العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

انتبه !!! الأصل في العقود الإباحة عند الظاهرية ..

إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
بسم الله الرحمن الرحيم​

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

فهذه تعليقة على مسألة مهمة عند أهل الظاهر لم يفهمها مخالفهم، وهي ( أن الأصل في العقود الإباحة حتى يرد التحريم ).

وقد ذكرت غير مرة أن مما حمل مخالف أهل الظاهر لفهم العكس من ذلك قول الإمام ابن حزم رحمه الله في كتابه الإحكام: ( أن الأصل في العقود والعهود والشروط التحريم حتى يرد التحليل ).

فذكرت أن مراد الإمام ابن حزم رحمه الله آثار العقود والغرض منها فقط، ولا يريد التسمية، فكل عقد فإنما شرع لأجل معنى فيه، فالبيع شرع لنقل ملك العين والمنفعة، والإجارة لنقل ملك المنفعة دون العين، وغير ذلك مما تجده في باب نظريات العقد، وتقسيم العقود باعتبار الغرض منها.

وقد أشكل على بعض أصحابنا الظاهريين هذا القول عن ابن حزم كما أشكل على مخالفهم، فظنوا أن كل عقد بيع لا يجوز حتى يكون مسمى في النصوص الشرعية، وهذا الفهم فهم خاطئ لا يصح أن ينسب إلى أهل الظاهر.

وقد قال الإمام داود الظاهري رحمه الله، وجميع أصحابه: كل بيع جائز بظاهر قول الله تعالى: { أحل الله البيع } إلا بيع ثبت في السنة النهي عنه، أو أجمعت الأمة على فساده (1).

فهذا الأصل عند داود، وهو الأصل عند ابن حزم رحمه الله، وجميع أهل الظاهر المتقدمين، وبه أقول أيضاً، فإن كان قول المعاصر بخلاف ذلك فالله أعلم به.

فقاعدة الأصحاب: أن كل بيع فهو جائز، بغض النظر عن اسمه، فليست العبرة بالأسماء ؛ لأنها ليست بتوقيفية رغم وجود عقود اشترط اسمها وهي خاصة في التصرفات والالتزام من طرف واحد كالطلاق.

وإنما التوقيفي في عقود البيع ونحوه هو معناها والغرض منها، فكل بيع ينتقل فيه ملك العين والمنفعة إلى المشتري، ولا يجوز للمشتري أو للبائع أن يقيد هذا الأصل من عقد البيع، كبعض العقود المعاصرة التي تبيعك سلعة، وتشترط عليك عدم الانتفاع منها إلا لنفسك، لا بتأجير، ولا بإعارة، ولا بغير ذلك، فهذا التقييد باطل عند الأصحاب، ويقولون: هذا شرط ليس في كتاب الله، أي لا يوجد في الكتاب والسنة معنى تقييد البيع الذي هو نقل ملك عين ومنفعة بذلك، فإن كان العقد بهذا القيد: فهو باطل لا يصح.

فكل تلاعب وتقييد لغرض العقد الذي جاء في الشرع: فهو باطل عند أصحابنا المتقدمين، ولا أدري عن قول المعاصرين منهم.

فإن ورد النص من السنة أن هذا العقد أو ذلك البيع لا يجوز بهذا الشرط أو ذاك: كان البيع حراماً، فالسنة هي التي تقضي على القرآن ؛ لأنها المبينة له، هذا وفق ما يذهبون إليه في هذه المسألة.

أما كونه مذهب ابن حزم أيضاً: أنه يطلق العقد والشرط والعهد بمعنى واحد، لذلك يجيز عقود هي بمعنى البيع وإن لم يكن اسمها وارداً في النصوص الشرعية الصحيحة، فتفسير عبارته يجب أن يكون من خلال تتبع منهجه في البيوع وغيرها من أبواب.

وقد قلت في أكثر من موضوع نفس الأمر، وأحببت إضافته حتى يكون مجموعاً في مكان واحد، فقد قلت:


فمن ظن أن الإمام ابن حزم يتكلم عن أسماء العقود، أو يمنع من استحداث عقود جديدة، فهو مخطئ، فالإمام وقوله في المنع هذا يمثل رأيه، ورأي الإمام لا يعني هو قول أهل الظاهر، وهذا معلوم، لكن إن فهمنا مراد الإمام من قوله هذا علمنا أن هذا متفق عليه بين أهل الظاهر عامة، وكذلك يتفق معه أكثر أهل المذاهب.

وكذلك قوله في الشروط، فكلما جاء الإمام عند ذكر شرط قال به أهل المذاهب قال: كل شرط ليس في كتاب الله باطل مردود.

فأشكلت هذه القضايا على القارئ، والسبب عدم استقصاء رأي الإمام في هذه القضايا مما جعل البعض يصدر أحكاماً ناقصة وينسبها إلى الإمام.

ولا بد أن تعلم، أن هناك فرق بين أحكام العقود وحقوق العقود وأسماء العقود، فالذي يمنع منه الإمام وكل أهل العلم الذين حفظت قولهم أن أحكام العقد لا يجوز استحداثها، وأحكام العقود هي آثاره.

فحكم عقد البيع هو نقل ملك عين، وحكم عقد الإجارة هو نقل ملك منفعة،
وهكذا في سائر العقود، وليس الحكم هنا هو الحكم التكليفي من الواجب والمباح والمحرم، لكن هذا اصطلاح حادث متأخر.

فالإمام ينازع في هذه الآثار، ويتفق أهل العلم على أن هذه الأصل فيها المنع بحسب ما أعلم، وأن الله تعالى هو الذي يقول أن هذا العقد أثره كذا.

فليس لنا التدخل في هذه الآثار ولا الزيادة عليها ولا إبطالها، فإن جاء بائع وقال أبيعك هذه السلعة على أن لا تبيعها أو على أن تهبها فيقول الإمام هذا باطل، فالأصل في العقود المنع، وكذلك يقول هذا شرط ليس في كتاب الله.
فتارة يجعل الإمام في كلام أن العقد بمعنى الشرط وتارة يجعله بمعنى أثر العقد وتارة أخرى يجعله بمعنى الاسم فقط.

وهنا لا يصحح الإمام هذا العقد والسبب أن البيع أثره الشرعي نقل ملك العين، فإن تعاقدنا في بيع وأثره نقل ملك المبيع للمشتري، وقبل تمام العقد قال البائع بصيغة البيع أو شروطه: أبيعك على أن لا تهبه.

فإن كان البيع الأثر منه نقل ملك العين للمشتري فله إطلاق يده عليه والتصرف فيه كيفما شاء، فلا يصح تقييد يده على ملكه.

وهذا ما يقول عنه الإمام الأصل في العقود المنع، وكذلك فهو شرط باطل ليس في كتاب.

أما قول ابن حزم ( هذا شرط ليس في كتاب ) فلا يعني الإمام أن هذا الشرط لم يأت بنصه في الشريعة، بل يعني أن هذا المعنى من هذا الشرط باطل ولا يصح في الشرع ما يؤيده.

فمن شرط تقييد ملكي وحريتي في التصرف فيما أملك فهذا مضاد للشريعة في إباحة التصرف في ملك الإنسان فيما أبيح له التصرف فيه.

فهو يعني معنى الشرط وما يؤدي إليه من تقييد وإضافة على أثر العقود، فكل ما وجدت هذه الجملة فاعرف أن هذا القول منصرف إلى أثر العقد هذا.

لذلك يبطل الإمام ابن حزم أي اشتراط فيه تغيير لأثر العقد، أو تقييده، فقاعدته التي وضعها في بداية كتابه الإحكام في العقود والشروط والعهود فإنه يريد منها ما ذكرته، وتطبيقاته أوضح مثال على ما ذكرت، فالشرط والعقد والعهد كلها ألفاظ بمعنى واحد عند ابن حزم، فيقول عن عقد البيع: شرط، وعهد.

فإن علمت الأثر الذي يريد تقييده هذا الشرط زال عندك الإشكال ووضح المعنى من عبارة الإمام ..

وللعلم: فإن آثار العقود هذه عند أهل المذاهب الأخرى توقيفية، وليس لأحد الزيادة عليها، وإنما الخلاف عندهم وعند الإمام فيمن تلاعب في هذه الآثار وشرع آثاراً لم يؤيدها الشرع، فانتبه لهذا لئلا تقع في النظر الخاطئ.

فالبيوع عند الإمام ابن حزم تنقسم إلى قسمين: بيوع صحيحة مباحة، وبيوع باطلة محرمة، والبيوع الربوية داخلة في البيوع الباطلة المحرمة، وليست قسماً يقابل البيوع الصحيحة المباحة ؛ لأن هناك من البيوع التي ليست ربوية ولا يطلق عليها الإمام أنها ربوية ورغم ذلك فهي باطلة محرمة.

والبيوع الشرعية المباحة هي: كل عقد توفرت فيه شروط الصحة في الصيغة وفي العاقدين وفي المعقود عليه.

والبيوع المحرمة الباطلة هي: كل عقد لم تتوفر فيه شروط صحته من شروط الصيغة أو العاقدين أو المعقود عليه.

والعقد أو الشرط الباطل هو: كل عقد لا يصح إلا بتصحيح ما لا يصح، أي إذا ورد في العقد شرط لا يصح اشتراطه شرعاً.

فهناك عقد توفرت فيه كل شروط الصحة إلا أنه صحته تعلقت بوجود شرط باطل محرم، فالعقد هذا لن يصح إلا بتصحيح هذا الشرط وقبوله.

فهنا العقد باطل فاسد لا يصح مع أن شروطه في الصيغة والعاقدين والمعقود عليه، إلا أن العقد توقفت صحته على تصحيح هذا الشرط الباطل.

فظهر لك الآن: أن معنى قول ابن حزم وغيره من أهل الظاهر: أن كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل لا يريد منه النص على الشرط باسمه، فقد ينص الشرع على اسم الشرط، وقد ينص على معناه، فكل معنى ممنوع بالنص، فلا يجوز اشتراطه، فالشروط الممنوعة معدودة لا تزيد ولا تنقص، وهي التي أمر الله تعالى بالتزامها أو تركها أثناء العقود، فالغرر ممنوع في الشرط، وكل عقد ورد فيه غرر بأي نوع كان فهو شرط باطل، وكذا بيع المجهول الذي لا يتحقق منه المشتري فهو ممنوع وغير ذلك.

وكذلك: ظهر لك أن الشرط والعقد والعهد عندهم بمعنى واحد، فالكلام في الشرط هو بعينه الكلام في العقد والعهد بلا فرق.

فهذا مراد أهل الظاهر من المنع من العقود والشروط والعهود، وهو تغيير مقتضاها وآثارها، ولا يتكلمون عن العقود بمسمياتها الفقهية، فلذلك يجد عند ابن حزم تخريج عقود كثيرة ليست منصوصة، يذكرها ابن حزم عرضاً إذا أراد رفع الشروط الممنوعة من عقد ما، فتجده يقول: لو أردت تجويز هذا العقد فافعلوا كذا وكذا، أي ارفعوا الشرط الباطل، واستبدلوه بكذا، أو بكذا.

ومن روائعه تخريج ينطبق على البطاقة الائتمانية التي بين أيدينا اليوم، وكلها يرجع إلى أصول العقود من تمليك، أو انتفاع، أو إسقاطات، أو إبراء، وغير ذلك، فلا عبرة عنده باسم العقد أصلاً.

فأسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجنبنا معصيته ومخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) التمهيد لابن عبد البر 2/290

* مقال للشيخ محمد الريحان (ابن تميم الظاهري) حفظه الله

http://www.aldahereyah.net/forums/showthread.php?t=2604
 

هدى إبراهيم

:: متابع ::
إنضم
17 أكتوبر 2009
المشاركات
31
التخصص
فقه وأصول
المدينة
المدينة المنورة
المذهب الفقهي
إن صح الحديث فهو مذهبي..درست على المذهب الحنبلي
موضوع قيم...بوكت
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: انتبه !!! الأصل في العقود الإباحة عند الظاهرية ..

  • كلام ابن حزم صريح في أن الأصل في العقود والشروط الحظر، بين هذا مفصلا مبينا في كتابه الأصولي "الإحكام"، وفي كتابه الفرعي "المحلى".
  • اعتبار أن ابن حزم يقول بعموم "البيوع" لا ينقض قول ابن حزم باعتبار حظر العقود والشروط، فعقد البيع جاء الشرع بإباحته، فيكون كله مباحاً إلا ما استثناه الشارع منه.
  • لم يقل أحدٌ من الناس إنه يشترط في الشرط أن يكون مسمى بعينه ووصفه، فلا امتياز لابن حزم بعدم اشتراطه ذلك، ولا هو مما يتوهم على أحدٍ من أهل العلم، كلام الفقهاء في الشروط منه ما هو متفق عليه وهو ما اقتضاه العقد أو كان من مصلحته ويلائمه، ووقع الخلاف بينهم في الشروط التي تخالف إطلاق العقود، ومنها التي فيها نفع لأحد المتعاقدين أو المعقود عليه، والخلاصة: الأصل في العقود والشروط عند ابن حزم الحظر، ويصح من العقود ما أجازه الشارع وأباحه، ومن الشروط سبعة شروطٍ فقط نص الشارع عليها.
 
التعديل الأخير:
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: انتبه !!! الأصل في العقود الإباحة عند الظاهرية ..

قد كتبت بحثا مختصرا في ذلك وهو موجود في المكتبة الشاملة في قسم بحوث ومسائل مالية واقتصادية بعنوان الأصل في العقود المالية ولو كان عندي في ملف لنزلته هنا لكني لا أعلم اين ضاع وأذكر أنه في ملتقى أهل الحديث في ملف وورد .
 
أعلى