- انضم
- 23 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 8,687
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو أسامة
- التخصص
- فقـــه
- الدولة
- السعودية
- المدينة
- مكة المكرمة
- المذهب الفقهي
- الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
القصور المنهجيُّ في نتائج الدِّراسات الأكاديميَّة: من التّلخيص إلى الحاجة للإضافة العلميَّة
افتتاحيَّة:
تُعدُّ نتائج الدِّراسات الأكاديميَّة –سواءٌ أكانت في رسائل الماجستير والدكتوراه أم في أبحاث التَّرقية– المحطَّة النَّهائيَّة التي يُفترض أن تعكس عمق الجهد العلمي، وتسهم بإضافة جديدة للمعرفة في التَّخصُّص.
غير أَنَّ ما يُلاحظ في العديد من هذه الدِّراسات وجود قصور منهجي كبير؛ يتمثَّل في اقتصار نتائج البحث على تلخيص ما ورد في مباحث الرِّسالة أو الخطِّة، دون تقديم رؤىً تحليليَّة، أو إضافات معرفيَّة؛ ترتقي إلى مستوى البحث العلميِّ الرَّصين.
خلاصة القول: أَنَّ النَّتائج في جوهرها يجب أن تكون انعكاسًا تحليليًّا لأسئلة البحث وفروضه، لا مجرَّد تكرار لما سبق بيانه.
وفي كثير من الحالات الواقعيَّة تتحوَّل إلى استعراض تقريريٍّ لما ورد في أبواب الرِّسالة وفصولها الدِّراسيَّة، ممَّا يُفرِّغها من قيمتها العلميِّة، ويُضعف أثرها التَّطبيقي.
بيان القصور:
الحقيقة التي يجب استيعابها أَنَّ المشكلة هنا ليست في الباحث وحده!، بل في المنظومة الأكاديميَّة التي قد لا تمنح النَّتائج العناية التي تستحقُّها؛ فبعض الباحثين لا يُدرَّبون جيدًا على مهارات التَّحليل العلمي، بل ولا يتلقَّون التَّوجيه الكافي لتحويل معلوماتهم إلى استنتاجات ذات قيمة معرفيَّة.
ولا بُدَّ للباحث أن يكون على بصيرة بأَنَّ النَّتائج ليست مكانًا لإعادة ما قاله، بل هي الموضع الذي يقول فيه: ماذا يعني كلُّ هذا؟، وما الذي خرجتُ به؟، وما الإضافة التي قدمتها؟، وللأسف فكثير من البحوث تُغلق أبحاثها بخاتمة بلا روح؛ إذ لا تُجيب عن هذه الأسئلة، ولا تفيد بجديد!.
وعلى ذلك فإن أردنا لبحوثنا أن تكون فاعلة ومؤثِّرة، فلا بُدَّ أن نعيد النَّظر في كيفيَّة صياغة النَّتائج، وفي أهميَّة تدريب الباحثين على التَّفكير النَّقديِّ والتَّحليليِّ، وليس فقط على ترتيب المراجع، وإتقان التَّنسيق.
عرض المشكلة:
وفيما يلي عرض مفصَّلٌ لمشكلة القصور المنهجي في نتائج الدِّراسات الأكاديميَّة التي يُفترض أن تكون حلولها منطلقًا لاكتشافات واستنتاجات جديدة.
أولًا: الاكتفاء بالتَّلخيص دون التَّحليل أو الإضافة:
غالبًا ما تقتصر النَّتائج في العديد من الدِّراسات الأكاديميَّة على إعادة عرض لأهمِّ ما ورد في المباحث السَّابقة، بطريقة أقرب إلى التَّلخيص منها إلى التَّحليل. وهو ما يفقد النَّتائج قيمتها العلميَّة، ويحوِّلها إلى مجرَّد تكرار لما سبق بيانه؛ دون أيَّة محاولة لاستخلاص دلالات، أو تقديم نتائج قابلة للتَّطبيق أو التَّعميم.
ثانيًا: غياب الإضافة العلميَّة الأصيلة:
من أهمِّ غايات البحث الأكاديميِّ تقديم إضافة معرفيَّة حقيقيَّة؛ تسهم في تطوير الحقل العلمي محلِّ الدِّراسة. لكنَّ المشكلة أَنَّ الكثير من الباحثين لا يتجاوزون مرحلة العرض والوصف؛ فلا نجد في النَّتائج ما يدلُّ على استنتاجات جديدة، بَلَهَ أفكار مبتكرة؛ نابعة من عمق التَّحليل، أو دقَّة المقارنة، أو القيام بالنَّقد العلمي. وهذا ينعكس سلبًا على جودة البحث؛ فضلًا عن قيمته.
ثالثًا: ضعف الصِّياغة المنهجيَّة للنَّتائج:
كثير من النَّتائج لا تتَّبع منهجيَّة واضحة في عرضها، فلا تُبنى على أسئلة البحث أو فروضه، ولا تُعالج وفق أطر نظريَّة محدَّدة. وبهذا، تصبح النَّتائج منفصلة عن جوهر الدِّراسة، وكأنَّها جزءٌ إضافي لا يتكامل مع بنيتها الكليَّة، بل في بعض الحالات تفتقر للتَّرابط المنطقي مع ما قبلها.
رابعًا: الأسباب المحتملة لهذا القصور:
هذا الإشكال لا ينشأ من فراغ، بل تعود أسبابه إلى عدَّة عوامل، لعلَّ من أهمها:
• تعامل بعض الباحثين مع الدِّراسة على أَنَّها متطلَّبٌ للحصول على الدَّرجة العلميَّة فقط، وليست إسهاماً حقيقياً في المعرفة؛ فيكون جانب النَّظرة النَّفعيَّة للبحث غالبةً على تحقيق ثمرته.
• ضعف التَّدريب الأكاديمي على كتابة النَّتائج وتحليلها.
• غياب التَّوجيه البحثي من قبل المشرفين في مرحلة صياغة النَّتائج.
• تركيز بعض المؤسَّسات على الشَّكل الخارجي، والالتزام بالخطَّة وهيكلة البحث أكثر من التَّركيز على القيمة العلميَّة.
خامسًا: الآثار المترتِّبة على هذا القصور:
ينعكس هذا القصور سلبًا على مجمل الإنتاج الأكاديمي العربي؛ إذ يؤدِّي إلى نتاجٍ هزيل؛ ومخرجاتٍ سلبية؛ لعل من أهمها:
• ضعف التَّراكم المعرفي في التَّخصُّصات المختلفة.
• ضعف الاستفادة من نتائج الدِّراسات في الواقع التَّطبيقي أو شقِّه النَّظري.
• فقدان الثِّقة في قيمة البحوث كأداة لحلِّ المشكلات أو تطوير السِّياسات.
سادسًا: سبل المعالجة والتَّطوير:
للتَّغلُّب على هذا القصور، يمكن اقتراح عدد من الخطوات الفاعلة؛ لعلَّ من أهمِّها:
• إدراج مساقات تدريبيَّة خاصَّة في برامج الدِّراسات العليا تركِّز على تحليل النَّتائج وكتابتها بطريقة علميَّة دقيقة.
• تعزيز الإشراف الأكاديمي الجاد، والمتابعة الدَّقيقة لكلِّ مرحلة من مراحل البحث.
• تشجيع الباحثين على تبنِّي الطَّرح النَّقدي وإبراز الرَّأي التَّحليلي، وعدم الاكتفاء بالوصف أو الميول للتَّلخيص.
• إعادة النَّظر في معايير تقييم الرَّسائل والأبحاث، بحيث تُمنح القيمة الأعلى للإضافة العلميَّة، لا للالتزام الشَّكلي بالخطَّة.
الخاتمة:
إن تجاوز هذا القصور في نتائج الدِّراسات الأكاديميِّة ضرورة مُلحَّة إذا أردنا أن ترتقي بحوثنا إلى المستوى العالمي؛ لكي تصبح مصدرًا حقيقيًّا للمعرفة والتَّطوير في مختلف الحقول، وهذا لا يتحقَّق إِلَّا بإصلاح منهجيٍّ يطال التَّكوين الأكاديميَّ، والإشراف، وآليات التَّقييم.
وبما أَنَّ نتائج الأبحاث تمثِّل خلاصة الجهد العلمي؛ فإِنَّ إصلاح هذا الخلل يتطلَّب تغييرات جذريَّة، تشمل تحسين الإشراف الأكاديمي، وتطوير آليات التَّقييم، وتدريب الباحثين على ابتكار نتائج تتجاوز الوصف إلى التَّحليل، وتقفز من التَّكرار إلى الإبداع.
ومن هنا، تصبح الحاجة مُلحَّة جدًّا إلى إعادة النَّظر في أدوات التَّأهيل الأكاديمي، وتحديث معايير تقييم الرَّسائل؛ لتشمل مقدار الإضافة العلميَّة التي تحقِّقها، لا مجرَّد مطابقة الخطَّة.
وفي مختتم القول فإِنَّ هذه الإشكاليَّة إذا تُركت دون معالجة ستُسهم في استمرار ضعف الأثر العلمي للبحوث الأكاديميَّة العربيَّة، وستحوِّلها من أدوات تطوير ومعرفة إلى مجرَّد متطلَّبات إداريَّة لنيل الدرجات العلميَّة.
سلك الله بنا سبيل الرشاد، وهدانا إلى أقوم طريق يصلحنا ليوم التناد.
