العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

زوجي لا يصلي في المسجد

د. ياسر محمد جابر

:: مطـًـلع ::
إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
119
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١١٩. زوجي ملتزم وعلى خلق، ولا يقصر معي ولا مع أولاده، ولا أنكر عليه في دين ولا خلق إلا في شيء واحد، وهو أنه مخاصم لبيوت الله تعالى، ولا يذهب للمسجد إلا يوم الجمعة، لصلاة الجمعة فقط، أما بقية الفروض فيصلي بعضها في العمل وبعضها في البيت، يصلي الفجر في البيت قبل ذهابه للعمل، وإذا عاد صلى المغرب والعشاء في البيت كذلك، وأحيانا يجمع بين المغرب والعشاء، ويصلي الظهر والعصر في مكان العمل.
وقد نصحته كثيراً أنه يجب عليه الذهاب للمسجد في صلاة الفجر والمغرب والعشاء، وأنه لا عذر لك عند الله، لأنك متفرغ في هذه الأوقات، وذكرته ووعظته، وحرضته، وأيقظته، كل ذلك دون فائدة، فهل عليّ ذنب لو تركته على حاله، وأولادي يقتدون به، وإذا طلبت من أحدهم الذهاب للمسجد يقول: لماذا أبي لا يذهب؟!
وأنا في ضيق ونكد من هذا الحال، وحياتنا ليس فيها بركة ولا راحة نفسية، فماذا أفعل؟!!
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
فجزاك الله خيرا على تحملك لمسؤوليتك الدينية تجاه زوجك، الذي كان هو أولى منك بتحمل هذه المسؤولية تجاه زوجته وأولاده، لكنها الغفلة والكسل والسهو والتقصير واللامبالاة...الخ.
وإذا كان موظفا كما تقولين فمؤكد أنه على درجة من الثقافة والعلم، فليس إذن جاهلا بأن المؤمن لا تلهيه تجارة ولا بيع عن الصلاة، فكيف إن كان متفرغا وعنده الوقت ولا يمنعه مانع، فليس بأعمى ولا كسيح، ولا خائف، ولا مريض، ولا على سفر، ولا به حيض ولا نفاس، لأنه رجل.
والراجح من أقوال أهل العلم وتوارد الأدلة مجتمعة ومتضافرة أن صلاة الجماعة واجبة لا يجوز التخلف عنها دون عذر، وأن المتخلف عنها آثم وعاص لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم للأدلة :
قال الله تعالى: ﴿فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ یُسَبِّحُ لَهُۥ فِیهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ ۝٣٦ رِجَالࣱ لَّا تُلۡهِیهِمۡ تِجَـٰرَةࣱ وَلَا بَیۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِیتَاۤءِ ٱلزَّكَوٰةِ یَخَافُونَ یَوۡمࣰا تَتَقَلَّبُ فِیهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَـٰرُ ۝٣٧ لِیَجۡزِیَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُوا۟ وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ ۝٣٨﴾ [النور ٣٦-٣٨]
روى البخاري (644)، ومسلم (651) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ، فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ، أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاء.َ
(عَرْقا) عظما عليه بقية لحم قليلة. (مِرماتين) مثنى مرماة، وهي ظِلف الشاة، أي قدمها.
قال ابن المنذر رحمه الله: " وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم: أبينُ البيان على وجوب فرض الجماعة؛ إذ غير جائز أن يحرق الرسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض " انتهى من "الأوسط" 4/ 134.
والمقصود تحريق البيوت لا الأشخاص والأرواح.
وإذا كان الأعمى لا عذر له في ترك صلاة الليل، فكيف بالمبصر:
فعن أبي هريرة، قال: أتَى النبي صلى الله عليه وسلم رجُلٌ أعْمَى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يَقُودُني إلى المسجد، فَسَأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرَخِّص له فيصلِّي في بَيْتِه، فرَخَّص له، فلمَّا ولىَّ دَعَاه، فقال: «هل تسمع النِّداء بالصلاة؟» قال: نعم، قال: «فأجِب».
صحيح، رواه مسلم.
وترك الصلاة في المساجد من علامات النفاق، فمن يرتضي لنفسه الاتصاف بذلك؟!!
قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقوم في الصف"، وهذا دليل على أن صلاة الجماعة من أجل الطاعات وأعظم القربات.
وقد صنف الإمام الذهبي رحمه الله ترك الجماعات في المساجد من الكبائر.
الخلاصة:
أن من اعتاد ترك الجماعات بلا عذر فهو آثم والله اعلم.
(وذهب علماء آخرون إلى أقوال أخرى في المسألة بأن صلاة الجماعة فرض كفاية أو سنة مؤكدة، لكن هذا هو المترجح عندي بعد النظر في الأدلة)، ويجاب على القائلين بأن صلاة الجماعة فرض كفاية إذا صلاها البعض سقطت عن البعض، بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الجماعة بجمع كثير من الصحابة، وكان يتخلف عنها القليل، فلماذا أراد أن يحرق عليهم بيوتهم ولم يسقطها عنهم طالما أنها فرض كفاية؟
ويجاب على من قال بأنها سنة مؤكدة لا يأثم تاركها، بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليرغب في تحريق بيوتهم طالما أنهم غير آثمين، وغير مذنبين.
وإذا كان في بلدة مليون شخص فمعنى قولكم فرض كفاية او سنة مؤكدة أن نصف المليون الذين يصلون في بيوتهم لا شيء عليهم، وأن ما يقرب من مليار مسلم على وجه الأرض لا شيء عليهم طالما ان المليار الثاني يصلي جماعة.
وكان من حق الذين يصلون جماعة أن يصلوا في بيوتهم لبعض الوقت لأنهم غير ملزمين بها طول الوقت، وعلى تارك الجماعة أن يعود للمسجد ليقوم بفرض الكفاية في ذات الوقت المذكور.
وأن الذي لم يدخل مسجداً في حياته حتى الموت ليس آثما ولا شيء عليه.
ثم ما الفرق بين الرجال التاركين للجماعة بلا عذر والنساء؟!!
ووفقا لقولكم كان من حق الأعمى شرعا أن يصلي في بيته، لأن هناك من كفاه الجماعة في المسجد بأداء فرض الكفاية، فلماذا لم يرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!
وإذا كانت سنة لماذا يلزمه النبي صلى الله عليه وسلم بها في المسجد وهو كفيف وليس له أحد يقوده، أتكون فرضا على الكفيف وسنة على البصير؟!! ما لكم كيف تحكمون؟؟!!
فحجتكم ضعيفة لا تثبت امام الأدلة المتضافرة والمتعاونة في القول بالوجوب وأن صلاة الجماعة فرض عين على القادر، وأدلتكم العقلية لا اعتبار لها امام الأدلة النقلية، لأنه عند تعارض النقل الصحيح مع العقل يقدم النقل، لأن النقل معصوم، والعقل غير معصوم.
والله تعالى اعلى وأعلم.
للترغيب اقول:
المتخلف عن الجماعة يحرم من ٢٦ حسنة في الفرض الواحد، لو ضربت في خمسة فروض تكون 130 حسنة في اليوم الواحد، ولو ضربت في سنة كاملة ٣٦٠ يوم، تساوي 46 الف و800 حسنة، ما يقرب من 47000 حسنة من صلاة الفريضة تضيع عليه كل عام، بينما يتحصل على خمس حسنات كل يوم من صلاته في بيته بلا عذر شرعي معتبر...
لو ضربت في عام 360 يوم، تساوي 1800 حسنة.
فالعاقل يقارن بين هذه وذاك ليتضح سعة الفرق، والغبن الذي يقع فيه بهجره وخصامه مع بيوت الله تعالى.
ولو قيل له مثلا تعمل براتب 1800ج وأنت جالس في بيتك، أم تعمل براتب 47000ج وتسافر سفرا طويلا وعملا شاقا وكدا وتعبا، لاختار المشقة على الراحة، هذا في الدنيا، فلماذا يختار الراحة على المشقة إذا تعلق الأمر بالآخرة؟!!!
وهو يعلم أن: الأخرة خير وأبقى.
الدنيا ممر والآخرة مقر.
الدنيا بناء، والأخرة سكن.
الدنيا غربة، والأخرة وطن. فتدبر وحاذر وبادر.
 
أعلى