العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الكلام على أثر: (ما من عام بأقل مطرا من عام).

انضم
31 مايو 2024
المشاركات
15
الإقامة
الجزائر العاصمة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أيمن
التخصص
أصول الفقه - فقه
الدولة
الجزائر
المدينة
الجزائر العاصمة
الحمد لله وبعد:
ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ رضي الله عنهما ﻗﺎﻝ: (ﻣﺎ ﻣﻦ ﻋﺎﻡ ﺑﺄﻗﻞ ﻣﻄﺮا ﻣﻦ ﻋﺎﻡ، ﻭﻟﻜﻦ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺼﺮﻓﻪ ﺣﻴﺚ ﻳﺸﺎء، ﺛﻢ ﺗﻼ ﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَـٰهُ بَیۡنَهُمۡ لِیَذَّكَّرُوا۟ فَأَبَىٰۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورࣰا﴾ [الفرقان ٥٠])(1).

-دل هذا الأثر وما في معناه على أن المطر الذي ينزله الله عزّ وجل على خلقه كل عام يكون بمقدار واحد، فلا يكون عام أمطر من عام، وإنما يصرفه الله تبارك وتعالى حيث شاء على ما تقتضيه حكمته البالغة، ومشيئته النافذة، قال تعالى:﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَـٰهُ بَیۡنَهُمۡ لِیَذَّكَّرُوا۟ فَأَبَىٰۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورࣰا﴾ [الفرقان ٥٠]، يقول ابن عطية: "اﻟﻤﻌﻨﻰ:ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺟﻌﻞ ﺇﻧﺰاﻝ اﻟﻤﺎء ﺗﺬﻛﺮﺓ ﺑﺄﻥ ﻳﺼﺮﻓﻪ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻮاﺿﻊ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻮاﺿﻊ، وﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺎﻡ ﺑﻤﻘﺪاﺭ ﻭاﺣﺪ"اه‍(2)، فما زيد لبعض نقص من غيرهم(3).
- فالرب سبحانه يسير السحاب ويسوقه بحكمته وتدبيره، فيمر على الأرض فتسقى، وقد مر على الأخرى فلم تنزل عليها قطرة من ماء، يقول ابن كثير في معنى الآية السابقة: "ﺃﻱ: "ﺃﻣﻄﺮﻧﺎ ﻫﺬﻩ اﻷﺭﺽ ﺩﻭﻥ ﻫﺬﻩ، ﻭﺳﻘﻨﺎ اﻟﺴﺤﺎﺏ ﻓﻤﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﺭﺽ ﻭﺗﻌﺪاﻫﺎ ﻭﺟﺎﻭﺯﻫﺎ ﺇﻟﻰ اﻷﺭﺽ اﻷﺧﺮﻯ، ﻓﺄﻣﻄﺮﺗﻬﺎ ﻭﻛﻔﺘﻬﺎ ﻓﺠﻌﻠﺘﻬﺎ عذقا، ﻭاﻟﺘﻲ ﻭﺭاءﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﺰﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻄﺮﺓ ﻣﻦ ﻣﺎء، ﻭﻟﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ اﻟﺤﺠﺔ اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﻭاﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﻘﺎﻃﻌﺔ"(4)، وهذا -كما ذكرت- راجع إلى حكمته سبحانه البالغة، ولا يبعد أن يكون لأجل ذنوب العباد ومعاصيهم كي يذكروا ويرجعوا إلى ربهم بالتوبة والإنابة، ولهذا قال: {لِیَذَّكَّرُوا۟}، أي: "ﻟﻴﺬﻛﺮ ﻣﻦ ﻣﻨﻊ اﻟﻘﻄﺮ ﺃﻧﻤﺎ ﺃﺻﺎﺑﻪ ﺫﻟﻚ ﺑﺬﻧﺐ ﺃﺻﺎﺑﻪ، ﻓﻴﻘﻠﻊ ﻋﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻴﻪ"(5)، وقد يشهد لهذا بعض الآثار، يقول البغوي: "ﻭﺫﻛﺮ اﺑﻦ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﻭاﺑﻦ ﺟﺮﻳﺞ ﻭﻣﻘﺎﺗﻞ ﻭﺑﻠﻐﻮا ﺑﻪ ﻭاﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﻳﺮﻓﻌﻪ ﻗﺎﻝ: [ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ﺑﺄﻣﻄﺮ ﻣﻦ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻟﻜﻦ اﻟﻠﻪ ﻗﺴﻢ ﻫﺬﻩ اﻷﺭﺯاﻕ، ﻓﺠﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﻄﺮ ﻳﻨﺰﻝ ﻣﻨﻪ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﺑﻜﻴﻞ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﻭﻭﺯﻥ ﻣﻌﻠﻮﻡ، ﻭﺇﺫا ﻋﻤﻞ ﻗﻮﻡ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺣﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ، ﻓﺈﺫا ﻋﺼﻮا ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺻﺮﻑ اﻟﻠﻪ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ اﻟﻔﻴﺎﻓﻲ ﻭاﻟﺒﺤﺎﺭ](6)، وكل هذا من عدل الله تعالى ولطفه، والله الموفق.
-فحاصل الكلام:
أن المطر الذي ينزل كل عام إنما هو بمقدار واحد كما ذكرنا، والذي يختلف هو تصريفه وتوزيعه، فإن ذلك راجع إلى تقدير العزيز العليم، وإلى حكمته البالغة في ذلك، والله الهادي.
-ثم إن هذا قد شهد له أهل الفلك، حيث بينوه أتم بيان، وأوضحوه أتم توضيح، مع ذكر الشواهد في ذلك، فيكون من الإعجاز العلمي الذي يدل على عظمة الله وقدرته سبحانه، والله الموفق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

وكتب:
أبو أيمن أمين الجزائري.
___________________
1)- أخرجه البيهقي(٥٠٧/٣)، والحاكم(٤٣٧/٢)، وابن أبي حاتم في التفسير(١٥٢٤٧)، والطبري(٢٨٠/١٩) عن ابن عباس موقوفاً عليه.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي والألباني.
ورواه البيهقي(٥٠٧/٣)، والطبري(٨٣/١٧)، والعقيلي في"الضعفاء"(٢٢٨/٣) عن ابن مسعود موقوفاً عليه، قال الألباني في"الصحيحة"(٥٩٣/٥): رجاله ثقات رجال الشيخين غير يزيد هذا -وهو الهاشمي مولاهم- وهو سيء الحفظ، فلا بأس به في الشواهداه‍.
كما رواه البيهقي(٥٠٧/٣)، والمخلص في
"المخلصيات"(٥٦٦) من حديث ابن مسعود مرفوعاً، لكن قال البيهقي: كذا روي مرفوعاً بهذا الإسناد، والصحيح موقوف. وقال العقيلي: وهو أولى. وجزم ابن كثير في "تفسيره"(١١٦/٦) بأن الأثر هو من كلام ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما.
والأثر ذكره الإمام الألباني في"الصحيحة"(٥٩٢/٥)(٢٤٩١) من حديث ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما موقوفاً عليهما، ثم قال: "اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻮﻗﻮﻓﺎ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﺮﻓﻮﻉ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺮﺃﻱ ﻭاﻻﺟﺘﻬﺎﺩ، ﻭﻷﻧﻪ ﺭﻭﻱ ﻣﺮﻓﻮﻋﺎ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ".
2)- المحرر الوجيز(٢١٣/٤)، وانظر: تفسير البغوي(٨٩/٦)، زاد المسير (٣٢٣/٣).
3)- أنظر: تفسير القرطبي(٥٧/١٣).
4)- تفسير ابن كثير(١١٥/٦).
5)- المصدر السابق(١١٦/٦).
6)- تفسير البغوي(٨٩/٦).
 
أعلى