العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

قطع الأخ لرحم أخته

د. ياسر محمد جابر

:: مطـًـلع ::
إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
119
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١٢٠. أنا متزوجة في مكان بعيد عن أهلي ولي إخوة رجال، بعضهم لا يزورني ولا مرة في العام، ولا حتى في العيدين، بل ولا يزور خالته، أو عمته، رغم أنه ميسور الحال، وأنا أظهر له المودة في الهاتف، رغم أن قلبي غضبان منه، فهو يعيش لنفسه فقط، وانا لا أريد منه مالاً، بل أريد أن أتشرف بدخوله عليّ أمام أهل زوجي، وأن لي من يسأل عني، فهل أكون آثمة لو قاطعته؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛
فلا يحل لك مقاطعة أخيك، وإن ظل على مقاطعته لك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي يصل من قطعه.
وإن كان حاله كما ذكرت فعليه إثم قطيعة الرحم، ويُسأل عن ذلك من الله تعالى، فإن الرحم تتعلق بالعرش يوم القيامة وتقول هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فيقول الله تعالى لها:
أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، فتقول بلى، فيقول: ذلك لك.
وصلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين وإيصال ما أمكن من الخير إليهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم.
ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية من كبائر الذنوب، وقد نقل الاتفاق على وجوب صلة الرحم وتحريم القطيعة القرطبي والقاضي عياض وغيرهما.
والرحم مأمور بوصلها في الكتاب والسنة:
قال تعالى: (وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (لأنفال. 75)
وقال تعالى: ((وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) (الإسراء:27)
فقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1).
وقال سبحانه وتعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:23).
وفي السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم) رواه أحمد وإسناده صحيح .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يدخلون الجنة...وقاطع الرحم) رواه أحمد.
وعن جبير بن مطعم ـ رضي الله عنه ـ قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحم .
وقال صلى الله عليه وسلم: ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه.
وقال: (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) صحيح.
وبعض الناس يقطع رحمه خوفا من النفقة وبخلا بالعطاء، وإشفاقا على المال، وهذا من الجهل البين لأن صلة الرحم من مفاتيح الرزق والبركة والخير، والفقير يغتني بصلته رحمه، والغني يبتلى في نفسه وماله وعياله بقطعه رحمه،
ومصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(من سرهُ أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثرة فليصل رحمه) صحيح البخاري.
ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وخير الأمور الوسط، لا إفراط ولا تفريط، فلا يطلب من الرجل أن ينفق كل ماله على رحمه، ولا يقطع كل ماله كذلك عنهم، والأقطع من ذلك أن يقطع عنهم نفسه، وكون العام يمر دون زيارة ولو في العيدين في يومين فقط في العام، لا يصل فيهما أخته ولا عمته ولا خالته، فهذا لا شك قاطع رحم عليه وزر شديد، ومهما يجمع من المال فسيبتلى فيه، وسيرى الابتلاء في كل شيء تقريبا، ويخشى عليه من المرض بعد الصحة، ومن الفقر بعد الغنى، ومن الكشف بعد الستر.
إنما تُستفتح خزائن الرزق وتُستمطر رحمات الرحمن، وتُستوهب عطاءات المنان، وتُستكفى شرور الأيام؛ بصلة الأرحام، وإيتاء ذي القربى.
فنسأل الله العفو والعافية من الشح، والأثرة، وقطيعة الرحم. هدانا الله وسائر المسلمين لما فيه رضاه وعافيته. آمين.
 
أعلى