العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الأدلَّة، في إثبات الأهلَّة

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,141
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
الأدلَّة، في إثبات الأهلَّة
للإمام تقي الدين علي بن عبدالكافي السُّبكي -رحمه الله-

في فتاوى السبكي (1/207):
فيمن شهد برؤية الهلال منفردا بشهادته واقتضى الحساب تكذيبه:

قال الشيخ الإمام رحمه الله قال الله سبحانه يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج والمواقيت التي تحتاج إلى الهلال ميقات صلاة العيد والزكاة وصدقة الفطر وصيام رمضان والفطر منه وصيام الأيام البيض وعاشوراء وكراهية الصوم بعد نصف شعبان وصيام ست من شوال ومعرفة سن شاة الزكاة وأسنان الإبل والبقر فيها والاعتكاف في النذر والحج والوقوف والأضحية والعقيقة والهدي والآجال والسلم والبلوغ والمساقاة والإجارة واللقطة وأجل العنة والإيلاء وكفارة الوقاع والظهار والقتل بالصوم والعدة في المتوفى عنها وفي الآيسة والاستبراء والرضاع ولحوق النسب وكسوة الزوجة والديات وغير ذلك فكان من المهم صرف بعض العناية إلى ذلك ومعرفة دخول الشهر شرعا
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا عقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وقد تأملت هذا الحديث فوجدت معناه إلغاء ما يقوله أهل الهيئة والحساب من أن الشهر عندهم عبارة عن مفارقة الهلال شعاع الشمس فهو أول الشهر عندهم ويبقى [فتاوى السبكي (1/208)] الشهر إلى أن يجتمع معها ويفارقها فالشهر عندهم ما بين ذلك وهذا باطل في الشرع قطعا لا اعتبار به فأشار النبي صلى الله عليه وسلم بأنا أي العرب أمة أمية لا نكتب ولا نحسب أي ليس من شأن العرب الكتابة ولا الحساب
فالشرع في الشهر ما بين الهلالين ويدرك ذلك إما برؤية الهلال وإما بكمال العدة ثلاثين واعتباره إكمال العدة ثلاثين دليل على أنه لا ينتظرون به الهلال وأن وجوده في نفس الأمر معتبر بشرط إمكان الرؤية ولو لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لكان إذا فارق الشعاع مثلا قبل الفجر يجب صوم ذلك اليوم فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يجعل الصوم إلا في اليوم القابل وهذا محل مجمع عليه لا خلاف فيه بين العلماء وثم محل آخر اختلفوا فيه يمكن أن يؤخذ من الحديث ويمكن أن يعتذر عنه وهو ما إذا دل الحساب على أنه فارق الشعاع ومضت عليه مدة يمكن أن يرى فيها عند الغروب فقد اختلف العلماء في جواز الصوم بذلك وفي وجوبه على الحاسب وعلى غيره أعني في الجواز على غيره فمن قال بعدم الوجوب عليه وبعدم الجواز فقد يتمسك بالحديث ويعتضد بقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له وفي رواية فأكملوا عدة شعبان ثلاثين وهذا هو الأصح عند العلماء ومن قال بالجواز اعتقد بأن المقصود وجود الهلال وإمكان رؤيته كما في أوقات الصلاة إذا دل الحساب عليها في يوم الغيم وهذا القول قاله كبار ولكن الصحيح الأول لمفهوم الحديث وليس ذلك ردا للحساب فإن الحساب إنما يقتضي الإمكان ومجرد الإمكان لا يجب أن يرتب عليه الحكم وترتيب الحكم للشارع وقد رتبه على الرؤية ولم تخرج عنه إلا إذا كملت العدة الفرق بينه وبين أوقات الصلاة أن الغلط قد يحصل هنا كثيرا بخلاف أوقات الصلاة يحصل القطع أو قريب منه غالبا وهذا الخلاف فيما إذا دل الحساب على إمكان الرؤية ولم ير فأحد الوجهين أن السبب إمكان الرؤية والثاني وهو الأصح أن السبب نفس الرؤية أو إكمال العدة وعلى كلا الوجهين ليس ما دل عليه الحساب محكوما عليه بالبطلان وقد يكون في نفسه بحيث تنتهي مقدماته إلى القطع وقد لا تنتهي [فتاوى السبكي (1/209)] إلى ذلك بحسب مراتب بعده عن الشمس وقربه.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,141
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
وههنا صورة أخرى وهو أن يدل الحساب على عدم إمكان رؤيته ويدرك ذلك بمقدمات قطعية ويكون في غاية القرب من الشمس ففي هذه الحالة لا يمكن فرض رؤيتنا له حسا لأنه يستحيل فلو أخبرنا به مخبر واحد أو أكثر ممن يحتمل خبره الكذب أو الغلط فالذي يتجه قبول هذا الخبر وحمله على الكذب أو الغلط ولو شهد به شاهدان لم تقبل شهادتهما لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان والظن لا يعارض القطع فضلا عن أن يقدم عليه والبينة شرطها أن يكون ما شهدت به ممكنا حسا وعقلا وشرعا فإذا فرض دلالة الحساب قطعا على عدم الإمكان استحال القبول شرعا لاستحالة المشهود به والشرع لا يأتي بالمستحيلات ولم يأت لنا نص من الشرع أن كل شاهدين تقبل شهادتهما سواء كان المشهود به صحيحا أو باطلا ولا يترتب وجوب الصوم وأحكام الشهر على مجرد الخبر أو الشهادة حتى إنا نقول العمدة قول الشارع صوموا إذا أخبركم مخبر فإنه لو ورد ذلك قبلناه على الرأس والعين لكن ذلك لم يأت قط في الشرع بل وجب علينا التبين في قبول الخبر حتى نعلم حقيقته أولا ولا شك أن بعض من يشهد بالهلال قد لا يراه ويشتبه عليه أو يرى ما يظنه هلالا وليس بهلال أو تريه عينه ما لم ير أو يؤدي الشهادة بعد أيام ويحصل الغلط في الليلة التي رأى فيها أو يكون جهله عظيما يحمله على أن يعتقد في حمله الناس على الصيام أجرا أو يكون ممن يقصد إثبات عدالته فيتخذ ذلك وسيلة إلى أن يزكى ويصير مقبولا عند الحكام وكل هذه الأنواع قد رأيناها وسمعناها فيجب على الحاكم إذا جرب مثل ذلك وعرف من نفسه أو بخبر من يثق به أن دلالة الحساب على عدم إمكان الرؤية أن لا يقبل هذه الشهادة ولا يثبت بها ولا يحكم بها ويستصحب الأصل في بقاء الشهر فإنه دليل شرعي محقق حتى يتحقق خلافه ولا نقول الشرع ألغى قول الحساب مطلقا والفقهاء قالوا لا يعتمد فإن ذلك إنما قالوه في عكس هذا وهذه المسألة المتقدمة التي حكينا فيها الخلاف أما هذه المسألة فلا ولم أجد في هذه نقلا ولا وجه فيها للاحتمال غير ما ذكرته
ورأيت إمام الحرمين في النهاية لما تكلم فيها إذا رئي الهلال في موضع ولم ير في غيره وللأصحاب فيه وجهان هل تعتبر مسافة القصر أو المطالع جزم بمسافة القصر وذكر المطالع على وجه الاحتمال له لأنه لم ينقله ثم رده بأنه مبني على الأرصاد والتمودرات وفرض ذلك في دون مسافة القصر بانخفاض وارتفاع وهذا الفرض الذي قد فرضه نادر فإن أمكن ذلك [فتاوى السبكي (1/210)] وحكم حاسب بعدم الإمكان في هذا الموضع احتمل أن يقال بعدم تعلق الحكم واحتمل أن يقال إنما دون مسافة القصر كالبلد الواحد فيتعلق به الحكم .
ومسألتنا هذه في قطر عظيم وأقاليم دل الحساب على عدم إمكان الرؤية فيها فشهد اثنان أو ثلاثة على رؤيته مع احتمال قولهما بجميع ما قدمناه فلا أرى قبول هذه البينة أصلا ولا يجوز الحكم بها
واعلم أنه ليس مرادنا بالقطع ههنا الذي يحصل بالبرهان الذي مقدماته كلها عقلية فإن الحال هنا ليس كذلك وإنما هو مبني على أرصاد وتجارب طويلة وتسيير منازل الشمس والقمر ومعرفة حصول الضوء الذي فيه بحيث يتمكن الناس من رؤيته والناس يختلفون في حدة البصر فتارة يحصل القطع إما بإمكان الرؤية وإما بعدمه وتارة لا يقطع بل يتردد والقطع بأحد الطرفين مستنده العادة كما نقطع في بعض الأجرام البعيدة عنا بأنا لا نراها ولا يمكنا رؤيتها في العادة وإن كان في الإمكان العقلي ذلك ولكن يكون ذلك خارقا للعادة وقد يقع معجزة لنبي أو كرامة لولي أما غيرهما فلا فلو أخبرنا مخبر أنه رأى شخصا بعيدا عنه في مسافة يوم مثلا وسمعه يقر بحق وشهد عليه به لم يقبل خبره ولا شهادته بذلك ولا نرتب عليها حكما وإن كان ذلك ممكنا في العقل لكنه مستحيل في العادة فكذلك إذا شهد عندنا اثنان أو أكثر ممن يجوز كذبهما أو غلطهما برؤية الهلال وقد دل حساب تسيير منازل القمر على عدم إمكان رؤيته في ذلك الذي قالا إنهما رأياه فيه ترد شهادتهما لأن الإمكان شرط في المشهور به وتجويز الكذب والغلط على الشاهدين المذكورين أولى من تجويز انخرام العادة فالمستحيل العادي والمستحيل العقلي لا يقبل الإقرار به ولا الشهادة فكذلك المستحيل العادي وحق على القاضي التيقظ لذلك وأن لا يتسرع إلى قبول الشاهدين حتى يفحص عن حال ما شهدا به من الإمكان وعدمه ومراتب الإمكان فيه وهل بصرهما يقتضي ذلك أو لا وهل هما ممن يشتبه عليهما أو لا فإذا تبين له الإمكان وإنهما ممن يجيد بصرهما رؤيته ولا يشتبه عليهما لفطنتهما ويقظتهما ولا غرض لهما وهما عدلان ذلك بسبب أو لا فيتوقف أو يرد ولو كان كل ما يشهد به شاهدان يثبته القاضي لكان كل أحد يدرك حقيقة القضاء لكن لا بد من نظر لأجله جعل القاضي فإذا قال القاضي ثبت عندي علمنا أنه استوفى هذه الأحوال كلها وتكاملت شروطها عنده فلذلك ينبغي للقاضي التثبت وعدم التسرع مظنة الغلط ولهذا إن الشاهد المتسرع إلى أداء الشهادة ترد شهادته ومن عرف منه التسرع في ذلك لم تقبل شهادته فيه ومراتب ما يقوله الحساب في ذلك [فتاوى السبكي (1/211)] متفاوتة منها ما يقطعون بعدم إمكان الرؤية فيه فهذا لا ريب عندنا في رد الشهادة به إذا عرفه القاضي بنفسه أو اعتمد فيه على قول من يثق به ويظهر أن يكتفي فيه بإخبار واحد موثوق به ويعلمه أما اثنان فلا شك فيهما ومنها ما لا يقطعون فيه بعدم الإمكان ولكن يستعدون فهذا محل النظر في حال الشهود وحدة بصرهم ويرى أنهم من احتمال الغلط والكذب يتفاوت ذلك تفاوتا كبيرا ومراتب كثيرة فلهذا يجب على القاضي الاجتهاد وسع الطاقة أما إذا كان الإمكان بحيث يراه أكثر الناس فلا يبقى إلا النظر في حال الشاهدين فلا يعتقد القاضي أنه بمجرد شهادة الشاهدين وتزكيتهما يثبت الهلال ولا يعتقد أن الشرع أبطل العمل بما يقوله الحساب مطلقا فلم يأت ذلك وكيف والحساب معمول به في الفرائض وغيرها وقد ذكر في الحديث الكتابة والحساب وليست الكتابة منهيا عنها فكذلك الحساب وإنما المراد ضبط الحكم الشرعي في الشهر بطريقين ظاهرين مكشوفين رؤية الهلال أو تمام ثلاثين وأن الشهر تارة تسع وعشرون وتارة ثلاثون وليست مدة زمانية مضبوطة بحساب كما يقوله أهل الهيئة ولا يعتقد الفقيه أن هذه المسألة هي التي قال الفقهاء في كتاب الصيام إن الصحيح عدم العمل بالحساب لأن ذلك فيما إذا دل الحساب على إنكار الرؤية وهذا عكسه .
ولا شك أن من قال هناك بجواز الصوم أو وجوبه يقول هنا بالمنع بطريق الأولى ومن قال هناك بالمنع فههنا لم يقل شيئا والذي اقتضاه نظرنا المنع فالمنع هنا مقطوع به .
ولم نجد هذه المسألة منقولة لكنا تفقهنا فيها وهي عندنا من محال القطع مترقية عن مرتبة الظنون والله أعلم .
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,141
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
مسألة: قال الشيخ الإمام رضي الله عنه كان الداعي إلى كتابة هذه المسألة أنه في هذه السنة وهي سنة ثمان وأربعين وسبعمائة يرى الناس هلال ذي الحجة بدمشق ليلة الأحد في المعظمية من عمل داري المجاورة لدمشق وربما قيل إنه رئي في بيسان وهي وإن كانت أكثر من مسافة القصر لكن لا يقتضي الحساب إمكان الرؤية فيها بل حكمها في ذلك حكم دمشق .
فلما بلغني ذلك توقفت لأنه ثبت عندي أن أوله يوم الاثنين عملا بالاستصحاب المضموم إلى عدم إمكان الرؤية والاستصحاب وحده دليل شرعي وقد قوي بذلك .
وقلت للقاضي الذي وقعت الشهادة عنده لا تستعجل فلم أشعر إلا وقد حضر شاهدان من عنده أنه أثبته وأن اليوم وهو يوم الاثنين التاسع من ذي الحجة وأنه حكم بذلك مع علمه بالخلاف.
قلت ما هو الخلاف قيل اختلاف المطالع فلم أر هذا دافعا لما [فتاوى السبكي (1/212)] ثبت عندي وامتنعت من تنفيذ حكمه لما قدمته ولأني قد جربته في عشرين عيدا أولها عيد الفطر سنة تسع وثلاثين في كل عيد هكذا أتحرص على إثباته وتارة نسمع منه وتارة لا نسمع منه وفي العام الماضي هكذا وعيد أهل دمشق بقوله الجمعة وكانت الوقفة عند الحجاج وأرسل في هذا العام بعد أن حكم وأشاع ذلك إلى المحضر الذي شهد فيه عنده وفيه شهادة اثنين قالا إنهما رأياه في المعظمية من عمل داري وزكيا عنده فما ألويت على قولهما وعيد الناس بقوله يوم الثلاثاء ولم يمكن رد السواد الأعظم ولا استحسنت الطعن في حكم حاكم بعد اشتهاره لئلا يتطرق الناس إلى الريبة في حكم الحاكم واكتفيت بصيانة نفسي عن الحكم بما لا أراه مع عدم إمكان دفعه .
ونفذه حاكم آخر ولم أر ذلك التنفيذ سائغا وصممت على عدم التنفيذ .
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,141
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
فصل: في شرح بعض الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له وفي رواية البخاري فأكملوا عدة شعبان ثلاثين وقد يقال إنه يرد على القائلين[فتاوى السبكي (1/215)] بجواز الصوم أو وجوبه إذا دل الحساب على رؤيته ووجه الاعتذار عنه أنه لما دل على الصوم بإكمال ثلاثين من غير رؤية فهمنا المعنى وهو طلوع الهلال وإمكان رؤيته وهما حاصلان بالهلال في ليلة الثلاثين في بعض الأوقات فيندرج الخلاف في ذلك بحسب القاعدة المشهورة في أن النظر إلى اللفظ أو المعنى فمن اعتبر اللفظ منع دلالة مفهوم قوله فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ومن اعتبر المعنى قال الحديث خرج مخرج الغالب وأشار إلى العلة فإذا وجدت ولو نادرا اتبعت وقوله رأيتموه ليس المراد رؤية الجميع بدليل الوجوب على الأعمى بالإجماع ولما أخبر ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم برؤيته أمر الناس بالصيام فالمراد رؤية البعض وتحقق إما بالحس وإما بخبر من يقبل خبره أو شهادة من تقبل شهادته بشروطها وقوله الشهر هكذا وهكذا قد ذكرناه ومقصوده بيان الشهر الشرعي العربي ومخالفة ما يفهمه منه أهل الحساب لا إبطال حسابهم جملة بل بيان أنه تارة ثلاثون وتارة تسع وعشرون فلا رد فيه على من قال بجواز الصوم بالحساب لأنه ما خرج عن كونه تسعا وعشرين.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم عرفة يوم تعرفون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون فالمراد منه إذا اتفقوا على ذلك فالمسلمون لا يتفقون على ضلالة والإجماع حجة ولا بد من قائم لله بالحجة حتى لو غم الهلال وأكمل الناس ذا القعدة ثلاثين ووقفوا في تاسع ذي الحجة لظنهم وعيدوا في غده ثم تبين أنهم وقفوا في العاشر فوقوفهم صحيح وأضحاهم يوم ضحوا وكذا إذا كملوا عدة رمضان ثلاثين وأفطروا من الغد ثم تبين أنه كان ثاني شوال كان فطرهم يوم أفطروا؛ فهذا معنى الحديث إن شاء الله تعالى ولو أن واحدا رأى وحده أفتاه بأن يفطر سرا ويكون ذلك يوم فطره وليس ذلك يوم فطر غيره بل يوم فطر غيره من الغد إن لم يثبت برؤية وهذا يدل على أنه ليس فطر كل أحد يوم فطر وإذا اتفق غلط أهل بلد صغير أو كبير فلم يروا الهلال وكان قد رئي في سائر البلاد حواليه رؤية محققة فإن لم يكن ذلك الغلط من جميع أهل البلد احتمل أن يكون ذلك عندهم للحديث وإن كان بلد لها حكم واحتمل خلافه وإن تعمد أهل بلد فضحوا يوم التاسع أو وقفوا يوم الثامن أو أفطروا يوم الثلاثين من رمضان لم يقل أحد إن ذلك يوم أضحاهم ولا يوم وقوفهم ولا يوم فطرهم ولأن الحديث يقتضي ذلك فإذا اختلف أهل بلد في الرؤية فقال بعضهم إنه رأى ما في ذلك البلد وأما في موضع غيره يعتقد القاضي أنه يتعدى حكمه إليه ووقعت الريبة في ذلك كما [فتاوى السبكي (1/216)] اتفق في هذا العام فعيد أكثر الناس بقولهم والباقون لم يصغوا إليه فلا يقال إن ذلك يوم أضحى الناس كلهم حتى يحرم صومه على من لم يصغ إلى ذلك وكيف يقال ذلك ويحتج على أنه العيد بتعييد الناس وتعييد الناس مشروط في الثبوت الذي لا ريبة فيه أعني التعييد الشرعي وأما التعييد بغير مستند فلا عبرة به فلو استدللنا بالتعييد على صحة المستند لزم الدور فإن كان ذلك المستند لا اعتبار به فالتعييد كالتعييد بغير مستند وهو حرام مردود على فاعله بقوله صلى الله عليه وسلم من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد وإذا كان مردودا فلا يرتب عليه حكم شرعي وإن كان المستند معتبرا فالعيد ثابت قبله فالاستدلال به على صحة العيد لا يصح فتبين أن محل الحديث ما ذكرناه إن شاء الله تعالى.
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,141
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
فصل: في هذه الواقعة قامت البينة بالاستحالة قلنا أن نقول لمن لا ينجذب طبعه إلى الحساب هاتين البينتين تعارضتا كما لو شهد اثنان أن زيدا قتل عمرا يوم كذا في بلد كذا فشهد آخران أن عمرا كان في ذلك اليوم في بلد آخر لا يمكن الوصول منها إلى ذلك البلد في ذلك اليوم عادة وإن كان يمكن عقلا
فصل قد دل الحساب والاستقراء التام على أن السنة القمرية ثلثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس وسدس يوم.
وهذا باعتبار مفارقة الهلال للشمس وأما بحسب إمكان الرؤية فلا بد من زيادة فقد ينتهي إلى خمسة وخمسين أو أقل أو أكثر بحسب الكسر ولا يمكن أن تكون شهور يقتضي الحساب استحالة نقص مجموعها لم تسمع لما قلناه وإذا غم الهلال علينا في مثل ذلك فيقوى في الأخير اعتماد الحساب والحكم بالهلال كما قاله كثير من الأصحاب على ما قدمناه في تلك المسألة فإذا ضيق الفرض كما فرضناه ههنا يكون القول به أقوى وأولى وهو فرد من أفراد تلك المسألة والله أعلم .

فصل: حكي عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أن الهلال إذا غاب بعد العشاء فهو ابن ليلتين .
وهذا إذا صح عن أبي حنيفة يحمل إما على وقت خاص أو على الغالب ولا ينبغي أن يحمل على العموم لأن الهلال إذا فارق الشمس وكان على خمس درج عند الغروب ليلة الثلاثين لا يرى ولا يترتب عليه الحكم في الشرع فإذا حسب ذلك مع سيره يوما وليلة يقيم إلى بعد العشاء وقد يكون أبو حنيفة رضي الله عنه من ذلك على أن الشفق عنده البياض وهو يتأخر
وقد رواه مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث أبي البختري الطائي قال خرجنا للعمرة فلما نزلنا ببطن نخلة فرأينا الهلال فقال بعض القوم هو ابن ليلتين فلقينا ابن عباس رضي الله عنه فقلنا إنا رأينا الهلال فقال بعض القوم هو ابن ثلاث وقال بعض القوم هو ابن ليلتين فقال أي ليلة رأيتموه قلنا ليلة كذا وكذا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله مده للرؤية فهو لليلة رأيتموه .
فانظر هؤلاء الذين هم كبار التابعين كيف ظنوه ابن ليلتين أو ثلاث ورد عليهم ابن عباس رضي الله عنه انتهى.
 
أعلى