المقال منقول كاملا أرجو أن يفيدك في الموضوع
المدرسة المالكية الصقلية تاريخها وأعلامها وعلاقتها بالمدرسة البغدادية
ذ. سعد بنيحيى
منذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، أخذت العلوم الشرعية في الانتشار ببقاع الجزيرة الصقلية، حيث دخل المذهب المالكي هناك على يد ثلة من أصحاب سحنون وتلامذته
.
كان عبد الله بن حمدون الكليبي الصقلي المتوفى سنة 270هـ للهجرة، أحد من سمع من سحنون، ينشر مذهب مالك بصقلية (انظر ترتيب المدارك4/219)، وكان من أصحابه أيضا الفقيه دعامة بن محمد الذي ولي القضاء لبني الأغلب 298هـ وسليمان بن سالم القاضي من أصحاب سحنون، ولي القضاء بصقلية ومات بها، وعنه انتشر الفقه بصقلية (طبقات الفقهاء 1/162)، وكان لقمان بن يوسف الغساني يدرس المدونة ويأخذها في اللوح مدة أربع عشرة سنة أقامها في صقلية، ويقال إنه كان عالما باثني عشر صنفا من العلوم. (انظر رياض النفوس: 2/193)
وكان أبو عمرو ميمون بن عمرو بن المعلوف، من أصحاب سحنون أيضا، ومعدود فيهم ذا دين وفضل، ولي مظالم القيروان ثم قضاء صقلية، توفي سنة 310هـ (ترتيب المدارك: 5/110-111) وهكذا بدأت المدرسة المالكية تثبت أركانها بصقلية على يد هؤلاء الشيوخ الذين أدخلوا المدونة إليها بعد الفتح بقليل، فقاموا بتدريسها واختصارها وشرحها، وبينوا ما فيها من غريب، ونسجوا على منوالها.
حلقات الدرس الفقهي بصقلية
كما اعتنت حلقات الدرس الفقهي بصقلية بموطا مالك وغيره من المؤلفات، ككتاب الملخص لأبي الحسن القابسي، والذي لخص فيه ما اتصل إسناده من أحاديث الموطا، ومثل هذه الكتب كانت تصل إلى صقلية في الغالب عن طريق المدرسة المالكية القيروانية من الضفة المقابلة.
ومع نهاية القرن الرابع الهجري، بدأت المدرسة الفقهية بصقلية بإصدار مصنفاتها الفقهية، فقد ألف أبو سعيد البراذعي كتاب التهذيب في اختصار المدونة سنة 372هـ بصقلية، فتعقبه عبد الحق الصقلي واستدرك عليه في كتاب سماه: "تهذيب الطالب وفائدة الراغب"، كما ألف كتاب: "النكت والفروق لمسائل المدونة والمختلطة" في أوائل القرن الخامس 418هـ وصنف أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس المتوفى سنة 451هـ كتاب: "الجامع" والذي أضاف فيه إلى المدونة غيرها من الأمهات الفقهية.
وفي النصف الأول من هذا القرن، دخلت إلى صقلية مؤلفات فقهية أخرى، ككتاب: "التقريب" لأبي القاسم خلف بن بهلول البربلي ت 444هـ وقد عول فيه على نقل ابن أبي زمنين في لفظ المدونة، واستعمله الطلبة للمذهب في المناظرة، وانتفعوا به، حتى قال بعضهم: من أراد أن يكون فقيها من ليلته، فعليه بكتاب البربلي.
ويحكي القاضي عياض: لما أكمل خلف ابن القاسم بن بهلول البربلي كتابه، دخلت منه نسخة صقلية وعبد الحق بها، فلما قرأه ونظر فيه إلى أقواله وما أدخله فيه من الكتب استحسنه، وأراد شراءه فلم يتيسر له ثمنه، فباع حوائج من داره واشتراه، فغلا الكتاب وتنافس فيه الناس عند ذلك. (ترتيب المدارك: 8/164)
علماء صقلية
وقد تخرج من هذه المدرسة علماء كبار أفذاذ مثل:
أبو بكر عتيق بن عبد الجبار الربيعي الفرضي الصقلي
فقيه فاضل أديب في القرآن والفرائض، وتفقه عليه في المدونة، وكان إماما في علم الفرائض وعنه أخذها أهل صقلية.
أبو بكر بن أبي العباس
فقيه صقلية ومدرسها، أخذ عن أبي محمد بن أبي زيد، وأخذ عنه ابن يونس.
أبو عبد الله ىمحمد بن فرج المازري المعروف بالذكي الصقلي، سكن قلعة بني حماد، وكان فقيها حافظا، مدركا نبيلا، فهما متقدما في علم المذهب واللسان، متفننا في علوم القرآن وسائر المعارف، توفي بأصبهان بعد الخمسمائة. (ترتيب المدارك: 8/101)
أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري
الفقيه المالكي ت 536هـ. له تآليف مفيدة، عظيمة النفع، في الفقه والأصول والأدب، منها: "المعلم بفوائد مسلم"، و"التعليقة على المدونة"، و"شرح التلقين للقضي عبد الوهاب البغدادي"، و"شرح البرهان لأبي المعالي الجويني، سماه: "إيضاح المحصول في برهان الأصول".
عبد المنعم بن الحسين الجرشي العتقي
من أهل صقلية، يكنى أبا أحمد، كان فقيها مالكيا جليلا، ذكره أبو مروان الطبني، وقال: لقيته بالمدينة من صقلية، وناهيك به تماما وفضلا، وقد دخل إلينا الأندلس قبل حركتي إلى المشرق، وعلقت عنه فوائد عجيبة ونكتا حسانا.
كما ظهر بصقلية من له علم بالصول وعلم الكلام، كأبي محمد المعروف بابن صاحب الخميس الصقلي، وهو فقيه متكلم أصولي، فاضل مشهور موضعه، ذكره الميورقي فقال: كان فقيها متكلما إمام في علم الأصول، نافذا في علم الفروع، متورعا عن الفتيا. قال: هو أكبر من لقيت بصقلية، وكذلك أبو العباس أحمد بن محمد بن الجزار، قال عنه القاضي عياض: صقلي مشهور، مقدم ببلده، انفرد برئاسة الفتيا، والشهرة بالخير، والديانة والصيانة، وكان من أهل التحقيق بالفقه والأصول. (ترتيب المدارك: 8/75)
وعلى العموم، فإن الحركة العلمية بصقلية أخذت في الازدهار، لولا الفتن التي عمت الجزيرة منذ مطلع القرن الخامس الهجري، والتي تسببت في هجرة عدد كبير من العلماء إلى مصر وتونس وغيرها من الأمصار التي كانت تشهد استقرارا نسبيا آنذاك، ومع ذلك فقد احتفظت لنا كتب التراجم ببعض العلوم التي اشتغل بها الصقليون إلى جانب الفقه المالكي وخدمة أصوله المعتمدة.
و هذا رابط البحث : المدرسة المالكية بصقلية
http://www.malikiya.ma/medias/docs/almadrassa_seqiliya.pdf