أبو حزم فيصل بن المبارك
:: عضو مؤسس ::
- إنضم
- 27 مارس 2008
- المشاركات
- 365
- التخصص
- أصول الفقه
- المدينة
- قسنطينة
- المذهب الفقهي
- حنبلي
الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع الفقهية
"دراسة تأصيلية"
للدكتور
عبد السلام بن محمد الشويعر
عضو هيئة التدريس في كلية الملك فهد الأمنية قسم العلوم الشرعية.
** نشر البحث في مجلة مجلة البحوث الإسلامية التي تصدرها دار الإفتاء في المملكة العدد67ص 293-323
"دراسة تأصيلية"
للدكتور
عبد السلام بن محمد الشويعر
عضو هيئة التدريس في كلية الملك فهد الأمنية قسم العلوم الشرعية.
** نشر البحث في مجلة مجلة البحوث الإسلامية التي تصدرها دار الإفتاء في المملكة العدد67ص 293-323
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . . أما بعد فإن مسألة ( الاعتداد بخلاف الظاهرية في الفروع الفقهية ) من المسائل التي يحتاجها الفقيه وتعرض له ، خصوصا عند نظره في الخلاف العالي بين المذاهب الفقهية ، فكثيرا ما يتوقف الناظر عند بعض المسائل الفقهية التي انفرد بها الظاهرية عن جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة ، وذلك بسبب اختلاف أصول هذا المذهب عن البقية باعتماده على ظواهر النصوص وعدم عمله بالقياس ، إضافة لما في شخصية بعض المنتسبين إليه من التميز سواء في سلاسة العبارة وقوة الحجة ، أو شدة التعبير على المخالفين حتى قورن أحيانا بسيف الحجاج شدة وبطشا ، مما يجعل البعض يتوقف عند هذا المذهب وأصحابه وقفة إعجاب أحيانا ، أو حنق أحيانا أخرى ، أو توسطا بين ذلك توقف نظر وتأمل . فلذلك عمد بعض الباحثين لهذه المفردات فجمعها ، واعتنى بدراستها لكن من الناحية الفقهية فقط .
ولما لم أقف على من أفرد النظر في هذه المفردات من ناحية تأصيلية ، من حيث اعتمادها والاعتداد بها مع ما يراه المطالع لكتب كثير من الفقهاء- مع جلالة قدرهم- عندما يحكون خلافا شاذا للظاهرية يتبعونه بعبارة مؤداها (أن خلاف الظاهرية غير معتبر) مع اختلاف في البناء والصياغة لهذا المعنى؛ ففي حين يكتفي البعض بهذا الرد عن مقارعتهم بالحجة والبرهان ، يزيد آخرون ببعض الأوصاف والنعوت الغريبة لهذا المذهب الفقهي ، حتى صارت هذه طريقة للبعض لرد خلاف الظاهرية دون النظر في دليلهم وتعليلهم ، بل وصمها بعض العلماء بأنها: ( طريقة القاصرين ، إذا أعيتهم الأدلة ادعوه على منازعهم ، ولا يليق ذلك بأئمة التحقيق ).
فأردت البحث في هذه المسألة ، وهل هي مسألة مسلمة بين الفقهاء ، أم هي من مواضع النزاع بينهم؟ وزاد عزمي ما سبق
بيانه من عدم وقوفي على من أفرد بحثها ، مع أهميتها .
فجمعت شتات هذه المسألة من غير مظانها ، من بطون الكتب ، وخبايا الزوايا بحسب المستطاع ، فإن هذه المسألة اشترك في بحثها شراح الأحاديث ، وعلماء الفقه عند ذكرهم لخلافات الظاهرية في الفروع الفقهية- وذكرها علماء الأصول- في مباحث الإجمـاع ، والقياس ، والاجتهاد والتقليد ، وغيرها من المباحث ، بل وكان للمؤرخين نصيب في ذكر هذه المسألة- كما سيأتي- . فسطرت هذا البحث جمعا للمتفرق ، وتوليفا لهذا الشتات ، سائلا الله تعالى التوفيق والسداد .
وجعلته في أربعة مباحث:
الأول : تحرير محل النزاع في المسألة .
الثاني : سبب الخلاف في المسألة .
الثالث : خلاف أهل العلم في المسألة ، وأدلتهم ، والترجيح .
الرابع : أمثلة تطبيقية لخلاف الظاهرية .
المبحث الأول : تحرير محل النزاع في المسألة ؛ (مشكلة البحث):
المقصود بهذا البحث خلاف الظاهرية في المسائل الفقهية الفرعية ، دون غيرها من المباحث ، كخلافهم في بعض المباحث الأصولية ، أو خلاف بعضهم في بعض المباحث العقدية .
والمسائل الفرعية التي يبدي فيها الظاهرية رأيهم الفقهي لا تخلو من ثلاث حالات:
1 - أن يكون رأي الظاهرية موافقا لرأي المذاهب الفقهية الأربعة ، أو أحدها . فهنا لا خلاف في اعتبار رأيهم ؛ لأنهم مسبوقون إليه .
2 - أن يكون من مفرداتهم عن المذاهب الأربعة ، ولم يوافقهم عليه أحد من الأئمة الأربعة ، ولا هو قول عند أصحابهم ، لكن قال به أحد العلماء المعتبرين من الصحابة ، أو التابعين ، فمن بعدهم .
فهذه مسألة خارجة عن محل البحث؛ لأنها داخلة في مسألة حكم تقليد الميت ، وما إذا كان هناك خلاف في مسألة على قولين ، ثم حدث إجماع على أحدهما ، فهل يكون هذا الإجماع رافعا للنزاع ، أم لا؟ ، وفيهما نزاع مشهور .
3 - أن يغرب فقهاء الظاهرية باختيار قول لم يسبقهم إليه أحد من علماء المسلمين المعتبرين ، سواء كان العلماء مجمعين على خلافه ، أو لهم أقوال سوى قول الظاهرية ، فهل يعتد بهذا القول ، أم لا؟
فهذا هو محل النزاع ، وهي الحالة التي يراد بحثها في هذا المبحث ، وما عداها لا يخلو من أحد الأقسام الماضية ، وهي خارجة عن محل البحث .
المبحث الثاني: سبب الخلاف في المسألة :
سبب خلاف العلماء في الاعتداد بخلاف الظاهرية فيما أغربوا فيه ، هو أن من أعظم أصول الظاهرية التي شذوا بها عن باقي العلماء إنكار القياس ، وعدم العمل به .
وقد نقل بعض العلماء الإجماع على إعمال القياس ، فهل يكون الظاهرية بفعلهم هذا قد خالفوا الإجماع ، وأنكروا ظواهر النصوص؟ فخرجوا عن أصول أهل السنة ، فلا يعتد بخلافهم ؛ كما لا يعتد بخلاف باقي الفرق الضالة ، كالخوارج والإمامية ، وغيرهم ، وأنهم- على أقل تقدير في رأي البعض- بعدم عملهم بالقياس تركوا معلوما لدى أهل العلم ، وطريقا من طرق الاستنباط المتفق عليها ؛ فأشبهوا العوام فلا يعتد بخلافهم . . أم أنهم بفعلهم هذا لم يخالفوا جماعة المسلمين ، ولا يعدو قولهم أن يكون من الاجتهاد السائغ بين المسلمين . وقد يكون سبب خلافهم هو المسألة الأصولية: ((إذا أجمع المسلمون على أن في المسألة قولين ، أو أكثر ، فهل يجوز إحداث قول ثالث)) .
ولكن هذا في بعض المسائل ، وليس كليا؛ لأنه توجد مسائل شذ الظاهرية بقول ، ولا يعلم للمتقدم فيها رأي .
المبحث الثالث: خلاف أهل العلم في المسألة ، وأدلتهم ، والترجيح .
اختلف أهل العلم القائلون بالقياس - رحمهم الله- في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول : أن خلافهم غير معتبر ، وليس معتدا به مطلقا .
وهو منسوب لجمهور أهل العلم ، حكاه أبو إسحاق الاسفرائيني (ت 316 هـ) عن جمهور أهل العلم ، وذكر أبو العباس القرطبي (ت 656 هـ) أن جل الفقهاء والأصوليين على أنه لا يعتد بخلافهم . وقال النووي (ت 676 هـ) : (( ومخالفة داود لا تقدح في الإجماع عند الجمهور )) ، وقال في موضع آخر : (( ومخالفة داود لا تضر في انعقاد الإجماع ؛ على المختار الذي عليه المحققون والأكثر )) .
وقال بدر الدين الزركشي (ت 794 هـ) : (( ولم يعدهم المحققون من أحزاب الفقهاء . . . وأخرجوهم من أهل الحل والعقد )) .
وحكاه ابن دقيق العيد (ت 702 هـ) ، والصنعاني (ت 1182 هـ) عن بعض الناس .
وممن وقفت على قوله من أهل العلم موافقا لهذا القول ، أبو الحسن الكرخي (ت 340 هـ) ، وأبو بكر الجصاص الرازي (ت 370 هـ) ، والحموي (ت 1098 هـ) . ، وابن عابدين (ت 1252 هـ) من الحنفية .
ومن المالكية : القاضي أبو بكر الباقلاني (ت 403 هـ) ، وابن بطال (ت 449 هـ) (شرح صحيح البخاري، لابن بطال 1 \ 352.) ، والقاضي أبو بكر ابن العربي (ت 543هـ) ، وأبو العباس القرطبي (ت 656 هـ) (المفهم لأبي العباس القرطبي 1 \ 543.) ، والدرديري (ت 1201 هـ) (بلغة السالك لأقرب المسالك، للدرديري 2 \ 389.) ، وعليش (ت 1299 هـ) .
وبه قال من الشافعية أبو العباس بن سريج (ت 306 هـ) (انظر كتاب: (المحمدون من الشعراء للقفطي 2 \ 427). ، والأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني (ت 316 هـ) ، وأبو علي بن أبي هريرة ( ت 345 هـ ) ، والقاضي أبو الحسن المروزي ( ت 462 هـ ) ، وأبو المعالي الجويني ( ت 478 هـ ) ((البرهان ، للجويني 2 \ 819 - في مبحث مسالك العلة - ، وانظر : فيض القدير للمناوي 6 \ 226 )) ، وأبو حامد الغزالي ( ت 505 هـ ) (البحر المحيط 4 \ 472 ، حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2 \ 242 ). ، وحكي عن النووي ( ت 676 هـ ) الجزم بعدم الاعتداد بقولهم ، ورجح هذا القول صلاح الدين الصفدي ( ت 826 هـ ) (الوافي بالوفيات ، للصفدي 13 \ 475) . ، وولي الله العراقي ( ت 826 هـ ) (طرح التثريب شرح التقريب ، لولي الله العراقي 2 \ 37 ). ، ونقله أبو منصور البغدادي ( ت 429 هـ ) عن طائفة من متأخري الشافعيين .
وقال به نجم الدين الطوفي ( ت 716 هـ ) من الحنابلة (التعيين في شرح الأربعين ، للطوفي ص 244 )..
والحافظ أبو بكر ابن مفوز ( ت 505 هـ ) من علماء الحديث .
القول الثاني : أن خلافهم معتبر مطلقا .
وممن قال به القاضي عبد الوهاب البغدادي من المالكية ( ت 422 هـ ) (قاله في كتاب ( الملخص ) ، ونقله عنه الزركشي في ( البحر المحيط 4 \ 472 ) ..
وبه قال من الشافعية أبو منصور البغدادي الشافعي ( ت 429 هـ ) ؛ وحكى أنه الصحيح من مذهب الشافعية ، ونسب هذا القول لأبي عمرو ابن الصلاح ( ت 650 هـ ) ، وقال به الذهبي ( ت 748 هـ ) (سير أعلام النبلاء ، للذهبي 13 \ 104 ). ، وابن السبكي ( ت 771 هـ ) ، ( وهو الذي استقر عليه الأمر آخرا كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين ) قاله ابن الصلاح ( الفتاوى ص 67 ) ، والنووي ( تهذيب الأسماء واللغات 1 \ 183 ) . .
وهو رأي كثير من الحنابلة .
واختاره غير واحد من المحققين ؛ كالعلامة ابن القيم ( ت 751 هـ ) ، والصنعاني ( ت 1182 هـ ) (العدة ، للصنعاني 1 \ 140 ). ، والشوكاني ( ت 1250 هـ ) (إرشاد الفحول ، للشوكاني ص 71) . ، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي ( ت 1393 هـ ) (نثر الورود على مراقي السعود ، للشنقيطي 2 \ 428 ، أضواء البيان . ونسبه للمحققين من علماء الأصول ).
القول الثالث : أن خلافهم معتبر في غير المسائل القياسية ، وأما المسائل القياسية فلا اعتبار بقولهم .
وهو قول أبي الحسن الأبياري ( ت 618 هـ ) (نقله عنه في ( البحر المحيط 4 \ 473 ) . .
القول الرابع : أن خلافهم معتبر فيما خالف القياس الخفي ، دون ما خالف القياس الجلي .
وهو قول ابن الصلاح ( ت 650 هـ ) ؛ قال : " والذي أجيب به بعد الاستخارة والاستعانة بالله أن داود يعتبر قوله ويعتد به في الإجماع إلا فيما خالف فيه القياس الجلي " (نقله عنه النووي في ( تهذيب الأسماء واللغات 1 \ 184 ) ، وسكت عنه ). .