العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الفحص الطبي قبل الزواج

إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
238
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١٠. ما حكم الفحص الطبي قبل الزواج، وهل هو ضرورة عصرية؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الفحص الطبي: هو القيام بالكشف على الجسم بالوسائل المتاحة، ويتم عند الرغبة في الزواج وقبل عقد النكاح، لمعرفة ما لدى الزوجين من أمراض خطيرة.
ولم يتعرض السلف لهذه القضية من الناحية الفقهية، ولعل ذلك يعود للأسباب الآتية:
1 - الصدق والأمانة في الإخبار عن معايبهم النفسية والجسدية. عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءني رسول الله فخطبني، فقلت: ما مثلي تُنكح، أما أنا فلا ولد لي، وأنا غيور، ذات عيال! فقال:" أنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله، وأما العيال فإلى الله ورسوله".
2 - بساطة الحياة آنذاك؛ فلم تكن هناك ثمة حاجة لفحص المقبلين على الزواج.
3 - ضعف وسائل الفحص الحديثة والهندسة الوراثية في الماضي.
4 - يمكن قياسها على الفسخ بالعيب.
واختلف الفقهاء المعاصرون حول حكم الفحص الطبي قبل الزواج ما بين مجيزين ومانعين على النحو التالي:
أولاً: المجيزون للفحص الطبي قبل الزواج
من الذين ذهبوا إلى الجواز الدكتور محمد عثمان شبير، والدكتور عبد الرحمن الصابوني والدكتور عارف على عارف. وهؤلاء يرون – إجمالاً - أن الأصل الشرعي في مشروعية هذا الفحص واضح في الكتاب والسنة . أما الكتاب فقول الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. وقوله عزوجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [النساء: 29] والمعنى -وإن قيل إن هاتين الآيتين ذواتا حكم خاص- إلا أنه واضح في أن على الإنسان واجباً في اجتناب ما يؤدي إلى ضرره ، والعبرة في هذا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . أما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم كما تفر من الأسد) البخاري. وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يوردن ممرض على مصح) البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) البخاري. وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين عاد بمن معه إلى المدينة ، حين سمع بوقوع طاعون عمواس في الشام. مسلم. فاقتضى ما سبق ذكره مشروعية الفحص الطبي قبل الزواج لما له من المنافع الشرعية العديدة، التي تنعكس بآثارها الحميدة على الزوجين.
ثانياً: المانعون للفحص الطبي قبل الزواج
وهؤلاء بنوا رأيهم على سلبيات الفحص الطبي، والاضرار الناجمة عنه والتي أسلف الباحث ذكرها. ومنهم الشيخ عبد العزيز بن باز حيث رأى في إحدى الفتاوى أنه لا حاجة لهذا الكشف ونصح المتقدمين على الزواج بإحسان الظن بالله، فالله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي:" أنا عند ظن عبدي بي" البخاري،كما رُوِي ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم، ولأن الكشف الطبي يعطي نتائج غير صحيحة.
وممن ذهب مذهب الشيخ ابن باز، كل من الدكتور عبد الكريم زيدان، والدكتور محمد رأفت عثمان، والدكتور محمد عبد الغفار الشريف، ومن أدلة هذا الفريق:
1 – أن عقد النكاح ليس عقداً جديداً حتى نبحث عن شروط جديدة لصحته، بل هو عقد تناوله الشرع بالتفصيل من حيث أركانه وشروطه... وبالتالي فإن إجبار العاقدين بوجود هذا الشرط مخالف لما ثبت عن الشرع، ويكون الشرط باطلاً، لأنه يدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله، فليس له، وإن اشترط مائة شرط"( ).
2 – لا نجد في الكتاب والسنة ولا في أقوال الفقهاء السابقين دليلاً، او قولاً باشتراط سلامة الصحة لصحة النكاح... بل الشروط الشرعية بعد شروط العقد هو كون الزوج من أهل الدين والخلق، ولم يشترط كونه سليماً، حيث قال صلى الله عليه وسلم:" إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"( ).
3 – إن تصرفات ولي الأمر – وبالأخص في جعل المباح واجباً إنما تصح إذا تعينت فيها المصلحة، أو غلبت، للقاعدة الفقهية: (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة). وقد رجح د. القرة داغي الآتي:
أولاً: القول بعدم جواز الإجبار على الفحص الجيني وضرورة ترك ذلك للحرية الشخصية، مع التوعية بأهميته، إلا في حالات وجود أضرار خطيرة محققة لا تدرأ إلا من خلال الفحص الجيني، أو في حالات فردية خاصة تتكاتف القرائن والأدلة على ضرورة الفحص الطبي، فحينئذ تصدر الدولة قرارا خاصاً بالإلزام في مثل تلك الحالات( ).
ثانياً – القول بجواز صدور قرار ملزم من الدولة بإلزام الراغبين في الزواج بالفحص الطبي العادي قبل الزواج بشرطين:
1 – أن يكون ذلك من الأمراض المعدية الخطيرة السارية مثل التهاب الكبد الوبائي، والإيدز.
2 – أن لا يكون جزاء الإخلال بالفحص الطبي هو إبطال العقد وفساده، حتى لا يتحول الفحص الطبي إلى شرط صحة في عقد النكاح، فيكون شرطاً باطلاً لعدم النص عليه( ). وهذا يخرجنا من الخلاف، والله أعلم.
 
أعلى