العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فضل النسب بين الغلاة والجفاة

إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
339
الجنس
أنثى
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم أما بعد:
فكثيرا ما يدور النقاش بين طلبة العلم بل وعامة الناس عن الأنساب هل هي مما أناط الشارع الفضل بها أم لا والناس في ذلك بين مغال في ذلك فيبالغ في نسبة الفضل للأنساب، وبين جاف لا يرى للنسب أي فضلية، وهذا كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية من أفضل ما قرأته في الموضوع سقته لكم بشيء من التصرف اليسير أسأل الله أن ينفعني وإياكم به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: ((لا ريب أنه لال محمد صلى الله عليه و سلم حقا على الأمة لا يشكرهم فيه غيرهم ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة مالا يستحقه سائر بطون قريش، كما أن قريشا يستحقون من المحبة والموالاة مالا يستحقه غير قريش من القبائل، كما أن جنس العرب يستحق من المحبة والموالاة مالا يستحقه سائر أجناس بني ادم، وهذا على مذهب الجمهور الذين يرون فضل العرب على غيرهم، وفضل قريش على سائر العرب، وفضل بني هاشم على سائر قريش، وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره.
والنصوص دلت على هذا القول كقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح: (إن الله اصطفى قريشا من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم)، وكقوله في الحديث الصحيح: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)، وأمثال ذلك.
وذهبت طائفة إلى عدم التفضيل بين هذه الأجناس وهذا قول طائفة من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر بن الطيب وغيره، وهو الذي ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد، وهذا القول يقال له مذهب الشعوبية، وهو قول ضعيف من أقوال أهل البدع، كما بسط في موضعه وبينا أن تفضيل الجملة على الجملة لا يقتضي تفضيل كل فرد على كل فرد كما أن تفضيل القرن الأول على الثاني والثاني على الثالث لا يقتضي ذلك، بل في القرن الثالث من هو خير من كثير من القرن الثاني.
وإنما تنازع العلماء هل في غير الصحابة من هو خير من بعضهم على قولين ولا ريب أنه قد ثبت اختصاص قريش بحكم شرعي وهو كون الإمامية فيهم دون غيرهم، وثبت اختصاص بني هاشم بتحريم الصدقة عليهم وكذلك استحقاقهم من الفىء عند أكثر العلماء وبنو المطلب معهم في ذلك فالصلاة عليهم من هذا الباب فهم مخصوصون بأحكام لهم وعليهم وهذه الأحكام تثبت للواحد منهم وإن لم يكن رجلا صالحا بل كان عاصيا.
وأما نفس ترتيب الثواب والعقاب على القرابة ومدح الله عز و جل للشخص المعين وكرامته عند الله تعالى فهذا لا يؤثر فيه النسب، وإنما يؤثر فيه الإيمان والعمل الصالح وهو التقوى، كما قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل أي الناس أكرم فقال: (أتقاهم)، فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (فيوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله)، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (أفعن معادن العرب تسألوني، خيارهم في الجاهلية في الإسلام إذا فقهوا).........
فالأرض إذا كان فيها معدن ذهب ومعدن فضة كان معدن الذهب خيرا لأنه مظنة وجود أفضل الأمرين فيه، فإن قدر أنه تعطل ولم يخرج ذهبا كان ما يخرج الفضة أفضل منه، ولهذا كان في بني هاشم النبي صلى الله عليه و سلم الذي لا يماثله أحد في قريش فضلا عن وجوده في سائر العرب وغير العرب، وكان في قريش الخلفاء الراشدون وسائر العشرة وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب، وكان في العرب من السابقين الأولين من لا يوجد له نظير في سائر الأجناس، فلا بد أن يوجد في الصنف الأفضل مالا يوجد مثله في المفضول، وقد يوجد في المفضول ما يكون أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل، كما أن الأنبياء الذين ليسوا من العرب أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء، والمؤمنون المتقون من غير قريش أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم في الإيمان والتقوى، وكذلك المؤمنون المتقون من قريش وغيرهم أفضل ممن ليس مثلهم في الإيمان والتقوى من بني هاشم.
فهذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقا، ودون من ظن أن الله تعالى يفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في الإيمان والتقوى، فضلا عمن هو أعظم إيمانا وتقوى، فكلا القولين خطأ، وهما متقابلان، بل الفضيلة بالنسب فضيلة جملة وفضيلة لأجل المظنة والسبب، والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية، فالأول يفضل به لأنه سبب وعلامة، ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد، والثاني يفضل به لأنه الحقيقة والغاية ولأن كل من كان أتقى لله كان أكرم عند الله، والثواب من الله يقع على هذا؛ لأن الحقيقة قد وجدت فلم يعلق الحكم بالمظنة، ولأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فلا يستدل بالأسباب والعلامات أهـ.
 
أعلى