أحمد بن فخري الرفاعي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 12 يناير 2008
- المشاركات
- 1,432
- الكنية
- أبو عبد الله
- التخصص
- باحث اسلامي
- المدينة
- عمان
- المذهب الفقهي
- شافعي
شيخ الإسلام وحيد دهره زكريا الأنصاري.
أولاً: اسمه ونسبه :
هُوَ زين الدين أبو يَحْيَى زكريا بن مُحَمَّد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الخزرجي السنيكي، ثُمَّ القاهري الأزهري الشَّافِعيّ.
والأنصاري: نِسْبَة إلى الأنصار، وهم أهل المدينة من الأوس والخزرج.
والخزرجي: نِسْبَة إلى الخزرج، أحد شطري الأنصار، وهم بطون عدة.
والسنيكي: نِسْبَة إلى " سُنَيْكَة " – بضم السين المُهْمَلَة، وفتح النون، وإسكان الياء المثناة من تَحْتُ، وآخرها تاء التأنيث.
وَهِيَ قَرْيَة بمصر من أعمال الشرقية، بَيْن بلبيس والعباسية، والأكثر عَلَى نسبته هكذا – بإثبات الياء –، وَهُوَ مخالف لقواعد الصرف إذ الصَّوَاب في النسبة: السُّنَكِي. قَالَ ابن عقيل: ويقال في النسب إلى فُعَيْلَة: فُعَلِيّ –بحذف الياء– إن لَمْ يَكُنْ مضاعفاً، فتقول في جُهَيْنَةَ: جُهَنِيّ. وذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي أنه كَانَ يكره النسبة إلى تِلْكَ البلدة.
القاهري: نِسْبَة إلى مدينة القاهرة.
الأزهري: نِسْبَة إلى الجامع الأزهر.
ثانياً: ولادته
لَمْ تكن ولادة الْقَاضِي زكريا محل اتفاق بَيْن المؤرخين، وإنما تطرق إليها الخلاف كَمَا تطرق لغيرها، فالسيوطي – عصريه وصديقه – يؤرخ ولادته في سنة 824 ه، عَلَى سبيل الظن والتقريب، فَقَالَ: ولد سنة أربع وعشرين تقريباً.
وأما السخاوي والعيدروسي فيجزمان أن ولادته كَانَتْ في سنة 826 ه،، وتابعهما في هَذَا: ابن العماد الحنبلي، والشوكاني، والزبيدي، وعمر رضا كحالة.
في حِيْنَ أن الغزي يتردد في تحديد ولادته بَيْن سنة 823ه وسنة 824 ه، وإن كَانَ صدَّر كلامه بالأولى ونقله من خطِّ والده الذي كَانَ أحد تلامذة الْقَاضِي زكريا.
وتفرد الأستاذ خير الدين الزركلي بالجزم بأنها كَانَتْ سنة 823 ه.
وهكذا نجد أن ولادة الْقَاضِي زكريا الأنصاري – في أقوال المؤرخين – كَانَتْ دُوْلَة بَيْن أعوام ثلاثة – بصرف النظر عَنْ القائلين بِهَا – وَهِيَ 823 ه و 824 ه و 826 ه، ولا مرجح عندنا لأحدها نجزم بِهِ أو نرجحه، والعلم عِنْدَ الله تَعَالَى.
ثالثاً: أسرته
لَمْ تسعفنا المصادر بالكثير عَنْ أسرته، وإنما كَانَتْ نتفاً وإشارات استطعنا أن نستشف مِنْها شيئاً قليلاً،يساعدنا في تكوين فكرة واضحة عَنْ أسرة المترجم.
أمَّا والده فكل مَا نعرفه عَنْهُ أنه مات والمترجم لا يزال طفلاً، وَلَمْ يترك إلاَّ امرأة أرملة وولداً يتيماً، يقاسيان مشاق الحياة التي لَمْ يَكُنْ لَهُمَا دور في تحريك دفة أحداثها.
وأما أمُّه فيمكننا القَوْل إنَّ مَا حازه المترجم من المجد والفخار إنما كَانَ – بَعْدَ رعاية الله – بحسن تصرفها، فَقَدْ حكى الغزي عَنْ الشَّيْخ الصالح ربيع ابن عَبْد الله السلمي الشنباري أنه كَانَ يوماً بسنيكة – مسقط رأس المترجم – وإذا بامرأة تستجير بِهِ وتستغيث أن ولدها مات أبوه، وعامل البلد النصراني قبض عَلَيْهِ يروم أن يكتبه مَوْضِع أبيه في صيد الصقور، فخلَّصه الشَّيْخ مِنْهُ، وَقَالَ لها: إن أردت خلاصه فافرغي عَنْهُ يشتغل ويقرأ بجامع الأزهر وعليَّ كلفته، فسلمت إليه المترجم. وهذا غاية مَا استطعنا الوقوف عَلَيْهِ من خبرها.
ومما مضى يُعْلَم أن المترجم كَانَ الوحيد لأبويه، فَلا إخوة ولا أخوات عِنْدَه، وكذا زوجته التي غمرت في بحر الجهالة، فَلا ذكر لها البتة فِيْمَا بَيْن أيادينا من مراجع.
أما ذريته، فوقفنا عَلَى ذكر لبعض أولاده، مِنْهُمْ:
جمال الدين يوسف، قَالَ عَنْهُ الغزي: الشَّيْخ العلامة الصالح.
وذكر حاجي خليفة أن ولده هَذَا شرح مختصراً لبعض الشافعية لكتاب " التحرير في أصول الفقه " لابن همام. وَلَمْ نقف عَلَى تاريخ وفاته.
والذي يظهر أن لَهُ ولداً آخر يدعى: زكريا، وإن لزكريا الأخير ابناً يدعى:
زكريا أيضاً، ترجمه الغزي في الكواكب السائرة فَقَالَ: زكريا بن زكريا الشَّيْخ العلاَّمة زين الدين المصري، حفيد شيخ الإسلام قاضي القضاة زكريا الأنصاري، وكانت وفاته في شوال سنة 959 ه. وَكَانَ جده يحبه محبة عظيمة.
رابعاً: نشأته
كَانَ مولد المترجم في بلده الأول سُنَيكة فنشأ بِهَا، وابتدأ بحفظ القُرْآن الكريم – عَلَى العادة في بدء التعليم – ودَرَسَ مبادئ الفقه العامة، فقرأ " عمدة الأحكام " وبعض " مختصر التبريزي " في الفقه، وما كاد يدخل النصف الثَّانِي من عقد عمره الثَّانِي حَتَّى شدَّ رحاله نَحْو عاصمة العِلْم والعلماء التي كَانَتْ تعج بمظاهره: القاهرة، وسواء كَانَ قَدْ رحل بنفسه إلى القاهرة، أو أن الشَّيْخ ربيع بن عَبْد الله هُوَ الذي سافر بِهِ – كَمَا تقدم -، فَقَدْ ورد المترجم القاهرة، ونزل الجامع الأزهر مستوطناً، وهناك أكمل حفظ المختصر الذي بدأ بِهِ في مقتبل عمره، ومن ثَمَّ بَدَأَ بحفظ الكُتُب التي وفَّرت لَهُ مبادئ العلوم التي كَانَتْ تدرَّس آنذاك، فحفظ " المنهاج " الفرعي و" الألفية " النحوية و" الشاطبية " و" الرائية " وبعض " المنهاج " الأصلي ونحو النصف من " ألفية الحَدِيْث " و" التسهيل " إلى باب كاد.
وكانتْ تِلْكَ قدمته الأولى إلى القاهرة، وَلَمْ يطل المكث فِيْهَا، وعاد أدراجه إلى بلده ملازماً هناك الجدَّ والاشتغال.
وبعد مدة من الزمن – نجهل تحديدها – عاود المجيء إلى القاهرة، يروم استخراج العِلْم من معادنه، فَدَرَسَ في الفقه: " شرح البهجة "
وغيرها، وقرأ في أصول الفقه: " العضد " و " شرح العبري "، وقرأ في النحو والصرف، ومما قرأه فِيْهِمَا: " شرح تصريف العزي "، وأخذ المعاني والبيان والبديع فقرأ فِيْهَا " المطول "، وأخذ المنطق عَنْ عدة مشايخ وقرأ فِيهِ شرح القطب عَلَى "الشمسية" وأكثر حاشية الشريف الجرجاني عَلَيْهِ، وكذا حاشية التقي الحصني عَلَيْهِ.
كَمَا أخذ اللغة، والتفسير، وعلم الهيأة، والهندسة، والميقات، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، والطب، والعروض، وعلم الحروف، والتصوف، وتلا بالسبع والثلاثة الزائدة عَلَيْهَا، وقرأ مصنفات ابن الجزري ك" النشر " و "التقريب" و " الطيبة "، وأخذ رسوم الخطِّ، وآداب البحث، والحديث.
وهكذا دأب وانهمك في الطلب والتحصيل،فأجازه مشايخه،وكتب لَهُ بِذَلِكَ كَثِيْر مِنْهُمْ مَعَ الإطناب في المدح والثناء، يزيدون عَلَى مئة وخمسين، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني إذْ كتب لَهُ في بَعْض إجازاته: وأذنت لَهُ أن يقرأ القُرْآن عَلَى الوجه الذي تلقَّاه، ويقدر الفقه عَلَى النمط الذي نص عَلَيْهِ الإمام وارتضاه، والله المسؤول أن يجعلني وإياه، ممن يرجوه ويخشاه إلى أن نلقاه.
وأذن لَهُ في إقراء " شرح النخبة " وغيرها من مصنفاته في حياته، وكذا فعل غَيْر ابن حجر حَتَّى قَالَ العيدروسي وتصدّى للتدريس في حياة غَيْر واحد من شيوخه.
وهكذا أصبح المترجم من المؤهلين للانضمام إلى ركب العُلَمَاء، وأن يشقَّ طريقه وسطهم.
خامساً: صفاته وأخلاقه
لقد كَانَ الْقَاضِي زكريا بن مُحَمَّد الأنصاري مضرب المثل في وقته في حَسَن الخلق، والتحلي بمكارم الأخلاق وفضائلها، لا يدع باباً إليها إلاَّ دخله، قَالَ العلائي: قَدْ جمع من أنواع العلوم والمعارف والمؤلفات المقبولة ومكارم الأخلاق وحسن السمت والتؤدة والأخذ عَنْ الأكابر مَا لَمْ يجمعه غيره.
ولعل أبرز صفاته التي كَانَ يتحلَّى بِهَا أنه كَانَ حافظاً للجميل شاكراً لصنيع المحسنين إليه، ويدل عَلَى ذَلِكَ –كَمَا مَرَّ– أن الشَّيْخ ربيع بن عَبْد الله كَانَ صاحب الفضل عَلَيْهِ في توجهه إلى طلب العِلْم وسفره إلى القاهرة،فكان ردّ المترجم عَلَى ذَلِكَ أنه: إذا ورد عَلَيْهِ الشَّيْخ ربيع أو زوجته أو أحد من أقاربه يجعله في زمن صمدته ومنصبه، وَكَانَ يقضي حوائجهم ويعترف بالفضل لَهُمْ، وربما مازحته زوجة الشَّيْخ ربيع التي ربَّتْهُ.
وَكَانَ في النهاية من الانهماك في طلب العِلْم، لا يجعل لنفسه متنفساً سواه، حَتَّى أشغله عَنْ مأكله ومشربه، فحكى عَنْ نَفْسه، قَالَ: جئت من البلاد وأنا شابٌّ فلم أعكف عَلى الاشتغال بشيء من أمور الدنيا وَلَمْ أعلّق قلبي بأحد من الخلق، قَالَ: وكنت أجوع في الجامع كثيراً، فأخرج في الليل إلى الميضأة وغيرها، فأغسل مَا أجده من قشيرات البطيخ حوالي الميضأة وآكلها، وأقنع بِهَا عَنْ الخبز.
وَكَانَ عَلَى دَرَجَة من اليقين بالله وتفويض الأمور إليه، فروى من حاله أنه قَالَ:
فلما أتممت شرحها – يعني: " البهجة " – غار بَعْض الأقران، فكتب عَلَى بَعْض نسخ الشرح: كِتَاب الأعمى والبصير؛ تعريضاً بأني لا أقدر أشرح البهجة وحدي، وإنما ساعدني فِيهِ رفيق أعمى كنت أطالع أنا وإياه، قَالَ: فاحتسبت بالله تَعَالَى، وَلَمْ ألتفت إلى مِثْل ذَلِكَ.
وَكَانَ من أخلاقه أنه كَانَ صداعاً بالحق، لَمْ يثنه الخوف عَلَى المنصب أو هيبة سلطان عَنْ زجر الظالم أو إنذار العاصي، حَتَّى أن الغزي يذكر أن سبب عزله عَنْ القضاء: بسبب خطه عَلَى السلطان بالظلم، وزجره عَنْهُ تصريحاً وتعريضاً.
ومتع بالقول عَلَى ملازمة العِلْم والعمل ليلاً ونهاراً،مَعَ مقارنة مئة سنة من عمره من غَيْر كلل ولا ملل، مَعَ عروض الانكفاف لَهُ، بحيث شرح البُخَارِيّ جامعاً فِيهِ ملخص عشرة شروح، وحشَّى تفسير البيضاوي في هذِهِ الحالة.
والمترجم ممن قاسى مرارة الحرمان وعاش مصاعبها؛ لذا كَانَ يعرف لوعة المحرومين وضيق ذات يد المعدمين، فكان كَثِيْر البرِّ بطلبته وتفقد أحوالهم، مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من كثرة الصدقة والمبالغة في إخفائها، وَكَانَ لَهُ جَمَاعَة يرتب لَهُمْ من صدقته مَا يكفيهم إلى يوم وإلى أسبوع وإلى شهر، وإذا جاءه سائل – بَعْدَ أن أصيب بالعمى – يَقُول لِمَنْ عنده من جماعته: هَلْ هنا أحد؟ فإن قَالَ لَهُ: لا، أعطاه، وإن قَالَ لَهُ: نعم، قَالَ لَهُ: قل لَهُ: يأتينا في غَيْر هَذَا الوقت.
وَقَدْ أورد الغزي كلمة جامعة في بيان أخلاقه، فَقَالَ: وَكَانَ صاحب الترجمة مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الاجتهاد في العِلْم اشتغالاً واستعمالاً وإفتاءً وتصنيفاً ومع مَا كَانَ عَلَيْهِ من مباشرة القضاء ومهمات الأمور، وكثرة إقبال الدنيا، لا يكاد يفتر عَنْ الطاعة ليلاً ونهاراً، ولا يشتغل بما لا يعنيه، وقوراً مهيباً مؤانساً ملاطفاً، يُصَلِّي النوافل من قيام مَعَ كبر سنه وبلوغه مئة سنة وأكثر، ويقول: لا أعوّد نفسي الكسل. حَتَّى في حال مرضه كَانَ يُصَلِّي النوافل قائماً، وَهُوَ يميل يميناً وشمالاً لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض،فقيل لَهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: يا ولدي، النفس من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني وأختم عمري بِذَلِكَ.
وَكَانَ إذا أطال عَلَيْهِ أحد في الكلام يَقُول لَهُ: عجِّل قَدْ ضيَّعتَ عَلَيْنَا الزمان، وَكَانَ إذا أصلح القارئ بَيْن يديه كلمة في الكِتَاب الذي يقرأ ونحوه، يشتغل بالذكر بصوت خفي قائلاً: الله الله، لا يفتر عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يفرغ، وَكَانَ قليل الأكل لا يزيد عَلَى ثلث رغيف، ولا يأكل إلا من خبز خانقاه سعيد السعداء، ويقول: إنما أخص خبزها بالأكل لأن صاحبها كَانَ من الملوك الصالحين.
سادساً: وفاته
بَعْدَ عُمر بَلَغَ أو جاز بقليل المئة عام، كَانَتْ مملوءة بالعلم والتعليم، والتربية والإرشاد، اختار الباري – عزوجل – الْقَاضِي زكريا الأنصاري إلى جواره الكريم، بَعْدَ أن ابتلي بفقد نعمة البصر.
وَقَدْ حصل خُلْفٌ بين المؤرخين في تحديد سنة وفاته، بَعْدَ أن اتفقت كلمة جمهورهم عَلَى تحديد اليوم والشهر، وَهُوَ الرابع من ذي الحجة.
فالجمهور عَلَى أن وفاته كَانَتْ سنة 926 ه، في حين ذهب العيدروسي، وتابعه ابن العماد الحنبلي، إلى أنها كَانَتْ سنة 925 ه.
ولقد أغرب الأدنروي في تحديد وفاته، فزعم أنها كَانَتْ سنة 910 ه وَهُوَ وهم لا محالة، ولا متابع لَهُ ولا عاضد عَلَى هَذَا، وإنما هُوَ قَوْل انفرد بِهِ، وخالف فِيهِ المؤرخين جملة وتفصيلاً.
سيرته العلمية
أولاً: شيوخه
بَلَغَ شيوخ الْقَاضِي زكريا الأنصاري كثرة كاثرة، ومَرَّ بنا أنهم زادوا عَلَى المئة والخمسين شيخاً؛ لذا سنقتصر في الترجمة عَلَى أشهرهم مَعَ ذكر مَا أخذ الْقَاضِي عَنْهُمْ، ثُمَّ نعرِّج عَلَى باقي شيوخه سرداً.
فمن أشهر مشايخه:
1. زين الدين أبو ذرٍّ عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الزَّرْكَشِيّ القاهري الحنبلي، المتفرد برواية " صَحِيْح مُسْلِم " بعلو.
تُوُفِّي في ذي الحجة سنة 846 ه، وَقَدْ ناهز التسعين.
أخذ عَنْهُ: " صَحِيْح مُسْلِم ".
2. شمس الدين مُحَمَّد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن يعقوب القاياتي، تُوُفِّي ليلة الاثنين الثامن عشر من محرم، سنة 850 ه.
أخذ عَنْهُ: الفقه، وأصوله، والمعاني، والبديع، والبيان، واللغة، والتفسير، وشرح الألفية للعراقي، وغيرها.
3. شهاب الدين أبو العَبَّاس أحمد بن رجب بن طَيْبُغَا الشَّافِعيّ، المعروف بابن المَجْدي، مات في ذي القعدة سنة 850 ه، عَنْ أربع وثمانين سنة.
أخذ عَنْهُ: الفقه، والنحو، وعلم الهيأة، والهندسة، والميقات، والفرائض،والحساب، والجبر، والمقابلة.
4. الْقَاضِي عز الدين عَبْد الرحيم بن المؤرخ ناصر الدين مُحَمَّد بن عَبْد الرحيم المصري الحنفي، عُرِفَ بابن الفرات، تُوُفِّي في ذي الحجة سنة 851 ه، وَقَدْ جاز التسعين. سَمِعَ عَلَيْهِ العديد من كُتُب الحَدِيْث ك: " البعث " لابن أبي دَاوُد، وغيره.
5. زين الدين أبو النعيم رضوان بن مُحَمَّد بن يوسف العقبي ثُمَّ القاهري الشَّافِعيّ، المُسْنِد الصَّيِّن، تُوُفِّي في رجب سنة 852 ه، عَنْ ثلاث وثمانين سنة. أخذ عَنْهُ: الفقه، والقراءات السبع، وآداب البحث، وشرح الألفية للعراقي، وصحيح مُسْلِم، وسنن النَّسَائِيّ.
6. شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل، المصري ثُمَّ القاهري. تُوُفِّي ليلة السبت الثامن عشر من ذي الحجة سنة 852 ه.
أخذ عَنْهُ: الفقه، والتفسير، وشرح الألفية للعراقي، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث لابن الصَّلاح، وشرح النخبة، والسيرة النبوية لابن سيد الناس، وغالب سُنَن ابن ماجه، وغيرها.
7. أبو اليمن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن أحمد الهاشمي العقيلي النويري المكي الشَّافِعيّ قاضي مكة، مات في ذي القعدة سنة 853ه، عَنْ ستين سنة. أخذ عَنْهُ لَمّا ورد مكّة حاجاً.
8. شرف الدين أبو الفتح مُحَمَّد بن زين الدين أبي بَكْر بن الْحُسَيْن بن عُمَر القرشي العثماني المراغي القاهري الأصل المدني الشَّافِعيّ. تُوُفِّي في محرم سنة 859 ه، عَنْ ثلاث وثمانين سنة.
أخذ عَنْهُ: الحَدِيْث، والفقه، وغيرهما لما ورد المدينة في طريق حجه.
9. جلال الدين أبو السعادات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَلِيّ القرشي المخزومي المكي، ويعرف بابن ظهيرة. مات في صفر سنة 861 ه، عَنْ خمس وستين سنة. سَمِعَ عَلَيْهِ الحَدِيْث عندما ورد مكة حاجاً.
10. كمال الدين مُحَمَّد بن عَبْد الواحد بن عَبْد الحميد السيواسي الأصل السكندري ثُمَّ القاهري الحنفي. مات في رمضان سنة 861 ه، عَنْ ستين سنة. أخذ عَنْهُ: النحو، والمنطق، وشرح الألفية للعراقي.
11. جلال الدين مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد بن إبراهيم الأنصاري المحلي الأصل القاهري الشَّافِعيّ. مات في محرم سنة 864 ه.
أخذ عَنْهُ: أصول الفقه، والعلوم العقلية.
12. بدر الدين الحَسَن بن مُحَمَّد بن أيوب الحسني القاهري الحسيني الشَّافِعيّ. مات في مستهل صفر سنة 866 ه، وَقَدْ قارب المئة. أخذ عَنْهُ: الفقه، والنسب.
13. علم الدين صالح بن عُمَر بن رسلان البلقيني الأصل القاهري. مات في رجب سنة 868 ه، عَنْ سبع وسبعين سنة. أخذ عَنْهُ: الفقه.
14. تقي الدين أبو الفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الهاشمي الأصفوني ثُمَّ المكي الشَّافِعيّ، عُرِفَ بابن فهد، تُوُفِّي في ربيع الأول سنة 871 ه، عَنْ أربع وثمانين سنة. أخذ عَنْهُ: فنون الحَدِيْث.
15. شرف الدين أبو زكريا يَحْيَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد بن مخلوف الحدادي الأصل المناوي القاهري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي ليلة الاثنين الثَّانِي عشر من جُمَادَى الثانية سنة 871 ه، وَقَدْ جاز السبعين. أخذ عَنْهُ: الفقه.
16. تقي الدين أبو العَبَّاس أحمد بن كمال الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَسَن القسنطيني الأصل السكندري ثُمَّ القاهري الشمني الحنفي، مات في ذي الحجة سنة 872 ه، وَقَدْ جاز الستين. أخذ عَنْهُ: النحو.
17. محيي الدين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن سليمان بن سعيد الرومي الحنفي المعروف بالكافيجي نزيل القاهرة، مات في جُمَادَى الثانية سنة 879 ه، وَقَدْ جاز التسعين. أخذ عَنْهُ: أصول الفقه، والمنطق، والتفسير، وسائر علوم الآلة.
أما بقية مشايخه، فهم:
1. الآمدي.
2. إبراهيم بن صدقة أبو إسحاق الحنبلي.
3. أحمد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن حميد الدمياطي.
4. البدشيني.
5. البرهان الصالحي.
6. البرهان الفاقوسي البلبيسي.
7. التقي الحصني.
8. أبو الجود الليثي.
9. الرشيدي.
10. الزين البوشنجي.
11. الزين جَعْفَر نزيل المؤيدية.
12. الزين ظاهر المالكي.
13. الزين ابن عياش المكي.
14. سارة بنت جَمَاعَة.
15. السراج الورودي.
16. الشرف بن الخشاب.
17. الشرف السُّبْكِيّ.
18. الشرواني.
19. الشمس البُخَارِيّ.
20. الشمس الحجازي.
21. الشمس الوفائي.
22. الشهاب أحمد الأنكاوي.
23. الشهاب الغزي.
24. الشهاب القلقيلي السكندراني.
25. العز بن عَبْد السلام البغدادي.
26. الكمال نزيل زاوية الشَّيْخ نصر الله.
27. مُحَمَّد بن حمد الكيلاني.
28. مُحَمَّد بن ربيع.
29. مُحَمَّد بن عُمَر الواسطي الغمري.
30. مُحَمَّد الغومي.
31. مُحَمَّد بن قرقماس الحنفي.
32. النور البلبيسي إمام الأزهر.
ثانياً: تلامذته
كتب الله تَعَالَى للقاضي زكريا القبول بَيْن الناس، وأَمدَّ في عمره حَتَّى تفرد بعلو الإسناد، فأصبح مطمح الأنفس، ومؤول الطلبة، قَالَ الغزي: فأقبلت عَلَيْهِ الطلبة للاشتغال عَلَيْهِ، وعُمِّر حَتَّى رأى تلاميذه وتلاميذ تلاميذه شيوخ الإسلام، وقرَّت عينه بهم في محافل العِلْم ومجالس الأحكام، وقصد بالرحلة إليه من الحجاز والشام.
وسنقتصر في الترجمة عَلَى أشهرهم مَعَ ذكر باقي تلامذته سرداً كَمَا صنعنا في شيوخه، فمنهم:
1. حمزة بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَلِيّ الناشري اليمني الشَّافِعيّ الأديب. تُوُفِّي سنة 926 ه.
2. جمال الدين أبو عَبْد الله عَبْد القادر –أبو عبيد– بن حَسَن الصاني القاهري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 931 ه.
3. تاج الدين عَبْد الوهاب الدنجيهي المصري الشَّافِعيّ الكاتب النحوي. تُوُفِّي سنة 932 ه.
4. شمس الدين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان الكفرسوسي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 932 ه.
5. أبو الفضل عَلِيّ بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن أبي اللطف المقدسي الشَّافِعيّ نزيل دمشق. تُوُفِّي سنة 934 ه.
6. الإمام العلاّمة فخر الدين عُثْمَان السنباطي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 937 ه.
7. شمس الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد المقدسي الشَّافِعيّ. عرف بابن العجيمي، العلاّمة المحدّث الواعظ. تُوُفِّي سنة 938 ه.
8. قاضي القضاة ولي الدين مُحَمَّد بن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود بن عَبْد الله بن محمود بن الفرفور الدِّمَشْقِيّ. تُوُفِّي سنة 937 ه.
9. مفتي بعلبك مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ الفصي البعلي الشَّافِعيّ،تُوُفِّي سنة 941ه.
10. الإمام العلاّمة المحقق الشَّيْخ تقي الدين أبو بَكْر بن مُحَمَّد بن يوسف القاري ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 945 ه.
11. الشيخ الإمام المحدِّث علاء الدين أبو الحَسَن عَلِيّ بن جلال الدين مُحَمَّد البكري الصديقي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 952 ه.
12. الإمام العلاّمة الورع الشَّيْخ شهاب الدين أحمد بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن مُحَمَّد الأنطاكي الحلبي الحنفي المعروف بابن حمادة. تُوُفِّي سنة 953 ه.
13. الشَّيْخ الإمام برهان الدين إبراهيم بن العلاّمة زين الدين حَسَن بن عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد الحلبي الشَّافِعيّ، شُهِر بابن العمادي. تُوُفِّي سنة 954 ه.
14. الإمام العلاّمة محب الدين أبو السعود مُحَمَّد بن رضي الدين مُحَمَّد بن عَبْد العزيز ابن عُمَر الحلبي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 956 ه.
15. الإمام الشَّيْخ شهاب الدين أحمد الرملي المنوفي المصري الأنصاري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 957 ه.
16. الإمام الْقَاضِي برهان الدين إبراهيم بن قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف ابن قاضي القضاة زين الدين عَبْد الرحمان الحلبي الحنفي.عُرِف بابن الحنبلي.تُوُفِّي سنة 959ه.
17. بدر الدين حَسَن بن يَحْيَى بن المزلق الدِّمَشْقِيّ الشَّافِعيّ، الإمام المحقق. تُوُفِّي سنة 966 ه.
18. الإمام العلاّمة شهاب الدين أبو العَبَّاس أحمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ ابن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 973 ه أو 974 ه.
19. الإمام باكثير عَبْد المعطي بن الشَّيْخ حَسَن بن الشَّيْخ عَبْد الله المكي الحضرمي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 989 ه.
20. الشَّيْخ الصالح العلاّمة شهاب الدين أحمد بن الشَّيْخ بدر الدين العباسي المصري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 992 ه.
وأما باقي تلامذته، فهم:
21. البدر ابن السيوفي.
22. بدر الدين العلائي الحنفي.
23. جمال الدين عَبْد الله الصافي.
24. جمال الدين يوسف.
25. شهاب الدين الحمصي
26. شهاب الدين الرملي.
27. شمس الدين الخطيب الشربيني.
28. شمس الدين الرملي.
29. شمس الدين الشبلي.
30. عَبْد الوهاب الشعراني.
31. عميرة البرلسي.
32. كمال الدين بن حمزة الدِّمَشْقِيّ.
33. مُحَمَّد بن أحمد الغزي.
34. مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد الغزي.
35. محيي الدين عَبْد القادر بن النقيب.
36. نور الدين المحلي.
37. نور الدين النسفي.
ثالثا: علومه ومعارفه
وفَّرت البداية المبكرة للقاضي زكريا في طلب العِلْم فسحة من الوقت، استطاع خلالها تنويع مصادر معرفته، وَلَمْ يغفل هذِهِ النقطة، بَلْ استثمرها عَلَى وجهها الصَّحِيح، فجنى ثمارها جنية مرتعة، قَالَ الغزي: وَكَانَ – رضي الله تَعَالَى عَنْهُ – بارعاً في سائر العلوم الشرعية وآلاتها حديثاً وتفسيراً وفقهاً وأصولاً وعربية وأدباً ومعقولاً ومنقولاً.
ومرَّ بنا في نشأته أنه درس صنوف فنون العِلْم، ومن بَيْن تِلْكَ العلوم التي أفنى في طلبها ردحاً من عمره المديد:
1. القُرْآن الكريم، حفظاً.
2. الفقه.
3. أصول الفقه.
4. التفسير.
5. الحَدِيْث رِوَايَة ودراية.
6. اللغة.
7. النحو.
8. الصرف.
9. العروض.
10. البيان.
11. البديع.
12. المعاني.
13. المنطق.
14. علم الهيأة.
15. الهندسة.
16. الميقات.
17. الفرائض.
18. الحساب.
19. الجبر والمقابلة.
20. الفلسفة.
21. علم الكلام.
22. التصوف.
23. القراءات السبع والعشر.
24. آداب البحث والمناظرة.
25. السيرة.
رابعا: وظائفه
بَعْدَ أن استكمل الْقَاضِي زكريا الأنصاري الأدوات التِي مكنته من مزاولة نشاطه العلمي، وبعد أن تبوأ الصدارة بَيْنَ معاصريه ومنافسيه، فَقَدْ أُسندت إِلَيْهِ مهمات عدة، وهي:
1. التدريس بمقام الإِمَام الشَّافِعِيّ. قَالَ العيدروسي: وَلَمْ يَكُنْ بمصر أرفع منصباً من هَذَا التدريس.
2. مشيخة خانقاه الصوفية.
3. منصب قاضي القضاة، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ امتناع طويل، في سلطنة خشقدم ولما ولي السلطنة قايتباي أصر عَلَى توليه قضاء القضاة فقبل، وَكَانَ ذَلِكَ في سنة 886 ه، واستمر مدة ولاية قايتباي وبعده.
وذكر العيدروسي أن سبب عزله عَنْ هَذَا المنصب إصابته بالعمى، وجمهور الفقهاء على أن الْقَاضِي يعزل بفقدان البصر، في حِيْنَ أن الغزي والشوكانِي يذكران أن سبب عزله زجر السلطان عَنْ ظلمه، وأغلب الظن أن هَذَا السلطان هُوَ مُحَمَّد ولد السلطان قايتباي الَّذِي تسلطن بَعْدَ والده.
وتحديد وقت عزله يكتنفه الغموض، لا سيما عَلَى رِوَايَة الغزي والشوكاني، ولكنها لا تتعدى سنة 904 ه فهي السنة التِي قتل فِيْهَا السلطان مُحَمَّد بن السلطان قايتباي، وَلَكِن الشوكاني يجزم أن عزله كَانَ سنة 906 ه، وَلَمْ تذكر المصادر التِي بَيْنَ أيدينا تحديداً لتاريخ فقده لبصره، وَكَانَ السلطان قَدْ طلب مِنْهُ العودة إِلَى منصبه لكنه رفض، إِلَى حِيْنَ نكبته فترك السلطان الإلحاح عَلَيْهِ.
وذكر الشعراني أن الْقَاضِي زكريا كَانَ يعتبر توليه القضاء: غلطة.
4. قَالَ الغزي: وولي الجهات والمناصب.
5. وَقَالَ العيدروسي: ولي تدريس عدة مدارس رفيعة.
6. وَقَالَ الشوكاني: ودرّس في أمكنة متعددة.
خامسا: ثناء الْعُلَمَاء عَلَيْهِ
تمتع الْقَاضِي زكريا – زيادة عَلَى مكانته العلمية – بأخلاقه العالية التِي حببته إِلَى قلوب العباد، فانطلقت ألسنتهم بالثناء عَلَيْهِ، وذكر محاسنه وشيمه، وإذا رحنا نستقصي ما قَالَ الناس فِيْهِ أطلنا المقام، لذا سنقتصر عَلَى نبذ مِنْهَا:
1. قَالَ الغزي: الشَّيْخ الإِمَام، شيخ مشايخ الإسلام، علامة المحققين، وفهامة المدققين، ولسان المتكلمين، وسيد الفقهاء والمحدّثين، الحَافِظ المخصوص بعلو الإسناد، والملحق للأحفاد بالأجداد، العالم العامل، والولي الكامل.
2. وَقَالَ العيدروسي: الشَّيْخ الإِمَام العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة.
3. وَقَالَ السخاوي: لَهُ تهجد وتوجه وصبر واحتمال، وترك القيل والقال، وله أوراد واعتقاد وتواضع وعدم تنازع، وعمله في التودد يزيد عَن الحد، ورويته أحسن من بديهته وكتابته أمتن من عبارته، وعدم مسارعته إِلَى الفتوى تعدُّ من حسناته.
4. وَقَالَ أَيْضاً: وَلَمْ ينفك عَنْ الاشتغال عَلَى طريقة جميلة من التواضع وحسن العشرة والأدب والعفة، والانجماع عَنْ بني الدنيا مَعَ التقلل وشرف النفس ومزيد العقل وسلامة الباطن والاحتمال والمداراة.
5. وَقَالَ العيدروسي: ويقرب عندي أنه المجدد عَلَى رأس القرن التاسع لشهرة الانتفاع بِهِ وبتصانيفه.
6. قَالَ السيوطي: لزم الجد والاجتهاد في القلم والعلم والعمل، وأقبلَ عَلَى نفع الناس إقراءً وإفتاءً وتصنيفاً، مَعَ الدين المتين، وترك ما لا يعنيه، وشدة التواضع ولين الجانب، وضبط اللسان والسكوت.
7. وَقَالَ ابن حجر الهيتمي: وقدّمت شيخنا زكريا لأنه أجلُّ مَنْ وقع عَلَيْهِ بصري من الْعُلَمَاء العاملين والأئمة الوارثين، وأعلى من عَنْهُ رويت من الفقهاء والحكماء المسندين، فَهُوَ عمدة الْعُلَمَاء الأعلام، وحجة الله عَلَى الأنام، حامل لواء مذهب الشَّافِعِيّ عَلَى كاهله، ومحرر مشكلاته وكاشف عويصاته في بكرته وأصائله، ملحق الأحفاد بالأجداد، المتفرد في زمنه بعلو الإسناد، كيف وَلَمْ يوجد في عصره إلا من أخذ عَنْهُ مشافهة أَوْ بواسطة أَوْ بوسائط متعددة، بَلْ وقع لبعضهم أنه أخذ عَنْهُ مشافهة تارة، وعن وغيره مِمَّنْ بينه وبينه نحو سبع وسائط تارة أخرى، وهذا لا نظير لَهُ في أحد من عصره، فنعم هَذَا التميز الَّذِي هُوَ عِنْدَ الأئمة أولى وأحرى؛ لأنَّه حاز بِهِ سعة التلامذة والأتباع، وكثرة الآخذين عَنْهُ ودوام الانتفاع.
8. وَقَالَ ابن العماد: شيخ الإسلام قاضي القضاة زين الدين الحَافِظ.
9. وَقَالَ الأدنروي: مفتي الشافعية العالم الفاضل الْقَاضِي.
سادسا: آثاره العلمية
وظَّف الْقَاضِي زكريا الأنصاري معرفته العلمية في التأليف إِلَى جانب التدريس، وخلال المئة سنة التِي عاشها استطاع أن يترك لنا جملة كبيرة من المصنفات، الأمر الَّذِي دفع الشوكاني للقول بأن: لَهُ شرح ومختصرات في كُلّ فن من الفنون.
وَقَدْ عنى الشوكاني بكلمته هَذِهِ، أن الْقَاضِي خاض غمار فنون العلوم عَلَى اختلاف ماهياتها فمن اللغة إِلَى المنطق، ومن الكلام إِلَى الْحَدِيْث، ومن الفقه إِلَى القراءات، ومن التصوف إِلَى التفسير، ومن أصول الفقه إِلَى الفرائض، وهكذا تنوعت طبيعة مؤلفاته.
وَلَيْسَ عجباً أن تكثر مصنفاته، فعلى حد تعبير الغزي إذ يَقُوْل: وجملة مؤلفاته 41 مؤلفاً تقريباً، إِذْ كَانَ شغله الشاغل التدريس والتصنيف، وَقَدْ وقفنا عَلَى ذكر لما يربو من 50 مصنفاً في شتى صنوف الْمَعْرِفَة، هِيَ:
1. أحكام الدلالة عَلَى تحرير الرسالة. شرح فِيْهِ الرسالة القشيرية في التصوف.
2. أدب الْقَاضِي عَلَى مذهب الإِمَام الشَّافِعِيّ.
3. أضواء البهجة في إبراز دقائق المنفرجة. شرح عَلَى القصيدة المنفرجة.
4. بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب. شرح عَلَى مَتْن شذور الذهب في النحو لابن هشام.
5. بهجة الحاوي. شرح عَلَى " الحاوي الصغير " للقزويني في الفقه.
6. تحرير تنقيح اللباب. اختصار ل " تنقيح اللباب " في الفقه.
7. تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب. شرح لمختصره السابق.
8. لب الأصول.
9. التحفة العلية في الخطب المنبرية.
10. تحفة نجباء العصر في أحكام النون الساكنة والتنوين والمد والقصر.
11. تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية للزركشي.
12. تلخيص أسئلة القرآن وأجوبتها لأبي بكر الرازي صاحب مختار الصحاح.
13. حاشية عَلَى شرح ابن المصنف عَلَى ألفية ابن مالك في النحو.
14. حاشية عَلَى شرح البهجة لولي الدين بن العراقي.
15. حاشية عَلَى شرح المحلي عَلَى جمع الجوامع.
16.حاشية عَلَى شرح المقدمة الجزرية.
17. خلاصة الفوائد الحموية في شرح البهجة الوردية.
18. الدرر السنية في شرح الألفية، في النحو لابن مالك.
19. الدقائق المحكمة في شرح المقدمة، للجزري.
20. ديوان شعر.
21. الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة.
22. شرح البسملة والحمدلة.
23. شرح الجامع الصَّحِيْح للبخاري.
24. شرح الروض لابن المقريء.
25. شرح الشمسية في المنطق.
26. شرح صَحِيْح مُسْلِم.
27. شرح طوالع الأنوار للبيضاوي في علم الكلام.
28. شرح مختصر المزني.
29. شرح المقدمة الجزرية.
30. شرح المنهاج للبيضاوي في أصول الفقه.
31. غاية الوصول إِلَى شرح الفصول. في الفرائض.
32. الغرر البهية بشرح البهجة الوردية.
33. فتح الإله الماجد بإيضاح شرح العقائد. حاشية عَلَى شرح العقائد النسفية.
34. فتح الباقي بشرح ألفية العراقي.
35. فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنْزيل.
36. فتح رب البرية في شرح القصيدة الخزرجية. في علم العروض.
37. فتح الرَّحْمَان بشرح رسالة الولي رسلان في التوحيد.
38. فتح الرَّحْمَان بشرح لقطة العجلان في الفقه للزركشي.
39. فتح الرَّحْمَان بكشف ما يلتبس من القرآن.
40. فتح العلام بشرح أحاديث الأحكام.
41. فتح الوهاب بشرح الآداب آداب البحث والمناظرة.
42. فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب.
43. الفتحة الأنسية لغلق التحفة القدسية في الفرائض.
44. الفتوحات الإلهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية.
45. اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم.
46. المطلع في شرح ايساغوجي في المنطق.
47. المقصد لتلخيص ما في المرشد في القراءات.
48. مناهج الكافية في شرح الشافية في الصرف.
49. منهج الوصول إِلَى تخريج الفصول في الفرائض.
50. نِهاية الهداية في شرح الكفاية في الفرائض.
51. نَهج الطلاب في منهاج الطالبين للنووي في الفقه.
منقول عن روض الرياحين مع بعض التصحيحات
أولاً: اسمه ونسبه :
هُوَ زين الدين أبو يَحْيَى زكريا بن مُحَمَّد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الخزرجي السنيكي، ثُمَّ القاهري الأزهري الشَّافِعيّ.
والأنصاري: نِسْبَة إلى الأنصار، وهم أهل المدينة من الأوس والخزرج.
والخزرجي: نِسْبَة إلى الخزرج، أحد شطري الأنصار، وهم بطون عدة.
والسنيكي: نِسْبَة إلى " سُنَيْكَة " – بضم السين المُهْمَلَة، وفتح النون، وإسكان الياء المثناة من تَحْتُ، وآخرها تاء التأنيث.
وَهِيَ قَرْيَة بمصر من أعمال الشرقية، بَيْن بلبيس والعباسية، والأكثر عَلَى نسبته هكذا – بإثبات الياء –، وَهُوَ مخالف لقواعد الصرف إذ الصَّوَاب في النسبة: السُّنَكِي. قَالَ ابن عقيل: ويقال في النسب إلى فُعَيْلَة: فُعَلِيّ –بحذف الياء– إن لَمْ يَكُنْ مضاعفاً، فتقول في جُهَيْنَةَ: جُهَنِيّ. وذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي أنه كَانَ يكره النسبة إلى تِلْكَ البلدة.
القاهري: نِسْبَة إلى مدينة القاهرة.
الأزهري: نِسْبَة إلى الجامع الأزهر.
ثانياً: ولادته
لَمْ تكن ولادة الْقَاضِي زكريا محل اتفاق بَيْن المؤرخين، وإنما تطرق إليها الخلاف كَمَا تطرق لغيرها، فالسيوطي – عصريه وصديقه – يؤرخ ولادته في سنة 824 ه، عَلَى سبيل الظن والتقريب، فَقَالَ: ولد سنة أربع وعشرين تقريباً.
وأما السخاوي والعيدروسي فيجزمان أن ولادته كَانَتْ في سنة 826 ه،، وتابعهما في هَذَا: ابن العماد الحنبلي، والشوكاني، والزبيدي، وعمر رضا كحالة.
في حِيْنَ أن الغزي يتردد في تحديد ولادته بَيْن سنة 823ه وسنة 824 ه، وإن كَانَ صدَّر كلامه بالأولى ونقله من خطِّ والده الذي كَانَ أحد تلامذة الْقَاضِي زكريا.
وتفرد الأستاذ خير الدين الزركلي بالجزم بأنها كَانَتْ سنة 823 ه.
وهكذا نجد أن ولادة الْقَاضِي زكريا الأنصاري – في أقوال المؤرخين – كَانَتْ دُوْلَة بَيْن أعوام ثلاثة – بصرف النظر عَنْ القائلين بِهَا – وَهِيَ 823 ه و 824 ه و 826 ه، ولا مرجح عندنا لأحدها نجزم بِهِ أو نرجحه، والعلم عِنْدَ الله تَعَالَى.
ثالثاً: أسرته
لَمْ تسعفنا المصادر بالكثير عَنْ أسرته، وإنما كَانَتْ نتفاً وإشارات استطعنا أن نستشف مِنْها شيئاً قليلاً،يساعدنا في تكوين فكرة واضحة عَنْ أسرة المترجم.
أمَّا والده فكل مَا نعرفه عَنْهُ أنه مات والمترجم لا يزال طفلاً، وَلَمْ يترك إلاَّ امرأة أرملة وولداً يتيماً، يقاسيان مشاق الحياة التي لَمْ يَكُنْ لَهُمَا دور في تحريك دفة أحداثها.
وأما أمُّه فيمكننا القَوْل إنَّ مَا حازه المترجم من المجد والفخار إنما كَانَ – بَعْدَ رعاية الله – بحسن تصرفها، فَقَدْ حكى الغزي عَنْ الشَّيْخ الصالح ربيع ابن عَبْد الله السلمي الشنباري أنه كَانَ يوماً بسنيكة – مسقط رأس المترجم – وإذا بامرأة تستجير بِهِ وتستغيث أن ولدها مات أبوه، وعامل البلد النصراني قبض عَلَيْهِ يروم أن يكتبه مَوْضِع أبيه في صيد الصقور، فخلَّصه الشَّيْخ مِنْهُ، وَقَالَ لها: إن أردت خلاصه فافرغي عَنْهُ يشتغل ويقرأ بجامع الأزهر وعليَّ كلفته، فسلمت إليه المترجم. وهذا غاية مَا استطعنا الوقوف عَلَيْهِ من خبرها.
ومما مضى يُعْلَم أن المترجم كَانَ الوحيد لأبويه، فَلا إخوة ولا أخوات عِنْدَه، وكذا زوجته التي غمرت في بحر الجهالة، فَلا ذكر لها البتة فِيْمَا بَيْن أيادينا من مراجع.
أما ذريته، فوقفنا عَلَى ذكر لبعض أولاده، مِنْهُمْ:
جمال الدين يوسف، قَالَ عَنْهُ الغزي: الشَّيْخ العلامة الصالح.
وذكر حاجي خليفة أن ولده هَذَا شرح مختصراً لبعض الشافعية لكتاب " التحرير في أصول الفقه " لابن همام. وَلَمْ نقف عَلَى تاريخ وفاته.
والذي يظهر أن لَهُ ولداً آخر يدعى: زكريا، وإن لزكريا الأخير ابناً يدعى:
زكريا أيضاً، ترجمه الغزي في الكواكب السائرة فَقَالَ: زكريا بن زكريا الشَّيْخ العلاَّمة زين الدين المصري، حفيد شيخ الإسلام قاضي القضاة زكريا الأنصاري، وكانت وفاته في شوال سنة 959 ه. وَكَانَ جده يحبه محبة عظيمة.
رابعاً: نشأته
كَانَ مولد المترجم في بلده الأول سُنَيكة فنشأ بِهَا، وابتدأ بحفظ القُرْآن الكريم – عَلَى العادة في بدء التعليم – ودَرَسَ مبادئ الفقه العامة، فقرأ " عمدة الأحكام " وبعض " مختصر التبريزي " في الفقه، وما كاد يدخل النصف الثَّانِي من عقد عمره الثَّانِي حَتَّى شدَّ رحاله نَحْو عاصمة العِلْم والعلماء التي كَانَتْ تعج بمظاهره: القاهرة، وسواء كَانَ قَدْ رحل بنفسه إلى القاهرة، أو أن الشَّيْخ ربيع بن عَبْد الله هُوَ الذي سافر بِهِ – كَمَا تقدم -، فَقَدْ ورد المترجم القاهرة، ونزل الجامع الأزهر مستوطناً، وهناك أكمل حفظ المختصر الذي بدأ بِهِ في مقتبل عمره، ومن ثَمَّ بَدَأَ بحفظ الكُتُب التي وفَّرت لَهُ مبادئ العلوم التي كَانَتْ تدرَّس آنذاك، فحفظ " المنهاج " الفرعي و" الألفية " النحوية و" الشاطبية " و" الرائية " وبعض " المنهاج " الأصلي ونحو النصف من " ألفية الحَدِيْث " و" التسهيل " إلى باب كاد.
وكانتْ تِلْكَ قدمته الأولى إلى القاهرة، وَلَمْ يطل المكث فِيْهَا، وعاد أدراجه إلى بلده ملازماً هناك الجدَّ والاشتغال.
وبعد مدة من الزمن – نجهل تحديدها – عاود المجيء إلى القاهرة، يروم استخراج العِلْم من معادنه، فَدَرَسَ في الفقه: " شرح البهجة "
وغيرها، وقرأ في أصول الفقه: " العضد " و " شرح العبري "، وقرأ في النحو والصرف، ومما قرأه فِيْهِمَا: " شرح تصريف العزي "، وأخذ المعاني والبيان والبديع فقرأ فِيْهَا " المطول "، وأخذ المنطق عَنْ عدة مشايخ وقرأ فِيهِ شرح القطب عَلَى "الشمسية" وأكثر حاشية الشريف الجرجاني عَلَيْهِ، وكذا حاشية التقي الحصني عَلَيْهِ.
كَمَا أخذ اللغة، والتفسير، وعلم الهيأة، والهندسة، والميقات، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، والطب، والعروض، وعلم الحروف، والتصوف، وتلا بالسبع والثلاثة الزائدة عَلَيْهَا، وقرأ مصنفات ابن الجزري ك" النشر " و "التقريب" و " الطيبة "، وأخذ رسوم الخطِّ، وآداب البحث، والحديث.
وهكذا دأب وانهمك في الطلب والتحصيل،فأجازه مشايخه،وكتب لَهُ بِذَلِكَ كَثِيْر مِنْهُمْ مَعَ الإطناب في المدح والثناء، يزيدون عَلَى مئة وخمسين، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني إذْ كتب لَهُ في بَعْض إجازاته: وأذنت لَهُ أن يقرأ القُرْآن عَلَى الوجه الذي تلقَّاه، ويقدر الفقه عَلَى النمط الذي نص عَلَيْهِ الإمام وارتضاه، والله المسؤول أن يجعلني وإياه، ممن يرجوه ويخشاه إلى أن نلقاه.
وأذن لَهُ في إقراء " شرح النخبة " وغيرها من مصنفاته في حياته، وكذا فعل غَيْر ابن حجر حَتَّى قَالَ العيدروسي وتصدّى للتدريس في حياة غَيْر واحد من شيوخه.
وهكذا أصبح المترجم من المؤهلين للانضمام إلى ركب العُلَمَاء، وأن يشقَّ طريقه وسطهم.
خامساً: صفاته وأخلاقه
لقد كَانَ الْقَاضِي زكريا بن مُحَمَّد الأنصاري مضرب المثل في وقته في حَسَن الخلق، والتحلي بمكارم الأخلاق وفضائلها، لا يدع باباً إليها إلاَّ دخله، قَالَ العلائي: قَدْ جمع من أنواع العلوم والمعارف والمؤلفات المقبولة ومكارم الأخلاق وحسن السمت والتؤدة والأخذ عَنْ الأكابر مَا لَمْ يجمعه غيره.
ولعل أبرز صفاته التي كَانَ يتحلَّى بِهَا أنه كَانَ حافظاً للجميل شاكراً لصنيع المحسنين إليه، ويدل عَلَى ذَلِكَ –كَمَا مَرَّ– أن الشَّيْخ ربيع بن عَبْد الله كَانَ صاحب الفضل عَلَيْهِ في توجهه إلى طلب العِلْم وسفره إلى القاهرة،فكان ردّ المترجم عَلَى ذَلِكَ أنه: إذا ورد عَلَيْهِ الشَّيْخ ربيع أو زوجته أو أحد من أقاربه يجعله في زمن صمدته ومنصبه، وَكَانَ يقضي حوائجهم ويعترف بالفضل لَهُمْ، وربما مازحته زوجة الشَّيْخ ربيع التي ربَّتْهُ.
وَكَانَ في النهاية من الانهماك في طلب العِلْم، لا يجعل لنفسه متنفساً سواه، حَتَّى أشغله عَنْ مأكله ومشربه، فحكى عَنْ نَفْسه، قَالَ: جئت من البلاد وأنا شابٌّ فلم أعكف عَلى الاشتغال بشيء من أمور الدنيا وَلَمْ أعلّق قلبي بأحد من الخلق، قَالَ: وكنت أجوع في الجامع كثيراً، فأخرج في الليل إلى الميضأة وغيرها، فأغسل مَا أجده من قشيرات البطيخ حوالي الميضأة وآكلها، وأقنع بِهَا عَنْ الخبز.
وَكَانَ عَلَى دَرَجَة من اليقين بالله وتفويض الأمور إليه، فروى من حاله أنه قَالَ:
فلما أتممت شرحها – يعني: " البهجة " – غار بَعْض الأقران، فكتب عَلَى بَعْض نسخ الشرح: كِتَاب الأعمى والبصير؛ تعريضاً بأني لا أقدر أشرح البهجة وحدي، وإنما ساعدني فِيهِ رفيق أعمى كنت أطالع أنا وإياه، قَالَ: فاحتسبت بالله تَعَالَى، وَلَمْ ألتفت إلى مِثْل ذَلِكَ.
وَكَانَ من أخلاقه أنه كَانَ صداعاً بالحق، لَمْ يثنه الخوف عَلَى المنصب أو هيبة سلطان عَنْ زجر الظالم أو إنذار العاصي، حَتَّى أن الغزي يذكر أن سبب عزله عَنْ القضاء: بسبب خطه عَلَى السلطان بالظلم، وزجره عَنْهُ تصريحاً وتعريضاً.
ومتع بالقول عَلَى ملازمة العِلْم والعمل ليلاً ونهاراً،مَعَ مقارنة مئة سنة من عمره من غَيْر كلل ولا ملل، مَعَ عروض الانكفاف لَهُ، بحيث شرح البُخَارِيّ جامعاً فِيهِ ملخص عشرة شروح، وحشَّى تفسير البيضاوي في هذِهِ الحالة.
والمترجم ممن قاسى مرارة الحرمان وعاش مصاعبها؛ لذا كَانَ يعرف لوعة المحرومين وضيق ذات يد المعدمين، فكان كَثِيْر البرِّ بطلبته وتفقد أحوالهم، مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من كثرة الصدقة والمبالغة في إخفائها، وَكَانَ لَهُ جَمَاعَة يرتب لَهُمْ من صدقته مَا يكفيهم إلى يوم وإلى أسبوع وإلى شهر، وإذا جاءه سائل – بَعْدَ أن أصيب بالعمى – يَقُول لِمَنْ عنده من جماعته: هَلْ هنا أحد؟ فإن قَالَ لَهُ: لا، أعطاه، وإن قَالَ لَهُ: نعم، قَالَ لَهُ: قل لَهُ: يأتينا في غَيْر هَذَا الوقت.
وَقَدْ أورد الغزي كلمة جامعة في بيان أخلاقه، فَقَالَ: وَكَانَ صاحب الترجمة مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الاجتهاد في العِلْم اشتغالاً واستعمالاً وإفتاءً وتصنيفاً ومع مَا كَانَ عَلَيْهِ من مباشرة القضاء ومهمات الأمور، وكثرة إقبال الدنيا، لا يكاد يفتر عَنْ الطاعة ليلاً ونهاراً، ولا يشتغل بما لا يعنيه، وقوراً مهيباً مؤانساً ملاطفاً، يُصَلِّي النوافل من قيام مَعَ كبر سنه وبلوغه مئة سنة وأكثر، ويقول: لا أعوّد نفسي الكسل. حَتَّى في حال مرضه كَانَ يُصَلِّي النوافل قائماً، وَهُوَ يميل يميناً وشمالاً لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض،فقيل لَهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: يا ولدي، النفس من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني وأختم عمري بِذَلِكَ.
وَكَانَ إذا أطال عَلَيْهِ أحد في الكلام يَقُول لَهُ: عجِّل قَدْ ضيَّعتَ عَلَيْنَا الزمان، وَكَانَ إذا أصلح القارئ بَيْن يديه كلمة في الكِتَاب الذي يقرأ ونحوه، يشتغل بالذكر بصوت خفي قائلاً: الله الله، لا يفتر عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يفرغ، وَكَانَ قليل الأكل لا يزيد عَلَى ثلث رغيف، ولا يأكل إلا من خبز خانقاه سعيد السعداء، ويقول: إنما أخص خبزها بالأكل لأن صاحبها كَانَ من الملوك الصالحين.
سادساً: وفاته
بَعْدَ عُمر بَلَغَ أو جاز بقليل المئة عام، كَانَتْ مملوءة بالعلم والتعليم، والتربية والإرشاد، اختار الباري – عزوجل – الْقَاضِي زكريا الأنصاري إلى جواره الكريم، بَعْدَ أن ابتلي بفقد نعمة البصر.
وَقَدْ حصل خُلْفٌ بين المؤرخين في تحديد سنة وفاته، بَعْدَ أن اتفقت كلمة جمهورهم عَلَى تحديد اليوم والشهر، وَهُوَ الرابع من ذي الحجة.
فالجمهور عَلَى أن وفاته كَانَتْ سنة 926 ه، في حين ذهب العيدروسي، وتابعه ابن العماد الحنبلي، إلى أنها كَانَتْ سنة 925 ه.
ولقد أغرب الأدنروي في تحديد وفاته، فزعم أنها كَانَتْ سنة 910 ه وَهُوَ وهم لا محالة، ولا متابع لَهُ ولا عاضد عَلَى هَذَا، وإنما هُوَ قَوْل انفرد بِهِ، وخالف فِيهِ المؤرخين جملة وتفصيلاً.
سيرته العلمية
أولاً: شيوخه
بَلَغَ شيوخ الْقَاضِي زكريا الأنصاري كثرة كاثرة، ومَرَّ بنا أنهم زادوا عَلَى المئة والخمسين شيخاً؛ لذا سنقتصر في الترجمة عَلَى أشهرهم مَعَ ذكر مَا أخذ الْقَاضِي عَنْهُمْ، ثُمَّ نعرِّج عَلَى باقي شيوخه سرداً.
فمن أشهر مشايخه:
1. زين الدين أبو ذرٍّ عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الزَّرْكَشِيّ القاهري الحنبلي، المتفرد برواية " صَحِيْح مُسْلِم " بعلو.
تُوُفِّي في ذي الحجة سنة 846 ه، وَقَدْ ناهز التسعين.
أخذ عَنْهُ: " صَحِيْح مُسْلِم ".
2. شمس الدين مُحَمَّد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن يعقوب القاياتي، تُوُفِّي ليلة الاثنين الثامن عشر من محرم، سنة 850 ه.
أخذ عَنْهُ: الفقه، وأصوله، والمعاني، والبديع، والبيان، واللغة، والتفسير، وشرح الألفية للعراقي، وغيرها.
3. شهاب الدين أبو العَبَّاس أحمد بن رجب بن طَيْبُغَا الشَّافِعيّ، المعروف بابن المَجْدي، مات في ذي القعدة سنة 850 ه، عَنْ أربع وثمانين سنة.
أخذ عَنْهُ: الفقه، والنحو، وعلم الهيأة، والهندسة، والميقات، والفرائض،والحساب، والجبر، والمقابلة.
4. الْقَاضِي عز الدين عَبْد الرحيم بن المؤرخ ناصر الدين مُحَمَّد بن عَبْد الرحيم المصري الحنفي، عُرِفَ بابن الفرات، تُوُفِّي في ذي الحجة سنة 851 ه، وَقَدْ جاز التسعين. سَمِعَ عَلَيْهِ العديد من كُتُب الحَدِيْث ك: " البعث " لابن أبي دَاوُد، وغيره.
5. زين الدين أبو النعيم رضوان بن مُحَمَّد بن يوسف العقبي ثُمَّ القاهري الشَّافِعيّ، المُسْنِد الصَّيِّن، تُوُفِّي في رجب سنة 852 ه، عَنْ ثلاث وثمانين سنة. أخذ عَنْهُ: الفقه، والقراءات السبع، وآداب البحث، وشرح الألفية للعراقي، وصحيح مُسْلِم، وسنن النَّسَائِيّ.
6. شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل، المصري ثُمَّ القاهري. تُوُفِّي ليلة السبت الثامن عشر من ذي الحجة سنة 852 ه.
أخذ عَنْهُ: الفقه، والتفسير، وشرح الألفية للعراقي، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث لابن الصَّلاح، وشرح النخبة، والسيرة النبوية لابن سيد الناس، وغالب سُنَن ابن ماجه، وغيرها.
7. أبو اليمن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن أحمد الهاشمي العقيلي النويري المكي الشَّافِعيّ قاضي مكة، مات في ذي القعدة سنة 853ه، عَنْ ستين سنة. أخذ عَنْهُ لَمّا ورد مكّة حاجاً.
8. شرف الدين أبو الفتح مُحَمَّد بن زين الدين أبي بَكْر بن الْحُسَيْن بن عُمَر القرشي العثماني المراغي القاهري الأصل المدني الشَّافِعيّ. تُوُفِّي في محرم سنة 859 ه، عَنْ ثلاث وثمانين سنة.
أخذ عَنْهُ: الحَدِيْث، والفقه، وغيرهما لما ورد المدينة في طريق حجه.
9. جلال الدين أبو السعادات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَلِيّ القرشي المخزومي المكي، ويعرف بابن ظهيرة. مات في صفر سنة 861 ه، عَنْ خمس وستين سنة. سَمِعَ عَلَيْهِ الحَدِيْث عندما ورد مكة حاجاً.
10. كمال الدين مُحَمَّد بن عَبْد الواحد بن عَبْد الحميد السيواسي الأصل السكندري ثُمَّ القاهري الحنفي. مات في رمضان سنة 861 ه، عَنْ ستين سنة. أخذ عَنْهُ: النحو، والمنطق، وشرح الألفية للعراقي.
11. جلال الدين مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد بن إبراهيم الأنصاري المحلي الأصل القاهري الشَّافِعيّ. مات في محرم سنة 864 ه.
أخذ عَنْهُ: أصول الفقه، والعلوم العقلية.
12. بدر الدين الحَسَن بن مُحَمَّد بن أيوب الحسني القاهري الحسيني الشَّافِعيّ. مات في مستهل صفر سنة 866 ه، وَقَدْ قارب المئة. أخذ عَنْهُ: الفقه، والنسب.
13. علم الدين صالح بن عُمَر بن رسلان البلقيني الأصل القاهري. مات في رجب سنة 868 ه، عَنْ سبع وسبعين سنة. أخذ عَنْهُ: الفقه.
14. تقي الدين أبو الفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الهاشمي الأصفوني ثُمَّ المكي الشَّافِعيّ، عُرِفَ بابن فهد، تُوُفِّي في ربيع الأول سنة 871 ه، عَنْ أربع وثمانين سنة. أخذ عَنْهُ: فنون الحَدِيْث.
15. شرف الدين أبو زكريا يَحْيَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد بن مخلوف الحدادي الأصل المناوي القاهري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي ليلة الاثنين الثَّانِي عشر من جُمَادَى الثانية سنة 871 ه، وَقَدْ جاز السبعين. أخذ عَنْهُ: الفقه.
16. تقي الدين أبو العَبَّاس أحمد بن كمال الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَسَن القسنطيني الأصل السكندري ثُمَّ القاهري الشمني الحنفي، مات في ذي الحجة سنة 872 ه، وَقَدْ جاز الستين. أخذ عَنْهُ: النحو.
17. محيي الدين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن سليمان بن سعيد الرومي الحنفي المعروف بالكافيجي نزيل القاهرة، مات في جُمَادَى الثانية سنة 879 ه، وَقَدْ جاز التسعين. أخذ عَنْهُ: أصول الفقه، والمنطق، والتفسير، وسائر علوم الآلة.
أما بقية مشايخه، فهم:
1. الآمدي.
2. إبراهيم بن صدقة أبو إسحاق الحنبلي.
3. أحمد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن حميد الدمياطي.
4. البدشيني.
5. البرهان الصالحي.
6. البرهان الفاقوسي البلبيسي.
7. التقي الحصني.
8. أبو الجود الليثي.
9. الرشيدي.
10. الزين البوشنجي.
11. الزين جَعْفَر نزيل المؤيدية.
12. الزين ظاهر المالكي.
13. الزين ابن عياش المكي.
14. سارة بنت جَمَاعَة.
15. السراج الورودي.
16. الشرف بن الخشاب.
17. الشرف السُّبْكِيّ.
18. الشرواني.
19. الشمس البُخَارِيّ.
20. الشمس الحجازي.
21. الشمس الوفائي.
22. الشهاب أحمد الأنكاوي.
23. الشهاب الغزي.
24. الشهاب القلقيلي السكندراني.
25. العز بن عَبْد السلام البغدادي.
26. الكمال نزيل زاوية الشَّيْخ نصر الله.
27. مُحَمَّد بن حمد الكيلاني.
28. مُحَمَّد بن ربيع.
29. مُحَمَّد بن عُمَر الواسطي الغمري.
30. مُحَمَّد الغومي.
31. مُحَمَّد بن قرقماس الحنفي.
32. النور البلبيسي إمام الأزهر.
ثانياً: تلامذته
كتب الله تَعَالَى للقاضي زكريا القبول بَيْن الناس، وأَمدَّ في عمره حَتَّى تفرد بعلو الإسناد، فأصبح مطمح الأنفس، ومؤول الطلبة، قَالَ الغزي: فأقبلت عَلَيْهِ الطلبة للاشتغال عَلَيْهِ، وعُمِّر حَتَّى رأى تلاميذه وتلاميذ تلاميذه شيوخ الإسلام، وقرَّت عينه بهم في محافل العِلْم ومجالس الأحكام، وقصد بالرحلة إليه من الحجاز والشام.
وسنقتصر في الترجمة عَلَى أشهرهم مَعَ ذكر باقي تلامذته سرداً كَمَا صنعنا في شيوخه، فمنهم:
1. حمزة بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَلِيّ الناشري اليمني الشَّافِعيّ الأديب. تُوُفِّي سنة 926 ه.
2. جمال الدين أبو عَبْد الله عَبْد القادر –أبو عبيد– بن حَسَن الصاني القاهري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 931 ه.
3. تاج الدين عَبْد الوهاب الدنجيهي المصري الشَّافِعيّ الكاتب النحوي. تُوُفِّي سنة 932 ه.
4. شمس الدين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان الكفرسوسي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 932 ه.
5. أبو الفضل عَلِيّ بن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن أبي اللطف المقدسي الشَّافِعيّ نزيل دمشق. تُوُفِّي سنة 934 ه.
6. الإمام العلاّمة فخر الدين عُثْمَان السنباطي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 937 ه.
7. شمس الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد المقدسي الشَّافِعيّ. عرف بابن العجيمي، العلاّمة المحدّث الواعظ. تُوُفِّي سنة 938 ه.
8. قاضي القضاة ولي الدين مُحَمَّد بن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود بن عَبْد الله بن محمود بن الفرفور الدِّمَشْقِيّ. تُوُفِّي سنة 937 ه.
9. مفتي بعلبك مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ الفصي البعلي الشَّافِعيّ،تُوُفِّي سنة 941ه.
10. الإمام العلاّمة المحقق الشَّيْخ تقي الدين أبو بَكْر بن مُحَمَّد بن يوسف القاري ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 945 ه.
11. الشيخ الإمام المحدِّث علاء الدين أبو الحَسَن عَلِيّ بن جلال الدين مُحَمَّد البكري الصديقي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 952 ه.
12. الإمام العلاّمة الورع الشَّيْخ شهاب الدين أحمد بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن مُحَمَّد الأنطاكي الحلبي الحنفي المعروف بابن حمادة. تُوُفِّي سنة 953 ه.
13. الشَّيْخ الإمام برهان الدين إبراهيم بن العلاّمة زين الدين حَسَن بن عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد الحلبي الشَّافِعيّ، شُهِر بابن العمادي. تُوُفِّي سنة 954 ه.
14. الإمام العلاّمة محب الدين أبو السعود مُحَمَّد بن رضي الدين مُحَمَّد بن عَبْد العزيز ابن عُمَر الحلبي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 956 ه.
15. الإمام الشَّيْخ شهاب الدين أحمد الرملي المنوفي المصري الأنصاري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 957 ه.
16. الإمام الْقَاضِي برهان الدين إبراهيم بن قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف ابن قاضي القضاة زين الدين عَبْد الرحمان الحلبي الحنفي.عُرِف بابن الحنبلي.تُوُفِّي سنة 959ه.
17. بدر الدين حَسَن بن يَحْيَى بن المزلق الدِّمَشْقِيّ الشَّافِعيّ، الإمام المحقق. تُوُفِّي سنة 966 ه.
18. الإمام العلاّمة شهاب الدين أبو العَبَّاس أحمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ ابن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 973 ه أو 974 ه.
19. الإمام باكثير عَبْد المعطي بن الشَّيْخ حَسَن بن الشَّيْخ عَبْد الله المكي الحضرمي الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 989 ه.
20. الشَّيْخ الصالح العلاّمة شهاب الدين أحمد بن الشَّيْخ بدر الدين العباسي المصري الشَّافِعيّ. تُوُفِّي سنة 992 ه.
وأما باقي تلامذته، فهم:
21. البدر ابن السيوفي.
22. بدر الدين العلائي الحنفي.
23. جمال الدين عَبْد الله الصافي.
24. جمال الدين يوسف.
25. شهاب الدين الحمصي
26. شهاب الدين الرملي.
27. شمس الدين الخطيب الشربيني.
28. شمس الدين الرملي.
29. شمس الدين الشبلي.
30. عَبْد الوهاب الشعراني.
31. عميرة البرلسي.
32. كمال الدين بن حمزة الدِّمَشْقِيّ.
33. مُحَمَّد بن أحمد الغزي.
34. مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد الغزي.
35. محيي الدين عَبْد القادر بن النقيب.
36. نور الدين المحلي.
37. نور الدين النسفي.
ثالثا: علومه ومعارفه
وفَّرت البداية المبكرة للقاضي زكريا في طلب العِلْم فسحة من الوقت، استطاع خلالها تنويع مصادر معرفته، وَلَمْ يغفل هذِهِ النقطة، بَلْ استثمرها عَلَى وجهها الصَّحِيح، فجنى ثمارها جنية مرتعة، قَالَ الغزي: وَكَانَ – رضي الله تَعَالَى عَنْهُ – بارعاً في سائر العلوم الشرعية وآلاتها حديثاً وتفسيراً وفقهاً وأصولاً وعربية وأدباً ومعقولاً ومنقولاً.
ومرَّ بنا في نشأته أنه درس صنوف فنون العِلْم، ومن بَيْن تِلْكَ العلوم التي أفنى في طلبها ردحاً من عمره المديد:
1. القُرْآن الكريم، حفظاً.
2. الفقه.
3. أصول الفقه.
4. التفسير.
5. الحَدِيْث رِوَايَة ودراية.
6. اللغة.
7. النحو.
8. الصرف.
9. العروض.
10. البيان.
11. البديع.
12. المعاني.
13. المنطق.
14. علم الهيأة.
15. الهندسة.
16. الميقات.
17. الفرائض.
18. الحساب.
19. الجبر والمقابلة.
20. الفلسفة.
21. علم الكلام.
22. التصوف.
23. القراءات السبع والعشر.
24. آداب البحث والمناظرة.
25. السيرة.
رابعا: وظائفه
بَعْدَ أن استكمل الْقَاضِي زكريا الأنصاري الأدوات التِي مكنته من مزاولة نشاطه العلمي، وبعد أن تبوأ الصدارة بَيْنَ معاصريه ومنافسيه، فَقَدْ أُسندت إِلَيْهِ مهمات عدة، وهي:
1. التدريس بمقام الإِمَام الشَّافِعِيّ. قَالَ العيدروسي: وَلَمْ يَكُنْ بمصر أرفع منصباً من هَذَا التدريس.
2. مشيخة خانقاه الصوفية.
3. منصب قاضي القضاة، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ امتناع طويل، في سلطنة خشقدم ولما ولي السلطنة قايتباي أصر عَلَى توليه قضاء القضاة فقبل، وَكَانَ ذَلِكَ في سنة 886 ه، واستمر مدة ولاية قايتباي وبعده.
وذكر العيدروسي أن سبب عزله عَنْ هَذَا المنصب إصابته بالعمى، وجمهور الفقهاء على أن الْقَاضِي يعزل بفقدان البصر، في حِيْنَ أن الغزي والشوكانِي يذكران أن سبب عزله زجر السلطان عَنْ ظلمه، وأغلب الظن أن هَذَا السلطان هُوَ مُحَمَّد ولد السلطان قايتباي الَّذِي تسلطن بَعْدَ والده.
وتحديد وقت عزله يكتنفه الغموض، لا سيما عَلَى رِوَايَة الغزي والشوكاني، ولكنها لا تتعدى سنة 904 ه فهي السنة التِي قتل فِيْهَا السلطان مُحَمَّد بن السلطان قايتباي، وَلَكِن الشوكاني يجزم أن عزله كَانَ سنة 906 ه، وَلَمْ تذكر المصادر التِي بَيْنَ أيدينا تحديداً لتاريخ فقده لبصره، وَكَانَ السلطان قَدْ طلب مِنْهُ العودة إِلَى منصبه لكنه رفض، إِلَى حِيْنَ نكبته فترك السلطان الإلحاح عَلَيْهِ.
وذكر الشعراني أن الْقَاضِي زكريا كَانَ يعتبر توليه القضاء: غلطة.
4. قَالَ الغزي: وولي الجهات والمناصب.
5. وَقَالَ العيدروسي: ولي تدريس عدة مدارس رفيعة.
6. وَقَالَ الشوكاني: ودرّس في أمكنة متعددة.
خامسا: ثناء الْعُلَمَاء عَلَيْهِ
تمتع الْقَاضِي زكريا – زيادة عَلَى مكانته العلمية – بأخلاقه العالية التِي حببته إِلَى قلوب العباد، فانطلقت ألسنتهم بالثناء عَلَيْهِ، وذكر محاسنه وشيمه، وإذا رحنا نستقصي ما قَالَ الناس فِيْهِ أطلنا المقام، لذا سنقتصر عَلَى نبذ مِنْهَا:
1. قَالَ الغزي: الشَّيْخ الإِمَام، شيخ مشايخ الإسلام، علامة المحققين، وفهامة المدققين، ولسان المتكلمين، وسيد الفقهاء والمحدّثين، الحَافِظ المخصوص بعلو الإسناد، والملحق للأحفاد بالأجداد، العالم العامل، والولي الكامل.
2. وَقَالَ العيدروسي: الشَّيْخ الإِمَام العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة.
3. وَقَالَ السخاوي: لَهُ تهجد وتوجه وصبر واحتمال، وترك القيل والقال، وله أوراد واعتقاد وتواضع وعدم تنازع، وعمله في التودد يزيد عَن الحد، ورويته أحسن من بديهته وكتابته أمتن من عبارته، وعدم مسارعته إِلَى الفتوى تعدُّ من حسناته.
4. وَقَالَ أَيْضاً: وَلَمْ ينفك عَنْ الاشتغال عَلَى طريقة جميلة من التواضع وحسن العشرة والأدب والعفة، والانجماع عَنْ بني الدنيا مَعَ التقلل وشرف النفس ومزيد العقل وسلامة الباطن والاحتمال والمداراة.
5. وَقَالَ العيدروسي: ويقرب عندي أنه المجدد عَلَى رأس القرن التاسع لشهرة الانتفاع بِهِ وبتصانيفه.
6. قَالَ السيوطي: لزم الجد والاجتهاد في القلم والعلم والعمل، وأقبلَ عَلَى نفع الناس إقراءً وإفتاءً وتصنيفاً، مَعَ الدين المتين، وترك ما لا يعنيه، وشدة التواضع ولين الجانب، وضبط اللسان والسكوت.
7. وَقَالَ ابن حجر الهيتمي: وقدّمت شيخنا زكريا لأنه أجلُّ مَنْ وقع عَلَيْهِ بصري من الْعُلَمَاء العاملين والأئمة الوارثين، وأعلى من عَنْهُ رويت من الفقهاء والحكماء المسندين، فَهُوَ عمدة الْعُلَمَاء الأعلام، وحجة الله عَلَى الأنام، حامل لواء مذهب الشَّافِعِيّ عَلَى كاهله، ومحرر مشكلاته وكاشف عويصاته في بكرته وأصائله، ملحق الأحفاد بالأجداد، المتفرد في زمنه بعلو الإسناد، كيف وَلَمْ يوجد في عصره إلا من أخذ عَنْهُ مشافهة أَوْ بواسطة أَوْ بوسائط متعددة، بَلْ وقع لبعضهم أنه أخذ عَنْهُ مشافهة تارة، وعن وغيره مِمَّنْ بينه وبينه نحو سبع وسائط تارة أخرى، وهذا لا نظير لَهُ في أحد من عصره، فنعم هَذَا التميز الَّذِي هُوَ عِنْدَ الأئمة أولى وأحرى؛ لأنَّه حاز بِهِ سعة التلامذة والأتباع، وكثرة الآخذين عَنْهُ ودوام الانتفاع.
8. وَقَالَ ابن العماد: شيخ الإسلام قاضي القضاة زين الدين الحَافِظ.
9. وَقَالَ الأدنروي: مفتي الشافعية العالم الفاضل الْقَاضِي.
سادسا: آثاره العلمية
وظَّف الْقَاضِي زكريا الأنصاري معرفته العلمية في التأليف إِلَى جانب التدريس، وخلال المئة سنة التِي عاشها استطاع أن يترك لنا جملة كبيرة من المصنفات، الأمر الَّذِي دفع الشوكاني للقول بأن: لَهُ شرح ومختصرات في كُلّ فن من الفنون.
وَقَدْ عنى الشوكاني بكلمته هَذِهِ، أن الْقَاضِي خاض غمار فنون العلوم عَلَى اختلاف ماهياتها فمن اللغة إِلَى المنطق، ومن الكلام إِلَى الْحَدِيْث، ومن الفقه إِلَى القراءات، ومن التصوف إِلَى التفسير، ومن أصول الفقه إِلَى الفرائض، وهكذا تنوعت طبيعة مؤلفاته.
وَلَيْسَ عجباً أن تكثر مصنفاته، فعلى حد تعبير الغزي إذ يَقُوْل: وجملة مؤلفاته 41 مؤلفاً تقريباً، إِذْ كَانَ شغله الشاغل التدريس والتصنيف، وَقَدْ وقفنا عَلَى ذكر لما يربو من 50 مصنفاً في شتى صنوف الْمَعْرِفَة، هِيَ:
1. أحكام الدلالة عَلَى تحرير الرسالة. شرح فِيْهِ الرسالة القشيرية في التصوف.
2. أدب الْقَاضِي عَلَى مذهب الإِمَام الشَّافِعِيّ.
3. أضواء البهجة في إبراز دقائق المنفرجة. شرح عَلَى القصيدة المنفرجة.
4. بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب. شرح عَلَى مَتْن شذور الذهب في النحو لابن هشام.
5. بهجة الحاوي. شرح عَلَى " الحاوي الصغير " للقزويني في الفقه.
6. تحرير تنقيح اللباب. اختصار ل " تنقيح اللباب " في الفقه.
7. تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب. شرح لمختصره السابق.
8. لب الأصول.
9. التحفة العلية في الخطب المنبرية.
10. تحفة نجباء العصر في أحكام النون الساكنة والتنوين والمد والقصر.
11. تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية للزركشي.
12. تلخيص أسئلة القرآن وأجوبتها لأبي بكر الرازي صاحب مختار الصحاح.
13. حاشية عَلَى شرح ابن المصنف عَلَى ألفية ابن مالك في النحو.
14. حاشية عَلَى شرح البهجة لولي الدين بن العراقي.
15. حاشية عَلَى شرح المحلي عَلَى جمع الجوامع.
16.حاشية عَلَى شرح المقدمة الجزرية.
17. خلاصة الفوائد الحموية في شرح البهجة الوردية.
18. الدرر السنية في شرح الألفية، في النحو لابن مالك.
19. الدقائق المحكمة في شرح المقدمة، للجزري.
20. ديوان شعر.
21. الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة.
22. شرح البسملة والحمدلة.
23. شرح الجامع الصَّحِيْح للبخاري.
24. شرح الروض لابن المقريء.
25. شرح الشمسية في المنطق.
26. شرح صَحِيْح مُسْلِم.
27. شرح طوالع الأنوار للبيضاوي في علم الكلام.
28. شرح مختصر المزني.
29. شرح المقدمة الجزرية.
30. شرح المنهاج للبيضاوي في أصول الفقه.
31. غاية الوصول إِلَى شرح الفصول. في الفرائض.
32. الغرر البهية بشرح البهجة الوردية.
33. فتح الإله الماجد بإيضاح شرح العقائد. حاشية عَلَى شرح العقائد النسفية.
34. فتح الباقي بشرح ألفية العراقي.
35. فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنْزيل.
36. فتح رب البرية في شرح القصيدة الخزرجية. في علم العروض.
37. فتح الرَّحْمَان بشرح رسالة الولي رسلان في التوحيد.
38. فتح الرَّحْمَان بشرح لقطة العجلان في الفقه للزركشي.
39. فتح الرَّحْمَان بكشف ما يلتبس من القرآن.
40. فتح العلام بشرح أحاديث الأحكام.
41. فتح الوهاب بشرح الآداب آداب البحث والمناظرة.
42. فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب.
43. الفتحة الأنسية لغلق التحفة القدسية في الفرائض.
44. الفتوحات الإلهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية.
45. اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم.
46. المطلع في شرح ايساغوجي في المنطق.
47. المقصد لتلخيص ما في المرشد في القراءات.
48. مناهج الكافية في شرح الشافية في الصرف.
49. منهج الوصول إِلَى تخريج الفصول في الفرائض.
50. نِهاية الهداية في شرح الكفاية في الفرائض.
51. نَهج الطلاب في منهاج الطالبين للنووي في الفقه.
منقول عن روض الرياحين مع بعض التصحيحات