العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

القوامة الشرعية والقوامة النفسية

إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
58
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
• القوامة الشرعية والقوامة النفسية

في هذا المقال نتناول طغيان القوامة النفسية على القوامة الشرعية، وأسباب ذلك ومظاهره، وعلاجه:
أ‌ - القوامة الشرعية
• القوامة الشرعية هي قوامة الرجال على النساء، والتي تأتي من مصدرين أساسيين؛ أحدهما النفقة؛ نفقة الرجال على النساء، ومتى ما شاركت النساء في النفقات والكسب والدخل؛ كان أدعى لاهتزاز قوامة الرجل، وتراجع قدرته على السيطرة، وتجرؤ المرأة على إبداء المخالفة رأيًا، وسلوكًا، ومنابذة الرجل رفع الصوت، ومبادلته الهجر بالهجر، وربما أشياء أخرى يعف القلم عن ذكرها. وعمل المرأة وكسبها وإنفاقها أمر يستغله الشيطان لتخريب حياة الأسرة، أو القضاء عليها، أو استسلام طرف وتنازله عن حقوقه المشروعة؛ كتنازل الرجل عن حقه في القوامة، أو تراجع قدرته على اتخاذ القرارات، أو تراجع إرادته في صراع الإرادات.
ب - القوامة النفسية
• ومع الوقت؛ تتولد قوامة جديدة داخل جنبات الأسرة، وهي القوامة النفسية، وهي هنا تكون للمرأة بقدر ما تبذل من النفقة وتحمل المسؤولية، بما يحصل معه تبادل في الأدوار، والمقامات، والمكانات؛ فتتغلب القوامة النفسية على القوامة الشرعية، ويتبعه تبادل في نوعية التفكير؛ فيصبح تفكير المرأة هجوميًا اندفاعيًا مع أصغر خلاف، وربما نزغ الشيطان في كلامها فعيَّرَت زوجها بالنفقة، أو أنها ليست بحاجة إليه، أو تصبح أكثر جرأة على طلب الانفصال، وذلك لعاطفية المرأة في الفرح والحزن والرضا والغضب، وهي أقل شعورًا من الرجل بخطورة العواقب والمآلات، وذلك على الغالب، لا مطلقا، وما قضايا الخلع وطلب الطلاق في المحاكم عن ذلك ببعيد، وكثير من الإحصائيات تؤكد أن أحد أهم الأسباب في ذلك تمتع المرأة بالعمل والمال الخاص.
ج - الرجل سبب في رزق المرأة
• والذي أدين به هو أن الله تعالى جعل الرجل سببًا في رزق المرأة، أبًا، زوجًا، أخًا، أوحاكمًا، فإن تركها تعمل بلا ضرورة، ولا حاجة، انتقلت السببية منه إليها، فصارت سببًا في رزق نفسها، وربما ضنت المرأة بمالها على زوجها بل وعلى نفسها وجعلت ذلك من واجبات الزوج، وهو كذلك في الظاهر؛ فخسر الرجل شرف السببية الذي شرفه الله تعالى به وجعله ركنا من أركان قوامته وتفضيله، وخسر راحته النفسية – غالبًا - مع امرأة عاملة لا تُقر في بيته، ولا تدع له ماله، وتَضنُّ عليه بمالها، أو أشركته في مالها وباء منها بالمنِّ والأذى...الخ، فالنساء يغلب عليهن العاطفةُ الشديدةُ التي قد تطغى عند كثير منهن على العقل والواقعية والمنطق؛ فإحداهن قد تُضحي بحياتها إذا أحبت، وقد تَقتل إذا كرهت، وقد تقلب بيتها رأسًا على عقب إذا خُولفتْ وتَمكنتْ، لذا لم يشرع الله تعالى للمرأة قوامةً، ولم يجعل بيدها عصمةً، ومن كانت منهنَّ بخلاف ذلك فهو تميزُ عن عموم النساء. ولله في خلقه اصطفاءات في كل زمان ومكان؛ لذا من يفرح من الرجال بعمل النساء، وكسبهنَّ، وإنفاقهنَّ بلا ضرورة ولا حاجة؛ هو من النوع الساذج، الذي لا يدري عن مقاصد التشريع شيئًا، أو كان جاهلًا أو غافلًا أو متغافلًا، وهذه القوامة النفسية تكون لنفوس على نفوس، حتى في الحياة العادية، وبين الرجال وبعضهم، بقدر البذل، والنفقة، والعطاء، والكرم.
د - علاقة تكاملية لا تنافسية

• ومما يخل بالعلاقة بين الرجل والمرأة داخل البيت الواحد، الانحراف بتلك العلاقة من التكاملية المقصودة شرعًا ودينًا إلى النِدِّيَّةِ التنافسية المقصودة نفسيًا ومزاجيًا، فالرجل يحتاج لمن يدير له بيتَه، ويُربي له ولده، ويستقبله في عودته، ويهيئ له سبل الراحة، والسكن، والمودة، ويتزين له، ويتحبب ويتودد...الخ، وكلها مقصودات شرعية، والمرأة منوط بها أداء هذا الواجب شرعًا لا فضلًا، كذلك المرأة تحتاج من يعولها، وينفق عليها، ويحميها، ويُحقق لها الأمن في الغذاء، والدواء، والمسكن، والملبس، وتسكن إليه بروحها، ونفسها؛ آمنةً مطمئنةً، ودودة محبة، يُقبل عليها بروحه وقلبه، والرجل منوط به أداء هذا الواجب شرعًا لا فضلًا، وإذا قام كل بما يجب عليه، لن يقع العَوزُ والاحتياج، لكن إن خرج كل منهما للعمل، أو قعد كل منهما في البيت؛ وقع العَوزُ والاحتياج في جانب من الجوانب، ووقعت الندية، والتنافسية، والتصادمية في العلاقة، فإن قعد كلاهما في البيت حصل العوز والاحتياج في المال للنفقة، وإن خرج كل منهما للعمل حصل العوز، والاحتياج في السكينة، والمودة، والتربية، والراحة النفسية، وربما تدحرجت الأمور فأصبحت علاقة مهترئة، متوترة، وغير آمنة، تجتاحها نوبات الهجر، والعراك، والتخاصم، والخلاف، والغرور، والتكبر، والاستغناء المتبادل، لأنها ليست علاقة تكاملية، فلا المرأة ستتحمل الإنفاق، والحماية، والدفاع، ولا الرجل سيتحمل الحمل، والولادة، والرضاع، لكلٍ طبيعة مختلفة، يناط بها مسؤوليات مختلفة، وهذه المسؤوليات مقصودة دينًا وشرعًا، والرجل مهما تعبُ وكَدَّ؛ لن يمن بالنفقة، لكنه قد يمن بمساعدته لزوجته في أمور البيت، والمرأة لن تَمنَّ بالحمل والولادة والرضاع، لكنها قد تمن بالنفقة إذا أنفقت، وكل ما ليس بداخل في المسؤولية؛ قابل للمن به عند الخلاف، والأمر بالنسبة للطرفين سواء، والحل هو احترام مقاصد الشريعة، وأن لا يأخذ طرفُ ما كان داخلا في مهام الآخر.
ن - الضرورة بقدرها
• لكن يخرج من هذا الكلام ما كان داخلًا في الضرورة والاضطرار، كاضطرار المرأة للعمل، أو لفقر الرجل الشديد، ضيق ذات اليد، مرض، سجن، أو عاملة في تخصص نسائي مطلوب كطبيبة نساء، ومحفظة قران بمراكز الفتيات، ومعلمة في مدرسة بنات، ونحو ذلك، مالم يقع ضرر حقيقي على أسرتها؛ سواءً أكان ماديًا أو نفسيًا؛ لأن المسؤولية تخضع لفقه الأولويات، والأولوية هنا - غالبًا - لاستقرار الأسرة.
والمرأة تُكفل من المجتمع إن لم يكن لها زوج، ولا تُضطر للعمل إلا في حدود ضيقة، فمسؤولية الإنفاق، وكذلك الحماية، والأمن، وتحقيق الستر، تنتقل إلى أقرب الناس إليها، فإن حصل، وهذا نادر؛ أن ليس لها عائل، فعائلها إمام المسلمين، أو حاكم البلد أو الدولة، يجري لها نفقة من بيت مال المسلمين، أو وزارة المالية، أو الوقف، ولها أن تشكوه للقاضي إن امتنع، فالمرأة في الإسلام لها حق المال دون عمل، ومما يهدر حقها أن تطالب بالعمل للحصول على المال، فإن أصرت من جانبها على العمل دون حاجة فقد أضاعت حقها بيدها، فإن كانت راعية، ورعيتها ستتضرر بخروجها؛ فقد أضاعت حق رعيتها مع ضياع حقها؛ فلم يعد الأمر خاصا بها، ولا بحريتها، وإنه لجرم عظيم أن يضيع حق زوج في قوامة، أو سكينة، أو حسن تبعل، وتزين، وحق أولاد في حسن تربية، وأدب، وتعليم، وحق مجتمع يفقد الأم المربية التي تدعمه بالأجيال الفاعلة المتزنة دينًا، وأخلاقًا،
ولا يقلل من قوامة الرجل كونه فقيرًا، أو محتاجًا، أو أن زوجته غنية وتقرضه أو تتصدق على أولاده، لأن الرجل لم يتخل عن قوامته، ولم يمنحها أحدًا، بل هو في حكم المضطر، إنما يُقلل من قوامته أن يغنيه الله من فضله ثم يبذل قوامته بمال زوجته، ويطلب شراكتها في النفقة، وأن تتحمل ما ليست له بأهل، ولم يطلب منها بشرع.
و- مفهوم التعاون الحقيقي بين الزوجين
• ثم إن التعاون الذي ينشده البعض ويرونه بين الزوج وزوجته في النفقة، أمر يفهم على غير حقيقته عند كثير من العامة والخاصة؛ فالتعاون الحقيقي بينهما أن يكفيها حاجتها من الخارج، وتكفيه حاجته من الداخل؛ فيكون التعاون الحقيقي القائم على التكامل، لا التزاحم المفضي لدخول الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء بينهما، وهذا الذي أسلفناه هو الأقرب لروح الشريعة ونصوصها، قال الله تعالى: (وقرن في بيوتكن) الأحزاب، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (المرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها)، فجعل مسؤوليتها في الداخل - في بيت الزوجية - وستُسأل أمام الله عن حق زوج، وأولاد وبيت.

كذلك ذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن النساء عوان في بيوت الأزواج، بما يفيد بقاءها في البيت، وذكر صلى الله عليه وسلم أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطاعتها وتزينها له يعدل الجهاد في سبيل الله. والسؤال: كيف رضيت المرأة المعاصرة بالخروج للعمل بديلًا عن الجهاد، وثوابه، وعظيم فضله؟!

د. ياسر جابر
باحث وكاتب
 
أعلى