العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

بوفيهات الطعام المفتوحة

د. ياسر محمد جابر

:: مطـًـلع ::
إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
119
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١٢٤. ما حكم البوفيهات المفتوحة في المطاعم؟
ونظامها:
أن تأكل حتى الشبع مقابل ثمن محدد، فالبعض أجازه والبعض حرمه، فما القول الفاصل في ذلك، مع ذكر الأدلة المقنعة؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فالأصل في البيع والشراء أن يكونا بقدر معلوم وثمن معلوم، والقدر المعلوم كالوزن والكيل مثلا، والثمن المعلوم هو السعر المحدد للسلعة، فيكون البائع والمشتري بالخيار، ولا يقع أحدهما في جهالة تضر به.
وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر " رواه مسلم. وهو ما فيه تغرير وجهالة، فيكون ظاهره خلاف باطنه، أو فيه جهالة في الكم والقدر أو الثمن والسعر.
لكن الجهالة نوعان من حيث الكم: جهالة كبيرة تضر ضرراً واضحا ومؤثراً ولا يُتسامح فيها عادة، وقد تقع بها الشحناء والتباغض، كمن يبيع السمك في الماء، والثمر قبل استوائه على الشجر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري. متفق عليه.
النوع الثاني من الجهالة: جهالة يسيرة يمكن التسامح فيها، لقلة الضرر منها، ومثال ذلك الحمامات العامة وما يستهلك فيها من ماء فإنها تتفاوت من شخص لآخر فهذا يستهلك لترين من الماء وآخر يستهلك أربعة لترات وهكذا، فالأمر فيه جهالة لكن يمكن التسامح فيها.
قال الإمامُ ابنُ القيم رحمه الله:" ومثل ذلك، أي الغرر اليسير، دخول الحمام، فإن من يريد دخول الحمام يدفع الأجرة ثم يدخل، وغير معروف كمية الماء الذي سيستهلكه، ولا كمية الصابون الذي سيستخدمه، ولا المدة التي سيمكثها، وهذا كله غرر يسير مغتفر.
قلتُ: والجهالة من حيث التحرز نوعان:
جهالة يمكن التحرز منها كجهالة الثمر بانتظار استوائه،
وجهالة يشق التحرز منها كجهالة استخدام الماء، فيشق على البائع أن يعين ماء محدداً للاستخدام يقطع بعده الماء عن المستخدم، فالكل يستخدم من خزان واحد غالباً، والماء مشاع للجميع.
وبالنسبة لمسألة الأكل حتى الشبع في المطعم مقابل ثمن معلوم، فهي مسألة حديثة لم تكن معروفة من قبل، وهي داخلة في نوع من الجهالة، وهي جهالة الكم والقدر، فأحدهم يأكل بما ثمنه عشرون وآخر يأكل بما ثمنه خمسون.
ومن حيث الضرر فإن ضررها غالبا هو ضرر يسير ومما يتسامح فيه بين البائع والمشتري، لوجود التراضي بينهما.
ومن حيث التحرز فيمكن التحرز عن هذا النوع من البيع بسهولة وتقديم وجبات محددة في أطباق محددة بأثمان محددة، فلا يشق على البائع ذلك ولا على المشتري كذلك.
إذن اجتمع في الطعام حتى الشبع مقابل الثمن ثلاثة أشياء:
الجهالة في الكم والقدر وكون هذه الجهالة يسيرة، ويُتسامح فيها. وكونها يمكن التحرز منها دون مشقة.
فالأصل إذن تحريم هذا النوع من الجهالة وإن كانت يسيرة،
للآتي:
١. لأنه يمكن تفاديها والتحرز منها واللجوء لبدائل أخرى بلا مشقة.
٢. لإعمال قاعدة: الخروج من خلاف أهل العلم، والمسألة هذه موضع خلاف بينهم.
٣. لاتقاء الشبهات، فإذا كان في الأمر خلاف فقد يلحقه من هذا الخلاف شبهة، والشبهات تعامل بالحيطة والحذر والاتقاء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.
والرسول صلى الله عليه وسلم قال: أطب مطعمك.
٤. لأن الأمور بمقاصدها والأعمال بالنيات، فما مقصد صاحب المطعم من أن يقدم طعاما مفتوحاً للناس يأكلون حتى الشبع مقابل أسعار مرتفعة عن الأسعار المعتادة للوجبات المحددة إلا أنه يعلم أن الغالب على الناس أنهم لن يأكلوا بقدر ما سيدفعون، وأنه سيحقق أرباحا أعلى من الوجبات المحددة؟
فالأمر لا يخلو من احتيال على الناس.
كذلك قد يحتال عليه الآكل فيأخذ من الطعام أثمنه كاللحم مثلا ويأكل منه ما مقداره مائة ريال، بينما السعر المحدد أربعون أو خمسون ريالا.
وقد ذكر لي بعضهم أنهم جوعوا أنفسهم يوما كاملاً لأجل مثل هذا النوع من البوفيهات، ثم أخذوا يأكلون اللحم دون خبز، أو أرز، ودون ماء، أو عصائر، ولا خضار، أو فاكهة أو حلويات، حتى تدخلت إدارة المطعم لتمنعهم من الأكل لشعورهم بالخسارة فامتنعوا عن الدفع محتجين على المطعم أنهم لم يشبعوا بعد، وكان هذا منهم بمثابة مكيدة للمطعم.
فالجهالة واضحة ويمكن التحرز عن هذه الحيل سيما أنه مقصودٌ منها الاحتيال على الناس غالباً.
وممن أجاز هذه البوفيهات الشيخ ابن عثيمين والشيخ محمد سعيد البوطي رحمهما الله تعالى قياسا على الجهالة اليسيرة.
وممن حرمه الشيخ صالح الفوزان والشيخ محمد المختار الشنقيطي تحريما للجهالة.
وقلنا بالتحريم لإمكان التحرز ووجود البديل السهل، ولشبهة الاحتيال، واتقاءً لشبهة الأكل المحرم، وخروجاً من الخلاف.
والله تعالى أعلى وأعلم.
 
أعلى