د. ياسر محمد جابر
:: مشارك ::
- انضم
- 5 مارس 2023
- المشاركات
- 240
- الإقامة
- قطر الدوحة
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو عمار الرشيدي
- التخصص
- فقه وأصول
- الدولة
- قطر
- المدينة
- الدوحة
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
استقبال رمضان – حال السلف
همم وقمم – وصايا رمضانية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أولاً
كيف نستقبل
شهر رمضان؟
1. كيف نستقبل شهر رمضان؟
بعد أيام يهل علينا شهر رمضان بنسماته العاطرة ، شهر جعل الله عز وجل صيامه أحَدَ أركان الإسلام، واختصه بفضائل عظيمة، فهو شهر الصيام والقيام، شهر تتنزل فيه الرحمات، وتُغْفَر فيه الذنوب والسيئات، وتُضاعف فيه الأجور والحسنات، وتُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النار، ويعتق الله فيه عباده من النيران ، شهر أُنْزِل فيه القُرآن الكريم والبعض منا قد لا يكون استعد لرمضان فتنفلت منه أيام من أيام الرحمة وهو لم ينغمس بعد في روح رمضان ، ومن هنا تأتي أهمية الاستعداد للشهر الكريم وترتيب أوقاتنا وقلوبنا ونياتنا .
فكيف نستعد لرمضان من الآن؟
صيام التطوع : فقد كان من هدي النبي ﷺ كثرة الصيام في شعبان لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ " .
الإكثار من قراءة القرآن الكريم: حتى إذا جاء رمضان كان يسيرا علينا أن نختم تلاوته ونتدبر آياته .
التمرن على الصدقة: حتى إذا جاء رمضان كان الأنفاق يسيرا على قلوبنا وأيدينا .
التمرن على قيام الليل: ولو قليلًا، حتى إذا جاء رمضان، سهل علينا القيام حتى نفوز بالخير الكبير لمن صام رمضان وقامه.
2. كيف نستقبل رمضان روحيا ؟
تتهيأ أرواحنا لرمضان بمعرفة فضله العظيم وتقبل قلوبنا بتهيئة النفس للسباق من أجل الفوز بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، فنوصي أنفسنا وأياك بالآتي:
ادع الله أن يبلغك شهر رمضان: قبل أيام من رمضان، فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كان النبي ﷺ إذا دخل رجب قال: " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" .
استبشر بفضائل الشهر: قبل أيام من رمضان، قبل أيام من رمضان عليك أن تستبشر بفضائل هذا الشهر، مثل: فتح أبواب الجنان، وغلق أبواب النار، ومغفرة الذنوب، ونول الرحمات، والعتق من النيران.
3. خَطط مسبقا للاستفادة من رمضان: قبل أيام من رمضان، خطط للاستفادة منه ، فضع برنامجا عمليا لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله تعالى، وقسِّم وقتك بين الأسرة، والقراءة، والنوم، والصلوات، والزيارات وكن منظما، ولا تترك نفسك للظروف.
قم بإعداد برنامج خاص للدعاء والذكر: قبل أيام من رمضان،قم بإعداد برنامج خاص للدعاء والذكر حَدِّد فيه مطالبك، واكتب أدعيتك وأذكارك، واحرص على أن تجعل لك ذكرا وتسبيحا دُبر كل فعلٍ تقوم به، ودُبر كل صلاة، وقبل النوم وبعده، وفي الأوقات البينية، وبين الأعمال الحياتية، وفي أثناء الخروج والدخول من البيت أو العمل أو محل الدراسة، وفي أثناء السير، ومع كل حركة تقوم بها أثناء عملك.
استعن بالله ولا تعجز: قبل أيام من رمضان، استعن بالله ولا تعجز، فالمسلم محتاج إلى الاستعانة بالله، فإن طلبها أعانه الله عز وجل، وإن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره وَكَلهُ الله إلى من استعان به فصار مخذولا.
4. كيف تفوز في شهر رمضان ؟
من المهم ونحن على أعتاب رمضان أن نعد أنفسنا للفوز به ومن هذا الإعداد :
الإكثار من الدعاء بالمغفرة: فقد كان عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) إذا أفطر يقول: "اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي".
الاهتمام بالقرآن الكريم اهتماما خاصا: وفي حديث فاطمة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه أخبرها "أن جبريل (عليه السلام) كان يعرض عليه القرآن كل عام مرة وأنه عرضه في عام وفاته مرتين” .
صلاة التراويح والقيام .
الجود والكرم: فقد كان النبي ﷺ أجود ما يكون في رمضان .
حفظ اللسان وقلة الكلام وتوقي الكذب: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" .
الاجتهاد في العشر الأواخر: ففي الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله ﷺ كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره.
وأخيرا فها قد انقضى عام تقريبا على رمضان الفائت ، ثقلت فيه نفوسنا وقلوبنا وننتظر رمضان الآن لنقول له كما كان يقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : " مرحبا بمطهرنا " ، فمرحبا بمطهرنا !
نسأل الله أن نكون جميعا من عتقاء الشهر الكريم ممن شملهم الحديث الذي رواه الترمذي: «إذا كَانَ أوَّلُ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ومَرَدَةُ الجِنِّ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ فلََمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وفُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ فلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، ويُنَادِي مُنَادٍ: يا بَاغِيَ الخَيْرِ أقْبِلْ، ويا بَاغِيَ الشَّرِّ أقْصِرْ، وللهِ عُتَقَاءُ مِن النَّارِ، وذَلِكَ كُلُّ لَيْلَةٍ»
جعلنا الله ممن يصوم ويقوم شهر رمضان إيماناً واحتسابا، وأن يجعلنا من الفائزين المقبولين.
ثانياً
استقبال السلف
لشهر رمضان
5. كيف كان السلف يستقبلون شهر رمضان؟
للصحابة والسلف الصالح أحوال راقية في الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك، فقد كانوا ينتظرونه بشوق لما فيه من بركات وأنوار.
وقبل رمضان كان الصحابة رضوان الله عليهم يتمون ما عليهم من أيام أفطروها في رمضان بسبب عذر من سفر أو مرض أو حيض أو نفاس وغيرها من الأعذار الشرعية، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ"، لكي يخلوا رمضان الجديد وقد برأت ذمتهم وقضوا ما عليهم.
كان لصحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-استعدادات من نوع خاص بعيدًا عن الطعام والشراب، بل كان استعدادًا روحيًا لتهيئة قلوبهم لنفحات شهر رمضان، فكانوا يستعدون لرمضان بالدعاء، فقد ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه خمسة أشهر بعدها حتى يتقبل منهم، فيدعون الله أن يبلغهم رمضان على خير في دينهم وأبدانهم، ويدعوه أن يعينهم على طاعته فيه، ويدعوه أن يتقبل منهم أعمالهم.
وكان الصحابة والسلف الصالح أشد فرحًا بقدوم رمضان، وكانوا يظهرون السرور والبشر؛ لأن رمضان من مواسم الخير، الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وهو شهر القرآن، لذا كانوا يفرحون مصداقًا لقوله تعالى:" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ".
وكذلك كانوا يتهيأون بقراءة القرآن فيقول أنس بن مالك صاحب رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبُّوا على المصاحف فقرءوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقويةً للضعيف والمسكين على صيام رمضان".
وكانوا يستعدون لشهر رمضان بالإكثار من الصيام في شهر شعبان، وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان".
وقال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن استعدادًا لرمضان، فالذي تعود على المحافظة على ورده القرآني قبل رمضان سيحافظ عليه في رمضان.
كما كانوا رضي الله عنهم بجانب فرحتهم بالشهر الكريم يصفونه بالأوصاف الجميلة ويسمونه بـ "المُطهر"، فكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عند دخول رمضان: " مرحبا بمطهرنا من الذنوب".
ثالثاً
أحوال السلف
في شهر رمضان
6. ما أحوال السلف في رمضان؟
فالسلف لهم أحوال في رمضان غير أحوالهم في غير رمضان من الشهور، فمنهم الإمام مالك بن أنس؛ الذي لا تنقطع دروسه في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يوقفها في رمضان؛ لأنه ينشغل بشهر القرآن، الإمام مالك بن أنس -رحمه الله تعالى- إذا دخل رمضان يفرُّ من الحديث، ومن مجالسة أهل العلم، ويُقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان سفيان الثوري -رحمه الله- إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات، وأقبل على قراءة القرآن.
وكان محمد بن إسماعيل البخاري -صاحب الصحيح- يختم في رمضان في النهار كلَّ يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كلَّ ثلاثَ ليال بختمة.
وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين.
وكان زبيد اليامي: إذا حضر رمضان أحضرَ المصحفَ وجمع إليه أصحابه.
وكان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمة.
وقال أبو عوانة: شهدتُ قتادة يدرِّس القرآن في رمضان.
وكان قتادة يختم القرآن في سبع، -أي كل سبع ليالي يقرأ القرآن مرة-، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ، فإذا جاء العشر الأواخر ختم كل ليلةٍ.
وقال الربيع بن سليمان -تلميذ الشافعي رحمه الله-: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة، -يعني في كل ليلة يختمه مرتين- وفي كل شهر ثلاثين -أي في غير رمضان- ختمة.
فأين نحن من هؤلاء يا عباد الله؟!
وكان وكيع بن الجراح يقرأ في رمضان في الليل ختمةً وثلثاً، ويصلي ثنتي عشرة ركعة من الضحى، ويصلي من الظهر إلى العصر.
وقال القاسم بن عليٍّ يصف أباه ابنَ عساكر صاحب (تاريخ دمشق): "وكان مواظباً على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كلَّ جمعة، أو يختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية"، أي في جامع دمشق.
قال ابن رجب الحنبلي؛ مبينا أفعال هؤلاء السلف، ولأن هناك نهيا عن القراءة في أقل من ثلاثة أيام، الإنسان إذا قرأ القرآن في أقل من ثلاثة أيام لا يفقهه، وهناك نهي عن ذلك، يقول ابن رجب: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث؛ على المداومة على ذلك، -أن يعيش عمره كله يقرأ القرآن في أقل من ثلاث- فأما في الأوقات المفضلة؛ كشهر رمضان، خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة؛ كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتناما للزمان والمكان، وهذا قول -الإمام- أحمد وإسحاق وغيرهما من الأمة، وعليه يدل عمل غيرهم"(من لطائف المعارف).
هذا حالهم في رمضان مع القرآن، فما هو حالنا؟ إذا كان الإمام مالك يترك دروس العلم ليقرأ القرآن، فهل نترك نحن التوترة والفسبكة والشبكات العنكبوتية والفضائية، وما شابه ذلك لننتبه لقراءة القرآن؟
أم في رمضان تزداد الأفلام والمسلسلات وما يسمى بالفوازير وسمِّ ما شئت، أين نحن منهم؟ هذا حال السلف فما هو حالنا اليوم؟
أما حالهم رضي الله عنهم في النفقة والجود والكرم في رمضان، فحدث ولا حرج، مقتدين في ذلك بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ -يعني جبريل طول الشهر يلقَى النبي كل ليلة، فينسلخ الشهر- فيعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة"(متفق عليه).
وقال ابن رجب: قال الشافعي -رضي الله عنه-: "أُحبُّ للرجلِ الزيادةَ بالجودِ في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولحاجةِ الناس فيهِ إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصَّومِ والصلاةِ عن مكاسبهم"، فالجود في رمضان من أهل الجود والكرم مطلوب.
وكان ابن عمر -رضي لله تعالى عنهما- يصوم، ولا يفطر إلاَّ مع المساكين، يأتي إلى المسجد فيصلي ثم يذهب إلى بيته ومعه مجموعة من المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَّ تلك الليلة.
وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه، أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفْنَةِ، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.
هؤلاء هم السلف فأتوني بمثلهم يا من تدعون السلف وتدعون السلفية وما شابه ذلك.
يقول يونس بن يزيد: كان ابن شهاب الزهري إذا دخل رمضان؛ قال: "فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام".
وكان حماد بن أبي سليمان يفطِّر في شهر رمضان خمسَ مائةِ إنسانٍ، -طيلة شهر رمضان هو مسئول عنهم وعن تفطيرهم- وإنه كان يعطيهم بعد العيد لكلِّ واحدٍ منهم مائة درهم.
وقال أبو العباس هاشم بن القاسم: "كنت عند المهتدي -أحد خلفاء الدولة العباسية- عشيَّةً -أي بعد العصر- في رمضان، -أي أحب أن يشاركه في الإفطار إفطار الملوك والأمراء- "فقمت لأنصرف فقال: اجلس، فجلست، فصلى بنا، ودعا بالطعام، فأحضرَ طبقَ خِلافٍ -طبق كبير وفيه أطباق صغيرة- عليه أرغفةٌ، وآنية فيها ملحٌ وزيتٌ وخلٌّ، فدعاني إلى الأكل فأكلت أكل من ينتظر الطبيخ، -يعني هذه مشهيات ومقدمات- فقال: "ألم تكن صائماً؟!" قلت: "بلى!" قال: "فكُل واستوفِ فليس هنا غير ما ترى!"، هذا طعام ولي أمر المؤمنين في زمانه، وإفطاره بعد أن جاع طول النهار.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليس الصيام -أي في حقيقته- من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب والباطل، واللغو والحلف" (أخرجه ابن أبي شيبة).
وعن مجاهد قال: "خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب"(أخرجه ابن أبي شيبة).
ومما يؤكد مكانةَ الشهر في نفوس السلف الصالح، وجعل أفعالهم وأحوالهم ترجمة عملية لهذه الأقوال، مما يؤكد ذلك أقوالهم في ذلك.
فماذا يقول عمر -رضي الله تعالى- عنه عندما يقدم شهر رمضان؟
يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "مرحبا بمطهرنا من الذنوب".
ويقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "من كان همه ما يدخل إلى جوفه كانت قيمته ما يخرج منه".
قيل للأحنف بن قيس رحمه الله -عندما كبر في السن-: إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك. فقال: "إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله -سبحانه- أهون من الصبر على عذابه".
وعن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "ما شبعت منذ أسلمت".
وعن أبي سليمان الداراني قال: "إذا أردت حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة، فلا تأكل حتى تقضيَها، فإن الأكل يغير العقل".
وعن أبي عمران الجوني قال: "كان يقال: من أحب أن ينور قلبه فليقل طعامه".
وعن عثمان بن زائدة قال: كتب إليَّ سفيان الثوري: "إن أردت أن يصح جسمك، ويقلَّ نومك، فأقلل من الأكل".
وعن إبراهيم بن أدهم قال: "من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة".
وقال حسن بن يحيى الخشني: "من أراد أن يغزُرَ دمعَه -يبكي- ويرقَّ قلبُه، فليأكل وليشرب في نصف بطنه".
وعن الشافعي قال: "ما شبعت منذ ستة عشر سنة؛ إلا شبعة أطرحها؛ لأن الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة".
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "أول بدعة حدثت بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الشبع، إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بها نفوسهم إلى الدنيا".
قيل لبشر: إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان فقط، قال: "بئس القوم لا يعرفون لله حقًّا إلا في رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها".
إنهم يشتاقون لرمضان، قال يحيى بن أبي كثير: "اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلا".
وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: "إنما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام".
وقال الحسن البصري: "إذا لم تقدر على قيام الليل، ولا صيام النهار، فاعلم أنك محروم، قد كبَّلتك الخطايا والذنوب".
وقال ابن عبد البر: "كفى بقوله -سبحانه-: "الصوم لي" فضلاً للصيام على سائر العبادات".
وعن الحسن بن أبي الحسن البصري؛ أنه مرَّ بقوم وهم يضحكون فقال: "إن الله -عز وجل- جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه"، -والمضمار هو الميدان الذي يتسابق فيه المتسابقون بالخير وغيره- "يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا، وتخلف قوم فخابوا، فالعجب كلُّ العجبِ للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء؛ لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته".
وانظر كيف يغتنمون ما حث عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدعاء في شهر رمضان، شهر الصيام، وفي الصيام عمومًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم...".
فاحرصوا يا عباد الله على الاجتهاد في الدعاء؛ فلعل الله أن يتقبل منا دعوةً تكونُ فيها نجاتنا في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.
فعند رؤية هلال رمضان ندعو: "اللهم أهله علينا باليُمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله". (رواه أحمد والترمذي).
وعن عبد العزيز بن أبي رواد قال: "كان المسلمون يدعون عند حضرة شهر رمضان -إذا حضر الشهر، وقلنا مثلاً إن غدًا رمضان يستعدون له بهذا الدعاء-: اللهم أظلَّ شهرُ رمضانَ وحضر؛ فسلمه لي وسلمني فيه، وتسلمه مني، اللهم ارزقني صيامه وقيامَه صبرًا واحتسابًا، وارزقني فيه الجدَّ والاجتهاد والقوة والنشاط، وأعذني فيه من السآمة والفترة والكسل والنعاس، ووفقني فيه لليلة القدر، واجعلها خيرا لي من ألف شهر"(رواه الطبراني في الدعاء).
والدعاء أيضًا في وقت الإفطار من أوقات الإجابة، فقد كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول عند فطره: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله"(رواه أبو داود والنسائي والدارقطني وحسنه).
وكان الربيع بن خثيم يقول عند فطره: "الحمد لله الذي أعانني فصمتُ، ورزقني فأفطرتُ"(رواه ابن فضيل في الدعاء).
ومن أفطر عند قوم يدعو لهم فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَفْطَرَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتٍ قَالَ لَهُمْ: "أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَغَشِيَتْكُمُ الرَّحْمَةُ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ"(الدعاء للطبراني:922).
وفي ليلة القدر يزداد الدعاء ويتضاعف من السلف الصالح وغيرهم، عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى- عنها أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله! أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلة القدر ما أقول فيها؟" قال قولي: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني"(رواه الترمذي)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. يعني -بهذا الحديث-: اترك مؤاخذتي بجرمي، واستر على ذنبي، وأذهب عني عذابك، واصرف عني عقابك.
وفي صلاة القيام دعاء -أيضًا ورد- عن ابن عباس رضي الله -تعالى- عنهما قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا تهجَّد من الليل قال: "اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيّم السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم: لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك خاصمت، وبك حاكمت، فاغفر لي: ما قدمتُ وما أخرتُ، وأسررتُ وأعلنتُ، وما أنت أعلم به مني، لا إله إلا أنت"(رواه البخاري).
رابعاً
الوصايا الذهبية: رمضان فرصة للعابدين
ها هو رمضان يقترب، شهر الجود والإحسان، شهر العتق من النيران، شهر النفحات والنسمات، شهرٌ تُفَتَّح فيه أبواب الجنان وتُغلَق أبواب النيران، شهرٌ تتزيَّن فيه الجنةُ لعباد الله الصائمين القائمين.
واللهِ لو أدركنا قيمة رمضان ما ضيَّعنا لحظةً من لحظاته، يا لها من نعمة عظيمة؛ أن أمهلنا الله حتى بلغنا شهر رمضان، فهنيئًا لمن وُفِّق لاغتنام هذا الشهر صلاةً، وصيامًا، وقيامًا.
أخي الصائم، أُختي الصائمة، بين يديك وصايا للفوز بهذا الشهر الكريم، فاستعِنْ بالله، واعزم على فعل ما استطعت من هذه الوصايا، وهي:
الوصية الأولى:
اخْلُ بنفسك، اعترف بذنبك، ناجِ ربَّك، اعصر القلب وتألم، اترُكْ دموعَكَ تسيل على خدَّيك وأنت تذكر هفواتك وآثامك التي ارتكبتها في حقِّ خالقك، وسترى الرحمات والبركات تنزل من ربِّ الأرض والسماوات.
الوصية الثانية:
مهمتك أخي الحبيب في رمضان تتركَّز في الاستفادة القصوى من ثواني ودقائق وساعات هذا الشهر التي تتجاوز (2) مليون ونصف ثانية، (43) ألف دقيقة، (720) ساعة، منها (500) ساعة ما بين نوم وأكل وزيارات وتنقُّل في الأسواق، وجلسات هنا وهناك، ولا يتبقَّى لك سوى 220 ساعة وهي تعادل تسعة أيام فقط.
الوصية الثالثة:
انتبه لأغلى وأثمن وأسمى ثلاث ساعات من أيام رمضان، لا تُفرِّط فيها:
الساعة الأولى بعد صلاة الفجر: وهي وقت مبارك؛ قال تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39].
الساعة الثانية ساعة الغروب: وهي ساعة مباركة، لا تشغلوا فيها أنفسكم بالحديث عن الدنيا وما فيها، واشغلوا أنفسكم بذكر الله والدعاء، فللصائم عند فطره دعوةٌ لا تُردُّ.
الساعة الثالثة ساعة الأسحار: ساعة المناجاة، ساعة القرب من الله؛ قال تعالى: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]، أخي الصائم: اغتنم تلك الساعة، وصَلِّ ولو ركعتين، وادْعُ ربَّك وتذلَّل بين يديه.
الوصية الرابعة:
الاعتياد على التبكير إلى المسجد يدلُّ على عظيم الشوق والأنس بالعبادة ومُناجاة الخالق، فلا تُفرِّط في ذلك ما استطعت.
الوصية الخامسة:
رمضان قصير لا يحتمل التقصير، وقدومه عبور لا يقبل الفتور، فكلما تكاسلت، فتذكَّر قول الله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 184].
الوصية السادسة:
إذا شعرت بحرارة وتعب وارهاق فتذكَّر بصيامك وعطشك الظمأ يوم القيامة في يوم مقداره خمسون ألف سنة، وتذكَّر حلاوة الأجر، وما أجمل الفرحة عند الإفطار! وما أحلاها عند أخذ الكتاب باليمين! وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: ((للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة بلقاء ربه))؛ [البخاري (4 /103) الصوم: باب فضل الصوم ومسلم (8 /32) في الصيام: باب فضل الصيام].
الوصية السابعة:
أخلص في صيامك وصلاتك ودعائك، واحتسب كل طاعة تقوم بها، فلن تُؤجَر إلَّا على ما احتسبت؛ لذا عليك أن تعلم ثواب العبادات؛ لكي تحتسبها.
وتذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّمَ من ذنبه))؛ [متفق عليه]، و((مَنْ قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ [متفق عليه]، و ((مَنْ قامَ ليلةَ القَدْر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقَدَّم من ذنبه))؛ [متفق عليه].
الوصية الثامنة:
تذكَّر بصومك وجوعك إخوانك المسلمين المحرومين والمشرَّدين واللاجئين، والجائعين طوال العام، ولا تنساهم من صدقاتك وزكاتك، ودعواتك بالفرج لهم.
الوصية التاسعة:
احرص على صلاة التراويح وإيَّاك إيَّاك أن تملَّ من القيام والصيام؛ إنها ساعات قصيرة وينتهي رمضان ويبقى الأجر العظيم، ولا تكن ممَّن يزهد في صلاة القيام يُصلِّي أربع ركعات، وينطلق أو يُصلِّي ثماني ركعات، ثم ينطلق ونسي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِب له قيام ليلة))؛ [سُنَن الترمذي (806)، وقال: حسن صحيح، سنن النسائي (1605)، سُنَن ابن ماجه (1327) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه].
الوصية العاشرة:
ليكن لك مع القرآن وقفات وتأمُّلات وتلاوات خاشعات؛ فرمضان شهر القرآن؛ قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، خطِّط كم ستقرأ من القرآن، لا يفوتك الشهر، فالأجور مضاعفة.
عِشْ مع القرآن، وتغلغل بين الآيات وانحت من حروفها خرائط الهداية التي تقودك في خطٍّ مستقيم.
الوصية الحادية عشرة:
احرص على الجلوس أكبر وقت ممكن في المسجد، فما دمت في المسجد، فأنت في ضيافة ملك الملوك، وعدَّاد الحسنات يعمل، ولعلَّ الله أن يجعلنا وإيَّاك ممن قلوبهم مُعلَّقة بالمساجد والذين يُظِلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِله.
الوصية الثانية عشرة:
تحرَّر وتخفَّف من هاتفك، لا يشغلنَّك عن رمضان واغتنام رمضان.
لا تُعوِّد نفسَكَ كلما ضاق بك الوقت أن تذهب للجوَّال، ثمة ما يُمكن أن تُجدِّد به حياتك، اسرق نفسك لوضوء وصلاة ركعتين، أغمض عينيك وسبِّح في ملكوت الله، خذ مصحفك واقرأ من كتاب الله ما كتب الله لك.
الوصية الثالثة عشرة:
عِشْ ليلَكَ بين قيام وتسبيح وذكر، وعِشْ نهارَكَ بين صيام نقيٍّ وحركة دؤوب، وكافِح فلول الكسل وكتائب الفتور.
الوصية الرابعة عشرة:
أكثِرْ من الصَّدَقة في رمضان؛ فأفضل الصَّدَقة في رمضان، ومَنْ فطَّر صائمًا كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئًا، والصَّدَقة تُطفئ غضب الرب، وكم من صَدَقة إلى مكروب غفر الله بها الذنوب وستر بها العيوب، [حدِّدْ كم ستتصدَّق يوميًّا ولو بالقليل].
الوصية الخامسة عشرة:
لا تكثر من الأكل تُتْعِب نفسك وجيبك وصِحَّتك وتُضيِّع خشوعك؛ فمَنْ أكل كثيرًا شرب كثيرًا، ومن شرب كثيرًا نام كثيرًا، ومَنْ نام كثيرًا فاته خيرٌ كثيرٌ.
الوصية السادسة عشرة:
لا تُكثِر من النوم في رمضان؛ فإن كثرة النوم تجعلك فقيرًا من الحَسَنات يوم القيامة، وسوف ينتهي رمضان، وأين هي راحة أولئك وتعب هؤلاء؟ ذهبت وما بقيت إلا الحسنات أو السيئات، واعلم أن مقامك في الدنيا قليل، والمكث في القبور طويل.
الوصية السابعة عشرة:
أخي الحبيب، أُذكِّرك بمشروع البراءتين وهي المواظبة أربعين يومًا على تكبيرة الإحرام في جماعة في المسجد في الصلوات الخمس؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صلَّى لله أربعين يومًا في جماعة يُدرِك التكبيرة الأولى كُتِبَ له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق))؛[رواه الترمذي، وصحَّحَه الألباني]؛ يعني: مائتين فرض، ومنها ثلاثون يومًا شهر رمضان بإذن الله وعونه، ويبقى عشرة أيام بعد رمضان مباشرة.
قد تبدأ في هذا المشروع، وتتعثَّر بعد أيام، ثم تعود من جديد وهكذا، وكل هذا لن يضيع عند الله.
الوصية الثامنة عشرة:
قبل أن يصوم بطنك عن الطعام والشراب، لتصُمْ جوارِحُكَ عن الحرام، ليصُمْ قلبُكَ عن الشحناء والبغضاء والحقد، واعلم أنه لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، ولا يرفع الله عمل المتخاصمين المتشاحنين حتى يصطلحا.
الوصية التاسعة عشرة:
حافظ على عدد (12) ركعة تطوُّع من غير الفريضة؛ ليتم بناء بيت لك في الجنة، كما بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ففي حديث أُمِّ حبيبة: ((مَنْ صلَّى ثنتَي عشرةَ ركعة في يومِه وليلته بنى الله له بيتًا في الجنَّة))؛ [أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (728)].
الوصية العشرون:
حافظ على الوضوء ما استطعت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن))؛ [مسند أحمد (5 /276-277، 282)، سنن ابن ماجه: كتاب الطهارة (277)].
الوصية الحادية والعشرون:
احرص على الصف الأول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا))؛ [رواه البخاري ومسلم].
الوصية الثانية والعشرون:
احرص على أعمال البر، ومن أعظمها بِرُّ الوالدين، فلابد أن تحرص على برِّهما في رمضان؛ كي تتنزَّل عليك الرحمة؛ قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((رضا الربِّ في رضا الوالد، وسخط الربِّ في سخط الوالد))؛ [صحيح الجامع (3506)].
الوصية الثانية والعشرون:
حافظ على صلاة الضُّحى طوال الشهر؛ ليكتب الله لك أجر (360) صدقة يوميًّا، ولتكتب من الأوَّابين، كما جاء في الحديث الصحيح.
الوصية الثالثة والعشرون:
ليكن لك جلسات تذكر الله فيها ما فتح الله لك من: استغفار، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، وحسبلة، وحوقلة، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوة ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين، وغيرها من الأذكار.
الوصية الرابعة والعشرون:
حاول أن تستمع أيضًا إلى تلاوات للقارئ الذي تُحِبُّ الاستماع إليه (خاصة لمن لا يستطيع القراءة).
الوصية الخامسة والعشرون:
حافظ على ركعات في الثلث الأخير من الليل؛ فهو وقت مبارك تُقضى فيه الحاجات، وتُستجاب فيه الدعوات.
الوصية السادسة والعشرون:
الغيبة تخرق الصيام، والاستغفار يُرقِّعه، فإذا وقعت في الغيبة فرقِّع صيامَك، وادْعُ لمن اغتبْتَه، والغيبة: هي ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه، فلا تتكلَّم عن أحد.
الوصية السابعة والعشرون:
إذا اضطررت للاختلاط بالناس، فعليك حفظ لسانك وبصرك وسمعك.
الوصية الثامن والعشرون:
حافظ على قراءة أذكار الصباح والمساء خلال الشهر وعلِّمْها أهلَكَ.
الوصية التاسعة والعشرون:
حدِّد زكاة مالك، وزِدْ عليها حتى يُكتَب لكَ الأجْر كامِلًا، ولا ينقضي رمضان إلَّا وقد أخرجتها طيبةً بها نفسك.
الوصية الثلاثون:
استشعر أن رمضان هذا هو آخر رمضان في حياتك؛ فلتصُمْ صيامَ مُودِّع، وتُصلِّي صلاة مُودِّع، وتجتهد فيه اجتهادًا عظيمًا.
الوصية الحادية والثلاثون:
لا تَنْسَ الدُّعاء كل ليلة بأن تكون من المعتوقين من النار في هذه الليلة، وهكذا كل ليلة، واستشعر في آخر ليلة أن الله يقول لك: قد اعتقتك من النار.
الوصية الثانية والثلاثون:
في مواطن إجابة الدعاء لا تَنْسَ الدُّعاء للمظلومين والمكروبين والمهمومين من أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم.
الوصية الثالثة والثلاثون:
أخي الكريم، أختي الكريمة، هل أنت مشتاق للحج والعمرة؟
روى أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((مَنْ صلَّى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلُع الشمسُ، ثمَّ صلَّى ركعتَينِ كانت له كأجْرِ حجَّة وعمرة تامَّة تامَّة تامَّة))؛ [الترمذي: 586، وقال حسن غريب]، فلنفعل ذلك مرارًا في رمضان، والمرأة تبقى في مصلَّاها كذلك.
الوصية الرابعة والثلاثون:
إذا وجدت قلبك قد تأثَّر بآية، وانفتح لها، فقف معها وكرِّرْها، فقد بقي نبيُّكَ صلى الله عليه وسلم يُردِّد آيةً ليلةً كاملةً حتى أصبح، وهي خواتيم سورة المائدة: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118].
الوصية الخامسة والثلاثون:
اتَّقِ المحارمَ تكُنْ أعبدَ الناس، إن أردْتَ أن تسبق الصائم القائم، فاحترز من الذنوب، ويشمل هذا: صون اللسان عن الغيبة والنميمة والسب والشتم، وصوم الأُذُنين بأن لا تسمع الحرام، وصوم الرجلين فلا تسعى للحرام، وصوم اليدين عن أخذ الحرام، وصوم العينين بألَّا ترى حرامًا، وصوم البطن بألَّا تأكل حرامًا.
الوصية السادسة والثلاثون:
من دقيق نِعَم الله التي لا يُفطن لها أن تغلق عليك بابك، فيأتي سائلٌ ويطرق بابك، فإيَّاك أن تردَّ سائلًا.
الوصية السابعة والثلاثون:
لا تُسرف في رمضان في المأكولات والمشروبات؛ فتحجز مقعدًا لتكون أخًا للشيطان؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 27].
الوصية الثامنة والثلاثون:
احذر لصوص رمضان: التلفاز، الأسواق، والسهر، والجوَّال، والزيارات، والجلسات الخالية من ذكر الله، المطبخ بالنسبة للمرأة وغيرها.
الوصية التاسعة والثلاثون:
اكتب مطالبك وحاجاتك الدنيويَّة والأُخرويَّة في ورقة، وألحَّ على الله بالدُّعاء بها في السجود، وبين الأذان والإقامة، وقبل الإفطار، والثلث الأخير من الليل، وأنت واثق كل الثقة أن الله سيجيبك ويُعطيك سؤلك سبحانه.
الوصية الأربعون:
وقت الأسحار لا يفوتك الاستغفار، وسيد الاستغفار؛ قال تعالى:﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18].
الوصية الحادية والأربعون:
من التوفيق وحُسْن التخطيط، شراء كل ما يخصُّ العيد في بدايات رمضان؛ كي تتفرَّغ للطاعة والعبادة في خيرة أيام رمضان.
الوصية الثانية والأربعون:
قلِّل من ساعات البقاء في الأسواق، ولو استطعت التفويض بشراء ما تُريد يكون أفضل.
الوصية الثالثة والأربعون:
إنْ استطعْتَ أن تعتكف العشر الأواخر فافعل، وإن لم فاعتكف الليل منها، وإن لم، فاعتكف الليالي الوتر منها؛ لتفوز بليلة القدر.
الوصية الرابعة والأربعون:
أخرج زكاة فطرك؛ فهي طُهْرةٌ لصومك ومرضاة لربِّك.
وأخيرًا:
أسأل الله أن يُوفِّقْنا لقيام رمضان وصيامه إيمانًا واحتسابًا، وأن يعتق فيه رقابنا من النار، وأن يُعيننا على العمل بهذه الوصايا بحوله وقوَّتِه ورحمته، وصلِّ اللهُمَّ على نبيِّنا محمد وعلى آله وصَحْبه وسلِّم.
همم وقمم – وصايا رمضانية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أولاً
كيف نستقبل
شهر رمضان؟
1. كيف نستقبل شهر رمضان؟
بعد أيام يهل علينا شهر رمضان بنسماته العاطرة ، شهر جعل الله عز وجل صيامه أحَدَ أركان الإسلام، واختصه بفضائل عظيمة، فهو شهر الصيام والقيام، شهر تتنزل فيه الرحمات، وتُغْفَر فيه الذنوب والسيئات، وتُضاعف فيه الأجور والحسنات، وتُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النار، ويعتق الله فيه عباده من النيران ، شهر أُنْزِل فيه القُرآن الكريم والبعض منا قد لا يكون استعد لرمضان فتنفلت منه أيام من أيام الرحمة وهو لم ينغمس بعد في روح رمضان ، ومن هنا تأتي أهمية الاستعداد للشهر الكريم وترتيب أوقاتنا وقلوبنا ونياتنا .
فكيف نستعد لرمضان من الآن؟
صيام التطوع : فقد كان من هدي النبي ﷺ كثرة الصيام في شعبان لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ " .
الإكثار من قراءة القرآن الكريم: حتى إذا جاء رمضان كان يسيرا علينا أن نختم تلاوته ونتدبر آياته .
التمرن على الصدقة: حتى إذا جاء رمضان كان الأنفاق يسيرا على قلوبنا وأيدينا .
التمرن على قيام الليل: ولو قليلًا، حتى إذا جاء رمضان، سهل علينا القيام حتى نفوز بالخير الكبير لمن صام رمضان وقامه.
2. كيف نستقبل رمضان روحيا ؟
تتهيأ أرواحنا لرمضان بمعرفة فضله العظيم وتقبل قلوبنا بتهيئة النفس للسباق من أجل الفوز بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، فنوصي أنفسنا وأياك بالآتي:
ادع الله أن يبلغك شهر رمضان: قبل أيام من رمضان، فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كان النبي ﷺ إذا دخل رجب قال: " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" .
استبشر بفضائل الشهر: قبل أيام من رمضان، قبل أيام من رمضان عليك أن تستبشر بفضائل هذا الشهر، مثل: فتح أبواب الجنان، وغلق أبواب النار، ومغفرة الذنوب، ونول الرحمات، والعتق من النيران.
3. خَطط مسبقا للاستفادة من رمضان: قبل أيام من رمضان، خطط للاستفادة منه ، فضع برنامجا عمليا لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله تعالى، وقسِّم وقتك بين الأسرة، والقراءة، والنوم، والصلوات، والزيارات وكن منظما، ولا تترك نفسك للظروف.
قم بإعداد برنامج خاص للدعاء والذكر: قبل أيام من رمضان،قم بإعداد برنامج خاص للدعاء والذكر حَدِّد فيه مطالبك، واكتب أدعيتك وأذكارك، واحرص على أن تجعل لك ذكرا وتسبيحا دُبر كل فعلٍ تقوم به، ودُبر كل صلاة، وقبل النوم وبعده، وفي الأوقات البينية، وبين الأعمال الحياتية، وفي أثناء الخروج والدخول من البيت أو العمل أو محل الدراسة، وفي أثناء السير، ومع كل حركة تقوم بها أثناء عملك.
استعن بالله ولا تعجز: قبل أيام من رمضان، استعن بالله ولا تعجز، فالمسلم محتاج إلى الاستعانة بالله، فإن طلبها أعانه الله عز وجل، وإن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره وَكَلهُ الله إلى من استعان به فصار مخذولا.
4. كيف تفوز في شهر رمضان ؟
من المهم ونحن على أعتاب رمضان أن نعد أنفسنا للفوز به ومن هذا الإعداد :
الإكثار من الدعاء بالمغفرة: فقد كان عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) إذا أفطر يقول: "اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي".
الاهتمام بالقرآن الكريم اهتماما خاصا: وفي حديث فاطمة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه أخبرها "أن جبريل (عليه السلام) كان يعرض عليه القرآن كل عام مرة وأنه عرضه في عام وفاته مرتين” .
صلاة التراويح والقيام .
الجود والكرم: فقد كان النبي ﷺ أجود ما يكون في رمضان .
حفظ اللسان وقلة الكلام وتوقي الكذب: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" .
الاجتهاد في العشر الأواخر: ففي الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله ﷺ كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره.
وأخيرا فها قد انقضى عام تقريبا على رمضان الفائت ، ثقلت فيه نفوسنا وقلوبنا وننتظر رمضان الآن لنقول له كما كان يقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : " مرحبا بمطهرنا " ، فمرحبا بمطهرنا !
نسأل الله أن نكون جميعا من عتقاء الشهر الكريم ممن شملهم الحديث الذي رواه الترمذي: «إذا كَانَ أوَّلُ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ومَرَدَةُ الجِنِّ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ فلََمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وفُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ فلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، ويُنَادِي مُنَادٍ: يا بَاغِيَ الخَيْرِ أقْبِلْ، ويا بَاغِيَ الشَّرِّ أقْصِرْ، وللهِ عُتَقَاءُ مِن النَّارِ، وذَلِكَ كُلُّ لَيْلَةٍ»
جعلنا الله ممن يصوم ويقوم شهر رمضان إيماناً واحتسابا، وأن يجعلنا من الفائزين المقبولين.
ثانياً
استقبال السلف
لشهر رمضان
5. كيف كان السلف يستقبلون شهر رمضان؟
للصحابة والسلف الصالح أحوال راقية في الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك، فقد كانوا ينتظرونه بشوق لما فيه من بركات وأنوار.
وقبل رمضان كان الصحابة رضوان الله عليهم يتمون ما عليهم من أيام أفطروها في رمضان بسبب عذر من سفر أو مرض أو حيض أو نفاس وغيرها من الأعذار الشرعية، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ"، لكي يخلوا رمضان الجديد وقد برأت ذمتهم وقضوا ما عليهم.
كان لصحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-استعدادات من نوع خاص بعيدًا عن الطعام والشراب، بل كان استعدادًا روحيًا لتهيئة قلوبهم لنفحات شهر رمضان، فكانوا يستعدون لرمضان بالدعاء، فقد ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه خمسة أشهر بعدها حتى يتقبل منهم، فيدعون الله أن يبلغهم رمضان على خير في دينهم وأبدانهم، ويدعوه أن يعينهم على طاعته فيه، ويدعوه أن يتقبل منهم أعمالهم.
وكان الصحابة والسلف الصالح أشد فرحًا بقدوم رمضان، وكانوا يظهرون السرور والبشر؛ لأن رمضان من مواسم الخير، الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وهو شهر القرآن، لذا كانوا يفرحون مصداقًا لقوله تعالى:" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ".
وكذلك كانوا يتهيأون بقراءة القرآن فيقول أنس بن مالك صاحب رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبُّوا على المصاحف فقرءوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقويةً للضعيف والمسكين على صيام رمضان".
وكانوا يستعدون لشهر رمضان بالإكثار من الصيام في شهر شعبان، وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان".
وقال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن استعدادًا لرمضان، فالذي تعود على المحافظة على ورده القرآني قبل رمضان سيحافظ عليه في رمضان.
كما كانوا رضي الله عنهم بجانب فرحتهم بالشهر الكريم يصفونه بالأوصاف الجميلة ويسمونه بـ "المُطهر"، فكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عند دخول رمضان: " مرحبا بمطهرنا من الذنوب".
ثالثاً
أحوال السلف
في شهر رمضان
6. ما أحوال السلف في رمضان؟
فالسلف لهم أحوال في رمضان غير أحوالهم في غير رمضان من الشهور، فمنهم الإمام مالك بن أنس؛ الذي لا تنقطع دروسه في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يوقفها في رمضان؛ لأنه ينشغل بشهر القرآن، الإمام مالك بن أنس -رحمه الله تعالى- إذا دخل رمضان يفرُّ من الحديث، ومن مجالسة أهل العلم، ويُقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان سفيان الثوري -رحمه الله- إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات، وأقبل على قراءة القرآن.
وكان محمد بن إسماعيل البخاري -صاحب الصحيح- يختم في رمضان في النهار كلَّ يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كلَّ ثلاثَ ليال بختمة.
وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين.
وكان زبيد اليامي: إذا حضر رمضان أحضرَ المصحفَ وجمع إليه أصحابه.
وكان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمة.
وقال أبو عوانة: شهدتُ قتادة يدرِّس القرآن في رمضان.
وكان قتادة يختم القرآن في سبع، -أي كل سبع ليالي يقرأ القرآن مرة-، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ، فإذا جاء العشر الأواخر ختم كل ليلةٍ.
وقال الربيع بن سليمان -تلميذ الشافعي رحمه الله-: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة، -يعني في كل ليلة يختمه مرتين- وفي كل شهر ثلاثين -أي في غير رمضان- ختمة.
فأين نحن من هؤلاء يا عباد الله؟!
وكان وكيع بن الجراح يقرأ في رمضان في الليل ختمةً وثلثاً، ويصلي ثنتي عشرة ركعة من الضحى، ويصلي من الظهر إلى العصر.
وقال القاسم بن عليٍّ يصف أباه ابنَ عساكر صاحب (تاريخ دمشق): "وكان مواظباً على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كلَّ جمعة، أو يختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية"، أي في جامع دمشق.
قال ابن رجب الحنبلي؛ مبينا أفعال هؤلاء السلف، ولأن هناك نهيا عن القراءة في أقل من ثلاثة أيام، الإنسان إذا قرأ القرآن في أقل من ثلاثة أيام لا يفقهه، وهناك نهي عن ذلك، يقول ابن رجب: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث؛ على المداومة على ذلك، -أن يعيش عمره كله يقرأ القرآن في أقل من ثلاث- فأما في الأوقات المفضلة؛ كشهر رمضان، خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة؛ كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتناما للزمان والمكان، وهذا قول -الإمام- أحمد وإسحاق وغيرهما من الأمة، وعليه يدل عمل غيرهم"(من لطائف المعارف).
هذا حالهم في رمضان مع القرآن، فما هو حالنا؟ إذا كان الإمام مالك يترك دروس العلم ليقرأ القرآن، فهل نترك نحن التوترة والفسبكة والشبكات العنكبوتية والفضائية، وما شابه ذلك لننتبه لقراءة القرآن؟
أم في رمضان تزداد الأفلام والمسلسلات وما يسمى بالفوازير وسمِّ ما شئت، أين نحن منهم؟ هذا حال السلف فما هو حالنا اليوم؟
أما حالهم رضي الله عنهم في النفقة والجود والكرم في رمضان، فحدث ولا حرج، مقتدين في ذلك بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ -يعني جبريل طول الشهر يلقَى النبي كل ليلة، فينسلخ الشهر- فيعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة"(متفق عليه).
وقال ابن رجب: قال الشافعي -رضي الله عنه-: "أُحبُّ للرجلِ الزيادةَ بالجودِ في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولحاجةِ الناس فيهِ إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصَّومِ والصلاةِ عن مكاسبهم"، فالجود في رمضان من أهل الجود والكرم مطلوب.
وكان ابن عمر -رضي لله تعالى عنهما- يصوم، ولا يفطر إلاَّ مع المساكين، يأتي إلى المسجد فيصلي ثم يذهب إلى بيته ومعه مجموعة من المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَّ تلك الليلة.
وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه، أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفْنَةِ، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.
هؤلاء هم السلف فأتوني بمثلهم يا من تدعون السلف وتدعون السلفية وما شابه ذلك.
يقول يونس بن يزيد: كان ابن شهاب الزهري إذا دخل رمضان؛ قال: "فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام".
وكان حماد بن أبي سليمان يفطِّر في شهر رمضان خمسَ مائةِ إنسانٍ، -طيلة شهر رمضان هو مسئول عنهم وعن تفطيرهم- وإنه كان يعطيهم بعد العيد لكلِّ واحدٍ منهم مائة درهم.
وقال أبو العباس هاشم بن القاسم: "كنت عند المهتدي -أحد خلفاء الدولة العباسية- عشيَّةً -أي بعد العصر- في رمضان، -أي أحب أن يشاركه في الإفطار إفطار الملوك والأمراء- "فقمت لأنصرف فقال: اجلس، فجلست، فصلى بنا، ودعا بالطعام، فأحضرَ طبقَ خِلافٍ -طبق كبير وفيه أطباق صغيرة- عليه أرغفةٌ، وآنية فيها ملحٌ وزيتٌ وخلٌّ، فدعاني إلى الأكل فأكلت أكل من ينتظر الطبيخ، -يعني هذه مشهيات ومقدمات- فقال: "ألم تكن صائماً؟!" قلت: "بلى!" قال: "فكُل واستوفِ فليس هنا غير ما ترى!"، هذا طعام ولي أمر المؤمنين في زمانه، وإفطاره بعد أن جاع طول النهار.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليس الصيام -أي في حقيقته- من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب والباطل، واللغو والحلف" (أخرجه ابن أبي شيبة).
وعن مجاهد قال: "خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب"(أخرجه ابن أبي شيبة).
ومما يؤكد مكانةَ الشهر في نفوس السلف الصالح، وجعل أفعالهم وأحوالهم ترجمة عملية لهذه الأقوال، مما يؤكد ذلك أقوالهم في ذلك.
فماذا يقول عمر -رضي الله تعالى- عنه عندما يقدم شهر رمضان؟
يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "مرحبا بمطهرنا من الذنوب".
ويقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "من كان همه ما يدخل إلى جوفه كانت قيمته ما يخرج منه".
قيل للأحنف بن قيس رحمه الله -عندما كبر في السن-: إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك. فقال: "إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله -سبحانه- أهون من الصبر على عذابه".
وعن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "ما شبعت منذ أسلمت".
وعن أبي سليمان الداراني قال: "إذا أردت حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة، فلا تأكل حتى تقضيَها، فإن الأكل يغير العقل".
وعن أبي عمران الجوني قال: "كان يقال: من أحب أن ينور قلبه فليقل طعامه".
وعن عثمان بن زائدة قال: كتب إليَّ سفيان الثوري: "إن أردت أن يصح جسمك، ويقلَّ نومك، فأقلل من الأكل".
وعن إبراهيم بن أدهم قال: "من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة".
وقال حسن بن يحيى الخشني: "من أراد أن يغزُرَ دمعَه -يبكي- ويرقَّ قلبُه، فليأكل وليشرب في نصف بطنه".
وعن الشافعي قال: "ما شبعت منذ ستة عشر سنة؛ إلا شبعة أطرحها؛ لأن الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة".
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "أول بدعة حدثت بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الشبع، إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بها نفوسهم إلى الدنيا".
قيل لبشر: إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان فقط، قال: "بئس القوم لا يعرفون لله حقًّا إلا في رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها".
إنهم يشتاقون لرمضان، قال يحيى بن أبي كثير: "اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلا".
وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: "إنما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام".
وقال الحسن البصري: "إذا لم تقدر على قيام الليل، ولا صيام النهار، فاعلم أنك محروم، قد كبَّلتك الخطايا والذنوب".
وقال ابن عبد البر: "كفى بقوله -سبحانه-: "الصوم لي" فضلاً للصيام على سائر العبادات".
وعن الحسن بن أبي الحسن البصري؛ أنه مرَّ بقوم وهم يضحكون فقال: "إن الله -عز وجل- جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه"، -والمضمار هو الميدان الذي يتسابق فيه المتسابقون بالخير وغيره- "يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا، وتخلف قوم فخابوا، فالعجب كلُّ العجبِ للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء؛ لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته".
وانظر كيف يغتنمون ما حث عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدعاء في شهر رمضان، شهر الصيام، وفي الصيام عمومًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم...".
فاحرصوا يا عباد الله على الاجتهاد في الدعاء؛ فلعل الله أن يتقبل منا دعوةً تكونُ فيها نجاتنا في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.
فعند رؤية هلال رمضان ندعو: "اللهم أهله علينا باليُمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله". (رواه أحمد والترمذي).
وعن عبد العزيز بن أبي رواد قال: "كان المسلمون يدعون عند حضرة شهر رمضان -إذا حضر الشهر، وقلنا مثلاً إن غدًا رمضان يستعدون له بهذا الدعاء-: اللهم أظلَّ شهرُ رمضانَ وحضر؛ فسلمه لي وسلمني فيه، وتسلمه مني، اللهم ارزقني صيامه وقيامَه صبرًا واحتسابًا، وارزقني فيه الجدَّ والاجتهاد والقوة والنشاط، وأعذني فيه من السآمة والفترة والكسل والنعاس، ووفقني فيه لليلة القدر، واجعلها خيرا لي من ألف شهر"(رواه الطبراني في الدعاء).
والدعاء أيضًا في وقت الإفطار من أوقات الإجابة، فقد كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول عند فطره: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله"(رواه أبو داود والنسائي والدارقطني وحسنه).
وكان الربيع بن خثيم يقول عند فطره: "الحمد لله الذي أعانني فصمتُ، ورزقني فأفطرتُ"(رواه ابن فضيل في الدعاء).
ومن أفطر عند قوم يدعو لهم فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَفْطَرَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتٍ قَالَ لَهُمْ: "أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَغَشِيَتْكُمُ الرَّحْمَةُ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ"(الدعاء للطبراني:922).
وفي ليلة القدر يزداد الدعاء ويتضاعف من السلف الصالح وغيرهم، عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى- عنها أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله! أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلة القدر ما أقول فيها؟" قال قولي: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني"(رواه الترمذي)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. يعني -بهذا الحديث-: اترك مؤاخذتي بجرمي، واستر على ذنبي، وأذهب عني عذابك، واصرف عني عقابك.
وفي صلاة القيام دعاء -أيضًا ورد- عن ابن عباس رضي الله -تعالى- عنهما قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا تهجَّد من الليل قال: "اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيّم السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم: لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك خاصمت، وبك حاكمت، فاغفر لي: ما قدمتُ وما أخرتُ، وأسررتُ وأعلنتُ، وما أنت أعلم به مني، لا إله إلا أنت"(رواه البخاري).
رابعاً
الوصايا الذهبية: رمضان فرصة للعابدين
ها هو رمضان يقترب، شهر الجود والإحسان، شهر العتق من النيران، شهر النفحات والنسمات، شهرٌ تُفَتَّح فيه أبواب الجنان وتُغلَق أبواب النيران، شهرٌ تتزيَّن فيه الجنةُ لعباد الله الصائمين القائمين.
واللهِ لو أدركنا قيمة رمضان ما ضيَّعنا لحظةً من لحظاته، يا لها من نعمة عظيمة؛ أن أمهلنا الله حتى بلغنا شهر رمضان، فهنيئًا لمن وُفِّق لاغتنام هذا الشهر صلاةً، وصيامًا، وقيامًا.
أخي الصائم، أُختي الصائمة، بين يديك وصايا للفوز بهذا الشهر الكريم، فاستعِنْ بالله، واعزم على فعل ما استطعت من هذه الوصايا، وهي:
الوصية الأولى:
اخْلُ بنفسك، اعترف بذنبك، ناجِ ربَّك، اعصر القلب وتألم، اترُكْ دموعَكَ تسيل على خدَّيك وأنت تذكر هفواتك وآثامك التي ارتكبتها في حقِّ خالقك، وسترى الرحمات والبركات تنزل من ربِّ الأرض والسماوات.
الوصية الثانية:
مهمتك أخي الحبيب في رمضان تتركَّز في الاستفادة القصوى من ثواني ودقائق وساعات هذا الشهر التي تتجاوز (2) مليون ونصف ثانية، (43) ألف دقيقة، (720) ساعة، منها (500) ساعة ما بين نوم وأكل وزيارات وتنقُّل في الأسواق، وجلسات هنا وهناك، ولا يتبقَّى لك سوى 220 ساعة وهي تعادل تسعة أيام فقط.
الوصية الثالثة:
انتبه لأغلى وأثمن وأسمى ثلاث ساعات من أيام رمضان، لا تُفرِّط فيها:
الساعة الأولى بعد صلاة الفجر: وهي وقت مبارك؛ قال تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39].
الساعة الثانية ساعة الغروب: وهي ساعة مباركة، لا تشغلوا فيها أنفسكم بالحديث عن الدنيا وما فيها، واشغلوا أنفسكم بذكر الله والدعاء، فللصائم عند فطره دعوةٌ لا تُردُّ.
الساعة الثالثة ساعة الأسحار: ساعة المناجاة، ساعة القرب من الله؛ قال تعالى: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]، أخي الصائم: اغتنم تلك الساعة، وصَلِّ ولو ركعتين، وادْعُ ربَّك وتذلَّل بين يديه.
الوصية الرابعة:
الاعتياد على التبكير إلى المسجد يدلُّ على عظيم الشوق والأنس بالعبادة ومُناجاة الخالق، فلا تُفرِّط في ذلك ما استطعت.
الوصية الخامسة:
رمضان قصير لا يحتمل التقصير، وقدومه عبور لا يقبل الفتور، فكلما تكاسلت، فتذكَّر قول الله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 184].
الوصية السادسة:
إذا شعرت بحرارة وتعب وارهاق فتذكَّر بصيامك وعطشك الظمأ يوم القيامة في يوم مقداره خمسون ألف سنة، وتذكَّر حلاوة الأجر، وما أجمل الفرحة عند الإفطار! وما أحلاها عند أخذ الكتاب باليمين! وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: ((للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة بلقاء ربه))؛ [البخاري (4 /103) الصوم: باب فضل الصوم ومسلم (8 /32) في الصيام: باب فضل الصيام].
الوصية السابعة:
أخلص في صيامك وصلاتك ودعائك، واحتسب كل طاعة تقوم بها، فلن تُؤجَر إلَّا على ما احتسبت؛ لذا عليك أن تعلم ثواب العبادات؛ لكي تحتسبها.
وتذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّمَ من ذنبه))؛ [متفق عليه]، و((مَنْ قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ [متفق عليه]، و ((مَنْ قامَ ليلةَ القَدْر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقَدَّم من ذنبه))؛ [متفق عليه].
الوصية الثامنة:
تذكَّر بصومك وجوعك إخوانك المسلمين المحرومين والمشرَّدين واللاجئين، والجائعين طوال العام، ولا تنساهم من صدقاتك وزكاتك، ودعواتك بالفرج لهم.
الوصية التاسعة:
احرص على صلاة التراويح وإيَّاك إيَّاك أن تملَّ من القيام والصيام؛ إنها ساعات قصيرة وينتهي رمضان ويبقى الأجر العظيم، ولا تكن ممَّن يزهد في صلاة القيام يُصلِّي أربع ركعات، وينطلق أو يُصلِّي ثماني ركعات، ثم ينطلق ونسي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِب له قيام ليلة))؛ [سُنَن الترمذي (806)، وقال: حسن صحيح، سنن النسائي (1605)، سُنَن ابن ماجه (1327) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه].
الوصية العاشرة:
ليكن لك مع القرآن وقفات وتأمُّلات وتلاوات خاشعات؛ فرمضان شهر القرآن؛ قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، خطِّط كم ستقرأ من القرآن، لا يفوتك الشهر، فالأجور مضاعفة.
عِشْ مع القرآن، وتغلغل بين الآيات وانحت من حروفها خرائط الهداية التي تقودك في خطٍّ مستقيم.
الوصية الحادية عشرة:
احرص على الجلوس أكبر وقت ممكن في المسجد، فما دمت في المسجد، فأنت في ضيافة ملك الملوك، وعدَّاد الحسنات يعمل، ولعلَّ الله أن يجعلنا وإيَّاك ممن قلوبهم مُعلَّقة بالمساجد والذين يُظِلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِله.
الوصية الثانية عشرة:
تحرَّر وتخفَّف من هاتفك، لا يشغلنَّك عن رمضان واغتنام رمضان.
لا تُعوِّد نفسَكَ كلما ضاق بك الوقت أن تذهب للجوَّال، ثمة ما يُمكن أن تُجدِّد به حياتك، اسرق نفسك لوضوء وصلاة ركعتين، أغمض عينيك وسبِّح في ملكوت الله، خذ مصحفك واقرأ من كتاب الله ما كتب الله لك.
الوصية الثالثة عشرة:
عِشْ ليلَكَ بين قيام وتسبيح وذكر، وعِشْ نهارَكَ بين صيام نقيٍّ وحركة دؤوب، وكافِح فلول الكسل وكتائب الفتور.
الوصية الرابعة عشرة:
أكثِرْ من الصَّدَقة في رمضان؛ فأفضل الصَّدَقة في رمضان، ومَنْ فطَّر صائمًا كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئًا، والصَّدَقة تُطفئ غضب الرب، وكم من صَدَقة إلى مكروب غفر الله بها الذنوب وستر بها العيوب، [حدِّدْ كم ستتصدَّق يوميًّا ولو بالقليل].
الوصية الخامسة عشرة:
لا تكثر من الأكل تُتْعِب نفسك وجيبك وصِحَّتك وتُضيِّع خشوعك؛ فمَنْ أكل كثيرًا شرب كثيرًا، ومن شرب كثيرًا نام كثيرًا، ومَنْ نام كثيرًا فاته خيرٌ كثيرٌ.
الوصية السادسة عشرة:
لا تُكثِر من النوم في رمضان؛ فإن كثرة النوم تجعلك فقيرًا من الحَسَنات يوم القيامة، وسوف ينتهي رمضان، وأين هي راحة أولئك وتعب هؤلاء؟ ذهبت وما بقيت إلا الحسنات أو السيئات، واعلم أن مقامك في الدنيا قليل، والمكث في القبور طويل.
الوصية السابعة عشرة:
أخي الحبيب، أُذكِّرك بمشروع البراءتين وهي المواظبة أربعين يومًا على تكبيرة الإحرام في جماعة في المسجد في الصلوات الخمس؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صلَّى لله أربعين يومًا في جماعة يُدرِك التكبيرة الأولى كُتِبَ له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق))؛[رواه الترمذي، وصحَّحَه الألباني]؛ يعني: مائتين فرض، ومنها ثلاثون يومًا شهر رمضان بإذن الله وعونه، ويبقى عشرة أيام بعد رمضان مباشرة.
قد تبدأ في هذا المشروع، وتتعثَّر بعد أيام، ثم تعود من جديد وهكذا، وكل هذا لن يضيع عند الله.
الوصية الثامنة عشرة:
قبل أن يصوم بطنك عن الطعام والشراب، لتصُمْ جوارِحُكَ عن الحرام، ليصُمْ قلبُكَ عن الشحناء والبغضاء والحقد، واعلم أنه لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، ولا يرفع الله عمل المتخاصمين المتشاحنين حتى يصطلحا.
الوصية التاسعة عشرة:
حافظ على عدد (12) ركعة تطوُّع من غير الفريضة؛ ليتم بناء بيت لك في الجنة، كما بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ففي حديث أُمِّ حبيبة: ((مَنْ صلَّى ثنتَي عشرةَ ركعة في يومِه وليلته بنى الله له بيتًا في الجنَّة))؛ [أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (728)].
الوصية العشرون:
حافظ على الوضوء ما استطعت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن))؛ [مسند أحمد (5 /276-277، 282)، سنن ابن ماجه: كتاب الطهارة (277)].
الوصية الحادية والعشرون:
احرص على الصف الأول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا))؛ [رواه البخاري ومسلم].
الوصية الثانية والعشرون:
احرص على أعمال البر، ومن أعظمها بِرُّ الوالدين، فلابد أن تحرص على برِّهما في رمضان؛ كي تتنزَّل عليك الرحمة؛ قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((رضا الربِّ في رضا الوالد، وسخط الربِّ في سخط الوالد))؛ [صحيح الجامع (3506)].
الوصية الثانية والعشرون:
حافظ على صلاة الضُّحى طوال الشهر؛ ليكتب الله لك أجر (360) صدقة يوميًّا، ولتكتب من الأوَّابين، كما جاء في الحديث الصحيح.
الوصية الثالثة والعشرون:
ليكن لك جلسات تذكر الله فيها ما فتح الله لك من: استغفار، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير، وحسبلة، وحوقلة، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوة ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين، وغيرها من الأذكار.
الوصية الرابعة والعشرون:
حاول أن تستمع أيضًا إلى تلاوات للقارئ الذي تُحِبُّ الاستماع إليه (خاصة لمن لا يستطيع القراءة).
الوصية الخامسة والعشرون:
حافظ على ركعات في الثلث الأخير من الليل؛ فهو وقت مبارك تُقضى فيه الحاجات، وتُستجاب فيه الدعوات.
الوصية السادسة والعشرون:
الغيبة تخرق الصيام، والاستغفار يُرقِّعه، فإذا وقعت في الغيبة فرقِّع صيامَك، وادْعُ لمن اغتبْتَه، والغيبة: هي ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه، فلا تتكلَّم عن أحد.
الوصية السابعة والعشرون:
إذا اضطررت للاختلاط بالناس، فعليك حفظ لسانك وبصرك وسمعك.
الوصية الثامن والعشرون:
حافظ على قراءة أذكار الصباح والمساء خلال الشهر وعلِّمْها أهلَكَ.
الوصية التاسعة والعشرون:
حدِّد زكاة مالك، وزِدْ عليها حتى يُكتَب لكَ الأجْر كامِلًا، ولا ينقضي رمضان إلَّا وقد أخرجتها طيبةً بها نفسك.
الوصية الثلاثون:
استشعر أن رمضان هذا هو آخر رمضان في حياتك؛ فلتصُمْ صيامَ مُودِّع، وتُصلِّي صلاة مُودِّع، وتجتهد فيه اجتهادًا عظيمًا.
الوصية الحادية والثلاثون:
لا تَنْسَ الدُّعاء كل ليلة بأن تكون من المعتوقين من النار في هذه الليلة، وهكذا كل ليلة، واستشعر في آخر ليلة أن الله يقول لك: قد اعتقتك من النار.
الوصية الثانية والثلاثون:
في مواطن إجابة الدعاء لا تَنْسَ الدُّعاء للمظلومين والمكروبين والمهمومين من أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم.
الوصية الثالثة والثلاثون:
أخي الكريم، أختي الكريمة، هل أنت مشتاق للحج والعمرة؟
روى أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((مَنْ صلَّى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلُع الشمسُ، ثمَّ صلَّى ركعتَينِ كانت له كأجْرِ حجَّة وعمرة تامَّة تامَّة تامَّة))؛ [الترمذي: 586، وقال حسن غريب]، فلنفعل ذلك مرارًا في رمضان، والمرأة تبقى في مصلَّاها كذلك.
الوصية الرابعة والثلاثون:
إذا وجدت قلبك قد تأثَّر بآية، وانفتح لها، فقف معها وكرِّرْها، فقد بقي نبيُّكَ صلى الله عليه وسلم يُردِّد آيةً ليلةً كاملةً حتى أصبح، وهي خواتيم سورة المائدة: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118].
الوصية الخامسة والثلاثون:
اتَّقِ المحارمَ تكُنْ أعبدَ الناس، إن أردْتَ أن تسبق الصائم القائم، فاحترز من الذنوب، ويشمل هذا: صون اللسان عن الغيبة والنميمة والسب والشتم، وصوم الأُذُنين بأن لا تسمع الحرام، وصوم الرجلين فلا تسعى للحرام، وصوم اليدين عن أخذ الحرام، وصوم العينين بألَّا ترى حرامًا، وصوم البطن بألَّا تأكل حرامًا.
الوصية السادسة والثلاثون:
من دقيق نِعَم الله التي لا يُفطن لها أن تغلق عليك بابك، فيأتي سائلٌ ويطرق بابك، فإيَّاك أن تردَّ سائلًا.
الوصية السابعة والثلاثون:
لا تُسرف في رمضان في المأكولات والمشروبات؛ فتحجز مقعدًا لتكون أخًا للشيطان؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 27].
الوصية الثامنة والثلاثون:
احذر لصوص رمضان: التلفاز، الأسواق، والسهر، والجوَّال، والزيارات، والجلسات الخالية من ذكر الله، المطبخ بالنسبة للمرأة وغيرها.
الوصية التاسعة والثلاثون:
اكتب مطالبك وحاجاتك الدنيويَّة والأُخرويَّة في ورقة، وألحَّ على الله بالدُّعاء بها في السجود، وبين الأذان والإقامة، وقبل الإفطار، والثلث الأخير من الليل، وأنت واثق كل الثقة أن الله سيجيبك ويُعطيك سؤلك سبحانه.
الوصية الأربعون:
وقت الأسحار لا يفوتك الاستغفار، وسيد الاستغفار؛ قال تعالى:﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18].
الوصية الحادية والأربعون:
من التوفيق وحُسْن التخطيط، شراء كل ما يخصُّ العيد في بدايات رمضان؛ كي تتفرَّغ للطاعة والعبادة في خيرة أيام رمضان.
الوصية الثانية والأربعون:
قلِّل من ساعات البقاء في الأسواق، ولو استطعت التفويض بشراء ما تُريد يكون أفضل.
الوصية الثالثة والأربعون:
إنْ استطعْتَ أن تعتكف العشر الأواخر فافعل، وإن لم فاعتكف الليل منها، وإن لم، فاعتكف الليالي الوتر منها؛ لتفوز بليلة القدر.
الوصية الرابعة والأربعون:
أخرج زكاة فطرك؛ فهي طُهْرةٌ لصومك ومرضاة لربِّك.
وأخيرًا:
أسأل الله أن يُوفِّقْنا لقيام رمضان وصيامه إيمانًا واحتسابًا، وأن يعتق فيه رقابنا من النار، وأن يُعيننا على العمل بهذه الوصايا بحوله وقوَّتِه ورحمته، وصلِّ اللهُمَّ على نبيِّنا محمد وعلى آله وصَحْبه وسلِّم.
