العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الدعاء على الاولاد

د. ياسر محمد جابر

:: مطـًـلع ::
إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
119
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١١٢. أنا بدعي على أولادي كتير أوي وبزعل وبموت اني بقيت كده من أتفه الأسباب، بتعب من دعائي عليهم والله العظيم بس أفعالهم هيا اللي بتوصلني لكده، وفعلا من ضغوط الحياه مش بستحمل خالص، لو فيه حل ارجوكم، بدل ما ألاقي بناتي في يوم بيكتبوا كده عني، أقسم بربي لا تتخيلوا كم الوجع اللي أنا حاسه بيه من السؤال ده ولم أخجل من قول ذلك عني.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
فهذه المشكلة لها سبب وعلاج، أما السبب فمنه الظاهر ومنه الخفي:
فأما الظاهر فمثل ضغوط الحياة وتمرد الأولاد ومخالفتهم لأمهم إذا أمرتهم أو نهتهم أو قصروا فيما يجب عليهم أو حتى لوقوع أخطاء عابرة منهم مع تراكم الضغوط الحياتية عبر السنين وتأثيرها على الجهاز العصبي لدى المرأة من حمل وولادة ورضاعة ورعاية ...الخ.
وقد يكون وراء ذلك أسباب خفية غير ملحوظة مثل التربية والثقافة والعادة بحيث يكون ذلك عادة لسان منذ بداية التنشئة والتربية بالوراثة عن الأسرة من قبل والإنسان ابن بيئته ومجتمعه الذي نشأ فيه. وقد يكون وراء ذلك الجهل وقلة العلم وضعف الثقافة الدينية.
وقد تكون هناك أسباب خفية أخرى ومحتملة كالعين الراصدة لحالك وحال أسرتك سيما إن كنتم في نعمة ورغد عيش.
ومن الأسباب الخفية أيضا إيلاف النعم فالأم هنا تألف نعمة الأولاد فلم تعد تشعر بهم كنعمة من الله بل تشعر بهم كعبء ثقيل على كاهلها ومسؤولية تريد أن تتخفف منها بينما هناك من تدعو ليل نهار بأن يرزقها الله نعمة الولد، فسبحان الله كيف يقل شكر الإنسان لنعم الله عليه بتعوده عليها، ثم هو يكفر نعمة الله عليه بأن يدعو بزوالها.
يقول تعالى:﴿ فَقالوا رَبَّنا باعِد بَينَ أَسفارِنا وَظَلَموا أَنفُسَهُم فَجَعَلناهُم أَحاديثَ وَمَزَّقناهُم كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكورٍ ﴾ [سبأ: ١٩]
دعوا على أنفسهم وبطروا نعمة الله عليهم بتقريب المسافات، وقالوا: ربنا باعد بين أسفارنا. وأعرضوا عن شكر الله، فجعلهم الله أحاديث يتحدث بها مَن بَعدَهم، وفرقهم في البلاد كل تفريق، بحيث لا يتواصلون فيما بينهم.
فالدعاء على الأولاد بطر للنعمة والدعاء على الزوج بطر للنعمة والعكس بالعكس كذلك.
العلاج:
أما العلاج فمنه الظاهر ومنه الخفي
أما الظاهر فبإظهار السمع والطاعة والبر من الأولاد لهذه الأم وتجنب الاستفزاز النفسي والتقصير ومعالجة الأخطاء العابرة والمبالغة في التلطف معها بالكلام والهدية وعمل احتفال خاص لها بقليل من المال كل فترة أو مناسبة والخروج بها للتنزه في الخارج والاتصال عليها دوما للاطمئنان واسماعها الكلمات الرقيقة المهذبة ولا مانع أن يتغزل الأولاد في أمهم بطريق المزحة واللعب ورفع المعنويات كقولهم: ما رأينا أجمل منك ولا اعقل منك ولا أحن منك ..أنت الأم المثالية...فإن استمرت في الدعاء عليهم قابلوا ذلك بصدر رحب وردوا عليها بعبارات مخجلة لها كقولهم: نعلم أن هذا ليس من قلبك...
قلبك أكبر من الدنيا كلها... الخ.
وهذا هو العلاج من طرف الأولاد أما الأم فتحتاج للتعلم والعلم والفهم بخطورة هذا الأمر شرعًا ودينًا وأن النهي عنه وردت به النصوص:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ» صحيح.
إن من يدعو بالسُّوء على نفسه أو ولده أو ماله أو خدمه لا يريد ذلك ولا يقصده غالبا، ولهذا يقول الله تعالى: {وَيَدعُ الإِنسانُ بِالشَّر دُعاءَه بِالخَيرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً} (الإسراء: 11)، ويقول عزّ وجلّ: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} (يونس: 11)، أي أنّه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، لأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم -والحالة هذه- لطفًا ورحمة، ولو استجاب لهم كلّ ما دعوه به في ذلك لأهلكهم، وفوق ذلك يتكرم الله عليهم بالاستجابة لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم وأولادهم بالخير والبركة والنّماء.
كذلك من العلاج إيجاد البديل السلوكي التعويضي الصحيح الذي يعوض النفس عن فقدان عاداتها المذمومة مثل تبديل اللعن والدعاء بالمصيبة والفقدان بالدعاء بالهداية والإصلاح كأن تقول الأم في لحظة غضبها: الله يهديكم ويصلحكم ويرشدكم ويهدي عقولكم ونفوسكم.
وإذا علمت الأم أنها عاصية لله ورسوله بدعائها على نفسها أو أولادها كان ذلك أردع لها وأمنع.
ومن العلاجات الخفية التأمل
تأمل ضرر ذلك على البيت والأسرة وكبح جماح العادة اللسانية القديمة المتراكمة عبر الزمن وتزكية النفس بحفظ الأدعية القرآنية والنبوية وترديدها مع النفس.
والرقية الشرعية من العين والحسد.
والله أعلم.
 
أعلى