العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

عيسى عليه السلام حي في السماء

إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
212
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١٥. هل رُفع عيسى عليه السلام إلى السماء حياً أم ميتاً؟ فإن بعض النصارى يزعم التناقض بين كونه لم يقتل وكونه تُوفي، فما الراجح في ذلك؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
فإن قليل العلم باللغة والتفسير والجمع بين النصوص يأخذ الكلمة أو اللفظة على ظاهرها ثم يطير بها في الآفاق دون رجوع للأصول والمصادر وأهل العلم، وهو فقط ينقاد خلف مزاجه وهواه.
ومن أمثلة ذلك من يأخذ كلمة متوفيك بمعني الموت دون النظر في معناها لغة، ومعناها في سياقات متشابهة وأقوال أهل العلم فيها.
فكلمة متوفيك من الوفاة ولها معاني منها:
النوم، والاستيفاء، من استوفى حقه، والموت...الخ.
وقد ذكر ابن كثير في تفسيره هذه المعاني وأن الأكثرين من المفسرين على أن الوفاة في الآية: (إني متوفيك ورافعك إلي) بمعنى النوم.
كما قال تعالى: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) [الأنعام: 60].
وقال تعالى:( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [الزمر: 42].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - إذا قام من النوم - :" الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " .
وقال الله تعالى: (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) إلى قوله تعالى: (وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) [النساء: 156 - 159].
والضمير في قوله: (قبل موته) عائد على عيسى، عليه السلام، أي: وإن من أهل الكتاب إلا يؤمن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، على ما سيأتي بيانه، فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم، لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام.
وعن الربيع بن أنس، عن الحسن أنه قال في قوله: (إني متوفيك) يعني وفاة المنام، رفعه الله في منامه. قال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود:" إن عيسى لم يمت، وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة ".
وقوله تعالى: (ومطهرك من الذين كفروا) أي: برفعي إياك إلى السماء (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) وهكذا وقع، فإن المسيح، عليه السلام، لما رفعه الله إلى السماء تفرقت أصحابه شيعا بعده، فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أمته، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله، وآخرون قالوا: هو الله.
وآخرون قالوا: هو ثالث ثلاثة. وقد حكى الله مقالاتهم في القرآن، ورد على كل فريق، فاستمروا كذلك قريبا من ثلاثمائة سنة، ثم نبع لهم ملك من ملوك اليونان، يقال له: قسطنطين، فدخل في دين النصرانية، قيل: حيلة ليفسده، فإنه كان فيلسوفاً، وقيل: جهلا منه، إلا أنه بدل لهم دين المسيح وحرفه، وزاد فيه ونقص منه، ووضعت له القوانين والأمانة الكبيرة - التي هي الخيانة الحقيرة - وأحل في زمانه لحم الخنزير ، وصلوا له إلى المشرق وصوروا له الكنائس، وزادوا في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه، فيما يزعمون.
وصار دين المسيح دين قسطنطين إلا أنه بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارات ما يزيد على اثني عشر ألف معبد، وبنى المدينة المنسوبة إليه، واتبعه الطائفة الملكية منهم. وهم في هذا كله قاهرون لليهود، أيدهم الله عليهم لأنهم أقرب إلى الحق منهم، وإن كان الجميع كفارا.
فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق - كانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض - إذ قد صدقوا الرسول النبي الأمي، خاتم الرسل، وسيد ولد آدم، الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق ، فكانوا أولى بكل نبي من أمته ، الذين يزعمون أنهم على ملته وطريقته ، مع ما قد حرفوا وبدلوا .
ثم لو لم يكن شيء من ذلك لكان قد نسخ الله بشريعته شريعة جميع الرسل بما بعث به محمدا صلى الله عليه وسلم من الدين الحق، الذي لا يغير ولا يبدل إلى قيام الساعة، ولا يزال قائما منصورا ظاهرا على كل دين. فلهذا فتح الله لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها، واحتازوا جميع الممالك، ودانت لهم جميع الدول، وكسروا كسرى، وقصروا قيصر، وسلبوهما كنوزهما، وأنفقت في سبيل الله، كما أخبرهم بذلك نبيهم عن ربهم، عز وجل، في قوله: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) الآية [النور:65].
ولهذا لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقا سلبوا النصارى بلاد الشام وأجلوهم إلى الروم، فلجئوا إلى مدينتهم القسطنطينية، ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة.
وقد أخبر الصادق المصدوق أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية، ويستفيئون ما فيها من الأموال، ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جدا، لم ير الناس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها.
ولهذا قال تعالى: (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليّ مرجعكم) أي: يوم القيامة (فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون).
 
أعلى