العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

إيقاظ النائم للصلاة

د. ياسر محمد جابر

:: مطـًـلع ::
إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
119
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١٣٤. ما حكم إيقاظ النائم للصلاة المفروضة، فإن البعض يفتي بأن تركه نائما أولى لأنه في سعة رحمة الله والقلم لا يجري عليه؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإذا كان القلم لا يجري على النائم عن الصلاة المكتوبة، فإنه يجري على اليقظان الذي يراه نائماً.
وإذا كان القلم لا يجري على الناسي الذي يأكل، ويشرب في نهار رمضان، فإنه يجري على الذاكر الذي يراه آكلاً أو شارباً.
وعلى من يجري عليه القلم أن يقوم بالواجب الشرعي تجاه من لا يجري عليه القلم.
فيذكر الصائم الناسي بالصيام ليكف عن الطعام.
ويوقظ النائم الغافل ليقوم للصلاة المكتوبة.
فإن أبى القيام فما على الرسول إلا البلاغ، يتركه وشأنه.
وإذا كان الأكل ناسيا ليس ذنب في حق الصائم،
والنوم عن الفريضة بلا قصد ليس ذنب في حق النائم،
إلا أن هذا وهذا قد يكون ذنبا في حق من يرى ولا يغير أو يُذكر أو يُبلغ.
لأن التوصيف الشرعي في حق النائم والناسي قد يكون العفو وعدم المؤاخذة.
لكن التوصيف الشرعي في حق من يرى ويعلم قد يكون معروفا يحتاج للأمر به أو منكراً يحتاج للنهي عنه، فيختلف التوصيف حسب التكليف.
ومسألة أن النائم متعب، فإذا كان تعباً لا يمنعه من الصلاة فليس بعذر، كمرض وعجز ونحوه، والذي يراه ناسياً أو نائماً قد يجهل حاله أو تعبه أو عذره.
وكان بلال رضي الله عنه يوقظ النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة، وورد في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا تُضرب رأسه بحجر وأنه الذي ينام عن الصلاة المكتوبة، وأن الصلاة في البيت بحسنة ومع الجماعة بسبع وعشرين حسنة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا بالرحمة للرجل الذي يوقظ امرأته لصلاة الليل وهي نافلة، فكيف بالفريضة؟!!
فالذي يرى فلانا نائما وقت الأذان يوقظه للصلاة لأنه أمر بالمعروف، فتوقظ الزوجة زوجها والأم ابنها، والرجل يوقظ أهله، والرجل يوقظ الرجل في السوق إذا حضرت الصلاة.
والاحتجاج بأن القلم لا يجري عليهم فهو احتجاج صحيح لكن بضوابطه الشرعية، ألا يكون نومه عن الصلاة بقصد، وقد نام رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة عن صلاة الفجر حتى أشرقت الشمس، وكان ذلك في غزوة من الغزوات ونام معه الصحابة، ولم ينقل أن أحداً من الصحابة كان يقظاناً وتركهم نائمين.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَلَا يَبْعُد أَنْ يُقَال إِنَّهُ وَاجِب فِي الْوَاجِب، مَنْدُوب فِي الْمَنْدُوب؛ لِأَنَّ النَّائِم وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا لَكِنْ مَانِعه سَرِيع الزَّوَال، فَهُوَ كَالْغَافِلِ، وَتَنْبِيه الْغَافِل وَاجِب". فتح الباري، 2/488.
وقال ابن عثيمين رحمه الله تعالى:" لو رأيت شخصاً نائماً وقت الصلاة، هل تقول: إن النائم مرفوع عنه القلم فلا أوقظه، أو توقظه؟ طبعاً توقظه، والعلماء قالوا: يجب إعلام النائم بدخول وقت الصلاة قبل أن يخرج وقت الصلاة ". "جلسات رمضانية للعثيمين" (2 /11) - بترقيم الشاملة.
وإعلامه بالأذان عند أهل العلم مستحب، وإيقاظه قبل خروج الوقت واجب.
قال المرداوي رحمه الله:" أما النائم فتجب الصلاة عليه إجماعا، ويجب إعلامه إذا ضاق الوقت على الصحيح، جزم به أبو الخطاب في التمهيد " انتهى من "الإنصاف" (1 /277)
وقال أيضا:" لو دخل وقت صلاة على نائم هل يجب إعلامه أو لا؟ أو يجب إن ضاق الوقت؟ جزم به في التمهيد، وهو الصواب" انتهى من "الإنصاف" (3 /216)
وقال الحافظ رحمه الله:" وَفِيهِ - أي حديث ايقاظ النبي صلى الله عليه وسلم عائشة للوتر - اِسْتِحْبَاب إِيقَاظ النَّائِم لِإِدْرَاكِ الصَّلَاة , وَلَا يَخْتَصّ ذَلِكَ بِالْمَفْرُوضَةِ وَلَا بِخَشْيَةِ خُرُوج الْوَقْت ، بَلْ يُشْرَع ذَلِكَ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَة وَإِدْرَاك أَوَّل الْوَقْت وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَنْدُوبَات .
وإن كنت أرجح وجوب إعلامه بدخول الوقت لحضور صلاة الجماعة لأن الجماعة واجبة على الراجح وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ويرجح وجوب الجماعة ما ثبت في الصحيحين وهذا لفظ البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجالاً فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أنه يجد عَرْقاً سميناً أو مِرْماتَيْن حسنتين لشهد العشاء".
وقال صلى الله عليه وسلم "... ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم" متفق عليه.
وروى مسلم في صحيحه أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله عليه وسلم: ليس قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُرَخِص له، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال:" هل تسمع النداء؟ قال: نعم قال:" فأجب ". وهذا الرجل هو ابن أم مكتوم · و في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن عمرو ابن أم مكتوم قال: قلت: يا رسول الله (أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال " تسمع النداء " قال: نعم. قال:" لا أجد لك رخصة".
والأمر جاء مطلقا، والأمر المطلق إنما يكون للوجوب، فكيف إذا صرَّح صاحب الشرع بأنه لا رخصة للعبد في التخلف عنه، فلو كان العبد مخيراً بين أن يصلي و حده أو جماعة، لكان أولى الناس بهذا التخيير مثل هذا الأعمى .
ثم...لا يحل لأحد أن يُفتي الناس بالمرجوح من أقوال أهل العلم، بل بالراجح، وإن كان أهلاً للاجتهاد والنظر في الأدلة والترجيح بينها فيفتي الناس باجتهاده الذي يدين به لرب العالمين حسب أصول وقواعد الاجتهاد. والله أعلم.
 
أعلى