رد: اشكال في قتل المرتد
ليس هناك إجماع على أن الردة مستلزمة للقتل مطلقا، فالحنفية يستثنون النساء مع أن الردة تحصل منهن
هذا كقولنا : ليس هناك إجماع على أن الوطئ يوجب الكفارة مطلقاً ، لأن الشافعية يستثنون المرأة من الوجوب. والجميع لا يؤثر في أصل الحكم وهو ثبوت حكم الردة في مسألتنا ووجوب الكفارة على الواطئ في نهار رمضان.
والإجماع في مسألتنا من أقوى ما نقل من الإجماعات ، لوجود مستنده وظهور النقل المستفيض فيه.
فقد نقل الحكم به عن أبي بكر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وهي أحكام عادة ما تكون مستفيضة بحضور جمع من المؤمنين ، وبخاصة قضية علي ، ولا يوجد فيها مخالف.
فبقي أن يرد الإجماع رأساً .
وقد استدل عامة من قال بقتل المرتد بالحديثين المذكورين ، حيث كانت الردة من غير من لحق بالعدو كابن عباس فيمن حرقهم علي ومعاذ بن جبل في يهودي أسلم ثم تهود. فبان أن ما ذكر من التعليل ليس مستنداً للإجماع.
وهذا التعليل هو من جنس ما ذكرناه سابقاً لا يختلف عنها شيئاً ويسهل قلبه ، وسيأتي.
والظاهر في المفارقة هي المفارقة البدنية أي الالتحاق بالأعداء، والمعنى على ذلك يكون إذا ظفرتم بالمرتد فاقتلوه.
أقول : لا بد من التفرقة بين ظاهر اللفظ وحقيقته ، فقد يكون المعنى حقيقياً وليس ظاهراً وظاهراً وليس حقيقياً، والحقيقة ما وضع له اللفظ، والظاهر المعنى المتبادر منه، فلو قال رجلٌ : أقسم لا أشرب من النيل. فإن الظاهر أنه لو اغترف بيده أو بإناء ثم شرب فقد حنث. مع أن حقيقته أن يشرب كرعاً من النهر، أي أن يدلي رأسه إلى النهر ثم يشرب بفمه من غير استخدام إناء.
فإن قلنا بأن الظاهر من الحديث هو ما ذكر الدكتور ، فيرد إشكال؛ وهو لماذا تتابع العلماء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا على الاستدلال بحديث ظاهره يخالف ما ذهبوا إليه من غير ذكر لمستند المخالفة لهذا الظاهر؟ مع أن العادة جارية على أن من خالف حديثاً يعلمه يعتذر عنه.
البعض قد يستهين ويقول : أنا لا يهمني المهم أن هذه دلالة الحديث وهم محجوجون به. فهذا ما الحيلة معه؟!
ثم نخالف ونقول : لا نسلم أن الظاهر يفيده ولو سلمنا أن الحقيقة في المفارقة أن تكون بالبدن فإنه حقيقة في المفارقة الدينية عند جماعة أو مجاز شائع عند آخرين ويترجح بقرينتين:
الأولى أن قوله (المفارق للجماعة) تلا قوله (التارك لدينه) فكان كالتفسير له إذ لا خلاف في كون الكافر مخالف للمؤمن (أفنجعل المسلمين كالمجرمين).
الثاني : أن اللفظ لو احتمل معنيين أو أكثر ثم حمله الصحابي راوي الحديث على أحدهما ترجح به. وقد فعله علي واستدل به ابن عباس وغيرهم في من لم يلحق بعدو أصلاً، وهم رواة الحديث.
ثم لو سلمنا أن المفارقة هنا بالبدن ، فمن أين لكم أنها لا تكون إلا بالإلتحاق بالعدو؟! والحديث من جهة حقيقته وظاهره لا يفيده ، بل لا يكون ذلك إلا بتسليم العلة المزعومة، فعلى ما استندتم في استباطها؟
ثم هذا التعليل يقتضي المنع من تفسير الحديث بما ذكرتم ونقلبه عليكم كما وعدنا فنقول : متى يجب قتل المرتد ، عندما يلتحق بالعدو ويقاتل معه أو مطلقاً؟
أما على الأول ، فهو تفريغ للحديث من الفائدة لأن هذا الحكم لا يختص به المرتد ، فلو التحق مسلم بالعدو وقاتل معه طمعاً بالدنيا قتلناه، فصار تخصيص المرتد في الحديث مفرغاً من الفائدة.
وإن قلنا : إنما يجب قتله متى التحق بالعدو مطلقاً .
قلنا : لِمَ وقد لا يحصل بانتقاله نصرة، ولم توجد العلة المزعومة؟!
فإن قيل : اكتفاءً بكون التحاقه مظنة حصولها، وإن لم تحصل المئنة ـ أي النصرة ـ.
قلنا : فالأحزم والأليق بالشريعة قتله قبل الإلتحاق لجواز أن لا نقدر عليه بعده، فتحصل بذلك النصرة ويسقط الحد بالعجز.
أما ما ذكر من أنه لعله لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله مرتداً ، فإني متأكد أنكم بارك الله فيكم لا تحتاجون إلى التعليق عليه أصلاً.
أما عدم قتله صلى الله عليه وسلم لبعض المنافقين مع كفرهم ، فوجوب الحد غير إقامته ، والذي أعتقده أن للحاكم تأخير العمل بالحد أو عدم إقامته إن قام المانع ولو مصلحة عامة.
والله أعلم