العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

التمييز بين التوكل والسبب

إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
207
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
٨١. كيف نميز بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب؟ وكيف نوفق بينهما؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛
فالتوفيق بين التوكل على الله تعالى والأخذ بالأسباب يكمن في التوازن، والتوازن يكمن في التزامن.
والمقصود بذلك؛ التزامن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، بين السعي وبين الإيمان، سعي الجوارح وإيمان القلب؛ لذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل صاحب الناقة بقوله: اعقلها. أي أَحْكِم شدّ رُكْبَةَ الناقة مع ذراعها بحبلٍ متينٍ كيلا ينفك عقالها، وتهيم على وجهها، وهو ما يُعرف بالأخذ بالأسباب أن يدفع الضرر ويجلب الخير ببذل الأسباب المعينة على ذلك مع ما يقبله العقل السليم، والمنطق، والفطرة، وفي ذات الوقت، وبالتزامن مع الأخذ فلا تعارض بينهما البتّة، ولا يصح أحدهما دون الآخر مع الإيمان المطلق أنّ قدر الله نافذٌ في الوقت المحتوم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز".
ورغم توكل موسى عليه السلام على ربه وقوله لقومه لما طاردهم فرعون وجنوده:( كلا إن معي ربي سيهدين)، إلا أن الله تعالى أمره بالأسباب:( فقلنا اضرب بعصاك البحر فانفلق). فما عساها العصا أن تفعل مع بحر واسع؟!، ورغم ضعف مريم عليها السلام وهي تعاني آلام المخاض إلا أن الله تعالى أمرها بالأسباب، فقال لها:( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيًا). فما عساها أن تفعل يد امرأة ضعيفة تتألم وتتوجع مع جذع نخلة؟!، ورغم توكل الرسول صلى الله عليه وسل على ربه في هجرته إلى المدينة إلا أنه أخذ بالأسباب، فوضع خطة، وجهز ناقتين ودليلا للطريق، وتخفى عن العيون وغير ذلك.
ومسألة الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى تفيدنا في مسألتين:
الأولى - سد العجز: بمعنى أنه لو لم تكن أسبابه التي أخذ بها كافية، أكمل الله له نقص الأسباب بتوكله عليه. بينما يوكله الله لنفسه ولأسبابه إذا كان متوكلا عليها.
وأسباب النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة لم تكن كافية للنجاة، فلحق به الكفار عند الغار، ولحق به سراقة بن مالك بفرسه، لكن الله تعالى سد لنبيه العجز في أسبابه بتعميتهم عنه عند الغار، وتخلف فرس سراقة عن اللحاق به صلى الله عليه وسلم.
الثانية - الحتمية: بمعنى أن الأخذ بالأسباب لا يستلزم النتيجة المرجوة، لأن المتوكل الحقيقي يعلم أن النتائج بيد الله تعالى، وأن الله تعالى قد يرزقه بالأسباب مع التوكل نتائج أعظم بكثير من تلك التي خطط لها، وقد يمنعه النتائج لعلمه سبحانه بأنها مضرة به، وقد يؤخرها عن الوقت المخطط له لحكمة عظيمة لا يعلمها إلا هو، وقد يكون التأخير من الله لرجاء عبده سببًا في عظم النتائج بعد ذلك، وفي هذا السياق يفهم تأخير خروج يوسف عليه السلام من السجن، رغم وصيته لصاحبه أن يذكره عند الملك، فكانت النتيجة عظيمة إذ أصبح يوسف ملكا على مصر.
وكذلك فإن الرقية والأذكار والصلوات والصدقات تحفظ من العين، لكنها لا تلغي الحذر من العائن، وضرورة تجنبه إذا كان معروفا معينًا، والتوكل الحقيقي على الله – هنا - يمنع من الوسوسة تجاه كل الناس حتى تصبح وسوسة قهرية مرضية ملازمة لصاحبها في كل زمان ومكان.
والخلافة في الأرض لا يقوم بها مؤمن إلا بالسير في طريقين متوازيين:
طريق التوكل اليقيني على الله عز وجل.
وطريق العمل والسعي والعطاء والحذر.
 
أعلى