العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المثقف في السيرة النبوية

إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
58
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
المثقف
في
السيرة النبوية





إعداد
ياسر جابر الرشيدي



بسم الله الرحمن الرحيم
للسيرة النبوية أهمية عظيمة في مسيرة الحياة البشرية بشكل عام، وفي حياة المسلم بشكل خاص وذلك لأنها تعين على أمور عديدة، منها :

أولاً : فهم القرآن :
فالقرآن نزل مُنجّمًا،[3] تعقيبًا على الأحداث، أو تبيينًا لإشكال، أو ردًا على استفسار، أو تحليلاً لموقف من مواقف السيرة، كما حدث في مواقع بدر وأُحد والأحزاب وتبوك، وكما حدث في صلح الحديبية، وحادث الإفك وغيرها من الحوادث والمشاهد . وقراءة هذه المواقف من السيرة تساعدك في فهم ملابسات الحدث، وخلفيات الموقف، وطبيعته من الناحية المكانية والزمانية .

ثانيًا : فهم السُّنّة:
فأحيانًا تَردُ مواقفُ السيرةِ في كُتب الحديث بشكل مقتضب جدًا، وأحيانًا يذكر أصحابُ المتون موقفًا أو موقفين في غزوة كاملة، الأمر الذي يدفع إلى مطالعة السيرة النبوية للوقوف على ملابسات الحدث وخلفياته وزمنه ومكانه، مما يعينه على فه واستجلاء صورته الحقيقية .

ثالثًا : فهم العقيدة الإسلامية:
وذلك من خلال السلوك العملي للنبي صلى الله عليه وسلم عبر مسيرته الحافلة بمواقف الإيمان والثبات في مواجهة المحن والإيذاء والمساومات، وتفنيد الشبه والادعاءات التي كان يثيرها المشركون والمنافقون حول توحيد الألوهية، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، والوحي والنبوة، وغيرها من المحاور العقدية العظمى، التي تناولتها السيرة النبوية بشكل جامع مانع .

رابعًا : التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم:
فهي تساعد على الاقتداء به في أخلاقه وسلوكه وجميع أحواله، مع أهله وأصحابه ومع أعداءه أيضاً، قال الله - تعالى - : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً " [الأحزاب:21] .

خامسًا : مَحبة النبي صلى الله عليه وسلم:
وفهم سيرته من أكبر ما يقوي محبته في النفوس، ولأن محبته من الإيمان، قال تعالى - : قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " [التوبة:24]، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » [ البخاري : 15، عن أنس ] .

سادسًا : محبة الصحابة – رضي الله عنهم:
فمن السيرة تعرف قدْرَ أبي بكر ، وبذل عمر ، وبلاء عثمان، وشجاعة علي، وحلم معاوية، وصبر خباب، وثبات بلال، واجتماعية الطفيل، واقتصادية ثمامة، وكرم أبي أيوب، وفقه معاذ، وهمة ابن الجموح، وفدائية ابن جحش، وقرآنية ابن مسعود، وصدق أبي ذر، وأمانة أبي عبيدة، وعبقرية الحباب، وحفظ أبي هريرة، ودهاء عمرو، وخطابة سهيل، وفروسية الزبير، وصمود سماك وأناقة دحية، ولباقة ابن حذافة، وذكاء سلمان، وغيرهم، من الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم جميعًا -، فضلاً عن فَضلِ أمهات المؤمنين، فمن السيرة تعرف سَبْقَ خديجة، وعِلْمَ عائشة، وفضل سودة، وبركة جويرية، وغيرهن من أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن جميعًا -، وترى في السيرة جهادَ الصحابيات؛ وقد ضربن المثل في التضحية والبذل من أجل دين الله، فستعرف فيها: فضل سمية أيام مكة، وفضل أسماء يوم الهجرة، وفضل نسيبة بنت كعب يوم أُحد، وفضل غيرهن من الصحابيات الجليلات .

مزايا السيرة النبوية
تمتاز السيرة النبوية بعدة مزايا تبعث الثقة والطمأنينة بأحداثها، ووقائعها، ومنها :

صحتها:
تعدّ السيرة النبوية أصح سيرة لتاريخ نبي مرسل عرفته البشرية حتى يومنا هذا حيث وصلت إلينا أحداثها الثابتة من أصح الطرق، وأقواها ثبوتاً، وذلك لأن القرآن الكريم ذكر جانباً كبيراً ومهماً من أحداثها، ووقائعها، كسيرته في بعض غزواته، وعلاقاته مع أصحابه وبعض زوجاته، كما نقلت السنة جزءاً كبيراً من أحداثها، وحظيت بعناية فائقة من العلماء، لتمييز صحيحها من سقيمها، كما أن كُتّاب السيرة والمؤلفين فيها اعتمدوا الطريقة الموضوعية في تدوين أحداثها، وهي الطريقة العلمية في نقل الأخبار القائمة على دراسة الأسانيد والمتون ونقدها، ولم يقحموا تصوراتهم الفكرية، أو انطباعاتهم الشخصية، في شيء من وقائعها.

وضوحها:
وذلك لكونها عرضت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع مراحلها، منذ زواج أبيه بأمه إلى وفاته صلى الله عليه وسلم بشكل مفصّل ودقيق مقرونة بسنوات حدوثها، دون انقطاع أو غموض، فهو كما قال بعض النقاد الغربيين: "إن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الوحيد الذي ولد في ضوء الشمس".

واقعيتها :
بالرغم مما أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من المعجزات الباهرة، وحقق له من الانتصارات والنجاحات ما لم يحققه لغيره من البشر، فإن ذلك لم يخرجه عن بشريته وإنسانيته، أو تجعل حياته كالأساطير، ولم يحط بهالة من التقديس، تضفي عليه أوصاف الألوهية، بل كانت سيرته متوازنة في عرضها لحياته، فذكرت مواطن الثناء عليه، وذكرت مواطن العتاب له من الله تعالى .

شمولها:
تشمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كل النواحي الإنسانية، الفردية والجماعية، فهي تحكي الجوانب الاجتماعية من حياته؛ كزواجه، وعلاقاته بزوجاته وأهله، كما تتحدث عن الجوانب الشخصية؛ كيتمه، وشبابه، واستقامته وتجارته، وتتحدث عن جوانب دعوته وما كابده في سبيل تبليغها، وتتحدث عن الجوانب السياسية والإدارية، في سياسة أمته ورعاية مصالحها، وعن الجوانب العسكرية، وسيرته في أعدائه وعلاقاته بهم.

مُلخَّصٌ عن السيرة النبويّة
النبي صلى الله عليه وسلم قبل البِعثة
نسبه:
هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مره بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

مَولد النبيّ ونشأته
وُلِدَ نبيّ الأمة، وخاتم الرُّسل محمد -عليه الصلاة والسلام- يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل من عام الفيل، وقد رأت أمّه حين ولادته كأنّ نوراً يخرج منها تُضيء له قصور الشام، وقد نشأ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في قومه يتيماً دون أب؛ فقد ظلَّ مع أمّه التي سَعَت إلى التماس المَراضع له منذ صِغره، فأرضعته مُبكِّراً مَولاة أبي لهب، وتُدعى ثويبة، ثمّ أخذته أمّه إلى ديار بني سعد؛ التماسَ مُرضعةً له من الأعراب؛ فأرضعته هناك السيّدة حليمة السعديّة، وبقيَ عندها زماناً، وحصلت له في تلك الديار حادثة شَقّ الصَّدر؛ حين أتاه جبريل -عليه السلام-، فشَقّ عن صَدره، وأخرج قلبه، فشَقَّه نصفَين، ثمّ أخرج منه قطعةً سوداء؛ وهي حَظّ الشيطان منه، ثمّ غسلَ القلب بماء زمزم، ثمّ لَأَمَ قلبه، وأعاده إلى مكانه، ثمّ أعادته مُرضعته إلى أهله.

مكث محمّدٌ -عليه الصلاة والسلام- عند أمّه حتى كتب الله عليها الوفاة؛ وذلك حينما كانت برفقة نبيّ الله في زيارةٍ لأخواله من بني النجّار في المدينة المُنوَّرة، وبعد وفاة أمّه، كَفِلَه جدّه عبد المطّلب، ثمّ ما لبث أن تُوفّي، وكان عُمر النبيّ ثمانية أعوام، ثمّ كَفِلَه عمّه أبو طالب، فنشأ في بيته، وحينما عاينَ النبيّ فَقْرَ عمّه، قرَّرَ مساعدته في تحمُّل نفقات البيت، فرعى غنمَ قريش زماناً، ثمّ عَمِلَ مع عمّه في التجارة إلى الشام، وفي إحدى رحلاتهم التجارية إلى الشام، لاحظ أحد الرُّهبان حين كان يتعبّد في صومعةٍ له علاماتٍ تدلّ على وجود نبيٍّ في تلك القافلة، فخرج إلى القوم مُخبراً إيّاهم بأمر محمّدٍ -عليه الصلاة والسلام-، وكيف أنّه سيكون نبيّاً في آخر الزمان، والمَبعوث رحمةً للعالَمين، وأخبرهم بما رأى من حاله، ومن ذلك سجود الشجر، والحجر له، وتظليل الغمامة له أثناء مَسيره.

شباب النبيّ:
اشتُهِر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في شبابه بالصدق، والأمانة، وعُرِف بهما بين أقرانه، وحينما ذاع صيته بين الناس، أوكلَته السيّدة خديجة -رضي الله عنها- بالتجارة بأموالها، وكانت امرأةً عاقلةً، وصاحبةَ أموالٍ، فنجحَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بإدارة أموالها، وأدرَّ عليها الكثير من الرِّبح بفَضل حِنكته، ومهارته في التجارة، فدعَته السيّدة خديجة إلى خِطبتها؛ لِما رأت من مقام له بين الناس، وخَبرته من أخلاقه، فتزوّجها النبيّ، وكان عمره خمساً وعشرين سنةً، بينما كان عُمرها أربعين سنةً، وظلَّ زوجاً مُخلصاً لها طيلة خمسٍ وعشرين سنةً إلى حين توفّاها الله، وتجدر الإشارة إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حينما بلغ من عمره خمساً وثلاثين سنةً، حصل له موقفٌ مع قومه، فدلّ على حِكمته، وحُسن تصرُّفه في الأمور؛ حيث اختلفت قبائل قريش عند إعادة بناء البيت في وَضع الحجر الأسود، ومَن سيقوم بتلك المهمّة؛ فقد أرادت كلّ قبيلةٍ أن تحوز شرفَ نَقل الحجر، فاختلفوا إلى نبيّ الله محمّدٍ؛ لحَلّ النِّزاع بينهم، فأشار عليهم أن يضعوا الحجر الأسود في رِداءٍ، وتُمسك كلّ قبيلةٍ بطَرفٍ منه، فوافقوا على رأي النبيّ، وحملوا الحجر الأسود، ثمّ وضعَه النبيّ في مَوضعه.

غار حراء:
تعبُّد النبيّ في غار حراء حُبِّبت إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الخُلوة مع ربّه، فكان يتعبّد على دين الحنيفيّة الليالي ذوات العدد في غار حراء، وكانت أوّل عهده بالوحي الرؤيا الصادقة؛ إذ كان يرى المَنام، فيتحقّق في الواقع كفَلق الصُّبح، وفي إحدى المَرّات، وبينما كان النبيّ في غار حراءٍ، وكان يبلغ أربعين سنةً من عُمره آنذاك، إذ بجبريل -عليه السلام- يتنزّل عليه من السماء، ويأمره بالقراءة، فيقول له إنّه ليس بقارئ، ثمّ يُعيد جبريل عليه الأمر مرّتًين، فيعتذر النبيّ في كلّ مرّةٍ، ثمّ تتنزّل عليه أولى آيات الوَحي على لسان جبريل -عليه السلام-، وهي قَوْله -تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)، ثمّ يعود النبيّ بعد تنزُّل تلك الآيات عليه إلى السيّدة خديجة خائفاً مُرتعِداً، فتُزيل عنه هَمّه، وتُسكّن روعه، وتُذكّره بأخلاقه بين الناس، وأنّه يُقري الضيف، ويصل الرَّحِم، ويُكسب المَعدوم، ويُعين على النوائب، ومَن كان ذلك حاله فلا يُضيّعه الله، ثمّ ذهبت معه إلى ابن عمّها؛ ورقة بين نوفل، وكان رجلاً نصرانيّاً عنده عِلمٌ من الكتاب، فسألته عمّا حدث مع النبيّ، فأدرك بعلمه أنّ ذلك ما هو إلّا الناموس الذي أُنزِل على موسى -عليه السلام-، فازداد النبيّ ثباتاً على أمره.

أحداث الدعوة المكّية:
نزول الوَحي على النبيّ:
نزل الوحي على النبيّ محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- أوّل مرّةٍ؛ تهيئةً وتعليماً له، ثمّ رجع جبريل -عليه السلام- بالوحي بعد ستّة أشهرٍ؛ إيذاناً ببَدء مرحلة الدعوة والرسالة بعد أن هيّأه لنزول الوحي من قبل، وقد دلّ على الرسالة في تلك المرحلة وغايتها قَوْله -تعالى-: (قُمْ فَأَنذِرْ)؛ فالقيام يستدعي التهيُّؤ لتلك المرحلة، واستحضار جميع المعاني التي تُعين على أداء مَهامّها من الإخلاص، والاستقامة على أمر الله. الدعوة السرّية بعد نزول الوحي والأمر بالدعوة، وذلك في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ).

إنذار الناس:
بدأ النبيّ واجبات الدعوة، وأعباءها بإنذار الناس:
الجيل الأول:
عرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام على أقرب الناس به من أهل بيته وأصدقائه فكان أول من أسلم: • زوجه خديجة بنت خويلد.
• مولاه زيد بن حارثة.
• ابن عمه علي بن أبي طالب.
• صديقه أبو بكر الصديق.


نشط أبو بكر في الدعوة فأسلم لدعوته:
• عثمان بن عفان
• الزبير بن العوام
• عبد الرحمن بن عوف
• سعد بن أبي وقاص
• طلحة بن عبيد الله.
المرحلة الثانية: الدعوة إلى الله جهراً:
لما نزل قوله تعالى ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ دعا النبي صلى الله عليه وسلم قومه وصعد على جبل الصفا ثم هتف (يا صباحاه) ثم جعل ينادي فاجتمع الناس إليه قال صلى الله عليه وسلم: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي قالوا: نعم ما جربنا عليك كذبًا قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد".
ولما تم هذا الإنذار انفض الناس وتفرقوا غير أن أبا لهب واجه النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء وقال: (تبًّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا) فنزلت ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾.
الجهر بالدعوة:
جَهْر النبيّ بالدعوة بدأ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الجَهْر بالدعوة إلى الإسلام حينما نزل قَوْله -تعالى-: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)؛ فانطلق النبيّ لدعوة قومه؛ حيث وقف على جبل الصفا منادياً إيّاهم؛ ليجتمعوا عنده، فاجتمع جُلّ القوم، فخطب فيهم النبيّ مُختبراً مكانته فيهم، ومدى مصداقيّته عندهم، حيث استفهم ابتداءً عن تصديقهم إيّاه إن حذّرهم من خيلٍ قادمةٍ بسفح الجبل تريد أن تُغير عليهم، فأجاب القوم كلّهم بتصديقه في ذلك، فقال لهم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بأنّه مُنذِر لهم من عذاب الله إن استمرّوا على حالهم.

إيذاء قريش:
بدأت قريش بإيذاء المسلمين منذ أن جَهَر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بدعوته، ولم تَأْلُ خلال سنينٍ عشرٍ جُهداً في إيذاء المؤمنين، وإهانتهم، واللمْزِ بهم قولاً، وفِعلاً، ولم يسلم صاحب الدعوة والرسالة من الأذى؛ فقد نال نصيباً وافراً من الاتِّهامات الباطلة، والتشهير الأرعن؛ فقد اتُهم تارةً بالجنون، وتارةً أخرى بالسِّحر، وعانى أصحابه من الظُّلم، والتحقير، والشتائم؛ فما لانَت قناتُهم، وما ضَعُفَت عزيمتُهم.
الاضطهادات (العقوبات والمحن):
• كان أبو جهل عليه اللعنة يعذب المسلمين.
• لما علمت أم مصعب بإسلامه منعته الطعام والشراب وأخرجته من بيته.
• كان صهيب الرومي يعذب حتى يفقد وعيه ولا يدري ما يقول.
• كان أمية بن خلف يعذب بلالًا-رضي الله عنه-ويضع الحبل في عنقه ويأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره وهو يقول" أحد أحد"
• عمار بن ياسر كان يعذب هو وأبوه ياسر وأمه سمية بنت خياط فمات ياسر من العذاب وطعن أبو جهل عليه اللعنة السيدة سمية أم عمار فماتت وكانت أول شهيدة في الإسلام.
• خباب بن الأرت كان حدادًا فلما أسلم عذبته مولاته بالنار بل لقد ألقوه على النار ثم سحبوه عليها فما أطفأها إلا وَدَكُ ظهره (الودك: هو الدُهن).
• اشترى أبو بكر –رضي الله عنه- هؤلاء العبيد والإماء وأعتقهم جميعًا فعاتبه أبوه في ذلك فأنزل الله ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾.
اعتداءات على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أبو لهب: كان يجول خلف النبي صلى الله عليه وسلم ويكذبه بل يقذفه بالحجر حتى يدمي عقباه. وكانت أروى بنت حرب زوجة أبي لهب تحمل الشوك وتضعه في طريقه وعلى بابه. فنزل فيها وفي زوجها (سورة المسد).
عقبة بن أبي معيط: أتى بسلا جزور (أحشاء الجزور) ووضعه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بين كتفيه فجعلوا يضحكون فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم عليك بقريش. وضع عقبة بن أبي معيط ثوبه في رقبة الحبيب صلى الله عليه وسلم وخنقه خنقًا شديدًا وطيء أيضًا هذا الخبيث رقبة النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة وهو ساجد.
أمية بن خلف: كان إذا رأى الرسول صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه وفيه نزل قوله تعالى ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾.
الهجرة الى الحَبَشة والمُقاطعة:
حينما اشتدَّت معاناة المسلمين؛ جرّاء ازدياد تعذيب قريش لهم، رَخَّص لهم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في الهجرة إلى الحبشة إلى أن يُحدث الله لهم من أمرهم فَرَجاً، ومَخرَجاً، وكانت بلاد الحبشة تَدين بالنصرانيّة، ويحكمها ملكٌ عادلٌ رَفيقٌ بالناس، فهاجر إليها المسلمون مرّتَين؛ إذ بلغ عددهم في المرّة الأولى اثني عشر رجلاً وأربع نِسوة، بينما بلغ عددهم في المرّة الثانية ثلاثة وثمانين رجلاً وإحدى عشرة امرأةً، ثمّ اشتدّ الأذى على النبيّ، والمسلمين، وقرَّرَت قريش مقاطعة بني هاشم في شِعاب مكّة؛ فامتنعت عن التعامُل معهم، أو مُناكحتهم، أو مُبايعتهم، واستمرّت هذه المقاطعة ثلاث سنواتٍ، ثمّ شاء الله أن يرفع تلك المقاطعة بتسخير أحد العقلاء؛ لإنهائها، وتجدر الإشارة إلى أنّ حدث الهجرة إلى المدينة كانت قد سبَقَته وفاة عمّ النبيّ؛ أبي طالب، وذلك في السنة العاشرة من البعثة النبويّة، فحَزِنَ النبيّ لموته كثيراً؛ بسبب نُصرته إيّاه، ودَفعه أذى قريش عنه، ثمّ تُوفِّيت في السنة ذاتها السيّدة خديجة -رضي الله عنها-، فازداد حُزن النبيّ؛ فسُمِّيت تلك السنة (عامَ الحُزن) بسبب ذلك.

خروج النبيّ إلى الطائف:
اشتدّ الألم والعذاب على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وقلّ النَّصر بغياب عمّه أبي طالب، فقرّر النبيّ الذهاب إلى الطائف؛ لعَلَّه يجد عندهم النُّصرة، إلّا أنّه لم يجد من قومها سوى الأذى والتنكيل؛ إذ رَمَوه بالحجارة، وأغرَوا به سفهاءهم وصغارهم، فعاد النبيّ إلى مكّة المُكرَّمة مرّةً أخرى؛ للدعوة إلى الله.

معجزة الإسراء والمعراج:
التي جاءت؛ تسريةً عن نفسه، وتثبيتاً له؛ فقد أُسرِي بروح النبيّ وجسده في إحدى الليالي من مكّة المُكرَّمة إلى بيت المَقدس، ثمّ عُرِج به إلى السماء؛ حيث مَرّ بالأنبياء كلّهم، وسَلَّم عليهم، ورأى مِن آيات ربّه الكُبرى، وفُرِضت على المسلمين في تلك الليلة أهمّ عبادةٍ ورُكنٍ من أركان الإسلام؛ وهي الصلاة، وجعلها الله على أمّة الإسلام خمسَ صلواتٍ في اليوم والليلة..

الهجرة إلى المدينة المُنوَّرة:
استمرّ النبي بالدعوة إلى الإسلام بعد رجوعه من الطائف، واستثمرَ موسم الحجّ؛ لمُقابلة الناس، وعَرْض الدِّين عليهم، وصادف أن قابل شباباً من المدينة المُنوَّرة كانوا قد قدِموا للحجّ، فعرض عليهم الإسلام، فأجابوه إليه، ورجعوا إلى قومهم، ودعَوهم إلى الإسلام، وهيؤوا المدينة؛ لاستقبال النبيّ، وبايعوه على الحماية له، ولدينه، وفي بداية الأمر أَذِن النبيّ لأصحابه بالهجرة، فخرجوا من مكّة إلى المدينة سرّاً، ثمّ خرج منها هو وصاحبه أبو بكر الصديق، ولَمّا علمت قريش بخروج النبيّ إلى المدينة، أرسلت خلفه مَن يقتله، إلّا أنّ الله حمى نبيّه في هجرته، ولَمّا كان في غور ثور أيضاً، ثمّ وصل إلى المدينة بسلام.

بناء المسجد:
أَذِن الله -تعالى- للنبيّ -عليه الصلاة والسلام- بالهجرة من مكّة إلى المدينة، وكان أوّل الأعمال التي اهتمّ بها النبيّ بناء المسجد؛ حيث بركت ناقته في أرضٍ لغُلامَين يتيمَين، فابتاعها منهما؛ لتكون مَكان بناء المسجد.

المُؤاخاة بين المُهاجرين والأنصار:
بنى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- المسجدَ، ثمّ حقَّق عملاً جليلاً أرسى من خلاله دعائمَ الأُخوّة بين المسلمين؛ وذلك حينما آخى بين المُهاجرين، والأنصار، في دار أنس بن مالك -رضي الله عنه-، فأصبح المسلمون في المدينة إخواناً يتشاركون مع بعضهم لقمة عيشهم، وكانت تلك المُؤاخاة حَلّاً للضائقة المالية التي حَلّت بالمُهاجرين بعد تَرْكهم أموالَهم في مكّة.

غزوات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
أَذِن الله -تعالى- لنبيّه -عليه الصلاة والسلام- بقِتال المشركين من قبائل العرب بعد استقراره في المدينة المُنوَّرة، فبدأت تلك الغزوات بغزوةٍ كُبرى انتصرَ فيها المسلمون؛ وهي غزوة بدر، واستمرّت تلك الغزوات حتى بلغت ما يقارب خمساً وعشرين غزوةً، وقِيل ستّاً وعشرين، وقِيل سبعاً وعشرين، قاتل النبيّ في تسعٍ منها، وهي: بَدر، وأُحد، والخندق، وبني قريظة، وبني المُصطلق، وخيبر، وفَتح مكّة، ويوم حُنين، والطائف، وكان فتح مكّة أهمّ تلك المعارك؛ إذ انطلقت شرارتها في اليوم العاشر من رمضان من السنة الثامنة للهجرة؛ حينما نقضت قريش اتِّفاقها مع رسول الله؛ بقتال حُلفائه من بني خُزاعة، فاستنفر النبيّ أصحابه؛ لإعداد جيشٍ بلغَ قِوامه عشرة آلاف مُقاتلٍ، وتوجّهوا تلقاء مكّة المُكرَّمة، فدخلوها فاتحين دون قتالٍ، ودخل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- البيت الحرام، وحَطّم الأصنام، ثمّ أمرَ بلالاً، فأذّنَ للصلاة، ثمّ وقف خطيباً في القوم عافياً عنهم، مُطلِقاً سراحهم بقَوْله: "اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء".
ملخص غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم:

غزوة بدر الكبرى
وقعت غزوة بدر في 17 رمضان في السنة الثانية من الهجرة. المكان وقعت غزوة بدر عند بئر بدر الذي يقع بين مكة والمدينة. سبب الغزوة كان ابو سفيان يمر قافلته التجارية من رحلة الشام، فعلم الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك فقرر أن يعترض هذه القافلة، كتعويض للمسلمين عن مالهم الذي استولى أهل قريش عليه، فتحرك الرسول عليه الصلاة والسلام نحو القافلة ليحضرها، وسرعان ما علم أبا سليمان بهذا، فبعث لأهل قريش يستنجد بهم، وكان على رأسهم أبو جهل، ولكن القافلة التجارية نجت من أيدي المسلمين، ومع ذلك اصر ابو جهل على قتال المسلمين في معركة ”بدر”. تفاصيل الغزوة كان عدد المسلمين في هذه الغزوة ما يقرب من 314 رجل من الأنصار والمهاجرين، وكان جيش قريش يقترب من حوالي 1000 رجل، وبدأت المعركة في رمضان في العام الثاني من الهجرة، وقد نجح سيدنا حمزة وسيدنا على بن أبي طالب وعبيدة بن حارثة في القضاء على فرسان قريش في المبارزة. وفي هذه المعركة تم القضاء على ابو جهل وقتله، وانتصر المسلمون بالعزيمة والايمان بالله عز وجل، وفي هذه الغزوة قتل حوالي 12 شهيد من المسلمين، ومات 70 رجل من الكفار.


غزوة “أحد”
وقعت هذه الغزوة في شهر شوال في ثالث أعوام الهجرة النبوية الشريفة. المكان جبل أحد شمال المدينة المنورة. سبب الغزوة أراد كفار قريش الانتقام من المسلمين، بعد ان هُزموا في غزوة بدر، وقد جهزت قريش حوالي 3000 من رجالها، وعندما علم النبي بذلك بدأ في تحضير جيشه لكي يواجه الكفار، وقد كان قرار المسلمين بالخروج للكفار عند جبل أحد، لكي يقابلون اهل قريش هناك، وتم تحضير 50 رجل من أفضل الرماة المسلمين للاستعداد على قمة جبل عالية في ظهر المسلمين. تفاصيل الغزوة دارت المعركة بين المسلمين وكفار قريش عند جبل “أحد”، وقد أوشك المسلمون على تحقيق النصر، وخالف الرماة أوامر الرسول عليه الصلاة والسلام، فنزلوا إلى أرض المعركة وتركوا أماكنهم، وانشغل المسلمون بجمع الغنائم. وجد “خالد بن الوليد” ولم يكن قد أسلم بعد نزول المسلمين بجمع الغنائم، فانقض على المسلمين، وسرعان ما اضطربت صفوف المسلمين، وسقط 71 شهيد من المسلمين، وكانت غزوة أحد بمثابة الدرس الذي تعلم منه المسلمون بعدم مخالفة القائد، وكان هذا اغلى درس في التاريخ.

غزوة “الخندق” أو الأحزاب
كانت غزوة الخندق أو الأحزاب في العام الخامس للهجرة. المكان الجهة الشمالية الغربية من المدينة المنورة. سبب الغزوة تحالف كل من قبيلة قريش مع قبائل “غطفان” لكي يقضوا على المسلمين، وبالفعل تم تجهيز الجيش وكان قد بلغ عددهم حوالي عشرة آلاف مقاتل، وتقدموا للمدينة للقضاء على المسلمين. تفاصيل الغزوة علم المسلمون بقدوم قبائل الكفار لمحاربتهم فتحصنوا بالمدينة وخرجوا لحفر خنادق في الجهة الشمالية الغربية للمدينة المنورة، وذلك لكي يمنعون الكفار من دخول المدينة المنورة، أما عن باقي المدينة كانت محصنة بالنخيل العالية مما يصعب اقتحامها. وكانت فكرة حفر الخنادق فكرة “سلمان الفارسي” الصحابي الجليل، واشترك النبي صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق مع باقي المسلمين، وكان النبي في عمره وقتها 57 عام. عندما حضرت جيوش الكفار فوجئت بوجود الخنادق وقتها، ولم يستطيعوا الدخول الى المدينة المنورة، وظل الكفار محاصرون المدينة، وقتها نقض يهود بني قريظة عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وطال حصار الكفار للمدينة، وما كان من الأحزاب سوى أنهم انضموا لصفوف المسلمين. وقد نجح “نعيم بن مسعود” بإدخال الشك في قلب يهود بني قريظة وقتها، ولم يكن قد أعلن إسلامه بعد، وجاءت ريح شديدة اقتلعت خيام الكفار، وانقلب الموقف لصالح المسلمين، وبالفعل انتصر المسلمون وقال الرسول (ص) : ” الآن نغزوهم ولا يغزونا أي أن “، ولم يستطيع المشركين بالفعل دخول المدينة.

غزوة “حنين”
10 من شوال في العام الثامن من الهجرة.
المكان حنين.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عدد من المسلمين إلى هوازن وثقيف، لكن قابلهم المشركين في حنين، ووقعت معركة بين الكفار والمسلمين، ومن أشهر ما حدث في هذه الغزوة أنه تم إشاعة موت الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن سرعان ما تم تكذيب هذه الاشاعة واستعاد المسلمون ثباتهم و صفوفهم مرة أخرى، وانتصر المسلمون في حنين.

فتح مكة
التاريخ 20 رمضان في العام الثامن من الهجرة. المكان مكة المكرمة.
تفاصيل الفتح:
بعد ان نقض القريشيون صلح الحديبية، قام الرسول عليه الصلاة والسلام بتجهيز ما يقرب من عشرة آلاف مقاتل، وانطلق نحو مكة المكرمة، وحاولت قريش العودة للمفاوضات مرة أخرى، لكن الرسول(ص) أصر على دخول مكة المكرمة فاتحاً دون أي قتال، ولكن حدث قتال من جانب “خالد بن الوليد” وعكرمة بن أبي جهل وبعض من رجاله. لكن سرعان ما دخل الرسول(ص) الى مكة المكرمة دون قتال، وقال مقولته المعروفة لأهل مكة : “ماذا ترون أني فاعل بكم، فقالوا : اخ كريم وابن أخ كريم، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : اذهبوا فأنتم الطلقاء”، وكانت مكة المكرمة أقرب البلدان إلى قلب الرسول صلى الله عليه وسلم.

خاتمة غزوات الرسول عليه الصلاة والسلام:
وفي ختام هذا الموضوع عن غزوات الرسول عليه الصلاة والسلام، نجد أن الإسلام دين التسامح والمحبة، وأن المسلمين لم يدخلوا في قتال إلا للدفاع عن أنفسهم ومالهم وعرضهم، وكان الرسول (ص) أشد الناس تمسكاً بالسلم، فعقد العهود مع اليهود، حقناً لدماء المسلمين، وعندما دخل مكة دخلها مسالماً بدون حروب.

وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
قصدَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- البيت الحرام في مكّة المُكرَّمة؛ لأداء مناسك حجّته الوحيدة التي أدّاها في السنة العاشرة للهجرة، وكانت تلك الحجّة؛ إيذاناً للناس بتطهير البيت الحرام من الشِّرك، والضلال، وبداية مرحلةٍ جديدةٍ من الطُّهر، والإيمان، كما كانت تلك الحجّة؛ إيذاناً لرسول الله بقُرب حلول أَجَله؛ إذ وقف بين الناس خطيباً يُوصيهم بمجموعةٍ من الوصايا الخالدة، وتجدر الإشارة إلى أنّ الشكوى ابتدأت عند رسول الله في آخر شهر صفر من السنة الحادية عشر للهجرة؛ فاستأذن أزواجَه بأن يُمرَّض في بيت أمّ المؤمنين السيّدة عائشة -رضي الله عنها-، وأوكلَ إمامةَ المسلمين في صلاتهم أثناء مَرضه لأبي بكرٍ الصدِّيق -رضي الله عنه-، ثمّ كانت وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين؛ الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل من السنة الحادية عشرة للهجرة.
............

جمال النبي صلى الله عليه وسلم:
حُبُّ النبي صلى الله عليه وسلم وذِكره بالأوصاف الحسنة خَلقًا وخُلقًا بلا غُلُوٍ ولا مجاوزة للشرع من الإيمان، فنبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه أكمل وأجمل الناس في خَلْقٍ، وأعظمهم وأحسنهم في خُلُقٍ، لم يصفه واصف قط إلا شبهه بالشمس أو بالقمر ليلة البدر، وكان أصحابه رضوان الله عليهم يقولون: لربما نظرنا إلى القمر ليلة البدر فنقول: هو أحسن في أعيننا من القمر.
ووجه النبي صلى الله عليه وسلم في جماله وإشراقه ونوره وصفائه كان مثل الشمس والقمر، قالت الرُبَيّع بنت معوذ رضي الله عنها: «لو رأيتَه رأيتَ الشمس طالعة». وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه) رواه الترمذي وصححه الألباني.
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان (مضيئة مقمرة) وعليه حُلَّة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسن من القمر) رواه الترمذي وصححه الألباني.
وذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد وصف أم مِعْبَد لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرَّ بخيمتها مُهاجرًا فقالت: «ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه». الوضاءة: الحُسْن والنّظافة والبَهجَة، أَبْلَج الْوَجْه: قال البغوي: «تريد مُشْرِقَ الْوَجْه مضيئه».
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا) رواه البخاري. وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: (وكان إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر) رواه البخاري.
وقد سُئل جابر رضي الله عنه: (أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا، كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديرًا) رواه البخاري.
وكما وصف الصحابة رضوان الله عليهم وجه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فقد وصفوه كذلك عند مرضه ووفاته، فعن أنس رضي عنه الله قال: (فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة (في مرض موته) ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف) رواه البخاري.
قال النووي: عبارة عن الجمال البارع، وحسن البشرة، وصفاء الوجه واستنارته». وإذا كان هذا الصفاء والجمال وحسن البشرة في يوم مرضه ووفاته، فكيف كان أيام شبابه وصحته صلى الله عليه وسلم؟!
ولله در القائل:
وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني
وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ
خُلِقتَ مُبَرَّئاً مِن كُلِّ عَيبٍ
كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ

عطر النبي صلى الله عليه وسلم:
عَرَقه أطيب ريحًا من المِسك، إذا صافَحه أحد ظلَّ طَوالَ يومه يجد ريحَه، وكان يَستعمل الطِّيبَ في أكثر أوقاته.
عن أنس، قال: « ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله ﷺ» مسلم (2330).

فصاحة الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان الأسلوب اللغوي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهم مظاهر جماله، حيث تميّز بالفصاحة، وعذوبة المنطق، ويمكن القول أن الفصاحة صفة تجمع بين حُسن اختيار الكلمات من غير تكلفٍ أو توعرٍ، وسلامة النّطق، وجمال الموضوع، وقد تحقّقت كلها في محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان فصيح اللسان بسبب نشأته البدويّة القرشيّة الخالصة، وقد اتّفقت الروايات التي تدلّ على تنزيه نطقه من عيوب الحروف ومخارجها، وقدرته على إيقاعها في أحسن مواقعها، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- سليم الكلام والمنطق.



أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم:
شهد الله -تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بكمال الصفات وعِظم الأخلاق، حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[١] وهو ما جعل القلوب تتعلّق به وتتخلّى في سبيل حبّه عن كل ما يربطها بالجاهلية، وفيما يأتي بيان بعض الصفات الخُلُقيّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

الصدق:
يُعدّ الصدق من الصفات الأصيلة في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد عُرف في مكة قبل الإسلام بالصادق الأمين، وشهد له بهذه الصفة العظيمة العدو قبل الصديق، إذ لم يعهدوا عليه كذباً قط، وعرفوه صادقاً مع نفسه، وصادقاً مع ربه، ومع أهله والناس أجمعين،[٢] وقد كان صادقاً في كلامه، وصادقاً في نيّته وأعماله، وأمر -عليه الصلاة والسلام- أمّته بالصدق، واجتناب الكذب، وبيّن لهم أنّ الكذب من صفات المنافقين، حيث قال: (آية المُنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذَبَ، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤْتُمن خان).[٣][٤]

التواضع:
ضرب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أروع الأمثلة بتواضعه، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- سيد المتواضعين، حيث كان يجيب دعوة المسلمين فقيرهم وغنيهم، عبدهم وحرهم، ويقبل هديتهم، ويعيد مرضاهم، ويجلس على الأرض والحصير والبساط، وكان -عليه الصلاة والسلام- يقول: (لا تُطْروني، كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريمَ، فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه).[٥][٦] وكان تواضع رسول الله -عليه السلام- حجّة على كل متكبّر، فكان يخفض جناحه للصغير والكبير، وللقريب والبعيد، ويلين جنبه لمن يخالطهم، وكان تواضعه سبباً في خدمة أهله والرّفق به، وقد سُئلت أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها- عن فعل النبي في بيته، فقالت: (كان بشرًا من البشرِ: يَفْلِي ثوبَه، و يحلبُ شاتَه، ويخدم نفسَه)،[٧] وكان أبرز ما يظهر من تواضعه مع الضعفاء من الناس وأصحاب الحاجات، فكان إذا مرّ على الصبية الصغار سلّم عليهم، ولاطفهم بكلمة طيبة ولمسة حانية.[٨].

الشجاعة:
صفة الشجاعة من الأخلاق العظيمة التي يتحلّى بها الرجال الأقوياء الذين لا يعرفون الخوف ولا يرضون العجز والخور، وقد حثّ الله -تعالى- عباده على التحلّي بهذه الصفة العظيمة، فالمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثالاً يُقتدى به في الشجاعة والثبات، والمواقف في سيرته العطرة خير دليلٍ على ذلك، فعندما تآمر كفار قريش على قتله، وأحاط فرسانهم المدجّجين بالسلاح بمنزله، لم يرتعد له طرف، ولا ارتجف له جفن، بل كان ثابت القلب شجاعاً، حتى إنه نام في فراشه تلك الليلة، ثم خرج عليهم في منتصف الليل وحثا التراب على وجوههم ثم مضى في طريقه.[٩].

الرحمة:
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس، فقد قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)،[١٠] وممّا يدل على أنّ الرحمة متأصّلة في قلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ردّه عندما قيل له أُدع على المشركين، حيث قال: (إني لم أُبعَثْ لعَّانًا، وإنما بُعِثتُ رحمةً)،[١١] وقال الله -تعالى- مخاطباً رسوله عليه الصلاة والسلام: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)،[١٢] وقد حث -عليه الصلاة والسلام- أمته على التحلي بخلق الرحمة، حيث قال: (الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ، ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ)،[١٣][٦] وكان إذا سمع بكاء الصبي وهو في صلاة الجماعة فيسرع في الصلاة رحمةً بأمّه، وكان يحمل ابنة بنته وهو يصلّي إذا قام حملها وإذا سجد وضعها.[١٤]

دائماً للبشر:
كان -صلى الله عليه وسلم- دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يُيَئّس راجيه، وإذا تكلّم جلس الصحابة يستمعون له كأنّما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلّموا، وكان لا يقطع على أحدٍ حديثه.[١٤] .

العدل:
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثالاً يُقتدى به في العدل، وكانت أفعاله وأقواله وحياته كلّها تطبيقاً واقعياً لهذه الصفة الخُلقية العظيمة، فقد رُوي عنه أنّه قال: (سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ)، وذكر منهم: (إمامٌ عدلٌ)،[١٥] وقد حذّر أمّته من الظلم أشد التحذير، حيث قال: (مَن أعانَ علَى خصومةٍ بظُلمٍ، أو يعينُ علَى ظُلمٍ، لم يزَلْ في سخطِ اللَّهِ حتَّى ينزعَ)،[١٦][١٧] ومن أبرز المواقف الدالة على عدله؛ إقامته لشرع الله -تعالى- ولو على أقرب النّاس إليه، فقد رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في حادثة المرأة المخزومية التي سرقت أنّه قال: (والذي نفسُ محمدٍ بيده، لو أنّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدَها)،[١٨] بالإضافة إلى عدله بين أزواجه، وتحمّل ما قد يقع من بعضهن بسبب الغيرة.[٦].

الصفح والعفو:
كان العفو سجيّة جليّة من سجاياه -عليه السلام-، وكان عفوه دليلٌ أبلجٌ على أنّ الإسلام لا يحمل الحقد على أحد، وإنّما هو رسالة تحمل العفو والصّفح عمّن ظلم وأساء، وعندما جاء يوم فتح مكة، كان -عليه السلام- مستحضراً لما فعله مشركو قريش من أذى، واضطهاد، وقتل، وإبعاد للمؤمنين، لكنّه غلّب جانب العفو والغفران، وعفا عنهم جميعاً.[١٩]

الكرم:
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مثالاً يقتدى به في الجود والكرم، فقد كان يعطي من غير أن يفكر للحظةٍ بالفقر، أو نقص المال؛ لأنّه كان موقناً بأنّ الرزق بيد الله عزّ وجلّ، وعلى ثقةٍ بفضله سبحانه وتعالى، وقد دلّ على ذلك قول أنس بن مالك رضي الله عنه: (ما سُئل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الإسلامِ شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلَينِ، فرجع إلى قومِه، فقال: يا قومُ أسلِموا، فإنَّ محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقةَ)،[٢٠] وروي أنّ امرأة أهدت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- شملةً منسوجةً، فلبسها النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وهو محتاج إليها، وبينما هو جالسٌ مع أصحابه رضي الله عنهم، رآها رجلٌ منهم، فقال: (يا رسولَ اللهِ، ما أحسنَ هذه، فاكسُنيها، فقال: نعم، وبعدما ذهب النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، لامَه أصحابُه، قالوا: ما أحسنتَ حين رأيتَ النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- أخذها محتاجًا إليها، ثمّ سألتَه إياها، وقد عرفتَ أنّه لا يُسألُ شيئًا فيمنعَه، فقال: رجوتُ بركتَها حين لبِسَها النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، لعلي أُكفَّنُ فيها.

من مجمل شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم:

قال صلى الله عليه وسلم (أدبني ربي فأحسن تأديبي) لذا فقد كان مثالاً عالياً في كل فضيلة، كان صلى الله عليه وسلم دائم البِشر ، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عتاب ولا مداح ، طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة، لا يذم أحداً ولا يعيره، ولا يتبع عورته، يعفو ويصفح، ويعاشر الناس بالرحمة واللطف، يتغافل عما لا يشتهيه ولا يذمه… أما الحلم والاحتمال ، والعفو والصبر فهي صفات ميزه ربه بها، (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ، إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْماً، فَإِنْ كَانَ إِثْماً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ عِنْهُ) ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله، فإنه يغضب لله عز وجل.
أما الكرم والبذل والعطاء فإنه يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أعدل الناس، وأعفهم وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة، كان يسمى قبل نبوته بالصادق الأمين، وكان أشجع الناس، لاقى الشدائد والأهوال وثبت وصمد، لم يلن ولم يتزعزع، قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إِنَّا كُنَّا إِذَا حَمِيَ الْبَأْسُ- وَيُرْوَى اشْتَدَّ الْبَأْسُ- وَاحْمَرَّتِ الحدق، اتقينا برسول الله صلّى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ)… أما أدبه وحياؤه، فيقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : كان رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم أشدَّ حياءً من عذراءَ في خِدْرِها وكان إذا كرِه شيئاً عرَفْناه في وجهِه) لا يثبت نظره في وجه أحد، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة ، كان متواضعاً بعيداً عن الكبر، يعود المساكين ، ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد ، ويجلس في أصحابه كأحدهم ، ويمنع من القيام له كما يقام للملوك، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ) وكان أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم وأشفقهم، وأرحم الخلق بالخلق، وصدق الله العظيم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) إنها الرحمة التي جمعت له قلوب الخلق، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) لطف في المعشر وتبسم عند اللقاء، في الصحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : ما حَجبَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ منذُ أسلمتُ ، ولا رآني إلَّا تبسَّمَ) ، أما زهده في الدنيا فحسبك تقلله منها، وإعراضه عن زهرتها، وقد سيقت إليه بحذافيرها، وترادفت عليه فتوحها، إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (ما شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ، مِن طَعامِ البُرِّ ثَلاثَ لَيالٍ تِباعاً، حتَّى قُبِضَ) وقالت أيضاً : (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً ولا شاتاً ولا بعيراً).. أما خوفه صلى الله عليه وسلم من ربه وخشيته وطاعته له وشدة عبادته، فذاك شأن عظيم، يقوم الليل إلا قليلا، ويسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، ويصلي حتى تتورم قدماه، فيقال له قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول (أفلا أكون عبداً شكوراً) قام ليلة فقرأ في ركعة سورة البقرة والنساء وآل عمران، ومع كل ذلك فإنه يقول: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اقْرَأْ عَلَيَّ قُلتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: فإنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمعهُ مِن غيرِي فَقَرَأْتُ عليه سُورَةَ النِّسَاءِ، حتَّى بَلَغْتُ: (فَكيفَ إذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بشَهِيدٍ وجِئْنَا بكَ علَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً) قال حسبك الآن، قال عبد الله ابن مسعود فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان بالدموع)
صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ يَا خَيْرَ الوَرَى
وَهَمَتْ عَلَيْكَ سَحَائِبُ الرِّضْوَانِ

الواجب على المسلمين في سيرة حبيبهم صلى الله عليه وسلم:
اتباعه ومحبته:
إن على أمة الإسلام أن تتربى على سيرته، وأن تتخلق بخلقه، وتتبع هديه، وتستن بسنته ، وتقفوا أثره ، فما عرفت الدنيا ولن تعرف مثله، وإن لدينا نحن المسلمين من ميراثه ما نفاخر به الأمم، ونسابق به الحضارات، فهذا النبع فأين الواردون ؟ وهذا المنهل فأين النائلون؟
ألا فاتقوا الله عباد الله واعرفوا للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حقه، من الإيمان به ومحبته والدفاع عنه، وإتباع سنته، وعدم الخروج عن هديه، تكونوا من المفلحين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي)
وقال: (أَلاَ وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَقَ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِيَ فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَلاَ فَخْرَ).
ونحن نشهد الله أننا نحبك يا رسول الله: لأنك خليل الله وصفوته من خلقه ومجتباه، نحبك يا رسول الله ونكثر من الصلاة عليك، لنكون قريبين منك يوم القيامة فأنت القائل: (أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَىَّ صَلاَةً).
نحبك يا رسول الله لأن حياتك دين، فمن تبعك أعزه الله ، ومن خالفك خذله الله ... نحبك يا رسول الله، لأن أقوالك وأفعالك مليئة بالهدى والخير والنور … نحبك يا رسول الله: لأنك أجهدت نفسك، وتحملت كل المشاق والتعب ، لكي نسعد ونرتاح، فإليك يرجع كل فضل علينا بعد فضل الله، فقد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشف الله بك الغمة.. نحبك يا رسول الله، لأن الله تعالى قد جعلك لنا نوراً وجعلك بنا رؤوفا رحيماً .. نحبك يا رسول الله : لأنك شافعنا يوم الزحام، يوم نلقى الله ، وقد جعلك الله شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، نحبك يا رسول الله: لأنه في حبك وفاء لك وإكراماً وتقديراً نحبك يا رسول الله: لأنك لم تترك خيراً إلا ودللتنا عليه، ولم تترك شراً إلا وحذرتنا منه، نحبك يا رسول الله، لأنك كنت أرفع وأرقى وأسمى نموذج حي في الحياة، كنت أرقى صورة للمعلم المربي الفاضل، وللزوج المثالي، وللحاكم العادل، وللقائد المحنك، وللأب الحاني .. نحبك يا رسول الله: فمن أخلاقك علمتنا الأخلاق، ومن عبادتك علمتنا كيف نعبد الله، ومن شجاعتك علمتنا الشجاعة وعدم الخوف إلا من الله، ومن كرمك علمتنا الكرم، ومن عفوك وصفحك علمتنا العفو، ومن رحمتك علمتنا الرحمة والرأفة، والود والعطف والحنان، نحبك يا رسول الله ، ونكثر من الصلاة عليك ، فأنت القائل: (إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَي فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَي صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)

فاللهم اشرح صدورنا بمحبة نبينا محمد، واشفي صدورنا ممن آذانا في نبينا، اللهم ارزقنا طاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، وإتباع هديه وسنته وتعاليمه.
اللهم ارفع درجته، وأكرم مقامه، وثقل ميزانه، واحشرنا في زمرته، وشفعه فينا، وأوردنا حوضه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك، وحبَّ رسولك محمّد، وحب آل بيته الطاهرين، وحب أزواجه أمهات المؤمنين وحب أصحابه الغر الميامين، وحبَّ كل عمل يقرّبنا إلى حبّك. اللهم اجعل حبَّك وحبَّ رسولك أحبَّ إلينا من أنفسنا ووالدينا والناس أجمعين.
دعاء
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُوْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنِ عِيْسَىْ وَرَئِيْسَ وُزَرَائِهِ خليفة بن سلمان، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ، وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَارَبْ الْعَالَمِيْنَ.. اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء… اللهم أصلح شبابنا وفتياتنا و نساءنا وأولادنا وبناتِنا، وأهدنا سبل السلام.. اللهم ارفع وادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين المضطهدين في دينهم وأوطانهم، كن لهم ناصراً ومؤيداً في كل مكان، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلاً.. اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم الله موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قبورهم واغفر لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.
 
التعديل الأخير:
أعلى