العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دلالات الألفاظ حسب استقلالها بالإفادة بين أهل الظاهر وأهل القياس

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه

(لطول الموضوع وقلة المعرفة سأقسم الموضوع إلى محطات كلما حررت شيئا وضعته فإن الموضوع يشمل الكلام على مراتب الوضوح والخفاء وعلى التأويل-وما أدراك ما التأويل- وعلى دلالة الأوامر والنواهي –وهي مشكلة بحق- ومحاولة استعراض مذهب إمامنا ابن حزم في كل ما سبق...)


******​

إن باب دلالات الألفاظ من أبرز المباحث الأصولية , فلم يخل منه كتاب من كتب الأصول , وذلك طبيعي فإن الدلالة تتلقى من الألفاظ , والدلالة كما يقول الإمام ابن حزم فعل الدال : اي فعل المعرف بحقيقة الشئ 1, ونحن مطالبون بالتعرف إلى حقيقة ما طولبنا من الله تعالى(ولا يصح أن نقول الشارع) ...
وإذا عدت إلى ما قصدت الحديث فيه فإن أهم ما يرتبط بقضية الظاهر والتأويل والربط بينهما : ربط بين المنهج والمحل2, ذلك أن المتكلمين من علماء الأصول سعوا إلى ترتيب خطاب الشريعة بحسب استقلاله بالإفادة استقلالا يعرب عن مراد الشرع ...
فما تربع على أعلى قمة الهرم من جهة الوضوح بحيث لم يحتمل تأويلا 3 ولا تخصيصا ولا نسخا بان دل على معناه دلالة قاطعة وسماه الأحناف : محكما.
ويقابله عند الجمهور : النص4. ويطلق عندهم على معان ثلاث ألخصها لك من المستصفى5 :
1- إطلاق الشافعي رضي الله عنه : فالظاهر عنده هو النص .وهو الأوفق للغة.
2- إطلاق بمعنى : مالا يتطرق إليه احتمال أصلا كالأعداد. وأرجو أن تنتبه إلى أنهم يقولون قد يكون اللفظ : نصا في معنى , ظاهرا في معنى , مجملا في معنى.
3- إطلاق بمعنى : ما لا يتطرق إليه احتمال مقبول يعضده دليل , فلا يخرج عن كونه نصا.
على ان أبا أبا محمد اللبان أنكر وجود النص في الشريعة , وخفف أبو علي الطبري المسألة وقال : يعز وجوده , وليس هناك نص إلا من قبيل (قل هو الله أحد)6 .
ثم الظاهر : هو ما سبق إلى فهم سامعه معناه من لفظه ولم يمنعه من العلم به من جهة اللفظ مانع7 ويحتمل التأويل8.
وما دون هذه المرتبة من البيان , فإن الإحتمال واقع فيها فوضعت قواعد وضوابط أملوا من ورائها رفع هذا الإحتمال , والذي تعذر عليهم صنفوه إما مجملا أو متشابها , ثم قالوا : قد وقع بيان المجمل في ماثور الخطاب النبوي-والمجمل كما قال الشوكاني ماله دلالة على أحد معنيين لا مزية لأحدهما على الآخر"9 ...فحمدنا الله تعالى, أما المتشابه فاختلفوا فيه : فإنك لو طرحت هذا السؤال : هل لا يزال في الخطاب الشرعي متشابه ؟ بالتقليد سيقال لك : نعم .
بالنظر : يمتنع ذلك امتناعا جازما.

مذهب ابن حزم في ما سبق :

باب الدلالات مهم عند الإمام ابن حزم كسائر أهل العلم وقد خصه بالكلام الكثير وإن لم يرتبه كما يرتبه المتأخرون لأسباب "موضوعية" (مع عدم محبتي لهذه الكلمة الشريرة) ...
يعرف الإمام ابن حزم الظاهر كما عرفه الإمام الشافعي رحمه , وفي ذلك يخالف الإثنان رضي الله عنها جمهور المتكلمين , وهما أمة لوحدهما, يقول ابن حزم : "النص : هو الظاهر وهو اللفظ الوارد في الكتاب والسنة"10. وعلى هذا التعريف فإن ما قاله الغزالي من أن الظاهر هو المتردد بين أمرين وهو في أحدهما أظهر"11 .
لسبب واضح وهو عدم موافقة المعنى الإصطلاحي للمعنى اللغوي والأصل أن تكون هناك مناسبة-إلا إذا كانت هناك ضرورة- وإلا لساغ لكل واحد أن يعبر كيفما طاب له ..
والنص لغة هو الواضح والظاهر-كما قال الجوهري- فكيف يجعله الغزالي مترددا بين أمرين ثم يقول هو في أحدهما أظهر! فإن حده هذا يشعر بالتكافئ القريب..المؤدي إلى حكم ظني وهذا مالا يمكن إذ إن ظواهر الألفاظ حجة شرعية مفيدة للقطع أجمع السلف على العمل بها –كماسيأتي عند الشوكاني- ..ودليل إفادتها القطع ما سيأتي من قواعد العمل بالظاهر وقواعد صرف اللفظ عن ظاهره فإنها في غاية الصرامة العلمية...
وحكم العمل بالظواهر الوجوب قطعا –وهو عمدة الإمام ابن حزم- وكذلك الشوكاني رحمه الله فإنه قال : "واعلم أن الظاهر دليل شرعي يجب اتباعه والعمل به بدليل إجماع الصحابة على العمل بظواهر الألفاظ"12.
وكعادة الإمام ابن حزم فإنه يضرب صفحا عن كثرة التشعبات والتقسيمات ويجنح إلى البساطة المعبرة –كحال السلف رحمهم الله- فيرى الآتي :
كل ما في الشريعة مبين13وإنما الواقع هو تفاوت درجة البيان , فالنص هو الظاهر قطعا لكن يختلف لفظ ظاهر عن لفظ ظاهر آخر في قوة البيان , يقول الشوكاني :"وإذا عرفت معنى الظاهر فاعلم أن النص ينقسم إلى قسمين , أحدهما: يقبل التأويل وهو قسم من النص مرادف للظاهر والقسم الثاني لا يقبله وهو النص الصريح" 14. فالذي يقبل التأويل ولا بد وان يستند إلى دليل من كتاب أو سنة أو إجماع فنكون بذلك انتقلنا من نص إلى نص آخر (انظر- بلا أمر- تعليق الشيخ ابن تميم على موضوعي "ظواهر الألفاظ بين القطع والظن")
على أنه رحمه الله استثنى من قاعدته هذه الحروف المقطعة الواقعة أوئل السور , فيقول رحمه الله في كتابه النبذ :" والمتشابه من القرآن هو الحروف المقطعة والأقسام فقط اذ لا نص في شرحها ولا اجماع وليس فيما عدا ذلك متشابه على الاطلاق قال رسول الله ( عليه السلام) الحلال بين والحرام بين وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فصح أنه يعلمها بعض الناس قال تعالى تبيانا لكل شيء "15.
ويرد الإمام ابن حزم على أبي علي الطبري ومن شايعه في قوله , فيقول رحمه الله إن الأصل في الظاهر هو أن تحمل اللفظ على كل ما اقتضاه في اللغة , فلا نبدأ بطرح الأسئلة : لعله يقصد كذا..أو كذا..؟ فإن هذا تقاعس في التطبيق.
ودليله رحمه الله تجده في قوله :"وبرهان ما قلنا من حمل الألفاظ على مفهومها من ظاهرها قول الله تعالى :"بلسان عربي مبين" ..فصح أن البيان لنا : إنما هو حمل لفظ القرآن والسنة على ظاهرهما وموضوعهما"16, ولكن متى ما ورد مخصص –ولا بد في المخصص أن يكون نصا أو إجماعا- حملنا اللفظ الظاهر أو النص فلا فرق بينهما على بعض ما يقتضيه في اللغة 17 .
وهذا هو معنى قوله عليه السلام (الحلال بين والحرام بين) فالبيان هو الوضوح وهو الظهور وهو النص هذا من جهة اللغة وهو ما قاله الرازي في مختار الصحاح :" أبانَ الشيء فهو مُبِينٌ و أبَنْتَهُ أنا أي أوضحته و استَبانَ الشيء ظهر و اسْتَبَنْتُهُ أنا عرفته و تَبَيَّنَ الشيء ظهر" ويقول ابن حزم رحمه الله في معناها اصطلاحا :" والبيان كون الشيء في ذاته ممكنا أن تعرف حقيقته لمن أراد علمه "18 أو "إخراج الشئ من حيز الإشكال إلى حيز التجلي"19
...إذ النص لغة يأتي بمعنى الظهور كما قلت , تقول العرب : نصت الظبية رأسها , إذا رفعته20...
ثم إنه رحمه الله يعترف بوقوع المجمل في الشريعة لكنه يرفض أن يكون هناك مجمل بقي مجملا بعد وفاته عليه السلام , لذلك يقول رحمه الله : "المجمل لفظ يقتضي تفسيرا يؤخذ من لفظ آخر" 21. والمفسر هو"لفظ يفهم منه معنى المجمل المذكور"22.
وقد نسب أبو بكر الصيرفي القول بعدم وقع الإجمال في الكتاب والسنة إلى داود رضي الله عنه , والذي يقصده داود – والله أعلم- أنه لم يبق هناك إجمال بعد وفاة النبي عليه السلام لورود الآثار المبينة لما أجمل ...فإن قوله تعالى "وآتوا الزكاة" لفظ مجمل قد بينته السنة وفصلته...-ولعلني رايت لشيخنا ابن تميم مقالا حول هذا الموضوع ..ونسيت مضمونه الآن.. فليسعفنا أحد الإخوة..
أما المتشابه فقد نقلت كلام الإمام رحمه الله في أنه لا متشابه إلا الحروف المقطعة.
_ _ _ _ _ _
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _
نص مهم في البيان لابن حزم رحمه الله :

الباب الثامن في البيان ومعناه
قال علي قد بينا في باب تفسير الألفاظ الدائرة بين أهل النظر حد البيان وتفسيره ونحن نقول إن التخصيص أو الاستثناء نوعان من أنواع البيان لأن بيان الجملة قد يكون بتفسير كيفيتها وكميتها دون أن يخرج من لفظها شيء يقتضيه في اللغة كقوله تعالى وآتوا الزكاة فبين رسول الله صلى الله عليه و سلم ما هية هذه الزكاة المأمور بإيتائها دون أن يخرج من لفظ الزكاة شيئا وكذلك فسر عليه السلام من صفات النكاح والحج وغير ذلك وقد يكون باستثناء مثل ما روى عن نهيه عليه السلام عن بيع الرطب بالتمر ثم استثنى العرايا فيما دون خمسة أوسق فكان هذا مخرجا بحكم العاريا من جملة النهى المتقدم وقد يكون الاستثناء بألفاظ الاستثناء مثل إلا وخلا وحاشا وما لم وما أشبه ذلك وقد يكون حكما وأردا بلفظ الأمر أو بلفظ الخبر مستثنى من جملة أخرى وهذا يسمى التخصيص كتحريمه تعالى نكاح المشركات جملة ثم جاءت إباحة نكاح نساء أهل الكتاب بالزواج فكان هذا تخصيصا من الجملة المذكورة
وأما النسخ فهو رفع الحكم أو بعضه جملة والفرق بينه وبين الاستثناء والتخصيص أن الجملة الواردة التي جاء التخصيص أو الاستثناء منها لم يرد الله تعالى قط إلزامها لها على عمومها وقتا من الدهر كالذي ذكرنا من تحريم المشركات فإنه لم يرد قط بذلك نكاح نساء الكتابيين بالزواج وكذلك القول في العرايا وأما النسخ فإننا مكلفون بالجملة الأولى على عمومها مدة ما لم يأت أمر بإبطالها عنا أو إبطال بعضها على ما تبين في باب النسخ إذا بلغنا إليه إن شاء الله تعالى
فأما وجوه البيان التي ذكرنا من التفسير والاستثناء والتخصيص فقد يكون بالقرآن للقرآن وبالحديث للقرآن وبالإجماع للقرآن وقد يكون بالقرآن للحديث وبالحديث للحديث وبالإجماع المنقول.


************الهوامش***********************
1 - يرجى مراجعة الإحكام لابن حزم الجزء الأول فصل"تفسير الألفاظ الدائرة بين أهل النظر" ففيه علم كثير لمن أراد ضبط مصطلحات تنجده أثناء النظر في هذا العلم.
2 - من محاضرة للدكتور حميد الوافي.
3 - المستصفى للغزالي ص311
4 - اصول الفقه لوهبة الزحيلي 1/327 (ط . دار الفكر)
5 - المستصفى 311 (ط. دار الكتب العلمية)
6 - المنهاج في ترتيب الحجاج ص 18-19
7 - السابق
8 - المستصفى ص 311
9 - إرشاد الفحول ص167 (ط . دار الفكر)
10 - الإحكام ج1 تفسير الألفاظ الدائرة بين أهل النظر.
11 - نقله عنه الشوكاني في إرشاد الفحول ص175
12 - إرشاد الفحول ص 176
13 - الإحكام ونسيت الموضع الذي قرأته فيه فأرجو التنبيه من الأفاضل.
14 - إرشاد الفحول ص 172
15 - النبذة الكافية في أصول الفقه لابن حزم ص 55
16 - النبذ ص 38
17 - تعريف الخصوص في الإحكام ج1 تفسير الألفاظ الدائرة بين أهل النظر.
18 - السابق.
19 - إرشاد الفحول ص 168 والإحكام (المعطيات السابقة)
20 - المستصفى ص 311
21 - الإحكام ج1 تفسير الألفاظ الدائرة بين أهل النظر.
22 - السابق
 
أعلى