العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أولويات الشك واليقين.

إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
58
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
• أولويات الإيمان بين الشك واليقين
الإسراء والمعراج نموذجًا
سؤال يلح على خاطري لماذا يشك الانسان وعنده دليل قطعي على اليقين؟! قد يكون لوجود هوى في النفس او ضيق في الفهم او تعطيل للعقل المنوط به تعقل الحقائق واليقينيات، وهذه الاسباب هي نفسها التي تمنع انسانا ما من تقبل دلائل اليقين فضلا عن ضيقه ذرعا بها وإن خلت جعبته من مسوغات للشك والريب، وثمة فارق بين انتصار الانسان للباطل عن طبع وجبلة وانتصاره عن عقيدة ومذهب يعز عليه ان يصدم ببطلانهما، فينتصر الاول لطبعه وللباطل فيه وينتصر الثاني لعقيدته وللباطل فيها.
وأعجب انه حتى هذه اللحظة التي أسطر فيها هذه الكلمات يوجد من يشكك في معجزة الاسراء والمعراج للرسول صلى الله عليه وسلم، وليس لهم من علم الا اتباع الظن؛ بينما قضية الفهم الديني عند اهل السنة تقوم في المقام الاول على النصوص القطعية لا على التأويلات التعسفية والمعارف الوهمية؛ ومن ثم فهم يقفون في فهمهم الديني على قوة السند المعرفي والمنطلق الإيماني الواضح واليقين الاستدلالي الراسخ تحت مظلة الاخلاص وطلب الرضا من الله تعالى، فضلا على انهم يتمتعون بالحوار العقلي الهادئ، والحجج العقلية القوية المفحمة في ميدان المناظرات العقلية مع الثقة والاطمئنان، وهما سمتان في أهل العقيدة الراسخة الصحيحة.
لكن أهل السنة في مناظراتهم حول القضايا الجدالية مع الاخر المسلم يواجهون سؤالا صعبا: كيف يمكن تحييد الشعور الذاتي المتميز الذي ينشط داخل الاخر فيحوله الى تربة خصبة تتلقى عن حب بذور الباطل والغوغائية الفكرية والسذاجة العقائدية وتنبذ عن بغض بذور الحق والخير والجمال واليقين؟
للإجابة عن هذا السؤال ينبغي ان نقف قليلا لنناقش الخط الاتجاهي في المناقشات الجدالية وهذا الخط قد يتجه من الأصول الى الفروع وقد يتجه من الفروع الى الاصول، اي انه اما ان يكون خطا تنازليا او خطا تصاعديا وغالبا ما يكون الخط الاتجاهي في اليقينيات خطا تنازليا يستدل بيقينية الاصل على يقينية الفرع؛ بينما الخط الاتجاهي لدى الشك المذهبي يتجه من الشك في الفرع مستدلا به على الشك في الاصل، وهنا في قضية الاسراء والمعراج نجد من يحاول جاهدا أن ينقلنا من الشك في الفرع الى وضع الاصل في زاوية ضيقة ومحيرة من زوايا الاتهام، وذلك بأسلوب قياسي او استنباطي مبني على مغالطات عقلية او منطقية مع تملك دفة الحوار وتضييق الخناق بالأسئلة المستفزة والمنتجة لإجابات حتمية بعينها.
ومما يوفر علينا في ذلك ان ننتقل بالآخر الى الخط التنازلي المبني على أمهات القضايا اليقينية العقيدية التي لا تقبل جدالا البتة، وهي في رأيي ثلاث قضايا كبرى:
قضية الوجود الالهي
قضية الصدق الالهي المطلق
قضية كون القران كلام الله حقا وصدقا
هذه القضايا الثلاث لا تقبل جدالا بين عامة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتبقى لنا قضايا أخرى عليها اختلاف يسير هنا او هناك وهي قابلة للحسم في رأيي لولا وجود الهوى في النفوس، والزيغ في القلوب، ومن هذه القضايا:
قضية حفظ النص القرآني من التحريف
قضية حجية النص القرآني المحكم الصريح
قضية حجية السنة النبوية بسندها الصحيح
أما القضية الأولى فنقول أن الله تعالى تعهد بحفظ النص القرآني كما أنزل إلى يوم القيامة بحروفه السبع في القراءة (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر ٩. وعليه فالقول بالتحريف أو الزيادة او النقصان يتعارض مع الإيمان بتعهد الحق سبحانه وتعالى بحفظ القران، وما علينا وقد تبين لنا قدرة الله المطلقة، وأن الله لا يخلف وعدا قطعه على ذاته إلا أن نؤمن بنزاهة النص القرآني عن التحريف أو الزيادة أو النقصان.
وأما القضية الثانية المتعلقة بحجية النص القرآني المحكم والصريح وهل يقبل التأويل أو التصريف بوجوه استدلالية مختلفة، وإسقاط ذلك على قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله إنه هو السميع البصير) الاسراء ١. فنقول: إن الله تعالى يستشهد على عظم الخبر وإعجازه بقوله: سبحان. وهو استشهاد يبطل كون الإسراء نوما لأن حوادث النوم تفتقد للعظمة المفيدة للإعجاز إذ أنه من الممكن أن تحلق أنت شخصيا في سماء القارات الست وأنت نائم أو ترى نفسك كطائر له جناحان يطير بهما فوق البحار والمحيطات وغير ذلك مما لا يراه أي منا اعجازا، فقط نصفه بأنه حلم أو أضغاث أحلام، وعلى أعلى تقدير أنه رؤية منامية؛ فما الإعجاز في ذهاب النائم الى المسجد الاقصى وعودته إلى مكة ليضيفه الله تعالى الى فعله وينزه ذاته المقدسة بالسبحانية إن كان هذا من الممكن أن يرد في منامات كل الناس وليسوا بأنبياء؟!!
إذن لابد أن هذا الاسراء كان حقيقة ليكون إعجازا، وكان اعجازا ليضاف الى الله تعالى، ويضاف الى الله تتقدمه كلمة سبحان لأنها لا تقال إلا لله تعالى عامة، وعلى وجه الاعجاز في هذه الآية خاصة.
أما كلمة العبد فهي مجموع الروح والجسد ولا تحتمل واحدا منهما بعينه لأنه لا تأويل بدون قرينة، والصريح مقدم على التلميح عند الاحتدام.
وأما قوله تعالى (ما زاغ البصر وما طغى) النجم ١٧. فمعلوم أن البصر من آلات الجسد لا الروح فالنائم لا يرى ببصره ولكن بعقله الباطن كما يقول علماء النفس بينما عيناه مغلقتان في نومه.
ثم إذا استحال صعود النبي صلى الله عليه وسلم بقدرة الله إلى السماء فيستحيل نزول جبريل بقدرة الله الى الارض فيبطل الوحي وتبطل النبوة.
ثم الصلاة التي هي الركن الثاني في الإسلام وعماد الدين وقد تلقى النبي صلى الله عليه وسلم تشريعها في المعراج؛ أتشرع للعباد بمنامات ليلية هذا مما لا يقول به عاقل.
اننا ومن خلال هذا الاطار النظري الاستدلالي يمكننا أن نفهم الكثير من تداعيات العقل البشري في استجابته لهذا الحدث التاريخي الإيماني التشريعي المعجز؛ بل في امكاننا ان ننظر الى هذه المنهجية في النقاش على انها خطوة على طريق محاكمة العقل الانساني في تعاملاته مع النص الديني افراطا وتفريطا؛ ففور بوح النبي صلى الله عليه وسلم بالإسراء والمعراج تم تشكيل محاكمة سريعة كان المتهم فيها الصدق النبوي والوحي وقضية الدين بأكملها، والمدعي هو أبو جهل ومن تبعه من كفار مكة، واول قاض أصدر فيها حكما كان هو ابو بكر الصديق رضي الله عنه الذي أصدر حكما بالبراءة النبوية في خبر الوحي السماوي؛ فيكون من باب أولى تحقق هذه البراءة في خبر بيت المقدس، وتبقى الحاجة في نفس القاضي للاطمئنان القلبي فيطلب من حبيبه صلى الله عليه وسلم أن يصف له بيت المقدس لينتصر للحكم الصادر بينما يصر الكفار بعد تقوية الخبر بالمصادر فينتصروا للشك المذهبي الذي جعلهم صما وبكما وعميانا.
والصديق رضي الله تعالى عنه أعطانا منهجية واضحة في ترتيب أولويات الايمان بقوله انا اصدقه في خبر السماء افلا اصدقه في خبر بيت المقدس. وهذه المنهجية هي ما أسلفنا لها اعلاه بتبني خطا اتجاهيا تنازليا في بناء اليقين بالاستدلال بالأعلى على الادنى وبالأصل على الفرع.
بينما كفار مكة أعطونا منهجيتهم الواضحة في بناء الشك المذهبي في تبني خطا اتجاهيا تصاعديا من الشك في الفرع الى الرغبة في محو الاصل وإبطاله.
واليوم أحفاد هذا الفكر لا يكتفون بالشك المذهبي فحسب بل توسعوا في ذلك وتبنوا مذهبا أكثر إضلالا وتضليلا برغبتهم في نقل الشك للآخرين عن قصد وعمد ومنهج وتخطيط، وهذا ما أريد من الجميع أن يصطلحوا عليه بالتشكيك المذهبي القائم على تشكيك الناس في خالقهم ونبيهم ودينهم ورأس مال حياتهم في دنياهم وآخرتهم كفانا الله إياهم بما شاء وكيف شاء.
تبقى قضية الاحتجاج بالسنة الصحيحة وقد تعرض لها أهل الأهواء وزلفوا إليها من باب المتن لما عجزوا عن هدم الاسانيد وخيلوا للناس التعارض بين المتون وبعضها او بينها وبين القران، دون أن يحدثوا الناس وربما انفسهم عن الناسخ والمنسوخ وفقه الجمع بين النصوص وقواعده العبقرية وغير ذلك، وإذا لم يجدوا سبيلا الى الاسناد او المتن تدخلوا بالنقد العقلي المريض الخالي من بديهيات السلامة المعرفية ليقولوا بعدم الامكان او عدم الورود في القران او نكتفي بالقران عن السنة أو..أو...الخ.
والاسراء والمعراج وردا في السنة الصحيحة سندا ومتنا وفقها في صحيح البخاري ومسلم، وهما اصح الكتب في السلامة المعرفية والقوة المصدرية بعد كتاب الله تعالى؛ فهل بقي لناعق من صوت وهل لا يزال لنافخ من كير؟!!!
 
أعلى