[bor=3366FF]المسألة الرابعة: السُّعوط:[/bor]
السعوط: دواء يصب في الأنف، وهو بضم السين هو نفس الفعل وهو جعل الشيء في الأنف وجذبه إلى الدماغ، وبفتحها: اسم للشيء الذي يتسعطه كالماء والدهن وغيرهما
وفيه قولان:
[glow=66FFCC]
القول الأول: أنه مفطر
[/glow]
وهذا قول الفقهاء الأربعة.
وحكاه الترمذي عن أهل العلم، وذكر أن في الباب ما يقوي قولهم.
دليل حصول الفطر بالسعوط:
هو حديث لقيط بن صبرة، فهو دالٌ على أن الدماغ([1]) جوفٌ يحصل الفطر بوصول شيء إليه، ولو كان مِنْ منفذ غير معتاد، وهذه الأوصاف متحققة في السعوط، بل هو أقرب شيء إلى الصورة الواردة في حديث لقيط بن صبرة، فحديث لقيط بن صبرة، هو في المبالغة في الاستنشاق، وهو حاصلٌ في منفذ الأنف، والسعوط، كذلك.
يبقى القول: إن هذه الطريقة في الاستدلال منتظمة مع قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية بالفطر بالمبالغة في الاستنشاق.
لكنها لا تتفق: مع مذهب الحنابلة الذين لا يوقعون الفطر بالمبالغة في الاستنشاق.
ولهذا نطرح هذا السؤال عليهم: كيف صار السعوط مفطراً عندكم، ودليله قائمٌ على حديث المبالغة في الاستنشاق، ووصول الماء من هذه المبالغة لا تفطر عندكم.
هب أن ما ذكرتموه من وقوع الفطر بالسعوط صحيحاً؛ لكن كيف ساغ لكم الاستدلال بحديث لقيط بن صبرة، وصورته لا يقع الفطر بها، وصورة السبب قطعية الدخول.
فإن قول الحنابلة بعدم الفطر بما وصل إلى الجوف من الماء الحاصل من المبالغة في الاستنشاق هو في حقيقته عدم الأخذ بحديث لقيط بن صبرة كدليل على ما يحصل به الإفطار.
ثم إن السؤال نفسه يتتابع على الحنابلة فيما استدلوا به مِنْ حديث لقيط بن صبرة، على جملة من مفطرات الصيام، كالكحل، فكيف يجوز أن يعتبروه دليلاً، وهم لم يعتبروا صورة الدليل.
لا ريب أن مأخذ الحنابلة في الفطر بالسعوط قويٌ ومتجه غير أن استدلالهم بحديث لقيط بن صبرة يبقى في موضعٍ قلق، وهم لم يأخذوا بصورة الدليل.
ويحضرني من الجواب لهم ما يلي:
أن الفطر بالسعوط يقع بخلاف المبالغة في الاستنشاق إذا وصل الماء إلى الجوف لسببين اثنين:
1- أن السعوط فيه قصد إدخال المفطر إلى الجوف، بخلاف المبالغة في الاستنشاق.
2- أن السعوط يتحقق وصوله إلى الدماغ، بخلاف المبالغة في الاستنشاق فقد يقع وصول الماء إلى الدماغ، وقد لا يقع.
فكأنهم قالوا:
إنما أخذنا من حديث لقيط بن صبرة فهمه وفقهه وعلمنا النكتة فيه فأوجب لنا ذلك إيقاع الفطر بالسعوط دون الصورة الواردة في حديث لقيط بن صبرة.
[glow=66CC99]
القول الثاني: أن السعوط ليس بمفطر:
[/glow]
وهو مذهب: إبراهيم النخعي، والحسن بن صالح، وحكي عن مالك، وهو رواية عن أحمد، وقال به داود، ونصره ابن حزم، واختار الولوالجي من الحنفية.
أدلة القول أنه ليس بمفطر:
§ أنه ليس في معنى الأكل والشرب، ولا في صورته .
[glow=66CC99]
[glint]
الرأي المختار:
[/glint]
[/glow]
هو القول الأول؛ وهو قول جمهور أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم، لقوة ما استدلوا به، فالعين مفطرة بالإجماع، وهي الدواء، والأنف معتبر عند عامة أهل العلم، وهو الأنف، وهو يصل إلى الجوف من منفذ مفتوح، فكل أوصاف الفطر الثلاثة متحققة فيه.
أما أصحاب القول الثاني فهم طائفتان:
الطائفة الأولى: الاتجاه الظاهري، ومثلهم ابن حزم، فهؤلاء لا سبيل لنا عليهم؛ فالسعوط ليس أكلاً ولا شرباً ولا جماعاً، ولا يدخل من منفذ الفم، فهو خارج دائرة المفطرات المنصوصة.
أما الطائفة الثانية: وهم فريق من القياسيين؛ فنسلِّم لهم أنها ليست في صورة الأكل والشرب، ولكن ننازعهم أنها ليست في معناها:
للأمور التي سبق ذكرها، لاسيما أن صورة السعوط، كانت هي الأمر المخوف في حديث لقيط بن صبرة، ففي السعوط العين هي الدواء، وفي حديث لقيط الماء، وكلامهما مفطر، وفي السعوط: المنفذ الأنف، وكذلك الأمر نفسه في حديث لقيط، ثم المحل الذي يصل إليه الماء فإنه يصل إليه الدواء في السعوط.
[glow=66FF99]تنبيهات:[/glow]
نسب ابنُ القاسم في حاشيته على الروض: القولَ بعدم الفطر من السعوط إلى مذهب مالك، وذكر أنها رواية عن أحمد، اختارها الشيخ يعني ابن تيمية، ولا أظنها تصح، وهو قولٌ يتنافى مع قواعدهم في الباب، على ما سبق تفصيله في فقه حديث لقيط بن صبرة، كما أنهم حكوا الوفاق في المسألة ونفوا وقوع الخلاف بينهم.
ولذا فلم يرد عن ابن تيمية ما يفيد نفي التفطير بالسعوط على غرار إنكاره الإفطار بالحقنة والكحل وغيرهما، ولو كان عند ابن تيمية أن السعوط لا يفطر لأشار إلى ذلك بل هو أولى لأنه أشهر، وعليه إطباق الفقهاء الأربعة.
([1]) سبق أن الصحيح أن الدماغ ليس بجوف، ولكن نضطر إلى أن نمشي مع هذا الاصطلاح محافظة على تعابير الفقهاء في كلامهم على المسائل.