العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فقه الإمام ابن حزم المختصر (متجدد)

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الإمام القرافي رحمه الله : "وأنت تعلم أن الفقه وإن جل إذا كان مبددا تفرقت حكمته , وقلت طلاوته , وضعفت عند النفوس طلبته.

وإذا رتبت الأحكام مخرجة على قواعد الشرع , مبنية على مآخذها , نهضت الهمم حينئذ لاقتباسها , واعجبت غاية الإعجاب بتقمص لباسها.."[1]

يقول الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان : "وهذه المشكلة-أي ترتيب الموضوعات الفقهية-أحس بها الفقهاء قديما, ولكن لم تبذل الجهود الكافية لتذليلها , وتصحيح مسارها , وما قام به بعض الفقهاء في هذا الصدد إنما هو جهود فردية محدودة , ولم يبلغ العلم أن أحدا قام بجهد في هذا المجال سوى العلامة الفقيه الأصولي بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي, وفي نطاق محدود جدا"[2].

وعلى ذكر كتاب الدكتور العلامة عبد الوهاب فإنه قد تعرض لمشكلة ترتيب الموضوعات بالدرس عند المذاهب الأربعة –وبطريقة او أخرى- فإنه مقر بوجود خلل في الترتيب وهو الذي عبر عنه القانوني الشهير (السنهوري) بعدم اتباع فكرة منطقية متراصة اثناء الترتيب ...

وذكر –حفظه الله- أن ابن جزي الغرناطي قد أحسن حين قسم موضوعات كتابه "القوانين الفقهية" إلى عبادات ومعاملات فقط وضمن كل قسم عشرة كتب وفي كل كتاب عشرة أبواب فانتظم الفقه عنده رحمه الله في عشرين كتابا ومئتي باب.

وقد مكنته هذه الطريقة من ميزة مهمة وأكسبته بناء متينا تجلى في أمرين (جعلها الدكتور في ثلاثة) :

1-ضم كل شئ إلى شكله (وهذا مفقود عند معظم من ألف في الفقه بدرجات متفاوتة)

2-إلحاق كل فرع بأصله (فتجنب ما قد يحدثه غغفال هذا الأصل من تكلف البحث عن جزئيات متناثرة في البواب وإعادة صياغتها تحت أبواب خاصة في مؤلف مخصوص كما حدث مع الزركشي!)



ويرى الدكتور عبد الوهاب أن الحل الأمثل لتجنب هذه المشكلة : هو الإهتمام بالنظريات الفقهية العامة التي تنتج بناء فقهيا وتصورا مرتبا للقضية الواحدة ولواحقها , ويستشهد بعبارة للدكتور محمد فوزي فيض الله :"[فالنظرية]مفهوم حقوقي عام ,يؤلف نظاما موضوعيا تندرج تحته جزئيات , تتوزع في فروع القانون المختلفة : كنظرية الإلتزام ونظرية الجحق , ونظرية الملكية ونظرية العقد" ثم يعلق الدكتور عبد الوهاب: "ومما لا شك فيه ان التنظير لموضوعات الفقه الإسلامي بهذا المفهوم يمد الباحث والدارس بتصور واسع وغدراك للعلاقة المشتركة بين كافة الفروع الفقهية في عموم آفاقها وجوانبها : الأمر الذي يساعد على فهم الموضوع"





*****************​

ومن الجهود المعاصرة المشكور سعيها بإذن الله : جهد العلامة الشيخ الأصولي وهبة الزحيلي في موسوعة العظيمة : "الفقه الإسلامي وأدلته" , فهو لبنة في سبيل إعادة بناء الصياغة الفقهية والموسوعة الفقهية الكويتية لبنة أخرى (وأتمنى أن أجد دراسة حول الموسوعة وآثارها ومنهجيتها ومدى تطويرها للفقه الإسلامي) .

وقد رتب الشيخ موضوعات موسوعته كالتالي :



يقول حفظه الله :" طريقتي في بحث أبواب الفقه هي تقسيم الفقه إلى أقسام ستة:

1 - العبادات، وما له صلة بها كالنذور والأيمان والأضاحي والذبائح (صلة الإنسان بالله تعالى).

2 - أهم النظريات الفقهية.

3 - المعاملات - العقود المدنية وتوابعها (علاقة الإنسان بغيره).

4 - الملكية وما يتبعها من بحث أحكام الأراضي، وإحياء الموات، وحقوق الارتفاق، وعقود استثمار الأرض، وأحكام المعادن والنفط، والقسمة، والغصب واللقطة والسبق والمفقود والشفعة.

5 - ما له صلة بالدولة (الفقه العام): الحدود والجنايات والجهاد والمعاهدات والقضاء وطرق الإثبات وأحكام الإمامة الكبرى أو نظام الحكم. وقد يسمى ذلك بالأحكام السلطانية.

6 - الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وتوابعهما، وميراث ووصية، ووقف، وأما الأهلية والولاية فقد أوضحتهما في بحث النظريات الفقهية، ويتكرر تفصيلهما أحياناً في بعض مباحث الأحوال الشخصية، وعقد البيع وغيره.

********************​

وموسوعة الإمام ابن حزم (المحلى) كانها متوافقة وترتيب ابن جزي العام : عبادات – معاملات , مع فارق في أصل التصور قد ينقض ما قلته الآن ..

فما اصطلح عليه أنه من قسم العبادات : جمعه في أول الكتاب : الطهارة – الصلاة – الجنائز – الإعتكاف-الزكاة – الصيام – الحج – الجهاد – الأضاحي.

ومنطقية الترتيب هنا ظاهرة : حسب أركان الإسلام الخمس : إلا في تقديمه للجهاد على الأضاحي, فالسؤال هنا قائم.

ثم أتبع رحمه الله- في بناء منطقي واضح –كتاب الأضاحي بكتب مناسبة : ما يحل أكله وما يحرم-التذكية – الصيد –الأشربة .

ثم يتبعها بالعقيقة ولحد الآن فالترتيب جيد . إلا حين يتبع العقيقة بالنذور والأيمان : فالمناسبة العامة واضحة وهي اعتبارها من لواحق قسم العبادات أما المناسبة الخاصة فالله أعلم بها.

ثم ينتقل إلى قسم المعاملات بمعناه الواسع كالذي هو عند ابن جزي : وتندرج تحته امور الملكيات والعقود والبيوع وما يتعلق بالدولة من الإمامة والأقضية والدماء والحدود والمحاربين..

فبدأ بكتاب الإمامة وهي رأس المبحث ثم القضاء وتحت القضاء الشهادات ثم تحت الشهادات أمور ظاهرة الصلة : النكاح –الرضاع –الدماء والقصاص- قتال أهل البغي والعواقل – ثم الحدود والمحاربين والسرقة.



***********​

وفيما يلي أعرض مسائل المحلى –إذ هو الغرض الأساس- بالإختصار الذي لا يخل بأصول الإستدلالات دون التعرض لآراء بقية الفقهاء وايرادات ابن حزم عليهم , فلربما قمت بذلك بعد سنوات ..ولهذه الجملة معنى كبير!





*************​



-مسائل النية[3] :

مسألة110:

نية:أ-حكمها[4] : فرض . بدليل الإجماع[5] وأصله قوله تعالى :" ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).

مسألة111:

نية:أ-النية شرط صحة للصلاة: قال :"ما أمر بغسلها إلا بنية القصد إلى العمل الذي أمره الله تعالى به في ذلك الوجه , قال الله تعالى :" وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ". ولقوله عليه السلام : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".



نية:ب-نية الصلاة عامة في الفرض والتطوع: لأن آية الوضوء لم تأمر بالوضوء للصلاة إلا على عمومها , فلم يخص الله تعالى من صلاة فلا يجوز تخصيصها.



نية:ج-النيى تعم كل أعمال الشريعة بلا استثناء : ..يقول :"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فهذا أيضا عموم لكل عمل ولا يجوز أن يخص به بعض الأعمال دون بعض بالدعوى".

فالقاعدة الفقهية هنا : [لا عمل إلا بنية]



نية:د-الخلط في النية بين نية مأمور بها وأخرى غير مامور بها[6] : لايجوز. قال :" قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} فنفى عز وجل أن يكون أمرنا بشيء إلا بعبادته مفردين له نياتنا بدينه الذي أمرنا به فعم بهذا جميع أعمال الشريعة كلها."

فالقاعدة هنا :[من مزج بالنية التي أمر بها نية لم يؤمر بها لم يخلص لله تعالى]





نية:هـ-النية تعم الفعل والترك إذا أمر الله تعالى فيها بصفة ما وإلا فلا نية :قال : " دعواهم أن غسل النجاسة يجزئ بلا نية باطل ليس كما قالوا, بل كل تطهير لنجاسة أمر الله تعالى به على صفة ما فإنه لا يجزئ إلا بنية وعلى تلك الصفة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" وقد ذكرناه بإسناده قبل, وكل نجاسة ليس فيها أمر بصفة ما فإنما على الناس أن يصلوا بغير نجاسة في أجسامهم, ولا في ثيابهم, ولا في موضع صلاتهم, فإذا صلوا كذلك فقد فعلوا ما أمروا به".

والضابط هنا :[النية مطلوبة في الأفعال كلها والتروك التي نص على صفة فعلها]



مسألة112:

وضوء:أ-يجزئ الوضوء قبل الوقت وبعده: لأن الصلاة جائزة في اول وقتها فرذلا يكون ذلك كذلك إلا وقد صحت الطهارة لها قبلها . ولحديث "أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وراح فكأنما قدم بدنة. ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة, ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا, ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة, فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر". فهذا نص جلي على جواز الوضوء للصلاة والتيمم لها قبل دخول وقتها"





مسألة113: [انظر (د) من مسألة111]

نية:أ- من خلط نية الطهارةللصلاة بنية أخرى: لا يجوز . قال : برهان ذلك قول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} فمن مزج بالنية التي أمر بها نية لم يؤمر بها, فلم يخلص لله تعالى العبادة بدينه ذلك, وإذا لم يخلص فلم يأت بالوضوء الذي أمره الله تعالى به".



مسألة114:

نية:لابد من الإتصال بين النية والعمل :قال : "لأن النية هي القصد بالعمل والإرادة به ما افترض الله تعالى في ذلك العمل, وهذا لا يكون إلا معتقدا قبل العمل".

والقاعدة هنا:[لا تجزئ النية في الأعمال إلا قبل الإبتداء ومتصلة به لا يحول بينهما وقت]



مسألة115:

إذا عم الماء أعضاء الوضوء بدون دلك من الشخص: مع استصحابه النية للصلاة فقد أجزأه لأن اسم الغسل يقع على التدلك باليد وعلى مجرد الغمس والصب.



مسألة 116:

أ-قراءة القرآن للجنب والحائض : لا شئ فيها إذ لادليل على المنع , وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير .

ب-سجود القرآن بلاوضوء وبلاغسل : جائز , أن السجود ليس بصلاة قطعا فقد حدث ابن عمر عن رسول الله أنه قال :"صلاة الليل والنهار مثنى مثنى". وبما أنه ليس صلاة فيصح السجود بلا وضوء.

ج-مس المصحف للجنب والحائض وغير المتوضئ : جائز . فما روي في ذلك لا يصح وقد أرسل رسول الله دحية بكتاب إلى عظيم الفرس وفيه :" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" . ورسول الله موقن أنهم سيمسون الكتاب. وأما قوله تعالى :" لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ" فهو خبر عن الله واخبار الله صادقة ولا بد ونحن نرى أن المصحف يمسه غي الطاهر علمنا أنه تعالى لم يعن المصحف. كما ان الخبر لا يجوز صرفه إلى معنى الأمر إلا بدليل.



مسألة117:

يجوز لغير المتوضئ والمجنب الأذان والإقامة : إذ لا دليل على المنع .وهو قول الحنفية .



مسألة 118:

يستحب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل أو النوم ولرد السلام وليس واجبا: لأن حديث عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ, الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ, وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ, وَلاَ حَوْلَ, وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاَللَّهِ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي, أَوْ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ, فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُه" ناسخ لحديث عمر بن الخطاب :" "تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ". لن الحديث الأول فضيلة والفضائل لاتنسخ أبدا, فيبقى حديث الأمر بالوضوء ندب لحديث عائشة رضي الله عنها : "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ جُنُبًا, وَلاَ يَمَسُّ مَاءً".

والقاعدة الأصولية هنا : [الفضائل لا تنسخ بل هي ناسخة]





--------------------------------------------------------------------------------

[1] - الذخيرة بواسطة ترتيب الموضوعات الفقهية لبعد الوهاب أبو سليمان.

[2] - ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسبتها في المذاهب الأربعة لعبد الوهاب أبو سليمان ص 6

[3] - النية عند ابن حزم رحمه الله : قثد العمل بإرادة النفس له دون غيره , واعتقاد النفس ما استقر فيها" (الإحكام1/44)

[4] - مسألة 110

[5] - هذا النوع من الإجماع يسمى بالإجماع اللازم عند ابن حزم رحمه الله : اي الذي لايسوغ فيه الخلاف من أحد.

[6] - انظر (أ) مسألة113

كما اعتمدت على كتاب القواعد الفقهية عند الإمام ابن حزم (رسالة ماجستير غير مطبوعة لحد الآن)
 
أعلى