العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

خدمة الزوجة لزوجها

د. ياسر محمد جابر

:: مطـًـلع ::
إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
119
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١١٨. هل الزوجة ملزمة بخدمة زوجها شرعًا ودينًا أم أن لها الحق في الامتناع عن خدمة زوجها؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فالإسلام دين شامل متوازن يراعي المصالح ويدرأ المفاسد ويُحكم العرف الصحيح بين الناس ويُبطل العرف الفاسد ويلغيه، لذلك في الإسلام نجد أن العرف الصحيح كالشرع الصريح، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.
والله تعالى يقول: (خذ العفو وأمر بالعرف) أي احكم بينهم بالأعراف التي اعتادوا عليها طالما كانت متفقة مع الدين ولا تصادمه.
وتختلف المجتمعات من حيث الأعراف والتقاليد الصحيحة من بلد إلى آخر ففي بلد يكون العرف السائد المتحكم بين الناس أن يحضر الرجل لزوجته خادمة ولا تخدم هي في بيت زوجها لأنها ما كانت تخدم في بيت أبيها من قبل ولا كانت أمها تخدم، بل كان لديهم الخادمة التي تخدمهم فإن طُلب من هذه الزوجة مخالفة العرف الذي تربت ونشأت عليه كان في ذلك مشقة بدنية وعقلية ونفسية عليها:
مشقة بدنية لأنها ما اعتادت العمل والخدمة وما يلزم ذلك من الحركة وطول الوقوف يوميا...الخ.
مشقة عقلية: لعدم الخبرة فهي لا تمتلك أي خبرة في طبخ أو غسيل أو تنظيف...الخ
ومشقة نفسية: لأنها لن تتقبل ذلك نفسيا وزميلاتها وأخواتها وبنات عمومتها وأخوالها وخالاتها وعماتها لديهن الخادمات في البيوت، ولك أن تتخيل عندما تزورهن وتقوم الخادمة بخدمتها، ثم عندما يزورونها وتقوم هي بنفسها بخدمتهم...سيترتب على ذلك جراح نفسية خطيرة جدًا وليست بالسهلة وربما تتعمد زميلاتها تحقيرها وتوجيه الإهانة لها. فمثل هذه الزوجة يجب على زوجها أن يحضر لها خادمة تحكيما للعرف، ولها من الحقوق مثل ما لمثلها وعليها من الواجبات مثلما على مثيلاتها أيضا.
والقاعدة الفقهية تقول لا ضرر ولا ضرار. والضرر هنا واقع بلا شك على الزوجة من جميع النواحي.
إلا أن يشترط الزوج في عقد الزواج أن تخدم زوجته في البيت ولا يحضر لها خادمة وتوافق هي وولي أمرها على ذلك الشرط فليس لها بعد الزواج أن تطالب بخادمة لأن هذا فيه تغرير بالزوج ومخالفة للشرط والعهد، والمسلمون عند شروطهم وعقودهم طالما لم يحلوا حراما أو يحرموا حلالاً.
وإن استطاع الزوج بالحسنى أن يقنع زوجته بعدم إحضار خادمة لضائقة مالية مثلا وقبلت منه ذلك تعاونا معه وحبًا له وحفاظًا على الاستقرار الأسري والرابطة الزوجية من التفكك فهذا أمر طيب.
وفي بلدان أخرى يكون العرف السائد أن تخدم الزوجة في بيت زوجها بل ويكون من العيب احضار خادمة بأجرة أو راتب شهري. ويقدح ذلك في شخص الزوجة ويتسبب لها في أذى معنوي أمام المجتمع وتوصف بأنها عاجزة وغير ماهرة في إدارة بيتها وينظر لها نظرة سلبية. وتولد المرأة وتشب وتبلغ وتتزوج وهي لا ترى خادمات في المجتمع بل كانت أمها تخدم في بيت أبيها وجدتها تخدم في بيت جدها وزميلاتها ومثيلاتها يخدمن في بيوت ازواجهن. وهي نفسها كانت تخدم أباها وإخوتها وتخدم الضيوف عند الزيارة وربما خدمت في بيوت أقاربها في المناسبات التي تحتاج لتعاون النساء جميعا وهكذا.
فمثل هذه لا يحق لها بعد الزواج أن تخالف عرف مجتمعها ومثيلاتها، وتطلب خادمة إلا برضا الزوج أو كانت قد اشترطت في عقد الزواج ذلك ورضي الزوج بالشرط كما ذكرنا أعلاه حتى لا نكرر.
أما إذا لم يرض الزوج فليس من حقها الامتناع عن خدمته، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والحفاظ على استقرار الرابطة الزوجية واجب على الزوجين وخدمة الزوجة هنا عامل هام في استقرار هذه الرابطة الواجبة فصار خدمتها له واجبة عليها ولا يحق لها طلب الطلاق وتكون ناشزًا، إذا قدرت على خدمته وامتنعت عنادًا وتعسفًا لأنها امتنعت عن عرف محكم له سلطة شرعية، وامتنعت عن فعل مثيلاتها، وامتنعت عن الحفاظ على العلاقة الزوجية والميثاق الغليظ بلا عذر من مرض او عجز ونحوه. ويحق له أن يمنع عنها النفقة، لأن النفقة واجبة على الزوج مقابل طاعة زوجته له.
والزوج يعظها ويذكرها بحياة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنها وأرضاها، سيدة نساء الجنة، وكيف أنها كانت تدير الرحى بيدها لتطحن الحب وتحمل باليد الأخرى ولدها لترضعه، وما في ذلك من المشقة العظيمة، وكيف كانت تكفي زوجها الداخل ويكفيها هو الخارج...الخ، فالحياة تكامل لا تصادم، وكما يتعب الرجل خارج البيت في طلب الرزق ويعود منهكا متعبا يبتغي الراحة في بيته بعد عناء يوم طويل ويبتغي لقمة جاهزة يأكلها وشربة ماء ومودة وسكينة فكذلك على المرأة أن تعمل في بيتها وتوفر لهذا الزوج المتعب سبل راحته.
والله سبحانه وتعالى يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة).
ويستأنس بالآية بأن لك أيتها الزوجة من زوجك مثل الذي عليك له. فأنت لك أن يكفيك الخارج ويأت لك بالطعام والشراب والملبس والمسكن والأمن والحماية والحراسة والسكن والمودة. فعليك مثل ذلك له داخل بيتك.
ثم نقول إن كان بإمكان الزوج ان يتسامح مع ذلك أو عنده القدرة المادية أو بمقدوره ان يساعدها في أعمال البيت أو كان الأمر يخرج عن طاقتها كبشر ولا تتحمل واستطاعا ان يتصالحا ويتراضيا بينهما على حل وسط فذلك كله خير.
وإجمالا فإن العرف له حكم الشرع طالما كان عرفاً صحيحاً.
وقد حكم العلماء للمرأة بمهر المثل عند اختلاف الزوجين ولم يسميا مهرا معينا بينهما من قبل، فإن كان مهر مثلها من اخواتها عشرة آلاف فلها مثله وإن كان لمثلها مهر يقدر بمليون فلها مثله.
فكذلك تحكيم المثل في مسألة خدمة الزوجة لزوجها.
والغرم بالغنم: بمعنى إن غنمت من زوجها حقوقا، غرمت له واجبات.
والله تعالى أعلى واعلم.
 
أعلى