العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

قضاء الوتر

إنضم
8 أغسطس 2012
المشاركات
5
الجنس
ذكر
التخصص
شريعة
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
حنبلي
** اختلف العلماء في قضاء الوتر على أقوال:


القول الأول: أنه يستحب قضاء الوتر، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، واستدلوا بما يأتي:


1- حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعا: (من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكره) [د 1431، ت 465، 466، جه 1188، والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه النووي في المجموع 2/42، وضعفه بعض العلماء كابن القيم، وصححه الألباني، انظر زاد المعاد 1/324]


قال ابن القيم: "لهذا الحديث عدة علل، أحدها: أنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف، الثاني: أن الصحيح فيه أنه مرسل له عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: هذا أصح، يعني المرسل، الثالث: أن ابن ماجه حكى عن محمد بن يحيى بعد أن روى حديث أبي سعيد: الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أوتروا قبل أن تصبحوا، قال: فهذا الحديث دليل على أن حديث عبد الرحمن واه" ا.ه


2- عموم حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعا: (من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) [م 684، خ 597 بلفظ: (من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، وأقم الصلاة لذكري)]


3- حديث أبي نَهيك أن أبا الدرداء كان يخطب الناس فيقول: لا وتر لمن أدركه الصبح، قال: فانطلق رجال إلى عائشة فأخبروها فقالت: كذب أبو الدرداء (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصبح فيوتر) [حم 25527، عثمان بن نهيك: مقبول، وحسنه الشوكاني في نيل الأوطار 3/59، وصححه الألباني في الإرواء 2/155، وقال ابن رجب: "أبو نهيك، ليس بالمشهور، ولا يدرى: هل سمع من عائشة، أم لا؟" فتح الباري لابن رجب 9/154]


4- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر) [كم 1136، قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وانظر فتح الباري لابن رجب 9/154، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع]


5- عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه سئل "هل بعد الأذان وتر؟ قال: نعم وبعد الإقامة، وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس ثم صلى" [ن 612، وصححه الألباني] فقاس ابن مسعود قضاء الوتر على قضاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لصلاة الفجر يوم خيبر لما نام عنها.


القول الثاني: أنه يجب قضاء الوتر، وهذا مذهب الحنفية، وهو مبني على رأيهم بوجوب الوتر.


القول الثالث: أنه لا يقضى بعد خروج وقته الضروري، وذلك بعد الفراغ من صلاة الصبح، وهذا مذهب المالكية، واستدلوا بما سبق من اختيارهم أن وقت الوتر الضروري إلى صلاة الصبح.


القول الرابع: أنه يقضى قبل صلاة الفجر ولا يقضى بعد ذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية [الفتاوى الكبرى 2/240]، واستدلوا بما يأتي:


1- حديث أبي بصرة -رضي الله عنه- مرفوعا قال: (إن الله عز وجل زادكم صلاة، وهي الوتر، فصلوها فيما بين العشاء إلى صلاة الفجر) [حم 23339، وقال ابن رجب: "إسناده جيد"، فتح الباري لابن رجب 6/235، وصححه الألباني في الإرواء]، وهذا يدل على أن له أن يصلي الوتر ما لم يصل الفجر، وقد سبق بحث ذلك في وقت صلاة الوتر.


2- حديث ابن جريج عن سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: (إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر) [ت 469، حم، خز 1091، وصححه الأعظمي والألباني]


والحديث أعله الإمام أحمد، فقد ذكر المروذي عن أحمد أنه قال: "لم يسمعه ابن جريج من سليمان بن موسى، إنما قال: (قال سليمان)، قيل له: إن عبد الرزاق قد قال: عن ابن جريج: أنا سليمان؟ فأنكره، وقال: نحن كتبنا من كتب عبد الرزاق، ولم يكن بها، وهؤلاء كتبوا عنه بآخره" [فتح الباري لابن رجب 9/150]


وقال عبد الحق الإشبيلي: "فيه سليمان بن موسى يروي أحاديث منكرة، منها هذا الحديث" [الأحكام الشرعية الكبرى 2/353]


وإن صح فهو محمول على غير المعذور، فإنه لا يقضيه.


3- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعا: (من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له) [خز 1092، ورجح الحافظ ابن رجب إرساله، فتح الباري لابن رجب 9/155، وقال الأعظمي: إسناده صحيح، حب 2408]


وهو محمول إن صح الحديث على غير المعذور.


4- أن الوتر كتحية المسجد وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحوها، فالمقصود به أن يكون آخر صلاة الليل وترا، كما أن المغرب آخر صلاة النهار، فإذا انقضى الليل وصلى الصبح، لم يقع الوتر موقعه فلا يقضى بعد ذلك.


وإذا قلنا بقضاء الوتر، فإنه يقضيه وترا على ظاهر كلام الفقهاء، لأن القضاء يحكي الأداء، لهذا قال الحافظ ابن رجب: "وقد اختلفت الرواية عن أحمد فيمن فاته الوتر، وقلنا يقضيه: هل يقضي ركعة واحدة؟ أو ثلاث ركعات؟ على روايتين عنه" [شرح البخاري لابن رجب 7/92]


وقال محمد بن نصر:"وقال بعضهم: إذا ذكر وتره بعد صلاة الغداة أوتر متى ذكره نهارا، فإذا جاءت الليلة الأخرى ولم يكن أوتر لم يوتر؛ لأنه إن أوتر في ليلة مرتين صار وتره شفعا" [صلاة الوتر لمحمد بن نصر 1/121]


وهذا يدل على أنهم يريدون أنه يقضيه وترا، وقال بعض العلماء المعاصرين إنه يقضي الوتر شفعا، واستدلوا بحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) [م 746] وقولها: (من النهار) أي بعد وقت النهي.


ولم أر أحدا من العلماء السابقين ذكر أن حديث عائشة في قضاء الوتر، وإنما جعلوه في قضاء قيام الليل، بل جعله شيخ الإسلام ابن تيمية دليلا على أنه لا يقضى الوتر، قال: "ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فاته عمل الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولو كان الوتر فيهن لكان ثلاث عشرة ركعة"


وقال الحافظ ابن رجب في حديث عائشة: "فدل على أنه كان يقضي التهجد دون الوتر"


وقال محمد بن نصر: "لم نجد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر ولا أمر بقضائه" [فتح الباري 2/554]


وبوب ابن حبان فقال: "ذكر الخبر الدال على أن المرء إذا أصبح ولم يوتر من الليل ليس عليه إعادة الوتر فيما بعده"، وأورد فيه حديث عائشة -رضي الله عنها- السابق.


فإن قيل ثبت أن سعد بن هشام قال لعائشة -رضي الله عنها-: (أنبئيني عن وتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصل التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد وتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما سن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول فتلك تسع يا بني، وكان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان) [م 746]، فهذا في الوتر، لأن قولها (وكان إذا غلبه) الحديث، وقع جوابا لسؤال سعد بن هشام عن وتر النبي -صلى الله عليه وسلم-.


فالجواب: أن عائشة لما أخبرته عن وتره، أحبت أن تزيده عن شيء من صفة قيام ليله، ولهذا أخبرته بما لا تعلق به بالوتر كقراءة القرآن وصيام شهر كامل، ولهذا قالت (وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل) ولم تقل عن الوتر، ويؤيد ذلك الروايات الأخرى، فعن عائشة -رضي الله عنها-: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) [م 746]


[انظر زاد المعاد 1/324، مجموع الفتاوى 23/89، فتح الباري لابن رجب 7/107، إعلام الموقعين 2/269]
 
أعلى