العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

«يصلح القصد في أصل الحكم، وليس في وصفه أو نتيجته»

انضم
25 فبراير 2023
المشاركات
33
الجنس
ذكر
التخصص
الأدب والنقد
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الأحناف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد ﷺ، وعلى آله وصحبه، ومَن تَبِعَهُم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:

فإن فقهاء الشريعة الغرَّاء قد وضعوا لنا قواعدَ وأصولًا تساعد في فَهم آلية بناء الأحكام الفقهية، وتنهض من خلالها وَفق رؤية كلية أصول الفقه، أو جزئية القواعد الفقهية التي تعنى بأبواب محددة، أو الضوابط الفقهية التي تكون ضمن جزئية محددة أو مسألة محددة، ومن ذلك القاعدة التي نحن بصددها: «يصلح القصد في أصل الحكم، وليس في وصفه أو نتيجته»

هذه القاعدة يمكن التعبير عنها بصورة أدق: إن النتائج على الأفعال لا دخل للمكلَّف فيها؛ فهذه من الله؛ أي: إذا جهل المكلَّف العقوبة؛ فإن هذا لا يمنع وقوعها.

ولتوضيح هذه المسألة؛ نقول: إنَّ الزنا حرام شرعًا، فإذا جهل الإنسان أنَّ عقوبة الزنا الجلد أو الرجم؛ فإن هذا لا يمنع من وقوع تلك العقوبة عليه، ولو جهل حجم تلك العقوبة - وصفها -؛ فإن هذا لا يمنع من وقوعها أيضًا عليه، ولا عذر بالجهل فيها.

وهذا بخلاف جهل المكلَّف أصل الحكم في المسألة: أهي حلال أم حرام؛ ففي هذه الحالة يمكن عذره بالجهل.

ومما يوضح هذه المسألة عمليًّا حديث ماعز - رضي الله عنه - واعترافه على نفسه بالزنى، وفيه قوله: «يَا قَوْمُ، رُدُّونِي إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، ‌فَإِنَّ ‌قَوْمِي ‌قَتَلُونِي ‌وَغَرُّونِي ‌مِنْ ‌نَفْسِي»؛([1]) فماعز - رضي الله عنه - كان عالمًا بالتحريم، جاهلًا بالعقوبة، ولذلك يقول ابن القيم: «وفيه: ‌أنَّ ‌الجهل ‌بالعقوبة ‌لا ‌يُسقط ‌الحدَّ إذا كان عالمًا بالتَّحريم، فإنَّ ماعزًا لم يعلم أنَّ عقوبته القتل، ولم يُسقط هذا الجهلُ الحدَّ عنه.»([2]).

قال ابن القيم - وصحَّحَ رواية أبي داود - فيه: «إنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَى جَاهِلٍ بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ ﷺ ‌سَأَلَهُ ‌عَنْ ‌حُكْمِ ‌الزِّنَى؛ فَقَالَ: أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ حَلَالًا.»([3])

وكذلك حديث الصحابي الذي جامع امرأته في نهار رمضان؛ حيث ‌كان ‌عامدًا ‌عالمًا ‌بحرمته - كما قال الحافظ ابن حجر -: «بدليل قوله «هَلَكْتُ»، وفي رواية «احْتَرَقْتُ»([4])؛ فقد أوجب النَّبيُّ ﷺ الكفارة ‌ولم ‌يعذره ‌بجهله ‌بها»([5]).

والأمثلة على ذلك كثيرة: كالذي يسرق ويعلم أن السرقة حرام، لكنه يجهل عقوبة السرقة - قطع اليد - خصوصًا إذا توافرت شروطها، وكذلك الذي يقتل شخصًا عن طريق الخطأ كحوادث السيارات وغيرها؛ فإن هذا لا يمنع من إقامة الحد أو الكفارة بحسب الحالة، والذي يَفْطُرُ في نهار رمضان عمدًا ولا يدري عقوبة ذلك، لكنه يعلم بالحرمة؛ فإن ذلك لا يعفي من العقوبة، كذلك الذي يتعامل في عقد رِبَويٍّ، ويعلم أن الرِّبا حرام، لكنه يجهل أن العقد فاسد؛ فإن هذا لا يُجيز البيع.





أخرجه أبو داود (4/ 145)، ت: محيي الدين عبد الحميد، كتاب: الحدود، باب: رجم ماعز بن مالك، برقم (4420). وحسَّنه الألباني. وأخرجه النسائي (6/ 438)، كتاب: الرجم، باب: إلى أين يحفر للرجل، برقم (7169).
  • «زاد المعاد» ت الرسالة الثاني (5/ 31).
«زاد المعاد» ت الرسالة الثاني (5/ 30).

ابن حجر في «الفتح» (4 / 207).

رواه البخاري (1834)، ومسلم (1111).
 
أعلى