمَالِ دُونَ بَعْضٍ بِالدَّعْوَى.”
أقول : بل الكذب هو الدعوى على الله بلا برهان، أما آية الوضوء .. فكما قال الأحناف، لم يُذكر فيها قصد الصلاة بالوضوء، بل ليس فيها إلا الأمر بغسل الأعضاء المذكورة، وإنما الذي قيد به القصد فهو القيام، فلا نكذب على الله ونزيد فرضاً في الوضوء لم يذكره الله.
وأما قوله سبحانه : {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فلم يدل على قصد الفعل أصلاً فضلاً عن قصد ما لأجله يكون الفعل، بل ليس فيها إلا أن من أرادَ عبادة ففرضه أن يقصد بها الله سبحانه وتعالى وحده نفياً للشرك، ليس في الآية أكثر من ذلك، إلا أن يجاهر المرء بالكذب مستعيناً بقله الحياء، فلا خطاب، وقد أقر ابن حزم بهذا القدر فقال : " فَنَفَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ أَمَرَنَا بِشَيْءٍ إلَّا بِعِبَادَتِهِ مُفْرَدِينَ لَهُ نِيَّاتِنَا بِدِينِهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ فَعَمَّ بِهَذَا جَمِيعَ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا" انتهى
والأحناف يسلمون هذا المقدار، ويقولون من لم يقصد التعبد .. لم ينعقد وضوءه عبادة، والوضوء حينئذٍ وسيلة لتصحيح الصلاة لا عبادة؛ كإزالة النجاسة ـ وسيأتي ـ إذ ليس في الآية أكثر من ذلك فلا نزيد فيها شيئاً.
أما الحديث فليس فيه إلا نية أن يكون العمل لله، لا نية غيرها، فهي كآية الإخلاص، وتقدم الكلام عليها ؛ فلا حاجة إلى الإعادة.
ثم قال رحمه الله : "وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ قِيَاسُكُمْ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِأَوْلَى مِنْ قِيَاسِكُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ وُضُوءٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَيْضًا، وَكَمَا قِسْتُمْ التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ بُلُوغُ الْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، فَهَلَّا قِسْتُمْ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِنِيَّةٍ ..."
أقول : أما القياس فمحل الكلام عليه كتب الأصول، وقوله : "ثم لو كان القياس صحيحاً ... إلخ" فهذا إنما يقوله من لا يعرف القياس، فأما قياس الوضوء على النجاسة .. فلأن كل منهما طهارة رافعة، وليس التيمم كذلك، ولأن كل من الوضوء وإزالة النجاسة أصل، والتيمم رخصة، ولا تقاس الأصول على الرخص، وإن جاز العكس، ولذا يقاس التيمم على الوضوء كما ذكره في مسح اليدين إلى المرفقين من غير عكس، فلا يقاس الوضوء على التيمم في وجوب النية.
وقوله رحمه الله : "وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ دَعْوَاهُمْ أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ يُجْزِئُ بِلَا نِيَّةٍ بَاطِلٌ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ كُلُّ تَطْهِيرٍ لِنَجَاسَةٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى صِفَةٍ مَا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَعَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ، وَكُلُّ نَجَاسَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ بِصِفَةٍ مَا فَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا بِغَيْرِ نَجَاسَةٍ فِي أَجْسَامِهِمْ وَلَا فِي ثِيَابِهِمْ وَلَا فِي مَوْضِعِ صَلَاتِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا كَذَلِكَ فَقَدْ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ"
أقول : من استطاع أن يفهم من هذا شيئاً يخالف فيه الأحناف، فليبده لنتكلم فيه؛ فإنه لو غسل رجل نجاسة في ثوبه بنية التنظيف فقط من غير استحضار للصلاة أو قصدها بالتطهير .. جاز له أن يصلي في ذلك الثوب؛ لأنه فعل ما أمر كما قال ابن حزم رحمه الله، وهو عين قول الحنفية وغيرهم، وعلى هذا قاسوا الوضوء، أما ما ذكر من ذكر كيفية معينة في الوضوء يجب التزامها، فمسلم أيضاً، والخلاف في وجوب النية، فقسنا الوضوء على إزالة النجاسة فيها، والفرق لا يفيد وجوب قصد الفعل في الوضوء دون إزالة النجاسة إلا على رأي ابن حزم وليس بكتاب ولا سنة لِيُلْتَزَم، ونزيد فننقضه عليه بأنكم والجمهور توجبون غسل ما ولغ فيه الكلب سبعاً أولاهن أو إحداهن أو أخراهن بالتراب، فهذه كيفية محددة من قبل الشارع لا يُشْتَرَطُ معها نية التعبد ولا قصد عبادة مستقبلة، فمن فعل ذلك بنية تطهير الإناء ليطبح فيه أو ليضع فيه طعاماً آخر من غير خطور نية التعبد إلى ذهنه فقد كفاه، وجاز له استخدام الإناء ؛ لأنه فعَلَ ما أُمر؛ فظهر أن لا فرق.
مسألة (112) قال رحمه الله : "وَيُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ، لَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَلَا التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ يَجْزِيَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}"
أقول : وجه الإحتجاج بالآية أنه سبحانه أوجب الوضوء عند القيام للصلاة، ولا شك أن من قام وصلى الصبح، لا يقال فيه أنه قام لصلاة الظهر، فمن قام وتوضأ لصلاة الصبح فوضوءه لصلاة الصبح، فإن جاء وقت الظهر فقام لها وجب عليه الوضوء لها بنص الآية؛ لأنه قائم إلى الصلاة والقائم إلى الصلاة يجب عليه الوضوء لها.
فقال رحمه الله عند دفعاً لاحتجاجهم : "وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَافِيَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: إذَا قُمْتُمْ إلَى صَلَاةِ فَرْضٍ، وَلَا إذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ فَرْضٍ فَقُمْتُمْ إلَيْهَا، بَلْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، وَالصَّلَاةُ تَكُونُ فَرْضًا وَتَكُونُ تَطَوُّعًا بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْأَرْضِ قَاطِبَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ لَا تُجْزِئُ إلَّا بِطَهَارَةٍ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ أَوْ غُسْلٍ وَلَا بُدَّ، فَوَجَبَ بِنَصِّ الْآيَةِ ضَرُورَةُ أَنَّ الْمَرْءَ إذَا أَرَادَ صَلَاةَ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَقَامَ إلَيْهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْتَسِلَ إنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ يَتَيَمَّمَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ ثُمَّ لِيُصَلِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصُّ الْآيَةِ بِيَقِينٍ"
أقول : وهذا عين احتجاجهم بالآية، فما باله ابتدأ الكلام بأن لا حجة فيها ؟!
لكن يقال : من قام للصبح وتوضأ فإنما قام لكل صلاة تؤدى في هذا الوقت، فكان وضوءه لكل صلاة تقوم في ذلك الوقت، بدليل أنه يصح أن ينوي بقيامه الفرض وكل نفل يتبعه ، وليس كذلك الصلاة والنوافل التي ليست من وظائف ذلك الوقت؛ فإنه لا يقال لمن قام فجراً وتوضأ قام لصلاة الظهر.
ثم قال : "فَإِذَا أَتَمَّ الْمَرْءُ غُسْلَهُ أَوْ وُضُوءَهُ أَوْ تَيَمُّمَهُ فَقَدْ طَهُرَ بِلَا شَكٍّ. وَإِذْ قَدْ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ طَهَارَتِهِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا مُهْلَةً مِنْ مَشْيٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ عَمَلٍ لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُوجِبْ اتِّصَالَ الصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ لَا بِنَصِّهَا وَلَا بِدَلِيلٍ فِيهَا"
أقول : إنما يصح هذا في فصل لا يخرج القيام عن كونه للصلاة؛ إذ الآية نص في أن الوضوء يجب بسبب القيام الكائن للصلاة، ومن قام فجراً لا يقال : قام لصلاة العشاء، فهذا الفصل مضر لا محالة، ولا يجب القيام للصلاة إلا في وقتها؛ فلا يجب الوضوء إلا حينئذٍ.
ومن قام في أول الظهر للصلاة ثم انشغل بشيء من المباحات لم يضره، لأنه يصح أن يقال فيمن قام أول الظهر وتوضأ أنه قام للصلاة ، سواءً أراد الصلاة في أول الوقت أو وسطه أو آخره؛ فإن كثيراً من الناس يحبون المبادرة إلى الوضوء للصلاة مع أن إقامة الصلاة للإمام لا لهم، فهم قائمون للصلاة عجل الإمام أو أخر ما لم يخرج عن الوقت.
أما النوافل، فإما أن تكون من وظائف الوقت أو مطلقة، فما كان من وظيفة الوقت فالقيام للفرض قيام لنوافل الوقت أيضاً فلا تحتاج إلى وضوء جديد لأن مريد الصلاة بقيامه للظهر قام للفرضه ونفله؛ بدليل أنه يجوز له أن ينوي الجميع بقيام واحد، ألا تراه لو سئل من قام إلى الصلاة : إلى أين؟ جاز له أن يقال : لأصلي الفرض ونوافله.
أما النفل المطلق فليس له وقتٌ يتقيد به القيام له ، فكل قيام لفرض يصلحُ قياماً له؛ فلا يُشترطُ له وضوء جديد.
وزعمه أن لا نص ولا دلالة في الآية على عدم الفصل مردود بوجود الأمرين معاً : أما نصها فإن فيها فاء السببية، أي فإن كان القيام للصلاة فهذا سبب وجوب الوضوء، ومن قام ليفعل شيئاً غير الصلاة فليس داخلاً في مدلول الآية.
أما الدلالة : فما قدمناه من أن من قام لصلاة الصبح لا يقال فيه : قام لصلاة الظهر أو المغرب أو العشاء، فلا يصح وضوءه إلا للصلاة التي قام لها.