سمية
:: فريق طالبات العلم ::
- إنضم
- 22 سبتمبر 2008
- المشاركات
- 508
- التخصص
- فقه وأصوله
- المدينة
- 00000
- المذهب الفقهي
- 00000
المدرسة المالكية الأولى عصر الإمام مالك
د. الحسين آيت سعيد
من بحوث الملتقى الأول القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي - دبي
مقدمة:
لا نتوخى في هذا البحث أن نترجم للإمام مالك، ولا أن نرسم له صورة جلية؛ لأن ذلك مسبوق إليه، ومستفاض فيه، ومدون بأدق تفاصيله وحقبه ومراحله، صنفت فيه مجلدات مستقلة ضخمة، وعرض له -أثناء الكلام على الفحول الكبار، والنبلاء العظام- غيرُ واحد في مصنفات قديمة وحديثة، صارت بذكرها الركبان، وانتشرت في الأقطار انتشار الشمس في الآفاق، وترجم في عشرات المصادر المتخصصة وغير المتخصصة.
ويكفي في هذا المضمار أن نشير لبعضها لمن يودّ الاطلاع عليها، تذكيرا وترشيدًا وتنبيهًا وتسهيلاً، فممن أفرده بالتكليف من الأقدمين: -
- أبو بكر: جعفر بن محمد الفريابي، المتوفى 301/ هـ، له كتاب أسماه: مناقب الإمام مالك.
- وأبو العربي التميمي: محمد بن أحمد، المتوفى/ 303/ هـ، له كتاب: فضائل مالك.
- وأبو الحسن: علي بن الحسن بن محمد بن العباس بن فهر المصري، له كتاب في فضائل مالك، في اثني عشر جزءًا.
- وأبو عبد الله التستري: محمد بن أحمد. المتوفى /453/ هـ له نحو عشرين جزءًا في مناقب مالك.
وهناك غير هؤلاء ممن أفرده بالترجمة، أو ذكره أثناء تراجم الكبار.
وعليه فالخوض في ترجمته، خوض في أمر أُشبع بحثًا واستفيض في دقه وجله.
وإعادة ذلك بأية صيغة هو تسويد للورق، وإضاعة للمداد، واستخفاف بالوقت؛ إذ لا يزيد الباحث فيه شيئًا مهما بلغ كعبه، واتسعت دائرة معارفه، اللهم إلا تنميق العبارة، والتقديم والتأخير، وأما المضمون فلن يؤتى فيه بجديد.
وخاصة أنه يتعلق بترجمة عَلَم من الأعلام المشهورين، وليس بمغمور حتى يحتاج للتعريف به، ولا بمعاصر لنا حتّى ندعي أننا علمنا عنه ما جهله غيرنا.
والذين عاصروه وشافهوه وجالسوه، قد رسموا له صورة طبق ما شاهدوا وعاينوا، وهي لا تقبل الزيادة ولا النقصان عما نقلوا، كما ليست محل اجتهاد للاستدراك عليهم فيها.
ومن ثم فنحن لا ننشر السيرة الذاتية للإمام مالك، إنما سنبحث ما هو ألصق بمعارفه وعلومه، وكيفية بنائه لها، وبنائه عليها، وكيف تكوّنت مدرسته الفقهية التي تؤول إليه، وأسست على اجتهاداته وآرائه بكل ما يستدعي ذلك من تداخل وتمازج بين النقل والعقل، والواقع، ورعاية المصالح. ولمدارس الفقهية، وإن تعددت رؤاها، واختلفت اجتهاداتها، المنبثقة عن قوتها أو ضعفها، إلا أنها تطيق أن تدرك هذه القوة وذلك الضعف باستعمال معيار الأصول، ذلك أن قوة أي مدرسة، إنما تنبثق من أصولها التي تبنى عليها، وأسسها الأولى التي تحراها مؤسسها، فعلى قدر الارتباط بها، والبناء على مضامينها، والتفريع عليها، تتحقق للمدرسة خاصيتان:
الأولى: خاصية التجذُّر الذي يذكّر دوما بمراحل التأسيس، ويزود رواد المدرسة بالانتماء العريق لجيل الأسوة الذي يحتذى، ورموز المعلمين الذين بهم يقتدى.
والثانية: خاصية التشييد والتفريع الذي تتسع مدلولاته، وتتباين لبناته، ولكنها كلها مشدودة بحبال تلك الأصول الأولى، ومستحكمة الصلة بينها وبين الأول.
ومن ثم فلن تلحظ بين التواصل والتفريع نشازًا ولا تنافيًا، مع امتداد الأزمنة، وتغاير الأمكنة، وجهة النوازل، وسعة ميادين التطبيق والتنـزيل؛ ذلك أن سمات الأصول الاطراد والثبات، وميزات الفروع إذا أنيطت بأصولها، عدم الاضطراب والتناقض.
وأي بناء في مراحله الأولى إذا توخي به الاستمرار فلا بد له من قواعد متينة، يراعى في سبكها ونسج سداها ولحمتها، الدقة والقوة معًا فيما الدقة تصبغها بلون الاستقامة المتناهية، لأن أي اعوجاج فيها، سينعكس سلبًا على كل ما يحمل عليها.
وأما القوة فتمدّها بقدرة حمل الأعباء مهما تشابكت وتشاكست.
فإذا كان هذا مرموقًا في البناء الماديّ، فذلك ملحوظٌ أيضا في البناء المعنويّ، فالمدارس والمذاهب المندثرة لم يكن زوالها مسببا عن نقص في شخصيات البناة، ولا عن تقواهم وورعهم، وإنما كان ذلك ناشئًا - في الغالب- عن المناهج التي حيكت عليها تلك المدارس، إذ لم تكن تتسم بالشمولية والمتانة.
منقول للفائدة،من:
http://www.islamfeqh.com/