كريم بن محمد بن لحسن
:: مطـًـلع ::
- انضم
- 15 أغسطس 2016
- المشاركات
- 118
- الإقامة
- مكناس - المغرب
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- امصنصف
- التخصص
- الدراسات الإسلامية
- الدولة
- المغرب
- المدينة
- مكناس
- المذهب الفقهي
- مالكي
نظرية الاستطاعة في الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد أشرف المرسلين، وبعد فإن هذا المقال هو تهذيب لما مهد به الدكتور ناصر المنيع لكتابه القيم: (أثر الاستطاعة في الأحكام الشرعية) فأثرت نشرها لتعم الفائدة.تمهيد:
إن الإسلام دين يسر وسماحة، لم يأمر القائمين به بما يشق عليهم، ولذا كانت الاستطاعة شرطاً للتكليف بالأحكام الشرعية.المبحث الأول
مدلول الاستطاعة
تعريف الاستطاعة في اللغة: عرّف علماء اللغة الاستطاعة بالقدرة على فعل الشيء، وبالإطاقة له، إلا أنهم ذكروا أن الاستطاعة أخص من القدرة.مدلول الاستطاعة
تعريف الاستطاعة في الشرع: إن جميع فقهاء المذاهب يفسرون الاستطاعة بالقدرة والطاقة على الفعل، وما ذكره الفقهاء في تعريف الاستطاعة تعريف لها من حيث العموم، وإلا فإنها قد خُصت في بعض أبواب الفقه بمعانٍ أخرى.
ولكن هذا التعريف غير جامع لجميع أجزاء المعرّف، إذ أن القدرة تختلف من شخص إلى شخص، وليس كل استطاعة تسمّى قدرة؛ بل إن الإنسان في بعض أحواله قد یكون قادراً ولکن قدرته لا تؤهله للقیام بما كُلّف به، ولذا فإنّ التعريف المختار للاستطاعة هو ما ذكره الجرجاني في كتابه: (التعريفات)، حيث قال: "هي القدرة التامة التي يجب عندها صدور الفعل".
العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي: بناء على ما سبق فإن الاستطاعة في معناها الشرعي لا يخرج عن معناها اللغوي، فقد استُعملت بهذا المعنى -القدرة على فعل الشيء- في كثير من أبواب الفقه.
المبحث الثاني
أنواع الاستطاعة
يمكن تقسيم الاستطاعة إلى عدة تقسيمات بحسب أنواعها:أنواع الاستطاعة
التقسيم الأول: تقسيم الاستطاعة باعتبار من يجب عليه الفعل:
وتنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: استطاعة مباشرة بالنفس: وهي قدرة الإنسان على مباشرة ما كُلّف به بنفسه من غير حاجة إلى غيره؛ كمباشرته لأعمال الطهارة، والصلاة، والصيام، والحج وغير ذلك.
القسم الثاني: الاستطاعة بالغير: وهي قدرة المكلف على القيام بما كُلّف به بمساعدة غيره، وعدم قدرته بنفسه.
ويتصور هذا النوع من الاستطاعة في العاجز عن الوضوء أو التوجه إلى القبلة إذا وجد من يساعده.
التقسيم الثاني: تقسيم الاستطاعة باعتبار ماهيتها:
وتنقسم الاستطاعة باعتبار ماهيتها إلى قسمين: استطاعة مالية، واستطاعة بدنية.
الاستطاعة المالية: يشترط توافرها فيما يلي:
أولاً: في أداء الواجبات المالية المحضة؛ كصدقة الفطر، فإنها واجبة على من قدر عليها، كذلك فإنه يشترط توفر الاستطاعة المالية في النفقة، فالنفقة إنما تجب على المنفق إذا كان موسراً، له مال فاضل عن نفقة نفسه.
ثانياً: في الواجبات البدنية التي يتوقف القيام بها على الاستطاعة المالية.
الاستطاعة البدنية؛ كالاستطاعة في الوضوء، والصلاة، والصوم، والحج وغير ذلك مما هو واجب على الإنسان أداؤه بنفسه، فالاستطاعة لا بد منها لتحقق هذه الواجبات الشرعية.
التقسيم الثالث: تقسيم الاستطاعة باعتبار الكمال وعدمه:
تنقسم الاستطاعة باعتبار الكمال وعدمه إلى قسمين: استطاعة ممكنة، واستطاعة مُيسّرة، وهذا التقسيم خاص بعلماء الحنفية.
الأول: الاستطاعة الممكنة: ويفسرونها بسلامة الآلات، وصحة الأسباب، وارتفاع الموانع.
ومن أمثلتها: من عُدمت رجلاه لا يستطيع المشي، ومن حبسه عدو لا يستطيع الحج.
والاستطاعة الممكنة شرط في أداء كل واجب عيناً، فإن فاتت لم يسقط الواجب عن الذمة بفواتها؛ فمثلاً المريض لا نقول بسقوط الصلاة عنه، ولكن يجب عليه الأداء بحسبة ما يتمكن منه قائماً أو قاعداً أو على جنب أو بالإيماء.
الثاني: الاستطاعة المُيسرة: وهي ما يوجب يُسر الأداء على العبد بعدما ثبت الإمكان بالقدرة الممكنة، وتسمى أيضاً بالقدرة الكاملة؛ نظراً لزيادتها على الممكنة بدرجة، لأن بها يثبت الإمكان ثم اليسر، ولهذا اشترطت في أكثر الواجبات المالية دون البدنية، لأن ما كان من قبيل المال أشق على النفس من العبادات.
والاستطاعة الميسرة شرط لوجوب بعض الواجبات المشروطة بها، حتى لو فاتت هذه الاستطاعة سقط الواجب عن الذمة، بخلاف الممكنة؛ إذ بفواتها لا يسقط الواجب عن الذمة، ومن أمثلتها:
الزكاة واجبة بالاستطاعة الميسرة، ومن وجوه اليُسر فيها: أنها قليل من كثیر، وتؤدی مرة واحدة في الحول، وبسبب هذا التيسير سقط وجوبها بالهلاك، إذ لو وجبت مع الهلاك انقلب اليسر عسراً.
التقسيم الرابع: تقسيم الاستطاعة باعتبار مقارنتها للفعل وعدمه:
تنقسم الاستطاعة باعتبار مقارنتها للفعل وعدمه إلى قسمين:
١- استطاعة لا يجب أن تقارن الفعل، وهي التي لولا وجودها لم يثبت التكليف، ومعلوم أن الحج والصلاة يجبان على المستطيع سواء فعل أو لم يفعل.
٢- استطاعة يجب معها وجود الفعل، وهذه الاستطاعة هي المقارنة للفعل الموجبة له.
المبحث الثالث
شرط تحقق الاستطاعة
إن شرط تحقق الاستطاعة، وجودها حقيقة، لا حكماً، ومعنى وجودها حقيقة؛ وجود القدرة على الفعل من غير مشقة، ومعنى وجودها حكماً، القدرة على الأداء بما كُلّف به المكلف بمشقة.شرط تحقق الاستطاعة
وذكر الأسنوي أن شرط التكليف بالفعل حصول التمكن منه.
وفي الجملة: فإن العبادة لا تصح أن تكون مأموراً بها إلا بقدرة واستطاعة من المخاطب، فيتوقف وجوب العبادة على القدرة، والأصل في اشتراطها قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّاَّ وُسَعَهَا﴾، أي: طاقتها وقدرتها، فثبت بنص الآية الكريمة أن القدرة شرط لصحة الأمر.
وقوله تعالى: ﴿فَاَتَّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾، أي: ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم.وثبت عنه أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ... ) الحديث.
وفي حديث آخر يقول فيه: (يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملّوا وإن أحبّ الأعمال إلى الله ما دام وإن قلّ).
يتبين لنا مما سبق أن شرط التكليف، الاستطاعة من المكلف على ما كُلِّف به، فما لا استطاعة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعاً، بمعنى أن يكون الشخص قادراً على ما كلف به بدون مشقة، وهذا ما يطلق عليه وجود الاستطاعة حقيقة، فإن قدر على أداء ما کلف به بمشقة فذلك هو وجودها حکماً کما تقدم.
ولكن هل يعتبر هذا من تكليف ما لا يطاق، وحينئذ لا تتحقق منه الاستطاعة، أم أن هذا یدخل تحت مقدور المكلف لكنه شاق علیه؟ولإيضاح ذلك لا بد أن نعرف أن المشقة على أنواع:
الأول: مشقة ما لا يطاق، فهذه مانعة من التكليف.
الثاني: المشقة الخارجة عن المعتاد، وهي مانعة من التكليف أيضاً، ويترتب عليها سقوط الواجب أو تأخيره إلى أن تزول المشقة، طبقاً للقاعدة الفقهية المعروفة: (المشقة تجلب التيسير).
الثالث: المشقة الزائدة على المعتاد، لكن ذلك لا يمنع من التكليف، لأنه ممكن معتاد لا يقطع ما فيه من المشقة عن العمل في الغالب المعتاد.
الرابع: مشقة معتادة، وهذه لا أثر لها ولا التفات إليها.
فتبين من خلال سرد أنواعها، أن الإنسان إذا كانت تناله مشقة من التكليف، فإنه يُنظر إلى هذه المشقة، فإن كانت تندرج تحت مشقة التكليف بما لا يطاق، أو المشقة الخارجة عن المعتاد، فهي غير مقصودة للشارع، وإن اندرجت ضمن المشاقّ المعتادة، فلا تمنع التكليف لحصول الاستطاعة.
المبحث الرابع
في أحكام لها علاقة بالاستطاعة
المطلب الأول: الإطاقة
تطابق التعريف اللغوي والاصطلاحي للإطاقة: عند اللغويين والفقهاء والمحدثين والمفسرين فهي: الوسع، والقدرة على الشيء؛ ومن هذا المعنى قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ﴾، وكذا قوله عليه السلام: (وددت أني طوقت ذلك) صحيح مسلم.في أحكام لها علاقة بالاستطاعة
المطلب الأول: الإطاقة
بين الاستطاعة والإطاقة علاقة عموم وخصوص: فكلاهما تدلان على القدرة على الشيء، لكن الإطاقة عامة للإنسان وغيره، والاستطاعة يختص بها الإنسان وحده.
من جهة أخرى فإن الفرق بين مصطلحي "الاستطاعة" و"الإطاقة" (اللذين فُسِّرا سابقاً بمعنى "القدرة") يكمن في الدلالة اللغوية والاستعمال. فكلمة "القدرة" صفة عظمة وإطلاق تليق بالله تعالى، بينما الاستطاعة والإطاقة تُستخدمان للبشر والمخلوقات ذات القدرة المحدودة.
المطلب الثاني: المشقة
تعريف المشقة:لغة: هي الجهد والعناء والانكسار الذي يلحق النفس والبدن من ثقل الأمر.
واصطلاحا [تعريف مختصر ينتظم أفراد المعرف بناء على بيان معناها عند الشاطبي في الموافقات]: هي ما تشتمل على أمر مُتعب مطلقاً، وما فيه من تعب للفرد خاصة أو الأمة عامة، وعلى ما يكون وسيلة للمقاصد.
شرح التعريف: هذا عام للتكليف بما لا يطاق، وما يطاق على اختلاف درجاته، أي سواء كان مقدوراً عليه أو لا.
(وعلى ما يكون وسيلة للمقاصد): أي أن: المشقة تكون بالمُتعب بالنظر إلى الوسائل المؤدية إلى الغايات والمقاصد، فأي وسيلة من الوسائل نجدها مشتملة على مشقة.
العلاقة بين الاستطاعة والمشقة: الحاصل أن الاستطاعة لابد وأن تقارنها المشقة في أي فعل من الأفعال، فلا يخلو أي عمل مطلوب شرعاً من مشقة، ولكن المشاق تتفاوت، فمنها ما یؤدي إلى عدم تحقق الاستطاعة أصلاً، ومنها ما تتحقق معه الاستطاعة.
المطلب الثالث: الحرج
تعريف الحرج:لغة: هي كلمة تطلق على معان كثيرة في الأمور المحسوسة، ثم توسع في ذلك حتى شمل الأمور المعنوية، وهذا ما يهمنا هنا إذ يراد بالحرج الضيق.
والتعريف المناسب للحرج في الاصطلاح هو: الضيق الشديد الذي يؤثر في الحال والمآل على البدن، أو النفس، أو المال.
العلاقة بين الحرج والاستطاعة:
أولا لبد من التمييز بين مفهوم المشقة والحرج: إذ بينهما اتفاق في المفهوم العام وهو التعب، لكن بينهما عموم وخصوص؛ فكل حرج فيه مشقة، وليس كل مشقة فيها حرج؛ فهي قد تؤدي إلى الوقوع في الحرج، وقد لا تؤدي، فالمشقة المعتادة ليس فيها حرج، وإنما الحرج فيما خرج عن المعتاد من المشاق.
العلاقة بين الاستطاعة والحرج؛ فالاستطاعة هي القدرة والطاقة، والحرج هو ما أدى إلى ضيق ومشقة غير معتادة، وهو مما رفعه الله -سبحانه- عن المكلفين في جميع الأحكام الشرعية كما دل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُم في الدِينِ مِنْ حَرَجِ﴾ فالعلاقة بينهما علاقة تباين، فلا استطاعة مع الحرج، إذ أن الأمر إذا بلغ مرحلة الضيق والمشقة الزائدة انتفت الاستطاعة.
والخلاصة: أن الاستطاعة لابد وأن تقارنها المشقة، إذ لا يخلو أي عمل مطلوب شرعاً من مشقة، سواء كانت معتادة أو غير معتادة، بخلاف الحرج، فإذا وجد انتفت الاستطاعة.
المطلب الرابع: الاكراه
تعريف الإكراه:لغة: هو أن يحملك غيرك على أمر أنت له كاره.
واصطلاحا: هو حمل الغير على ما لا يرضاه من قول أو فعل.
والإكراه علی نوعین:
الأول: إكراه مُلجئ: وهو ما فيه إسقاط الرضا والقدرة والاختيار، فيكون الفعل الصادر من المكْرَه اضطرارياً.
الثاني: إكراه غير ملجئ: وهو ما فيه إسقاط الرضا دون القدرة والاختيار، فلا يخشى فيه المُكْرَهُ التلف عادة.
العلاقة بين الاستطاعة والإكراه: إن الاستطاعة تنعدم مع النوع الأول (الملجئ) نظراً لتضمنه المشقة المانعة من وجود القدرة حقيقة، وتتحقق مع النوع الثاني (غير الملجئ)، باعتبار أن المكلف لا يصاحب فعله مشقة عظيمة خارجة عن المعتاد، تمنع من حصول القدرة.
المبحث الخامس
تفاوت مراتب الاستطاعة
الاستطاعة لا تجري علی وزن واحد، وإنما تختلف من شخص إلى آخر، ومن عمل إلی عمل.تفاوت مراتب الاستطاعة
- اهـــ -