العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

قراءة القرآن في الحفلات الجامعية للفتاة

د. ياسر محمد جابر

:: مطـًـلع ::
إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
119
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١٢٥. حكم قراءة الطالبة الجامعية للقرآن في حفلات الكلية، تفتتح الحفلة وأمامها الطلاب والطالبات والأساتذة من فوق منصة او مسرح وهي ظاهرة للجميع؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فالراجح من حيث الأصل وأقوال أهل العلم أن صوت المرأة العادي الطبيعي ليس بعورة، لكن صوتها الملحن الخارج عن طبيعته هو عورة وفتنة، لما فيه من الخضوع والتحسين والتزيين والترقيق، وقد قال الله تعالى (ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)، ومرض القلوب شيء غيبي لا يعلمه الناس، فلا يمكن تصنيف الناس من الذي في قلبه مرض ومن السليم، لذلك وجب الحذر في الغالب، وعليه، فصوت المرأة مقيد بضوابط شرعية لأن نفوس الرجال تميل بطبيعتها للنساء إجمالا ومن ذلك أصواتهن، وميل الرجل للمرأة أقوى من ميل المرأة للرجل، لأن الرجل عنده قوة والمرأة أضعف منه طبيعة وحالاً، والقوي أكثر جرأة على الضعيف، من جرأة الضعيف على القوي، فيغلب على المرأة الحذر من الرجال والإحجام عنهم، ويغلب على الرجل الجرأة على النساء والإقدام عليهن، وذلك من حيث الطبيعة والجبلة، فيتدخل الدين ليهذب ويضبط طبيعة كلٍ من الرجل والمرأة، بضوابط شرعية تضع الحواجز القوية التي تمنع من وقوع الفتنة سواء كانت نفسية أو عقلية او روحية أو بدنية بقدر الإمكان، وذلك من حكمة الله تعالى وعلمه سبحان بخطورة الاختلاط بين الذكر والأنثى، فهو الخالق، وهو الأعلم بخلقه، وصنعته، وهو سبحانه الذي بدأ في ذكر الشهوات المزينة بذكر النساء بادئ ذي بدء فقال تعالى: (زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين و....)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء. متفق عليه.
أي أن المرأة أشد فتنة من المال، والسلطان، والجاه، والأولاد، والقوة، والمنعة.
ويؤكد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً النساء إجمالاً: ما رأيت...أذهب للُبّ الرجل الحازم من إحداكن»، الحازم هو العاقل الحكيم الراشد.
قلت فكيف بغير العاقل، وكيف بالشاب، وغير الملتزم، ومن في قلبه مرض، أو انحراف، وكيف بهذا الزمن الذي انتشرت فيه الفتن حتى بين المحارم والأقارب، لا شك أن الحذر أوجب على كلٍ.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان. قال المباركفوري في تحفة الأحوذي وهو يبين معنى هذا الحديث: فإذا خرجت استشرفها الشيطان. أي زينها في نظر الرجال. وقيل أي نظر إليها ليغويها ويغوي بها.
قلت: فيفتن الرجال بها ويفتنها بالرجال، بنظرهم إليها ونظرها إليهم، حتى يشعر الرجل بقوة الجذب وتغيير العقل وطمع النفس تجاه المرأة الأجنبية الدميمة ولو كانت تلبس ثوبا فضفاضا من الراس للأساس، ما لا يشعر بمثله تجاه زوجته الحلال شرعا وهي في كامل زينتها وقد تهيأت له. وهذا من استشراف الشيطان وتزيينه للحرام وتزهيده في الحلال.
وحتى لا نطيل أكثر من ذلك في التأصيل لطبيعة العلاقة بين المرأة والرجل الأجنبيين، نقول: من الضوابط التي قيد بها الشرع صوت المرأة عند تكلمها بحضرة الرجال الأجانب عنها:
عدم الخضوع بالقول وهو التغني أو التكسر أو التميع، ويعرف بخروج الحروف عن طبيعتها من حيث المدود والترقيق والتحسين ...الخ، فيجوز للمرأة التكلم بطريقة عادية بلهجة قومها التي اعتادت عليها منذ الصغر بلا تكلف، وتظهر الجدية والالتزام في كلامها، ومن ذلك فعل الصحابيات وسؤالهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة الصحابة عن الأحكام الشرعية، دون تمايل ولا تغنج ولا مزاح ولا ضحك كما يحدث في عصرنا. وقد وردت الأحاديث بذلك.
الضابط الثاني هو الحاجة لكلام المرأة مع الأجنبي ككلامها مع البائع والمدرس والسائق إذا لم يكن من ذلك بد، وضابط الحاجة هو القاعدة المشهورة: الحاجة تقدر بقدرها. أي تتكلم على قدر الحاجة والضرورة دون توسع، فإن كانت طالبة تتكلم في حدود السؤال والجواب بلا مزاح مع معلمها الذي هو رجل أجنبي عنها.
وتراعي غض بصرها إلى الأرض أو تصرفه عن الأجنبي وهي تكلمه، فلا تتخاطب العيون مع تخاطب الألسنة. فكل منهما يسمع الآخر بأذنيه لا بعينيه، إلا إذا دعت الضرورة للمشاهدة، فإذا سألها الطبيب عن الداء الذي بها، تجيبه بلسانها صارفةً عنه بصرها، وكذلك المعلم في المدرسة او الكلية، لمن ابتلي بالاختلاط التعليمي، الذي لا يجد منه بداً، تجيب بلسانها غاضَّة بصرها إلى الأرض، ولا تحدق فيه بعينيها ويحدق فيها بعينيه، لأن الضرورة تقدر بقدرها كما ذكرنا، ولا ضرورة هنا تدعو للنظر، إنما دعت الضرورة للكلام.
الضابط الثالث: عدم الخلوة مع الأجنبي لأن الكلام وإن كان جاداً ولحاجة لا يجوز في خلوة غير شرعية، دون وجود محرم، للحديث: ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.
والأصل الأصيل في الإسلام هو التفريق بين النساء والرجال في أماكن العمل والدراسة، لكن مع عموم البلوى بالاختلاط في معظم المجتمعات وحاجة النساء للتعلم والخروج لقضاء الحاجات من الأسواق أو العمل فيجب مراعاة الضوابط الشرعية بأعلى ما يمكن.
ويفهم مما سبق أن هذه الضوابط الثلاث لا تتوفر في حفلات الجامعة:
أولاً: لأن الطالبة إذا قرأت فهي تحب أن تحسن صوتها وترققه بالقراءة، فيخرج عن حد الصوت الطبيعي.
ثانياً: لا يوجد ضرورة ولا حاجة لذلك لأنه يوجد من يغني عنها من الطلاب فيكون أولى منها بالقراءة.
وإذا قرأت من فوق منصة أو مسرح فصارت محلاً لأنظار الجميع في قاعة الاحتفال فتعطي الفرصة لجميع الطلاب والرجال أن ينظروا لها، ويحدقوا فيها، بعدما كانت مثلها مثل غيرها لا تمثل مركزاً بصريا للأجانب، بل كانت في غفلة منهم.
ثم إن ذلك يجلب عليها الشهرة وللشهرة ثمن بالغ خاصة على الأنثى الضعيفة، ويدخل في الشهرة كثرة المدح والثناء ومحاولة التقرب والتعرف...الخ، فتكون قد ضيقت على نفسها من مساحة الحرية التي كانت تتمتع بها في ظل غفلة الشباب عنها.
الخلاصة:
أن الضرورة والحاجة غير متوفرة في حفلات الجامعة، لتقرأ الطالبة القرآن على مشهد من الرجال، وأنها ليست مضطرة لذلك، وأنها غالبا ستتغنى وترقق صوتها وتحسنه، مع جلب الشهرة والمدح، وهو كذلك خلاف الأولى مع وجود الطالب القارئ.
ولها أن تقرأ بين زميلاتها بعيداً عن الأجانب أو في بيتها.
بل قال كثير من أهل العلم أنها لو قامت تصلي من الليل وعلمت أن أحدا من الرجال الأجانب يسمع قراءتها فيجب عليها خفض صوتها بقدر ما تسمع نفسها.
فإن كان هذا قول علماء السلف فيمن سلف من النساء مع الصلاح والتقوى، فكيف بمثل هذا الزمن التي لا يؤمن على الفتاة فيه أن يصورها أحد من الطلاب أو يصنع لها فيديو، وينشر لها أو يستغلها أو يفتتن بها.
وقانا الله شر الفتن وحفظ نساءنا وستر بناتنا وأصلح شبابنا وطهر قلوبنا ونفوسنا.
والله أعلم.
 
أعلى