د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- انضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 8,678
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ندوة في فقه النوازل في الغرب الإسلامي
نظمت شعبة الدراسات الإسلامية و وحدة الدراسات المنهجية الشرعية في الغرب الإسلامي، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل، بقنيطرة المغرب الأقصى، ندوة وطنية في موضوع: "فقه النوازل في الغرب الإسلامي، تاريخا و منهجا" يوم الأربعاء 18 ذي الحجة 1421هـ / 14 مارس 2001م.بمشاركة نخبة من الأساتذة من الجامعات المغربية. و تعد هذه الندوة أول ندوة تعقد في موضوع "فقه النوازل" بالمغرب.
وعلى هامش الندوة أجرينا هذا الحوار مع أستاذين شاركا في الندوة، هما: الأستاذ الدكتور محمد التمسماني،حاصل على دكتوراه الدولة في موضوع:"الاجتهاد الذرائعي و أثره في الفقه الإسلامي: المذهب المالكي نموذجا". و الأستاذ الدكتور توفيق الغلبزوري،حاصل على دكتوراه الدولة في موضوع:"المدرسة الظاهرية بالمغرب والأندلس: نشأتها، أعلامها، أصولها، وأثرها"، و هما أستاذا الفقه و أصوله بكلية أصول الدين بمدينة تطوان بالمغرب.
و فيما يلي نص الحوار:
بداية نرحب بالأستاذين الفاضلين: الدكتور محمد التمسماني، والدكتور توفيق الغلبزوري، في موقع الشبكة الإسلامية على الإنترنت.
س1: ما معنى النوازل؟ و ما المراد بفقه النوازل، و كتب النوازل؟
ج (الأستاذ توفيق الغلبزوري):النوازل؛ جمع نازلة، و هذا مصطلح اختص به الغرب الإسلامي، و كتب النوازل تعددت أسماؤها فسميت النوازل، و الفتاوى، و هما الاسمان الشائعان في الغالب، و دُعيت كذلك: المسائل، و الأسئلة، والأجوبة، و الجوابات، والأحكام، و تسمى في بلاد العجم مما وراء النهر "الواقعات". و هي عبارة عن مؤلفات فقهية حرّر مادتها العلمية قضاة أو مفتون أو مُشَاوَرون في موضوع أحداث واقعية رفعت إليهم للبت فيها أو لبيان الحكم الشرعي فيها، في الغرب الإسلامي، على مذهب الإمام مالك، طبعا، أو رفعت إليهم لإبداء رأيهم في صحة أو عدم صحة تطبيق النصوص الفقهية عليها من جانب قاض أو مفت آخر.
تبتدئ كل نازلة بسؤال يختصر غالبا من طرف المفتي أوجامع الفتاوى، و قد يطول حين يُترك بصيغته الأصلية على ما فيه أحيانا من ضعف لغوي و تركيبي، فيكون أفيد لتصوير تفاصيل النازلة المتحدث عنها. و تتوالى الفتاوى في بعض كتب النوازل بحسب صدورها عن الشيخ دونما ترتيب، و تصنف في كتب أخرى بحسب الموضوعات التي تتحدث عنها تصنيفا فقهيا من عبادات أو معاملات على ما هو المعهود من كتب الفقه العامة. و قد يموت الشيخ المفتي النوازلي دون أن يؤلف فتاواه في كتاب فيقوم أحد تلاميذه بجمعها و ترتيبها، و تسمى عادة، مثلُ هذه الكتب بالنوازل أو الفتاوى المجموعة مع نسبتها دائما إلى صاحبها. و هناك فتاوى أخرى يموت صاحبها دون أن يدونها في كتاب، و لا ينهض غيره ليجمعها، فتبقى مبعثرة يحفظها تلاميذ الشيخ و معاصروه، و تروى عنه في الفهارس و البرامج بالسند، و ينقلها المؤلفون المتأخرون في كتبهم، و هذا النوع هو الغالب في النوازل الأندلسية، لا سيما بالنسبة للفقهاء المتقدمين.
و لكتب النوازل فائدة كبيرة للمشتغلين بالفقه و أصوله، بل تعدتهم إلى غيرهم من المختصين في سائر العلوم الإنسانية و الدراسات الاجتماعية و الاقتصادية، لا سيما منها التاريخية، حتى قال بعض المؤرخين المعاصرين:"أصبح كل عمل تاريخي يتجاهل هذا النوع من المصادر عملا غير تام".
س2: أستاذ محمد التمسماني،ماذا يمكن أن تضيفه في تعريف النازلة و فقه النوازل؟ ثم لماذا الغرب الإسلامي بالذات؟ ألم يكن في الشرق الإسلامي فقه نوازل، أم أنه إحياء و بعث "لعقدة" الشرق و الغرب؟
ج: مما لا شك فيه أن الإفتاء منصب عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل، فالمفتي موقع عن الله، و كما قال الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات:"المفتي هو قائم مقام النبي"، و لقد عرف سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عنهم، من الصحابة و التابعين، للإفتاء و الفتوى عظيم المنزلة فتهيبوه و تورعوا عنه، و تدافعوه بينهم. و الجدير بالذكر أن اهتمام المالكية في الغرب الإسلامي منذ أن دخل المذهب المالكي إلى الغرب الإسلامي، اهتمام بالغ، و جريا على ما عرف به المغاربة من الميل إلى الابتكار و الاستقلال فإنهم ابتكروا في الفتوى اتجاها و مسلكا خاصا بهم انفردوا به عن غيرهم. هذا الاتجاه هو ما يمكن أن نصطلح على تسميته بـ "الاتجاه النوازلي"، و لهذا الاتجاه النوازلي معالمه، و خصائصه، و طرائقه، و مناهجه، و رجاله. و هو اتجاه انفرد به الفقهاء المالكية في الغرب الإسلامي دون غيرهم من الفقهاء في المشرق الإسلامي. نعم كان هناك فقه الفتوى، هذا الفقه كان مشتركا بين علماء المغرب و علماء المشرق، و لكن هذا الاتجاه النوازلي انفرد به المغاربة عن غيرهم، و هو السر في إصرارهم على تسمية كتبهم في هذا الباب بالنوازل، فهم يقولون: نزلت نازلة، أو وقعت، أو حدثت. و هذا لا شك أن له ارتباطا بتأثرهم بمنهج الإمام مالك رحمه الله تعالى في باب الإفتاء.
س3: إذا أردنا أن نتحدث عن تاريخ فقه النوازل في الغرب الإسلامي، ما الذي يمكن قوله عن المراحل التي درج عبرها؟ و هل عرف ضمورا و فتورا في مراحل معينة؟
ج (الأستاذ الغلبزوري): فقه النوازل يتحرك بحركة المجتمع و الحضارة، فكلما تطور المجتمع و تطورت الحضارة تطور معها هذا النوع من الفقه، و كلما عرفت الحركة الحضارية سكونا و جمودا جمد هذا النوع من الفقه، فهو يتطور بتطور الحياة.
و قد عرف هذا النوع من الفقه "فقه النوازل" في الغرب الإسلامي مراحل، لكل مرحلة صبغة خاصة. فعلى سبيل المثال: فقه النوازل في العصور المتقدمة في الغرب الإسلامي، لا سيما مع تلامذة الإمام مالك من الأئمة الكبار كيحيى بن يحيى الليثي، و زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون، و الغاز بن قيس، و عبد الرحمن بن دينار، و أخيه عيسى بن دينار و أبنائهم و حفدتهم الذين توارثوا الرياسة و الفقه في الأندلس أجيالا عديدة، و كانوا ملء سمع الأندلس و بصرها، في هذا العهد لم تدون هذه النوازل و الفتاوى في كتاب، أو دون بعضها و ضاع. فهذا لم يكن عصر التدوين لهذا النوع من الفقه، لكن كان ينقل بالرواية و السند، و يُعنى به العلماء و ينقلونه في فهارسهم، و برامجهم، و مشيخاتهم و غيرها.
في عصر المرابطين كان اتجاه الفروع هو الغالب على فقه النوازل، فتجد النوازل فيها استدلال بأقوال أئمة المذهب ورجاله، لا سيما أقوال ابن القاسم و غيرها من أقوال مالك، و قلما تستدل بنصوص الكتاب و السنة أو بالأدلة من أصول الفقه، و إنما تستدل غالبا بأقوال الرجال. و إذا انتقلنا إلى مرحلة أخرى، و هي زمن الموحدين، و مجيء الدولة الموحدية، و جدنا أن هذه الدولة التي أحرقت كتب المذهب و شجعت على الاجتهاد و النظر، جعلت كتب النوازل تقفز قفزة أخرى، ذلك أنك تجد في كتب النوازل خلال هذه المرحلة الاستدلال و الاجتهاد و النظر، و الأخذ بالظاهر، لأن الدولة كانت تنحو هذا المنحى.
إذا انتقلنا إلى عهد الدولة النصرية نجد أن فقه النوازل قد أخذ طابعا آخر فبدأت الفتاوى تميل إلى نوع ما يسمى اليوم "فتاوى سياسية" حيث نجد تعيين علاقة المسلمين بالنصارى، و تعيين علاقة المسلمين باليهود، و حكم الردة، لأن بعض المسلمين في الأندلس ارتد عن الإسلام قهرا و إكراها، فكانت كتب النوازل في هذه المرحلة تنحو هذا المنحى.
فإذن، النوازل تتطور و تتغير بتغير المجتمع و تطوره، و لكل مرحلة نوع خاص من النوازل و من الفتاوى.