العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تقنين الشريعة أضرراره ومفاسده للشيخ عبد الله بن بسام

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
تقنين الشريعة
أضراره ومفاسده


بقلم
فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن بسام

طبع على نفقة
بعض المحسنين


مطابع دار الثقافة
مكة – الزاهر
1379 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فقد جرى لي مباحثة مع صاحب الفضيلة الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ رئيس هيئات الأمر بالمعروف حفظه الله تعالى في شأن الدعايات التي يكاد بها الإسلام وأهله وأن في مقدمة هذه الدعايات المضللة السعي في تعطيل الأحكام الشرعية ليحل محلها القوانين الأوربية التي دان بها كثير من البلاد بسبب تعطيل المسلمين دينهم وإعراضهم عن أم ربهم فسلط عليهم أعداؤهم فغروهم في كل شيء حتى في الأحكام والشرائع وذكر فضيلة الشيخ أن أصحاب هذه القوانين لا يتمكنون من مفاجأتنا بها قبل سابق تمهيد وتوطيد فلا بد إذاً من تمهيد الطريق أمامها بالدعوة إلى قانون يدعى بغير إسمه وتستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية فإذا تم هذا فقد زالت العقبة الكأداء فما بعدها أيسر منها.
حذرنا فضيلته من هذه الدعايات وحثنا على محاربتها بكل وسيلة لأنه من الجهاد في سبيل الله تعالى فلم نلبث أن رأينا كلمة نشرت في جريدة (البلاد) بقلم سمير شما تحمل هذه الدعوة فكتبت رداً عليها في جريدة (الندوة) قياماً بأداء واجب النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فما أن رأى فضيلة الشيخ عبد الملك حفظه الله – الرد حتى أكد إعادة نشره في رسالة خاصة نصحاً للإسلام وغيرة على أحكامه وطلب مني تصحيح ما وقع منه من أخطاء مطبعية يسيرة فقمت بذلك وأضفت إليه زيادات تدعو حاجة التوضيح والبيان إليها ويتسع لها –أيضاً- نطاق الرسالة والله ولي التوفيق.
وهذا هو المقال:
قرأت كلمة الأستاذ (سمير شما) في عدد البلاد (271) الصادر في 20/6/79 هـ حول «تقنين الشريعة» وأنا لا أشك في غيرة الأستاذ على دينه وتمسكه بأهداب شريعته ولكنه تحول إلينا أفكار وآراء من أعداء الداء يحاربون الإسلام بكل وسيلة ولعلهم وجدوا أنجح سلاح للقضاء عليه هي هذه الأسلحة اللينة الملمس البراقة المنظر وهي طريق الأفكار الهادئة والبحوث المستطابة وبهذا يلجون إلى مقصدهم بلا تنفير ولا ضوضاء، فتجد هذه البحوث الجديدة عندنا قلوباً تقبلها وتأخذها عن حسن نية وسلامة طوية وفيها ما فيها من السم الزعاف.
هذه الفكرة
هذه الفكرة التي عرضها الأستاذ ورغب في تنفيذها وهي: «أن يقوم رجال الدين في المملكة بتوحيد الأحكام بمجلة واحدة تأخذ بما يقررونه في صالح المسلمين من أقوى المذاهب حجة ودليلاً من الكتاب والسنة دون التقيد بمذهب» هذه الفكرة التي عرضها الأستاذ من تلك الدعايات المغرضة التي دخلت علينا من أعدائنا ليهدموا بها عنوان نهضتنا وطريق عزنا وهو ديننا المجيد وعقيدتنا المقدسة، وما أصيب إخواننا العرب والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بهذه (القوانين الأرضية) بدل (القوانين السماوية) إلا لأنهم قد ابتلوا باستعمار أعداء الإسلام لبلادهم فلما أحس هؤلاء المستعمرون قرب خروجهم من تلك البلاد التي امتصوا خيراتها واستعبدوا أ÷لها حنقوا عليهم فبغوا لهم الغوائل فخلفوا بعدهم هذه القوانين الاستعمارية منها لتقوم مقام حكمهم الظالم وسيطرتهم المستبدة ونفوذهم الطاغي تركوها أثراً سيئاً وفساداً ظاهراً ليهدموا بها الدين الذي أخضعهم أول مرة فلا يخضعهم كرة أخرى ولما طهر الله هذه (البلاد السعودية) –ولله الحمد- من أقدامهم القذرة بقيت طاهرة نشم منها عطور النبوة وترى فيها شمائل الرسالة بتحكيم السنة المطهرة الكاملة فقلت فيها الجرائم والجنايات بينما غيرها بعج ويضج من القتل والنهب والسلب والفجور والخمور لأن تلك القوانين التي لم تتصف ببركة الشريعة وحكمها لم تكف لقمع الشر وردعه فاضطرب الأمن واختل النظام وتفاقم الشر.
وأنا لا أحمل كلام الأستاذ مالا يحتمل ولا أقوله ما لا يقول ولا ألزمه بما لم يلتزم ولكني أذكره إلى أن هذا هو نتيجة دعوته وثمرة فكرته.
(لماذا لم تنفذ؟)
ونحب –الآن- أن نناقش مقال الأستاذ على ضوء ما أيد به فكرته: فقد ذكر أن هذه الفكرة قديمة لدى حكومتنا وأن أول من فكر فيها المغفور له الملك الراحل وذلك منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولكننا لم نر –والحمد لله- أثراً لهذه الفكرة
فما الذي صرف فكر الملك عبد العزيـز عن تنفيذها، وهو من علمنـاه في همتـه، وعزمه، وفي محبته لكل ما فيه صلاح للإسلام والمسلمين، وإذا كان قد تركهـا هذه الحقبة الطويلة من الزمن - وهو الدائـب على مصالح الأمة - أفلا يكون لنا قدوة به وبأمثاله من سلفنا الصالح، فيما لو كان خيراً لسبقونا إليه، والخير كله في الاتباع، والشر كله في الابتداع فيما يتعلق بالشرع والدين، ولو حققنا سبب انصرافه عن
هذه الفكرة لوجدنا أن تفكيره الصائب واستشارته لأهل الغيرة من العلماء العاملين هدياه إلى أن ليس من الخير والصالح إبرازها فماتت في جوف من أذاعها.
(مقدمة ذات حدين)
ثم نقل الأستاذ فصلاً من كتاب لشيخ الجامع الأزهر سابقاً حول سياسة الشريعة فيه شيء من روح الإسلام ونفحته العطرية إلا أنها مقدمة ذات حدين يستعملها المحق المنصف لبيان مرونة الإسلام وسماحته وأنه صالح لكل زمان ومكان ومتكفل بسعادة البشرية في دنياها وأخراها ويستغلها المبطل بدعوى (المرونة) لقيادة الإسلام إلى مهاوي الضلال.
والإسلام شريعة الله العامة ونظامه الخالد أنزله على خلاصة البشر بعد أن تجمعت فيهم العقول السابقة والآراء السالفة أنزله عليهم يتجدد بتجددهم ويتطور بتطورهم لما فيه من عوامل البقاء وعناصر الخلود والله عليم حكيم.
وقد جاء في كلام فضيلة شيخ الجامع الأزهر جملتان يحسن الوقوف عندهما ومناقشتهما.
الأولى قوله: (العادة محكمة في كل ما ليس فيه نص شرعي) فإن أراد بهذا أن العادة أصل من أصول التشريع التي تستمد منها الأحكام فهو غير صحيح لأن الأصول انتهت بانتهاء عهد النبوة، والنبي صلى الله عليه وسلم حين بعت معاذاً إلى اليمن قاضياً وأقره على أصول التشريع: الكتاب والسنة والاجتهاد الذي هو قياس الأشباه بالنظائر لم يرجعه إلى عاداتهم وعمر بن الخطاب حين كتب إلى أبي موسى كتابه المشهور في القضاء: قال له فيه: (ثم الفهم الفهم فيما أدلى إليك مما ورد عليك وليس في كتاب ولا سنة ثم قايس الأمور عند ذلك) فقد أمره إذا أعوزه الحكم من الكتاب والسنة أن يقيس ما لم يرد فيه النص على ما ورد فيه ولم يرجعه إلى العادات والتقاليد فليس العرف والعادة مصدرا تشريع وتحكيم وإلا لاستغنى الناس بعاداتهم عن الشرائع ولصار مصدر الأحكام ما هم عليه من التقاليد إن كان هذا مراد فضيلة الشيخ بتلك الجملة فيسعول الناس في أحكامهم على عاداتهم وسيقولون إن هذه النصوص كانت لزمن مضى وأحوال تقدمت ونحن في زمن وحال غيرهما فلا تصلح تشريعاً لنا وإنما يجب أن نستمد أحكامنا وأنظمتنا من بيئتنا ومجتمعنا الذي نعيش فيه وسيئ المطالبون أن الذي أنزل هذه الشريعة عالم بما سيحدث وما يتجدد فأودع في شرعه ما يسد حاجة كل جديد وقديم وإن أراد فضيلة الشيخ بكلامه أن العادة المطردة والعرف القائم بين الناس دليل ثبوت الحكم الشرعي كأكل الضيف والمدعو من الطعام المقدم لهما ولو بلا إذن صريح من صاحب المنزل وإعطاء القصار أو الخياط ثوبه لغسله أو خياطته بأجرة العادة فهذا وأمثاله تعتبر فيه العادة مبينة لقدر الحق الشرعي، ومثله الرجوع إلى أهل المعرفة في بيان الغبن في

البيع أو العيب في المبيع اللذين أثبت فيهما الشارع الخيار للمشتري وكذلك بيان نفقة الزوجة والقريب التي تختلف باختلاف الزمان والمكان و(الحرز) الذي شرطه الشارع لقطع يد السارق يرجع في بيانه إلى العرف الذي يحدده حسب الأموال والحكام والبلدان وكذلك بيان ما يدخل في مسمى الدار عند إطلاق بيعها وما لا يدخل يرجع فيه إلى العادة الجارية عند الناس وكذلك بيان ما على المؤجر والمستأجر عند استئجار الدار والدآبة وما على المساقي وصاحب الشجر في المساقاة.
كل هذه المسائل وكثير من أمثالها للعرف فيها فضل البيان والتفسير للنصوص فإن كان هذا هو مراد الشيخ فهو صحيح لأنه مطابق للحق والواقع ولذا فإنه يتعين على الحاكم أن يكون عارفاً لعادات بلاد حكمه وعرفها ولغتها واصطلاحها لأن ذلك ينير الطريق أمامه ويبصره مراد النص فإن فهم كثير من النصوص لا يكفي الحاكم في حكمه ما لم يعرف ما عليه الناس من عادات واصطلاحات ليحسن التطبيق والملاءمة بين النصوص والواقع وإلا لاضطرب أمره وفاته شيء كثير من الملابسات التي تعينه على تحري الصواب فهذا مراد مستقيم لتحكيم العادة وإجراء الشروط العرفية كالشروط اللفظية قد جرى في الشرع اعتباره.
ونظن أن هذا هو مراد فضيلة شيخ الجامع الأزهر وأنه قد وضحه في كتابه أكمل توضيح وأتمه وإنما نقل لنا الأستاذ (سمير) هذه الجملة المحتملة فلزم مناقشتها لئلا يظن غير المراد الصحيح منها.
البحث العلمي يقتضي التقصي
الثانية: نقل الأستاذ عن شيخ الجامع الأزهر جملة عن ابن عقيل أسفت للتصرف فيها حيث بترت عن المعنى الذي يخفف مرارتها ويهون بشاعتها وأمانة البحث والعلم تقتضي التقصي والتحري وكلام ابن عقيل الذي نقله ابن القيم في الجزء الرابع من (أعلام الموقعين) ص (309) في أثناء مناظرته مع فقيه هكذا: (قال الآخر لا سياسة إلا ما وافق الشرع، فقال ابن عقيل: السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به الوحي فإن أردت بقولك لا سياسة إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع ف صحيح وإن أدرت ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة).
من هذا نفهم أن ابن عقيل أراد أننا إذا لم نجد في (الوحيين) نصًا في الحكم رجعنا إلى الأصول الأخرى للشريعة
وهي التي توافق (ما نطق به الشرع) ، على ما في كلام ابن عقيل من الجراءة والخشونة في التعبيـر لإرادة هذا المعنى، ولكنه في مقام مناظـرة، وعلى ما عرف عنــه
-عفا الله عنه- من ميل إلى كتب أهل الكلام الذين عطلوا النصوص استناداً إلى العقل الذي غلوا فيه فحرقوا لأجله ما كبر على مداركهم من النصوص
ولذا فإن المحقق ابن القيم لم ينقل عن ابن عقيل هذا من باب التقرير والرضا وإنما عقب عليه بقوله: (قلت هذا موضع مزلة أقدم ومضلة أفهام وهو مقام ضنك في معترك صعب فرط فيه طائفة فعلطوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرؤا أهل الفجور والفساد وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد وسدوا على أنفسهم طرقاً صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل وعطلوها مع علمهم وعلم الناس بها أنها أدلة حق ظنًّا منهم منافاتها لقواعد الشرع والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها
فلما رأى ولاة الأمر ذلك وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء فأحدثوا لهم قوانين سياسية تنتظم بها مصالح العالم فتولد من تقصير أولئك في الشريعة وأحداث هؤلاء من أوضاع سياستهم شر طويل وفساد عريض وتفاقم لأمر وتعذر استدراكه.
وأفرط فيه طائفة أخرى فشرعت فيه ما يناقض حكم الله ورسوله وكلا الطائفتين أتيت من قبل تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله فإن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض
فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان قلم شرع الله ودينه ورضاه وأمره والله تعالى يم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر بل بين مما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط فأي الطرق استخرج به الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها) هو من كلامه رحمه الله.
نقلت هذا الفصل القيم من كلام هذا الإمام العلامة ليرى الحق وأنواره في مطاوي كتب أسلافنا فلا يصدنا عنه ويحجب أبصارنا أفكار مظلمة ولتفهم الشريعة الإسلامية بهذه النفس الفسيحة واللفظ البعيد والفراسة الصائبة لا بتلك المواد الجافة الواقفة
فهناك (سياسة شرعية) لا تحيط بها المجلة والقوانين، ولا تستوعبها بطون الكتب؛ وإنما مقرها الفكر الواعي، والنفس المتفقهة، والاجتهاد الصائب، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

(دعاية مدسوسة)
والذي نعتقد أن هذه الدعاية إحدى الدعايات التي يكاد بها الإسلام منذ زمن بعيد وقد جعلت الدركة الأولى لتعطيل أحكام يدننا التي شرعت العبادات وهذبت النفوس وقومت الأخلاق وفرضت الحدود وبينت علاقة العبد بربه وعلاقته مع غيره من الزوج والوالد والولد والأخ والقريب والجار والمسلم والذمي والمعامل وغير ذلك من أحكام وآداب قامت على ميزان القسط والعدل بينما هذه القوانين الوضعية لم تحاول سوى معاملات الأفراد ففشلت ودليل فشلها آثارها السيئة التي تقرأ بعض جرائمها في الصحف والمجلات والنشرات، وليس لها من الرواج إلا أنها تحدرت إلينا من قوم أحكم منا صناعة وأعظم منا اختراعاً فنحب أن نهرول خلفهم بلا بصيرة ولا روية لأن تقدمهم في الصناعة جعلنا نديت لهم بكل شيء حتى في الشرائع والأديان ولو رجع الحق إلى نصابه لعلم أن أكثر قوانين أوربا مقتبس من فقهنا ومنها: (قانون نابليون الأول) وغيره، فشوه وغير وقدم إلينا فصارت بضاعتنا المسلوبة منا المشوهة بعنا أغلى وأنفق من إنتاجنا الذي لا يزال –والحمد لله- جديداً طرياً لم تغيره الآراء المضلة ولا الأهواء الجامحة: ولكنه التقليد الأعمى أوجب لنا الرغبة في استبدال (دستورنا الإلهي) بهذه: (القوانين البشرية) التي عجزت عن تحقيق الأحكام وفشلت في ضبط الأمن والنظام سيكون من آثار سن هذه المجلة عدا الإرهاص والتمهيد لتغيير الأحكام الشرعية مفاسد ومضار منها:
1) لدينا تراث ضخم من الفقه الإسلامي الذي تعب أسلافنا في استنباطه وتدوينه والتوسع فيه بحيث لا يوجد حادثة أو يتجدد أمر إلا ويوجد له من النظائر والمسائل ما يسهل إدراجه معه فكيف نتحجر واسعاً بهذه المجلة الضيقة والقوانين المحدودة.
2) إن الذين سيقومون بتدوين هذه المجلة ووضعها سيأخذون قولاً من أقوال ورأياً من آراء فليت شعري ما الذي حملهم على تقييد الأمة بقول دون الآخر –إذا كانوا يعتقدونه- مع أن القول المهمل يعتمد على مثل ما اعتمد عليه القول المختار من الحجة والبرهان.
3) أحوال الناس مختلفة وعاداتهم متباينة حسب اختلاف زمانهم ومكانهم وبيئتهم ولكن القضاة سيحكمون بمواد هذه المجلة الموحدة فهل راعينا العادات التي غلونا سابقاً في أمرها حتى جعلناها مصدراً من مصادر التشريع.
4) يتولى أحكام المسلمين حكام أحرار مهما قيدوا، فإنها لا تطمئن أنفسهم بإصدار الحكم حتى يبحثوا عن الحق والصواب، وستقيدهم هذه المجلــة، وستغلق أمامهم نوافذ النور؛ حيث
إن النور لا يعدوها حسب حال واضعيها الذين جعلوا من القضاة آلة صماء يدبرها هذا الاختراع الجديد.
5) ستقصر نظر الحاكم وتحد من علمه لأنه لن يجني من بحثه ثمراً ولن ينتفع بما علم إذا فليقصر عناه وليرح فكره ولتكن النتيجة ما تكون.
6) إن في وضعها وتقييد العمل بما فيها حد للحريات وهضم للحقوق وازدراء للآراء والأفكار وإلا فما معنى أن يكون ما فيها هو الصواب المعمول به وما عداها يلغي ويترك ما دام أن الذين قالوا به لا يقلون عن هؤلاء الواضعين علماً وفهماً واستدلالاً، وكيف نعيب التقيد بمذهب واحد من المذاهب الأربعة وغيرها مع أنه فتاوى إمام أجمعت الأمة على دينه وورعه وعلمه وإمامته وتابعه عليه سلسلة ذهبية من فطاحل العلماء وكبار الفقهاء ثم لا نعيب أنفسنا بوضع كتاب وضعه رجال ليس لهم ما لأولئك من المزايا فنحكمه في دمائنا وأموالنا وننسى ما عداه من كتاب ربنا وسنة نبينا وآراء سلفنا.
7) أن الحاكم بهذه المجلة قد أخل بأعظم شرط يشترط في القاضي وهو الاجتهاد وطلب الحق من مظانه فقد اشترط العلماء في القاضي أن يكون مجتهداً مطلقاً متحرياً للصواب من منابعه الأولى: الكتاب والسنة والقياس الصحيح وإجماع الأمة فلما تعسر عليهم هذا النوع من القضاة –حيث نكب المسلمون في دينهم وعلمهم من هجمات أعدائهم من التتر والصليبين وغيرهم- لما تعسر عليهم الاجتهاد المطلق قنعوا بأن يكون القاضي مجتهداً ولو في مذهب إمامه الذي يقلده وذلك أضعف أداة فينظر في أصول إمامه وفتاويه ومتقدم أقواله ومتأخرها وأدلته ومآخذها وينظر في كلام كبار أصحابه، أما المقلد المتقيد فلم يره العلماء أهلاً للقضاء والفتيا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأجمع العلماء على تحريم الحكم والفتيا بالهوى وبقوله أو وجه من غير نظر في الترجيح ويجب العمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعاً) وقال أيضاً: (ولا يجوز التقليد مع معرفة الحكم اتفاقاً وقبله لا يجوز على المشهور).
قال ابن القيم: (لا يجوز للمقلد أن يفتي في دين الله تعالى بما هو مقلد وليس على بصيرة فيه سوى أنه قول منق لده دينه هذا إجماع من السلف كلهم وصرح به الإمام أحمد والشافعي رضي الله عنهما وغيرهما وقطع أبو عبد الله الحليمي والقاضي أبو المحاسن وغيرهما بأنه لا يجوز للمقلد أن يفتي بما هو مقلد فيه) وكلام السلف في ذم التقليد كثير.
وإذا كان الاجتهاد مشروطاً في الحاكم والتقليد مذموم له وأقل ما يطلب منه أن يكون مجتهداً في مذهب أمامه فالحاكم بهذه المجلة أحط حالاً منه لأنه لن يجتهد بقضية فهو مقصور عليها حيث قد انقطع بها الاجتهاد كما انقطعت الرسالة «بمحمد صلى الله عليه وسلم».
8) إن هذا تحول وتقهقر بالقضاء والأحكام جاء عن قصد أو عن حسن نية وإلا فإصلاح القضاء لا يكون بتكييل القضاة وتقييدهم وإنما يكون بفتح أبواب الاجتهاد والبحث والتجديد في ابتكار المعاني من النصوص الشرعية ليصلوا –دائمًا- بين دينهم وما تجدد من الحوادث والطوارئ فيظل هذا الدين كما أراده الله الدستور الخالد والنظام الباقي: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
9) إن التزام الحكم والفتيا بهذه المواد من المجلة هو تحتيم بالتمذهب بها وهي آراء واجتهاد لعلماء قال غيرهم بخلافها حيث إن نسبة المجمع عليه فيها قليل ولا يجب اتباع أحد مهما كان مقامه غير المشرع صلى الله عليه وسلم.
10) إن الحاكم الحر عن القيود الطليق عن الحدود الذي فقه الشرع فقهاً علمياً ونفسياً وقذف اله في قلبه النور وأشعر قلبه الإخلاص والمراقبة وألزم نفسه التحقيق والتدقيق سيؤتيه الله نوراً وفهماً وفراسةً في الأحكام لا تجدها المجلات ولا تحيط بها المواد والقوانين وإنما هو النظر الثاقب والبصيرة النافذة والإلهام الإلهي وهذا شيء لا يوجد في الكتب وإنما يستمد بمراقبة الحاكم الأعلى وقرب القلب من العليم الحكيم ومن قيد نفسه بهذه المجلة الصماء فأنى له هذا.
11) إن الحق معرفة الهدى بدليله فأين مواده هذه المجلة الجافة الجامدة من هذا التراث الدسم لسلفنا الذين قرنوا أحكامه بالأدلة فجعلوا العامل بها يرى الحق تواكبه الأنوار فنحل فيها البركة ويتحقق فيها الصلاح والإصلاح.
وبعد: فإننا نعتقد أن كثيراً من هؤلاء المنادين بهذه الفكرة وأمثالها لم يقصدوا لدينهم وأمتهم إلا الخير ولكنهم مخدوعون من دعايات وتأثيرات لم يستطيعوا التحرر منها والانفلات من ربقتها ولذا فإننا ندعوهم إلى التفكير الصحيح والبحث الطويل والتمهل ببث هذه السموم التي يتلقونها من قوم يعتقدون فيهم النصح ثم يذيعونها فينا بدعوى التجديد والتطوير مع أنه ليس كل جديد صالحاً ولا كل تطور محموداً.
ونحن نذكرهم بأننا في وضع من أعمالنا وأحكامنا تغبط عليه؛ فنحن في شرع ظاهر، وشر مدحور، وحسن معتقد، وأمن شامل، ورخاء، وصحة، وتقدم مطرد، وسائرون –بعون الله تعالى- بخطا ثابتة، واتزان إلى أكمــل مما نحن فيه، وكل تحوير وتغييــر من هذا النوع فهو –لا سمح الله- عقبة في طريقنا، ونكسة في اتجاهنــا، فليحــذر الذيـن تشبعــوا بآراء الغربييـــن والمستغربيـــن أن

يحاولوا تطبيقها علينا بحذافيرها فكما أن في بعضها الخير فإن في الكثير منها الشر المستطير ونخشى أن يصيبنا ما أصاب غيرنا.
وليعلموا أن لنا في هذه البلاد المقدسة وضعاً غير وضع غيرنا وحالاً غير حالهم وعلينا رسالة ليست عليهم فنحن قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فإنهم ينظرون إلينا في مجال الدين والتشريع نظرة القائد والمرشد فمن هنا شع نور الشريعة ومن هنا سن الدستور المساوي ومن هنا خرج آباؤنا يحملون إلى الناس رسالة الحق والعدل والمساواة والحرية وفي هذه الرحاب كسرت الطواغيت المضلة وألغيت القوانين الجائرة فلنحافظ على زمام الدين ولنذب عنه ولننصره ما بقينا في منبعه الأصيل هداة مهتدين.
هذا ونسأل الله تعالى أن يعيد إلى الإسلام عزه وإلى المسلمين مجدهم وأن يوفقهم إلى التمسك بدينهم وتطبيق أحكامه العادلة المقسطة ليسودوا كما ساد آباؤهم من قبل فقد أنزله الله تعالى حكمه ورحمة وسعادة للبشر في دنياهم وأخراهم.
انتهت هذه الرسالة في غرة رجب من عام 1379 هـ في مكة المكرمة بقلم عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

عبد الرشيد الهلالي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
8 يناير 2008
المشاركات
17
الحمد لله وصلى الله على محمد و آله وبعد :فقد قرأت ما كتبه الشيخ الفاضل عبدالله بن بسام حول موضوع تقنين الشريعة بين المبيحين والمانعين،وانا أستميح الشيخ ومحبيه عذرا في إيراد جملة من الملاحظات على كلامه.

الأولى قوله/ (العادة محكمة في كل ما ليس فيه نص شرعي) فإن أراد بهذا أن العادة أصل من أصول التشريع التي تستمد منها الأحكام فهو غير صحيح لأن الأصول انتهت بانتهاء عهد النبوة، والنبي صلى الله عليه وسلم حين بعت معاذاً إلى اليمن قاضياً وأقره على أصول التشريع: الكتاب والسنة والاجتهاد الذي هو قياس الأشباه بالنظائر لم يرجعه إلى عاداتهم وعمر بن الخطاب حين كتب إلى أبي موسى كتابه المشهور في القضاء، قال له فيه (ثم الفهم الفهم فيما أدلى إليك مما ورد عليك وليس في كتاب ولا سنة ثم قايس الأمور عند ذلك) فقد أمره إذا أعوزه الحكم من الكتاب والسنة أن يقيس ما لم يرد فيه النص على ما ورد فيه ولم يرجعه إلى العادات والتقاليد فليس العرف والعادة مصدرا تشريع وتحكيم وإلا لاستغنى الناس بعاداتهم عن الشرائع ولصار مصدر الأحكام ما هم عليه من التقاليد إن كان هذا مراد فضيلة الشيخ بتلك الجملة فيسعول الناس في أحكامهم على عاداتهم
هذا تعقيب متعقب عليه من وجوه/
الاول/أ ن شيخ الازهرقد قيد الاحتكام الى العادة والعرف بعدم النص الشرعي . وحينئذفلا معنى لقول المعقب/( وإلا لاستغنى الناس بعاداتهم عن الشرائع ولصار مصدر الأحكام ما هم عليه من التقاليد إن كان هذا مراد فضيلة الشيخ بتلك الجملة فيسعول الناس في أحكامهم على عاداتهم )

الثاني/قد جاء عن صاحب الشريعة الحكم بما مستنده العرف والعادة ،كما في حكم القسامة،فليس كل ما لم يرد به قلم الشرع،منطوقا ومفهوما،يترك ولا يعمل به، إذ لم يقل بذلك احد من اهل العلم.
قال ابن نجيم/ (وَاعْلَمْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْفِقْهِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ حَتَّى جَعَلُوا ذَلِكَ أَصْلًا..)
الثالث/وهوناتج الوجه الثاني ولازمه، وهو أن الحكم بالعرف حيث لا نص،حكم بالسنة.

ــ قال الشيخ ابن بسام/( وإن أراد فضيلة الشيخ بكلامه أن العادة المطردة والعرف القائم بين الناس دليل ثبوت الحكم الشرعي ...فكلامه صحيح)ولاشك أن هذا هو مراد شيخ الازهر، فالعرف أصل من أصول اثبات الأحكام.قال القاضي أبو بكرابن العربي /(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي تَقْدِيرِ الْإِنْفَاقِ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ ، وَإِنَّمَا أَحَالَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْعَادَةِ ، وَهِيَ دَلِيلٌ أُصُولِيٌّ بَنَى اللَّهُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ ، وَرَبَطَ بِهِ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ ؛ وَقَدْ أَحَالَهُ اللَّهُ عَلَى الْعَادَةِ فِيهِ فِي الْكَفَّارة).
أقول/ بل غالى بعضهم فجعله في رتبة الاجماع .


ثم قال بعد أن ذكر جملة من المسائل التي للعادة والعرف فيها تأثير/(كل هذه المسائل وكثير من أمثالها للعرف فيها فضل البيان والتفسير للنصوص )ــ ولم يتبين لي مراد الشيخ ابن بسام بهذا الكلام ، إلا أنه جعل العرف في مرتبة السنة النبويةالمبينة و المفسرة للقرآن .

ــ قال ابن بسام/( من هذا نفهم أن ابن عقيل أراد أننا إذا لم نجد في (الوحيين) نصًا في الحكم رجعنا إلى الأصول الأخرى للشريعة وهي التي توافق (ما نطق به الشرع) !!

ــ هل هذا هو مراد ابن عقيل ؟كلا .هذا مراد ذلك الفقيه الشافعي الذي رد عليه ابن عقيل .وتأمل معي هذا النص من كلامه( فإن أردت بقولك لا سياسة إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع ف صحيح وإن أدرت ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة)
ــ قال ابن بسام /(...على ما في كلام ابن عقيل من الجراءة والخشونة في التعبيـر لإرادة هذا المعنى، ولكنه في مقام مناظـرة، وعلى ما عرف عنــه-عفا الله عنه- من ميل إلى كتب أهل الكلام الذين عطلوا النصوص استناداً إلى العقل الذي غلوا فيه فحرقوا لأجله ما كبر على مداركهم من النصوص )ــ طبعا أنا أنقل النص بأخطائه كما كتبه راقمه ــ

ــ وأسأل الشيخ أين الجراءة والخشونة في كلام ابن عقيل؟

ــ قال ابن بسام /(ولذا فإن المحقق ابن القيم لم ينقل عن ابن عقيل هذا من باب التقرير والرضا...)

ــ هو إن لم يرضه ويقره فإنه لم يرفضه وينكره جملة ،ولكنه خشي الافراط في هذا المسلك وأنكر التفريط في المسلك الآخر،فتوسط بكلام يوافق ما ذهب اليه ابن عقيل مع التحوط ,إذ قال /(فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان قلم شرع الله ودينه ورضاه وأمره والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر بل بين مما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط فأي الطرق استخرج به الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها)
ولوراجعت كلام ابن القيم كله لتبين لك ذلك.

ولعلني أعود الى مناقشة ما أورده الشيخ ابن بسام من أمور اعتقدها مضار ومفاسد .
 

عبد الرشيد الهلالي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
8 يناير 2008
المشاركات
17
الحمد لله وصلى الله على محمد و آله وبعد:

فقبل البدء في مناقشة ما أورده الشيخ ابن بسام رحمه الله تعالى من " أسباب"القول بمنع تقنين الشريعة، أحب أن أذكر نفسي و إخواني بما من شأنه أن لا ينسينا أدب الخلاف،ولا آصرة الأخوة الدينية، خاصة في مثل هذه المسألة التي هي من مسائل الاجتهاد.كما أن ترك النظر في الألفاظ الجليات ،والأدلة الواضحات، والاشتغال بالتأويلات واتهام النيات،من شأنه أن يفضي الى أسوء المآلات،من التنابز بالاتهامات،والطعن في المعتقدات !

ــ يقول الشيخ ابن بسام/(وأن في مقدمة هذه الدعايات المضللة السعي في تعطيل الأحكام الشرعية ليحل محلها القوانين الأوربية التي دان بها كثير من البلاد بسبب تعطيل المسلمين دينهم وإعراضهم عن أم ربهم فسلط عليهم أعداؤهم فغروهم في كل شيء حتى في الأحكام والشرائع !!.. حذرنا فضيلته من هذه الدعايات وحثنا على محاربتها بكل وسيلة لأنه من الجهاد في سبيل الله تعالى !!)

ثم يقول/( والذي نعتقد أن هذه الدعاية إحدى الدعايات التي يكاد بها الإسلام منذ زمن بعيد وقد جعلت الدركة الأولى لتعطيل أحكام يدننا التي شرعت العبادات وهذبت النفوس وقومت الأخلاق وفرضت الحدود وبينت علاقة العبد بربه وعلاقته مع غيره من الزوج والوالد والولد والأخ والقريب والجار والمسلم والذمي والمعامل وغير ذلك من أحكام وآداب قامت على ميزان القسط والعدل بينما هذه القوانين الوضعية لم تحاول سوى معاملات الأفراد ففشلت ودليل فشلها آثارها السيئة التي تقرأ بعض جرائمها في الصحف والمجلات والنشرات، وليس لها من الرواج إلا أنها تحدرت إلينا من قوم أحكم منا صناعة وأعظم منا اختراعاً فنحب أن نهرول خلفهم بلا بصيرة ولا روية لأن تقدمهم في الصناعة جعلنا نديت لهم بكل شيء حتى في الشرائع والأديان ولو رجع الحق إلى نصابه لعلم أن أكثر قوانين أوربا مقتبس من فقهنا ومنها: (قانون نابليون الأول) وغيره، فشوه وغير وقدم إلينا فصارت بضاعتنا المسلوبة منا المشوهة بعنا أغلى وأنفق من إنتاجنا الذي لا يزال –والحمد لله- جديداً طرياً لم تغيره الآراء المضلة ولا الأهواء الجامحة: ولكنه التقليد الأعمى أوجب لنا الرغبة في استبدال (دستورنا الإلهي) بهذه: (القوانين البشرية) التي عجزت عن تحقيق الأحكام وفشلت في ضبط الأمن والنظام سيكون من آثار سن هذه المجلة عدا الإرهاص والتمهيد لتغيير الأحكام الشرعية مفاسد ومضار ...)
وهي مقدمة ساخنة، تنبيء عن حكم مسبق لا سبيل الى الحياد عنه،أو قبول المناقشة فيه ،وعلى ما فيها من شطط وتشدد ،فإن جل ما جاء فيها لا علاقة له بمحل النزاع ؟ ولو استشعر ــ غفر الله ــ أن المسألة قابلة للأخذ والرد ،وانه قد خالفه فيها لفيف من اهل العلم لا يشك هو في عدالتهم وغيرتهم على الدين لكان كلامه ألين وألطف،و لنعد الى الموضوع فأقول:
جملة ما احتج به الشيخ رحمه الله على ما ذهب اليه يمكن حصره فيما يلي /
1/تقنيين الشريعة يفضي الى ضياع الموروث الفقهي غير المقنن.

2/تقنين الشريعة يؤدي الى سد باب الاجتهاد والحجر على العقول .

3/ تقنين الشريعة فيه تضييق على القضاة والخصوم ، بحملهم على قول واحد

4/تقنين الشريعة يجعل من الاحكام الفقهية مواد "جافة" لايزينها دليل.

5/ تقنين الشريعة أمر مخترع وبدعة لم يفعلها السلف ولو كان خيرا لسبقونا اليه.

تلكم هي أهم المرتكزات التي اعتمدها الشيخ في المنع من تقنين الشريعة، وحين النظر اليها بعين الناقد المنصف الحصيف، يتبن انها لاترقى الى درجة الدليل المانع المحرم ،بله المفسق المجرم !

وقبل البدء برد هذه الدعاوى يجدر بي ان أحدد المعنى المراد من تقنين الشريعة،وسأحصر كلامي في جملة نقاط، فأقول/

ــ الشريعة هي كل ما سنه وشرعه الشارع الكريم للناس،فهي شاملة في الاصل لكل ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من عقائد و عبادات و معاملات وأخلاق،وقصر بعض الكتاب معناها على قسم المعاملات قصر لا دليل عليه.

إذا علم هذا أدركناأن هذا المصطلح المركب ( تقنين الشريعة )غير دقيق في الدلالة على المعنى الذي أراده واضعوه.
ولو سموا عملهم هذا ( تقنين فقه المعاملات ) مثلا، لكان أليق و أنسب .هذه واحدة.

ــ يجب أن يحدد مجال هذا التقنين،كما حدد موضوعه،فهل هو تقنين مذهبي يقوم على اختيار أقوى الأقوال و أرجحها في مذهب من المذاهب؟ أم أنه يشمل جميع المذاهب، فيختار منها ما يحقق المصلحة ويتلاءم مع طبيعة البلد وعوائد الناس،وما ألفوه من الأعراف التي لا تتعارض مع النص الشرعي ؟أم انها تجعل مذهب أهل البلد اصلا يعمل به ويعتمدعليه،فلا يعدل عنه الى غيره من المذاهب إلا لداعي التيسير، أو لمصلحة راجحة؟

ــ تقنين مسائل الفقه المعاملاتي لايعـني بترها و قطعها عن أدلتها النقلية أو العقلية، بل سيصاحب ذلك العمل وضع مذكرات توضيحية مشتملة على الأدلة وطرق تنزيلها على الوقائع والقضايا،وما يصاحب ذلك من الاستثـناءات.

................................ يتبع إن شاء الله .
 
إنضم
24 يونيو 2013
المشاركات
3
الكنية
أبو يوسف
التخصص
الشريعة
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: تقنين الشريعة أضرراره ومفاسده للشيخ عبد الله بن بسام

[h=2]تقنين الفقه وتدوينه مترادفان أم مختلفان[/h]

تقنين الفقه وتدوينه مترادفان أم مختلفان
الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي
لجينيات

كانت الندوة الحوارية التي أجرتها قناة دليل ابتداء من الخامس من رمضان لهذا العام 1430 ه لقاء مثريا بالنسبة لي وقد كنت مشاركا في الندوة تلك للتعبير عن وجهة القائلين بجواز تدوين الأحكام الشرعية والإلزام بها .

إلا أن مصطلح التقنين الوارد في عنوان تلك الندوات والذي تداوله المشاركون وعدد من المداخلين على أنه مرادف للتدوين كان محل اعتراض عندي عبرت عنه منذ بداية اللقاء الأول , لكن كثرة عناصر الحوار وشعور المشاركين ومقدم البرنامج بأن هذه مسألة مصطلحية لا يرون الوقوف عندها على حساب ما هو أهم منها في نظرهم من محاور اللقاء , أقول إن هذا الشعور لم يمكني من التعبير عن هذه الجزئية التي أرى أنها من الأهمية بحيث تستحق دراستها في ندوات مستقلة بل أرى أنها محل التقديم على سائر محاور موضوع تدوين القضاء والإلزام به .

فالتقنين والتدوين مصطلحان ظن الكثير من الباحثين في تقنين الفقه أنهما مترادفان وبنوا على هذا الظن تخطئة من توقفوا أو منعوا التقنين بسبب هذا المصطلح محتجين بأن كلمة قانون قد استخدمها العلماء المسلمون في كثير من كتاباتهم وأسماء كتبهم فتنقطع بذلك دعوى المنع بحجة التشبه بالغرب .

والقول بأن كلمة القانون قد استخدمها العلماء الأولون أمر صحيح , لكن المنع من استخدامها كمرادف للتدوين في عصرنا الحاضر ليس مرده في كل الأحوال الخوف من مشابهة الغرب وحسب .

بل مرده أن التقنين في هذا العصر أصبح علَما على طريقة في صياغة الأنظمة تختلف اختلافا كبيرا عن أسلوب تدوين الأحكام الفقهية وحين نطلق مصطلح التقنين على تدوين الأحكام الفقهية فكأننا نعني بذلك صياغة الفقه بالطريقة نفسها التي تصاغ بها مواد القانون, وهذا فيه إشكال كبير من جهة الفرق الشاسع بين صياغة القانون وصياغة الفقه .

فالفقه الذي نطالب بتدوين أحكامه القضائية يتكون من مسائل واقعية وافتراضية كل مسألة مستقلة عن أختها من حيث دليلها الذي تستند إليه من الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصحاب والعرف أو غيرها من مصادر الاستدلال المعروفة عند علماء أصول الفقه , كما أن هذه المسائل في غالبها تأخذ الصورة الوصفية لفعل العبد مما يتسبب في كثرتها وعدم تناهيها , كما أن علاقة هذه المسائل بالقاعدة الفقهية أنها تأتي بعدها بمعنى أن المسائل الفقهية تسبق في الوجود القاعدة التي تجمعها , ومعظم القواعد الفقهية الصغرى ليس لها دليل مستقل بل قيمتها في الوجود مستندة إلى المسائل التي تدخل تحتها ولذلك فالقواعد الفقيهة ليست كلية بل أغلبية يستعين الفقيه بها على حفظ أفراد المسائل لكنه لا يحكم بموجبها على ما يجد لديه من مشكلات إلا على سبيل القياس على مسألة أخرى من المسائل التي استقر دخولها تحت تلك القاعدة .

هذا المسلك في صياغة الفقه الإسلامي يجعله عظيم الإحاطة بمطالب الناس دقيقا في التعبير عنها كما أنه يجعل الفقه بجميع جزئياته مرتبطا بأصول التشريع .

أضرب مثالا قريبا للإيضاح فقط بهذه المسائل الفقهية :

مسألة :إذا أشرف الإنسان على الهلاك بسبب الجوع ولم يجد طعاما إلا ميتة جاز له الأكل منها بقدر ما يدفع عنه الهلاك , دليله قوله تعالى (فمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

مسألة : إذا أشرف على الهلاك عطشا ولم يجد ما يدفع عنه الهلاك إلا خمرا جاز له الشرب منه بقدر ما يدفع عنه الهلكة والدليل القياس على أكل الميتة عند الضرورة .

تجد أن هاتين المسألتين مرتبطتين مباشرة بالدليل الشرعي أخذ الفقهاء منهما ومن مسائل أخر قاعدة الضرورات تبيح المحضورات , لكن هذه القاعدة كغالب القواعد الشرعية ليست كلية , لذلك نجد المسألة التالية تخرج منها :

مسألة : إذا أشرف على الهلاك لمرضه ولم يكن له علاج إلا في الخمر لم يجز له تناوله لقوله صلى الله عله وسلم (إن الله لم يجعل شفاء أمتي بما حرم عليها)

ويلاحظ القارئ تشابه المسألتين تشابها كبيرا لكن منع من دخول الأخيرة معهما في القاعدة المذكورة ما قدمته من ارتباط مسائل الفقه بالدليل مباشرة .

فإذا أردنا وضع مدونة للفقه ملزمة للقضاة فلا بد أن تكون مفصلة المسائل معتمدة على الوصفية في صياغتها لتكون أوضح في الدلالة على الوقائع , رابطة كل مسألة بدليلها مباشرة , كما ينبغي تنحية القواعد الفقهية عن أن تكون مواد حاكمة أو الإشارة إليها على أنها مصدر لأي من هذه المسائل .

وبهذا الشكل لن تتعرض المدونة القضائية لاختلاف كبير في فهم مسائلها شأنها في ذلك شأن كتب الفقه المطولات التي لا يختلف المختصون في الفقه في فهم مسائلها ,وبذلك نقطع قول من قال إن تدوين الفقه القضائي لن يرفع الخلاف وسنجد أنفسنا محتاجين إلى تفسير المدونات كما فعل ويفعل أهل القانون مع موادهم القانونية .
هذا ما عن الفقه .

أما القانون فإن مواده مصوغة على شكل قواعد كلية وهذه المواد ليست وصفية كمسائل الفقه بل عامة مجردة وقصد بتجريدها خلوها من الشروط والصفات التي قد تؤدي إلى تطبيقها على شخص بذاته وهذا مخالف للمسألة الفقهية التي تتقيد دائما بالشروط والصفات التي تؤدي فعلا إلى مطابقتها لأحوال أفراد الناس .

أما عموم المادة القانونية فيعني أنه يندرج تحتها العديد من المسائل المختلفة الصور .

وهذه السمة العامة لمواد القانون هي التي تجعل القانونيين يختلفون في تفسير المواد وتجعل القضاة أيضا يختلفون في فهمها ويضطرون أحيانا على البرهنة على صحة فهمهم بما يتناسب واتجاهاتهم من الكتب التي اعتنت بتفسير القانون يضاف إلى ذلك أن المادة القانونية هي دليل بذاتها وحين يخرج القاضي عنها لأي سبب من الأسباب فلا بد أن يستدل لخروجه بمادة أخرى من مواد القانون .

ويوجد في القانون ما يسمى بالقواعد القانونية وهي أيضا مواد في القانون نفسه ولكنها تكون أكثر عموما من المواد الأخرى بحيث يستعان بها على فهم المواد التفصيلية .
ومن هنا يظهر أن التقنين أصبح علما على منهج محدد المعالم في صياغة الفقه الوضعي وهو يختلف كليا عما نطالب به من تدوين الأحكام الفقهية الشرعية والإلزام بها , وعليه فإنني أنادي بعدم استخدام مصطلح التقنين كمرادف لتدوين الأحكام لأن الواقع يقضي بعدم الترادف فقد انتقلت كلمة القانون من مصطلح عام يتلكم به علماء العرب ليعبروا به عن الترتيب الدقيق إلى مصطلح خاص يعني كتابة النظم القضائية على وجه مخصوص ولا بد لنا أن نذعن لهذا الواقع اللغوي ولا نصر على الخلط بينهما سيما وأن هذا الخلط سوف يفضي حتما لا تقديرا إلى مشكلات كبيرة لو قدر أن تمت الموافقة السامية في بلادنا على التقنين بهذا اللفظ
وآمل أن ييسر الله تعالى لمن هم ألصق بالقانون من الباحثين للكتابة في هذه القضية كتابة مستفيضة مدعمة بالأمثلة والبسط
وهذا رابط لمن أراد مشاهدة تلك الندوات
http://www.benaa.com/Read.asp؟PID=1521871&Sec=0
 

عمر محمد علي

:: متفاعل ::
إنضم
15 مارس 2013
المشاركات
319
التخصص
القانون
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
عاميّ
رد: تقنين الشريعة أضرراره ومفاسده للشيخ عبد الله بن بسام

جزاك الله خيراً لكن كي يتم إدارة الدولة في السلطة التنفيذية بدون وجود قوانين ولوائح ؟؟
 

أم وائل

:: متابع ::
إنضم
11 يناير 2012
المشاركات
9
التخصص
اقتصاد اسلامي
المدينة
دبي
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: تقنين الشريعة أضرراره ومفاسده للشيخ عبد الله بن بسام

التقنين هو أفضل اجتهاد جماعي وصل إليه علماء الشريعة والقانون في بلد ما، ولا يمنع التعديل والتغيير إذا وجد دليلا أقوى أو ظرفا اقتضى خلاف ذلك. وليس معناه غلق باب الاجتهاد على القضاة، وتبقى وظيفة القاضي الحقيقية هي تنزيل حال المتخاصمين على الحكم الأوفق والاظهر من مقتضى الادلة، وليس مقامه مقام الاجتهاد في الاحكام.
بعبارة أخرى قانونية: القاضي لا يعد سلطة تشريعية ولا تنفيذية هو سلطة قضائية، وكل ما اورد يخص السلطة التشريعية
والله أعلم
 
أعلى