العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حديث الآحاد بين العلم والظن

د. ياسر محمد جابر

:: مطـًـلع ::
إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
119
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١٠١. ما الذي يفيده حديث الآحاد: الظن أم العلم؟ وما مدى حجيته في الأحكام؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
تعريف حديث الاحاد: الآحاد في اللغة هو: جمع أحد كأبطال جمع بطل وهو بمعنى الواحد.
أما اصطلاحا فهو: ما رواه عن الرسول آحاد لم يبلغ جموع التواتر بأن رواه عن الرسول واحد أو اثنان أو جمع لم يبلغ حد التواتر، ورواها عن هذا الراوي مثله وهكذا حتى وصلت إلينا بسند طبقاته آحاد لا جموع التواتر. ومن هذا القسم أكثر الأحاديث التي جمعت في السنة وتسمى خبر الواحد.
قطعيها وظنيها: أما من جهة الورود فالسنة المتواترة قطعية الورود عن الرسول.
لأن تواتر النقل يفيد الجزم والقطع بصحة الخبر كما قدمنا. والسنة المشهورة قطعية الورود عن الصحابي أو الصحابة الذين تلقوها عن الرسول لتواتر النقل عنهم. ولكنها ليست قطعية الورود عن الرسول، لأن أول من تلقى عنه ليس جمع التواتر، ولهذا جعلها فقهاء الحنفية في حكم السنة المتواترة فيخصص بها عام القرآن ويقيد بها مطلقه لأنها مقطوع ورودها عن الصحابي. والصحابي حجة وثقة في نقله عن الرسول. فمن أجل هذا كانت مرتبتها في مذهبهم بين المتواتر وخبر الواحد. وسنة الآحاد ظنية الورود عن الرسول لأن سندها لا يفيد القطع. وأما من جهة الدلالة فكل سنة من هذه الأقسام الثلاثة قد تكون قطعية الدلالة إذا كان لا يحتمل تأويلا. وقد تكون ظنية الدلالة إذا كان نصها يحتمل التأويل.
وكل سُنة من أقسام السنن الثلاثة المتواترة والمشهورة وسنن الآحاد؛ حجة واجب اتباعها والعمل بها. أما المتواترة فلأنها مقطوع بصدورها وورودها عن رسول الله وأما المشهورة أو سنة الآحاد فلأنها وإن كانت ظنية الورود عن رسول الله إلا أن هذا الظن ترجح بما توافر في الرواة من العدالة وتمام الضبط والإتقان ورجحان الظن كاف في وجوب العمل. لهذا يقضى القاضي بشهادة الشاهد وهي إنما تفيد رجحان الظن بالمشهود به. وتصح الصلاة بالتحري في استقبال الكعبة وهو إنما يفيد رجحان الظن بالمشهود به. وهو إنما يفيد غلبة الظن. وكثير من الأحكام مبنية على الظن ولو التزم القطع واليقين في كل أمر عملي لنال الناس الحرج.
أدلة القائلين بأنه يفيد الظن :
استدل أصحاب هذا المذهب بأدلة كثيرة منها:
1 - أن خبر الواحد لو كان مفيدا للعلم لكان العلم حاصلا بنبوة من أخبر بكونه نبيا دون حاجة لمعجزة تدل على صدقه ولوجب ان يحصل للحاكم العلم بشهادة الواحد ولا احتاج لشاهد آخر ولا تزكية .
2 - أن الانسان يجد من نفسه تزايد الاعتقاد بالخبر كلما زاد المخبرون ولو كان الخبر الاول مفيدا للعلم لما حصلت الزيادة , لأن العلم لا يقبل الزيادة والنقصان.
3 -أنه لو حصل العلم بخبر الواحد لكان عاديا ولو كان عاديا لا طرد كخبر المتواتر واللازم منتف إذ كثيرا ما يسمع خبر العدل ولا يحصل العلم القطعي .
4 - أنه لو حصل العلم به لوجب القطع بتخطئة من يخالفه بالاجتهاد , وهو خلاف الاجماع .
5 - أنه لو حصل العلم به لأدى إلى تناقض المعلومين إذا اخبر عدلان بأمرين متناقضين، فإن ذلك جائز بالضرورة، بل واقع، واللازم باطل .
أدلة القائلين بأنه يفيد العلم:
استدل القائلون بأن خبر الواحد يفيد العلم بأدلة كثيرة نذكر منها:
1 - أن الأمة قد أجمعت على العمل بخبر الواحد وإتباعه ولولا أنه مفيد للعلم لما وجب العمل به لأن الله تعالى نهى عن إتباع الظن فقال تعالى:" ولا تقف ما ليس لك به علم " كما ذم متبعي الظن في قوله تعالى:" إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا". فدل ذلك على حرمة اتباع الظن
2 - أن خبر الواحد لو لم يكن مفيدا للعلم لما ابيح قتل المقر على نفسه بالقتل، ولا بشهادة إثنين ولما وجبت الحدود بأخبار الآحاد لكون ذلك قاضيا دليل العقل وبراءة الذمة .
3 – ما ورد عن على _ رضى الله عنه – أنه قال:" ما حدثني أحد بحديث إلا استحلفته سوى أبى بكر" فقد صدق أبا بكر وقطع بصدقه وهو واحد .
4 - كما أورد ابن حزم أدلة كثيرة لهذا المذهب , وناقش أدلة القائلين بأنه يفيد الظن .
ومن اقوى الأدلة التي ذكرها في هذا المقام: أن كلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الدين كله وحي من عند الله وأن كل وحي نزل من عند الله فهو ذكر منزل وقد تكفل الله بحفظ الذكر المنزل وضمن ألا يضيع منه شيء ولا يحرف
ولو جاز شيء من ذلك لكن كلام الله كذب وهذا لا يخطر بالبال فوجب أن يكون الذي جاء به محمد – صلى الله عليه وسلم – محفوظا مبلغا إلى كل من طلبه ولا سبيل إلى اختلاطه بباطل.
ويمكن مناقشة بعض هذه الادلة فيقال:
1 - لا نسلم أن العمل بخبر الواحد إتباع لغير المعلوم بل المتبع هو الإجماع القاطع على وجوب العمل بالظواهر وأيضا – فإن العقائد فقط هي التي يطلب فيها اليقين أما ما عدا ذلك فيكفى فيه الظن فهو عام دخله التخصيص.
2 - ما قالوه عن تصديق أبى بكر –رضى الله عنه – كان مبنيا على حصول القرائن بصدق خبره أو بناء على غلبة الظن .
الأدلة على حجية خبر الآحاد
أولا: من القرآن الكريم
قال الله تعالى:" يا ايها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " "الحجرات"
قال القرطبي: في هذه الآية دليل على قبول خبر الواحد إذا كان عدلا لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق. ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها.
ثانيا من السنة:
روى عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي –صلى الله عليه وسلم - قال : " نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه – ثلاث لا يغل عليهم قلب مسلم : إخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين ولزوم جماعتهم فان دعوتهم تحيط من ورائهم ".
وقد تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه كان يرسل أمراءه وقضاته وسعاته إلى الآفاق وهم آحاد لجمع الصدقات وتبليغ أحكام الدين وإبرام العهود أو حلها وهذا كله يدل على حجية خبر الواحد .
ثالثا: إجماع الصحابة :
تواتر عن الصحابة –رضى الله عنهم – في وقائع كثيرة من العمل بخبر الواحد، وهذه الوقائع تفيد الإجماع على وجوب العمل بخبر الواحد؛ فإنهم كثيراً ما كانوا يتركون آراءهم إذا نقل لهم خبر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فمن ذلك :
عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكرى المزارع فحدث أن رافع بن خديج بأثر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه نهى عن ذلك قال نافع فخرج إليه وأنا معه فسأله فقال رافع: نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن كراء المزارع فترك عبد الله كراءها.
الخاتمة: نخلص مما سبق أن حديث الآحاد راجح الظن؛ هو حجة لكنه ليس بقوة المتواتر لأن المتواتر قطعي الثبوت .
والذي نطمئن إليه أنه يمكن العمل بحديث الآحاد في العقائد على سبيل الاستئناس لا الاحتجاج والبخاري رحمه الله عقد بابا في خبر الآحاد أورد به خمس عشرة رواية ليس منها واحدة في العقيدة لكن حديث ضمام بن ثعلبة وهو خبر آحاد جاء في صلب العقيدة وورد في صحيح مسلم وشرحه النووي في المنهاج.
ثم نخلص إلي: أن خبر الواحد يجب العمل به فيما يفيده من أحكام سواء كان ذلك علماً أو ظناً بالشروط التي عرضنا لها والأدلة السابقة .
والله تعالى أعلم وهو ولى التوفيق.
 
أعلى