د. رأفت محمد رائف المصري
:: متخصص ::
- إنضم
- 28 ديسمبر 2007
- المشاركات
- 677
- التخصص
- التفسير وعلوم القرآن
- المدينة
- عمان
- المذهب الفقهي
- حنبلي
جمعت هذه الكلمات لمقدمة كتاب لي على مشارف النشر - بتيسير الله تعالى - في شرح القصيدة اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية .
فرأيت أن فيها من اللطافة ما فيه الفائدة ، خصوصا في أيام كثر فيها الناقمون على الشيخ رحمه الله تعالى ، ففيها ثناء كبار العلماء عليه حتى ممن لا يوافقونه في المنهج . فهي بين أيديكم ..والحمد لله رب العالمين .
ترجمة – مختصرة - شيخ الإسلام ابن تيمية
إذا أراد المرء أن يترجم لمن حاله كحال شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ وقف حائرا مذهولا ، إذ يهوله هذا البحر المتلاطم من المآثر والفضائل ، والمواقف والآثار ، التي تنبؤك أن صاحب هذه الترجمة رجل عظيم ، قد بلغ من المجد غايته ، ومن السؤدد والكرامة ما حل به في مصافّ الكبار ..
وأمام هذا الحشد العظيم من الثناء والذكر الحسن لشيخ الإسلام ، رأيت أن أذكر كلمات في الإشارة إلى ترجمته ، ممزوجة بثناء نفر من الأكابر عليه ، يصوّر ما لهذا الجبل العلمي من مكانة واحترام في قلوب تلاميذه ومريديه .
ولا بد من الإشارة إلى أن مثل ابن تيمية ، غني عن التعريف الموجز ، فهو "علم على رأسه نارُ" ، لا يكاد أحد يشتغل بالعلم أدنى اشتغال ؛ إلا ويعرف شيئا ما عن الشيخ – رحمه الله تعالى – ولما كان الأمر كذلك آثرت أن أركز في هذه العجالة على كلام العلماء فيه ، لأن الكلام في حياته ومواقفه ، وطلبه ، وشيوخه وتلاميذه ، وجهاده ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، أمر يطول طولا شديدا ، وقد صنفت فيه المصنفات المستقلة للمتقدمين والمتأخرين ، والتعرض لمثل ذلك في التقديم لهذا الشرح المختصر ؛ لا يليق بالتوازن المطلوب في البحث العلمي .
فأقول – وبالله الاستعانة - :
هو شيخ الإسلام ، بحر العلم الزاخر ، وجبله الأشمّ ، المتفنن الناقد ، بقية السلف ، وزهرة الخلف ؛ تقي الدين أبو العباس ، أحمد بن عبد الحليم بن مجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني.
ولد – رحمه الله تعالى – بحران يوم الاثنين عاشر أو ثاني عشر ربيع الأول ، سنة 661 هـ ، وسافر به والده مع والدته وإخوته بسبب أوضاع ديار بني بكر وما حولها ، إذ استولى التتار عليها ، فأهلكوا الحرث والنسل ، فوصل الوالد بعائلته إلى دمشق واستوطنوها .
وقد اشتهرت عائلته بالعلم والمكانة ، فجده مجد الدين عبد السلام بن عبد الله من العلماء الأعلام ، فقيه متفرد ألين له الفقه كما ألين الحديد لداود .
أما والده فقد كان إماما كثير الفضائل ، متفننا ، له معرفة بعلوم كثيرة .
وحتى إخوته كانوا أهل علم وفضل ، وذكرهم أهل التراجم بالثناء الحسن .
وقد سمع الشيخ بدمشق من ابن عبد الدايم ، وابن أبي اليسر ، وابن عبد ، والمجد بن عساكر ، ويحيى بن الصيرفي الفقيه ، وأحمد بن أبي الخير الحداد ، والقاسم الأربلي ، والشيخ شمس الدين بن أبي عمر ، والمسلم بن علان ، وإبراهيم بن الحرجي ، وخلق كثير.
وعنى بالحديث ، وسمع " المسند " مرات ، والكتب الستة ، ومُعجم الطبراني الكبير ، وما لا يحصى من الكتب والأجزاء . وقرأ بنفسه ، وكتب بخطه جملة من الأجزاء ، وأقبل على العلوم في صغره ؛ فأخذ الفقه والأصول عن والده ، وعن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر ، والشيخ زين الدين بن المنجا ، وبرع في ذلك، وناظر ، وقرأ في العربية أياماً على سليمان بن عبد القوي ، ثم أخذ كتاب سيبويه ، فتأمله ففهمه ، وأقبل على تفسير القرآن الكريم ، فبرز فيه ، وأحكم أصول الفقه ، والفرائض ، والحساب والجبر والمقابلة ، وغير ذلك من العلوم ، ونظر في علم الكلام والفلسفة ، وبرز في ذلك على أهله ، ورد على رؤسائهم وأكابرهم ، ومهر في هذه الفضائل ، وتأهل للفتوى والتدريس ، وله دون العشرين سنة ، وأفتى من قبل العشرين أيضا ً، وأمده الله بكثرة الكَتْب وسرعة الحفظ ، وقوة الإدراك والفهم ، وبُطء النسيان ، حتى قال غير واحد : إنه لم يكن يحفظ شيئاً فينساه .
روى ابن تيمية – رحمه الله تعالى – عن شيوخ كثيرين ، وقد خرج لنفسه مشيخة ، رواها عنه الذهبي ، إلا أن الذي يلاحظ أن شيخ الإسلام لم يكتف بالأخذ عن شيوخ عصره ، وإنما اتجه إلى مؤلفات من سبقه من العلماء ، فأشبعها اطلاعا وحفظا .
وقد تميزت حياة ابن تيمية بالجهاد العظيم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إضافة إلى التنسك والإكثار من العبادات .
وقد أثنى عليه العلماء ثناء عظيما ، فمن ذلك :
ما قاله صاحب "المنهل الصافي" :
" برع في علوم الحديث ، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه .
ودرس وأفتى ، وتصدر للإقراء والإفادة عدة سنين ، وفسر ، وصنف التصانيف المفيدة .
وكان صحيح الذهن ، ذكيا ً، إماماً متبحراً في علوم الديانة ، موصوفاً بالكرم ، مقتصداً في المأكل والملبس ، وكان عارفاً بالفقه ، واختلافات العلماء ، والأصلين ، والنحو ، إماماً في التفسير وما يتعلق به ، عارفاً باللغة ، إماماً في المعقول والمنقول ، حافظاً للحديث ، مميزاً بين صحيحه وسقيمه " .
وقال عنه ابن رجب الحنبلي في "ذيل طبقات الحنابلة" :
"الإمام الفقيه ، المجتهد المحدث ، الحافظ المفسر ، الأصولي الزاهد : تقي الدين أبو العباس ، شيخ الإسلام وعلم الأعلام ، وشهرته تغني عن الإطناب فعب ذكره ، والإسهاب في أمره" .
وقال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في ترجمته :
"ابن تيمية الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر البارع شيخ الإسلام علم الزهاد نادرة العصر تقي الدين أبو العباس أحمد بن المفتي شهاب الدين عبد الحليم ابن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني أحد الأعلام...
وقال :
..وعني بالحديث ، وخرج وانتقى وبرع في الرجال ، وعلل الحديث وفقهه ، وفي علوم الإسلام وعلم الكلام ، وغير ذلك .
وكان من بحور العلم ومن الأذكياء المعدودين والزهاد والأفراد ، ألّف ثلاثمائة مجلدة ، وامتحن وأوذي مراراً" .
وجاء في الرسالة المستطرفة ما نصه :
"قال الذهبي ما رأيت أشد استحضارا للمتون وعزوها منه وكانت السنة بين عينيه وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقة وعين مفتوحة .
وقال السخاوي في فتاويه ناهيك به اطلاعا وحفظا أقر له بذلك المخالف والموافق"8 .
وقد كتب العلامة قاضى القضاة تقى الدين السبكى إلى الحافظ الذهبى فى أمر الشيخ تقى الدين ابن تيمية :
"فالمملوك يتحقق أن قدره وزخارة بحره وتوسعته فى العلوم الشرعية والعقلية ، وفرط ذكائه واجتهاده ؛ بلغ من ذلك كل المبلغ الذي يتجاوزه الوصف ، والمملوك يقول ذلك دائما وقدره فى نفسى أكثر من ذلك وأجل ؛ مع ما جمعه الله تعالى من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه ، وجريه على سنن السلف ، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى ، وغرابة مثله فى هذا الزمان بل فى أزمان"8.اهـ.
وحكى الذهبى عن الشيخ تقى الدين ابن دقيق العبد أنه قال له عند اجتماعه به وسماعه لكلامه "ما كنت أظن أن الله تعالى بقى يخلق مثلك"9 .
ومع ذلك فقد امتلأت حياة شيخ الإسلام بالمحن والابتلاءات ، بدءا بمحنته بسبب "الحموية"، ومناظرته ومحنته بسبب "الواسطية"، ومحنته بسبب الصوفية ، ومحنته بسبب مسألة الطلاق ، ثم بسبب فتواه في شد الرحال إلى القبور ، وغير ذلك من ألوان الابتلاءات التي مرّ بها رحمه الله تعالى وأجزل مثوبته .
جاء في تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي :
"وقد امتحن وأوذي مرات ، وحبس بقلعة مصر والقاهرة والإسكندرية وبقلعة دمشق مرتين ، وبها توفي في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبع مائة في قاعة معتقلا ، ثم جهز وأخرج إلى جامع البلد ، فشهده أمم لا يحصون فحزروا بستين ألفا ، ودفن إلى جنب أخيه الإمام شرف الدين عبد الله بمقابر الصوفية رحمهما الله تعالى ، ورئيت له منامات حسنة ورثي بعدّة قصائد ، وقد انفرد بفتاوي نيل من عرضه لأجلها ؛ وهي مغمورة في بحر علمه ، فالله تعالى يسامحه ويرضى عنه ، فما رأيت مثله وكل أحد من الأمة فيؤخذ من قوله ويترك" .11
فرأيت أن فيها من اللطافة ما فيه الفائدة ، خصوصا في أيام كثر فيها الناقمون على الشيخ رحمه الله تعالى ، ففيها ثناء كبار العلماء عليه حتى ممن لا يوافقونه في المنهج . فهي بين أيديكم ..والحمد لله رب العالمين .
ترجمة – مختصرة - شيخ الإسلام ابن تيمية
إذا أراد المرء أن يترجم لمن حاله كحال شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ وقف حائرا مذهولا ، إذ يهوله هذا البحر المتلاطم من المآثر والفضائل ، والمواقف والآثار ، التي تنبؤك أن صاحب هذه الترجمة رجل عظيم ، قد بلغ من المجد غايته ، ومن السؤدد والكرامة ما حل به في مصافّ الكبار ..
وأمام هذا الحشد العظيم من الثناء والذكر الحسن لشيخ الإسلام ، رأيت أن أذكر كلمات في الإشارة إلى ترجمته ، ممزوجة بثناء نفر من الأكابر عليه ، يصوّر ما لهذا الجبل العلمي من مكانة واحترام في قلوب تلاميذه ومريديه .
ولا بد من الإشارة إلى أن مثل ابن تيمية ، غني عن التعريف الموجز ، فهو "علم على رأسه نارُ" ، لا يكاد أحد يشتغل بالعلم أدنى اشتغال ؛ إلا ويعرف شيئا ما عن الشيخ – رحمه الله تعالى – ولما كان الأمر كذلك آثرت أن أركز في هذه العجالة على كلام العلماء فيه ، لأن الكلام في حياته ومواقفه ، وطلبه ، وشيوخه وتلاميذه ، وجهاده ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، أمر يطول طولا شديدا ، وقد صنفت فيه المصنفات المستقلة للمتقدمين والمتأخرين ، والتعرض لمثل ذلك في التقديم لهذا الشرح المختصر ؛ لا يليق بالتوازن المطلوب في البحث العلمي .
فأقول – وبالله الاستعانة - :
هو شيخ الإسلام ، بحر العلم الزاخر ، وجبله الأشمّ ، المتفنن الناقد ، بقية السلف ، وزهرة الخلف ؛ تقي الدين أبو العباس ، أحمد بن عبد الحليم بن مجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني.
ولد – رحمه الله تعالى – بحران يوم الاثنين عاشر أو ثاني عشر ربيع الأول ، سنة 661 هـ ، وسافر به والده مع والدته وإخوته بسبب أوضاع ديار بني بكر وما حولها ، إذ استولى التتار عليها ، فأهلكوا الحرث والنسل ، فوصل الوالد بعائلته إلى دمشق واستوطنوها .
وقد اشتهرت عائلته بالعلم والمكانة ، فجده مجد الدين عبد السلام بن عبد الله من العلماء الأعلام ، فقيه متفرد ألين له الفقه كما ألين الحديد لداود .
أما والده فقد كان إماما كثير الفضائل ، متفننا ، له معرفة بعلوم كثيرة .
وحتى إخوته كانوا أهل علم وفضل ، وذكرهم أهل التراجم بالثناء الحسن .
وقد سمع الشيخ بدمشق من ابن عبد الدايم ، وابن أبي اليسر ، وابن عبد ، والمجد بن عساكر ، ويحيى بن الصيرفي الفقيه ، وأحمد بن أبي الخير الحداد ، والقاسم الأربلي ، والشيخ شمس الدين بن أبي عمر ، والمسلم بن علان ، وإبراهيم بن الحرجي ، وخلق كثير.
وعنى بالحديث ، وسمع " المسند " مرات ، والكتب الستة ، ومُعجم الطبراني الكبير ، وما لا يحصى من الكتب والأجزاء . وقرأ بنفسه ، وكتب بخطه جملة من الأجزاء ، وأقبل على العلوم في صغره ؛ فأخذ الفقه والأصول عن والده ، وعن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر ، والشيخ زين الدين بن المنجا ، وبرع في ذلك، وناظر ، وقرأ في العربية أياماً على سليمان بن عبد القوي ، ثم أخذ كتاب سيبويه ، فتأمله ففهمه ، وأقبل على تفسير القرآن الكريم ، فبرز فيه ، وأحكم أصول الفقه ، والفرائض ، والحساب والجبر والمقابلة ، وغير ذلك من العلوم ، ونظر في علم الكلام والفلسفة ، وبرز في ذلك على أهله ، ورد على رؤسائهم وأكابرهم ، ومهر في هذه الفضائل ، وتأهل للفتوى والتدريس ، وله دون العشرين سنة ، وأفتى من قبل العشرين أيضا ً، وأمده الله بكثرة الكَتْب وسرعة الحفظ ، وقوة الإدراك والفهم ، وبُطء النسيان ، حتى قال غير واحد : إنه لم يكن يحفظ شيئاً فينساه .
روى ابن تيمية – رحمه الله تعالى – عن شيوخ كثيرين ، وقد خرج لنفسه مشيخة ، رواها عنه الذهبي ، إلا أن الذي يلاحظ أن شيخ الإسلام لم يكتف بالأخذ عن شيوخ عصره ، وإنما اتجه إلى مؤلفات من سبقه من العلماء ، فأشبعها اطلاعا وحفظا .
وقد تميزت حياة ابن تيمية بالجهاد العظيم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إضافة إلى التنسك والإكثار من العبادات .
وقد أثنى عليه العلماء ثناء عظيما ، فمن ذلك :
ما قاله صاحب "المنهل الصافي" :
" برع في علوم الحديث ، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه .
ودرس وأفتى ، وتصدر للإقراء والإفادة عدة سنين ، وفسر ، وصنف التصانيف المفيدة .
وكان صحيح الذهن ، ذكيا ً، إماماً متبحراً في علوم الديانة ، موصوفاً بالكرم ، مقتصداً في المأكل والملبس ، وكان عارفاً بالفقه ، واختلافات العلماء ، والأصلين ، والنحو ، إماماً في التفسير وما يتعلق به ، عارفاً باللغة ، إماماً في المعقول والمنقول ، حافظاً للحديث ، مميزاً بين صحيحه وسقيمه " .
وقال عنه ابن رجب الحنبلي في "ذيل طبقات الحنابلة" :
"الإمام الفقيه ، المجتهد المحدث ، الحافظ المفسر ، الأصولي الزاهد : تقي الدين أبو العباس ، شيخ الإسلام وعلم الأعلام ، وشهرته تغني عن الإطناب فعب ذكره ، والإسهاب في أمره" .
وقال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في ترجمته :
"ابن تيمية الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر البارع شيخ الإسلام علم الزهاد نادرة العصر تقي الدين أبو العباس أحمد بن المفتي شهاب الدين عبد الحليم ابن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني أحد الأعلام...
وقال :
..وعني بالحديث ، وخرج وانتقى وبرع في الرجال ، وعلل الحديث وفقهه ، وفي علوم الإسلام وعلم الكلام ، وغير ذلك .
وكان من بحور العلم ومن الأذكياء المعدودين والزهاد والأفراد ، ألّف ثلاثمائة مجلدة ، وامتحن وأوذي مراراً" .
وجاء في الرسالة المستطرفة ما نصه :
"قال الذهبي ما رأيت أشد استحضارا للمتون وعزوها منه وكانت السنة بين عينيه وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقة وعين مفتوحة .
وقال السخاوي في فتاويه ناهيك به اطلاعا وحفظا أقر له بذلك المخالف والموافق"8 .
وقد كتب العلامة قاضى القضاة تقى الدين السبكى إلى الحافظ الذهبى فى أمر الشيخ تقى الدين ابن تيمية :
"فالمملوك يتحقق أن قدره وزخارة بحره وتوسعته فى العلوم الشرعية والعقلية ، وفرط ذكائه واجتهاده ؛ بلغ من ذلك كل المبلغ الذي يتجاوزه الوصف ، والمملوك يقول ذلك دائما وقدره فى نفسى أكثر من ذلك وأجل ؛ مع ما جمعه الله تعالى من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه ، وجريه على سنن السلف ، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى ، وغرابة مثله فى هذا الزمان بل فى أزمان"8.اهـ.
وحكى الذهبى عن الشيخ تقى الدين ابن دقيق العبد أنه قال له عند اجتماعه به وسماعه لكلامه "ما كنت أظن أن الله تعالى بقى يخلق مثلك"9 .
ومع ذلك فقد امتلأت حياة شيخ الإسلام بالمحن والابتلاءات ، بدءا بمحنته بسبب "الحموية"، ومناظرته ومحنته بسبب "الواسطية"، ومحنته بسبب الصوفية ، ومحنته بسبب مسألة الطلاق ، ثم بسبب فتواه في شد الرحال إلى القبور ، وغير ذلك من ألوان الابتلاءات التي مرّ بها رحمه الله تعالى وأجزل مثوبته .
جاء في تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي :
"وقد امتحن وأوذي مرات ، وحبس بقلعة مصر والقاهرة والإسكندرية وبقلعة دمشق مرتين ، وبها توفي في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبع مائة في قاعة معتقلا ، ثم جهز وأخرج إلى جامع البلد ، فشهده أمم لا يحصون فحزروا بستين ألفا ، ودفن إلى جنب أخيه الإمام شرف الدين عبد الله بمقابر الصوفية رحمهما الله تعالى ، ورئيت له منامات حسنة ورثي بعدّة قصائد ، وقد انفرد بفتاوي نيل من عرضه لأجلها ؛ وهي مغمورة في بحر علمه ، فالله تعالى يسامحه ويرضى عنه ، فما رأيت مثله وكل أحد من الأمة فيؤخذ من قوله ويترك" .11
التعديل الأخير: