بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين....
س87: ما كيفية المسح في سائر الممسوحات؟
جـ87:
1. في العِمَامة لا بُدَّ أن يكون المسح شاملاً لأكثر العِمَامة، فلو مسح جُزءاً منها لم يصحَّ، وإن مسح الكُلَّ فلا حرج، ويستحبُّ إِذا كانت النَّاصيةُ بادية أن يمسحها مع العِمَامة.
2. في الخف يمسحُ أكثر ظاهر القدم.
3. الجبيرة: يمسح على جميعها ؛ لأن ظاهرَ حديث صاحب الشُّجَّة وهو قوله: «ويمسح عليها» شامل لكلِّ الجبيرة من كلِّ جانب.
س 88: ماصفة المسح على الخفين؟
جـ88: يبتدئ من أصابعه-أي أصابع رجله-إلى ساقه، وقد وردت آثارٌ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أنه يمسح بأصابعه مفرَّقة حتى يُرى فوق ظهر الخُفِّ خُطوطٌ كالأصابع .
س89: هناك إشكال في حديث علي –رضي الله عنه- «لو كان الدِّين بالرَّأي، لكان أسفلُ الخُفِّ أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح أعلى الخُفِّ». ماهو الإشكال هنا؟ وكيف نرد عليه؟
جـ89: الإشكال هو: في قوله: «لو كان الدِّين بالرَّأي» ، فإِن الرَّأي هو العقل!!
وهل الدِّين مخالفٌ للعقل؟ الجواب: لا، ولكن مرادُ عليٍّ رضي الله عنه ـ إِن صحَّ نسبته إليه ـ هو باديَ الرَّأي كما قال تعالى: {{وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}} [هود: 27] ، أي: في ظاهر الأمر.
لأنه عند التَّأمُّل نجد أن مسح أعلى الخُفِّ هو الأَولى، وهو الذي يدلُّ عليه العقل، لأنَّ هذا المسح لا يُراد به التَّنظيف والتنقيةُ، وإنما يُرادُ به التعبُّد، ولو أنَّنا مسحنا أسفلَ الخُفِّ لكان في ذلك تلويثٌ له.
س90:لماذا يمسح من الخف ظاهرها دون أسفلها؟
جـ 90: لأن المسح مختصٌّ بالظَّاهر لحديث المغيرة بن شعبة: «مسح خفيه» فإِنَّ ظاهره أن المسحَ لأعلى الخُفِّ.
ولحديث عليٍّ رضي الله عنه قال: «لو كان الدِّين بالرَّأي، لكان أسفلُ الخُفِّ أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح أعلى الخُفِّ». وهذا الحديث وإِنْ كان فيه نَظَرٌ؛ لكن حسَّنه بعضهم.
س91: كيف يمسح من كانت خفه أكبر من قدمه؟
جـ91: إِن نظرنا إلى الظَّاهر؛ فإِنَّه إِن مسح على خُفَّيه مسح من طرف الخُفِّ إلى ساقه؛ بقطع النَّظر عن كون الرِّجْل فيه صغيرة أو كبيرة.
وإِن نظرنا إلى المعنى قلنا: الخُفُّ هنا زائدٌ عن الحاجة والزَّائدُ لا حُكم له، ويكونُ الحكم مما يُحاذي الأصابع.
قال الشيخ –رحمه الله- والعمل بالظَّاهر هو الأحوط.
س92: هل يمسح على الخُفَّين معاً أو يبدأ باليُمنى؟
جـ92: قيل: يمسح عليهما معاً لظاهر حديث المغيرة. وقيل: يبدأ باليُمنى؛ لأن المسح بدلٌ عن الغسل، والبَدلُ له حكم المبدلُ. وهذا فيما إِذا كان يمكنه أن يمسحَ بيديه جميعاً، أما إذا كان لا يمكنه، مثلَ أن تكون إحدى يديه مقطوعة أو مشلولة فإِنه يبدأ باليمنى.
س93: مالحكم لو غسل الممسوح بدل المسح؟
جـ93: فيها ثلاثة أقوال:
*قال بعض أهل العلم: لا يجزئ بسبب أنه:
1. خلاف ما جاء به الشَّرع، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ».
2. بالغسل نقلب الرُّخصة إِلى مشقَّة.
*وقال بعضهم : يجزئ الغسل؛ لأنَّه أكمل في الإِنقاء، وإِنما عدل إلى المسح تخفيفاً.
*وتوسَّط بعضُهم فقال: يجزئ الغسلُ إِن أَمَرَّ يده عليها؛ لأنَّ إِمرار اليد جعل الغسل مسحاً، وهذا أحوطُ؛ لكن الاقتصار على المسح أفضل وأَوْلى.
س94: مالحكم لو ظَهَرَ بعضُ مَحلِّ الفَرْضِ بَعْدَ الحدثِ؟
جـ94: من المعلوم أن فَرْضُ الرِّجْلِ أن تُغسَلَ إِلى الكعبين، فإِذا ظهر من القدم بعضُ محلِّ الفرض كالكعب مثلاً، وكذا لو أن الجورب تمزَّق وظهر طرفُ الإبهام، أو بعض العَقِب، أو أن العِمَامة ارتفعت عمّا جرت به العادة فإِنه يلزمه أن يستأنفَ الطَّهارة، ويغسل رِجليْه، ويمسحَ على رأسه.( على المذهب)
س 95: على ماذا بني قول القائلين بأنه متى ظهر محل الفرض من العمامة استأنف وكذا الخف؟
جـ95: بالنسبة للعِمَامة مبنيٌّ على اشتراط الطَّهارة للبسها. وعلى القول بعدم اشتراط الطَّهارة بالنسبة للعمامة فإِنه يعيد لفَّها ولا يستأنف الطَّهارة.
وبالنسبة للخُفَّين ونحوهما مبنيٌّ على أنَّ ما ظَهَرَ؛ فرضُه الغسلُ، وإِذا كان فرضه الغسلُ فإن الغسلَ لا يُجامِعُ المسحَ، فلا بُدَّ من استئنافِ الطَّهارة؛ وغسل القدمين، ثم يلبسُ بعد ذلك.
س96: ماذا نفهم من قول المصنف «بعد الحدث» في وقت ظهور محل الفرض ؟
جـ96: قول المؤلِّف رحمه الله: «بعد الحدث»، يُفهم منه أنه لو ظهر بعضُ محلِّ الفرض، أو كلُّه قبل الحدث الأوَّل فإِنه لا يضرُّ.
كما لو لبس خُفَّيه لصلاة الصُّبح، وبقي على طهارته إِلى قُرب الظُّهر، وفي الضُّحى خلع خُفَّيه، ثم لبسهما وهو على طهارته الأولى فإِنه لا يستأنف الطَّهارة.
س97: إذا خلع الخُفين ونحوهما هل يلزمُه استئناف الطَّهارة؟
جـ 97:اختُلِفَ في هذه المسألة على أربعة أقوال :
القول الأول: ما ذهب إليه المؤلِّفُ رحمه الله أنه يلزمه استئناف الطَّهارة، حتى ولو كان ظهورها بعد الوُضُوء بقليل وقبل جفاف الأعضاء، فإِنه يجبُ عليه الوُضُوء، والعِلَّة: أنَّه لمَّا زال الممسوحُ بطلت الطَّهارة في موضعه، والطَّهارةُ لا تتبعّضُ، فإِذا بطلت في عضوٍ من الأعضاء بطلت في الجميع، وهذا هو المذهب.
القول الثاني: أنه إِذا خلع قبل أن تَجِفَّ الأعضاء أجزأه أن يغسل قدميه فقط، لأنَّه لمَّا بطلت الطَّهارةُ في الرِّجْلَين؛ والأعضاء لم تنشَفْ، فِإنَّ الموالاة لم تَفُتْ، وحينئذٍ يبني على الوُضُوء الأوَّل فيغسل قدميه.
القول الثالث: أن يلزمه أن يغسلَ قدميه فقط، ولو جفَّت الأعضاءُ قبل ذلك، وهذا مبنيٌّ على عدم اشتراط الموالاة في الوُضُوء.
القولُ الرَّابعُ: ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ـ أن الطَّهارة لا تبطل سواء فاتت الموالاة أم لم تَفُتْ، حتى يوجد ناقضٌ من نواقض الوُضُوء المعروفة، لكن لا يعيده في هذه الحال ليستأنف المسح عليه؛ لأنَّه لو قيل بذلك لم يكن لتوقيت المسح فائدة؛ إِذ كلُّ مَنْ أراد استمرار المسح خلع الخُفَّ، ثم لَبسه، ثم استأنف المدَّة.
س98: ما هي حجة شيخ الإسلام في بقاء طهارة من خلع خفيه؟
جـ98: حجته: أن هذه الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعيٍّ، وما ثبت بمقتضى دليل شرعيٍّ، فإِنه لا ينتقض إلا بدليل شرعيٍّ، وإِلا فالأصل بقاء الطَّهارة.
س 99ماذا يرجح الشيخ-ابن عثيمين- رحمه الله في المسألة السابقة" بقاء طهارة من خلع خفيه بعد الوضوء" ؟
جـ: 99 يرجح قول شيخ الإسلام-رحمه الله- قال: وهذا القول هو الصَّحيحُ، ويؤيِّده من القياس: أنَّه لو كان على رَجُلٍ شَعْرٌ كثيرٌ، ثم مسح على شعره؛ بحيث لا يصل إلى باطن رأسه شيء من البلل، ثم حلق شعره بعد الوُضُوء فطهارتُه لا تنتقض.
فإن قيل: إن المسح على الرَّأس أصلٌ، والمسحُ على الخُفِّ فرعٌ، فكيف يُساوى بين الأصل والفرع.
فالجواب: أن المسحَ ما دام تعلَّق بشيء قد زال، وقد اتفقنا على ذلك، فكونه أصليًّا، أو فرعيًّا غير مؤثِّر في الحكم.
س100: مالحكم إن تمت مدة المسح؟ مارأي الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في ذلك؟
جـ100: يستأنف الطهارة، يعني إِذا تَمَّت المدَّة، ولو كان على طهارة، فإنه يجب عليه إِذا أراد أن يُصلِّيَ ـ مثلاً ـ أن يستأنفَ الطَّهارة.
مثاله: إِذا مَسَحَ يوم الثلاثاء الساعة الثانية عشرة، فإِذا صارت الساعة الثانية عشرة من يوم الأربعاء انتهت المدَّة فبطل الوُضُوء، فعليه أن يستأنفَ الطَّهارة، فيتوضَّأ وُضُوءاً كاملاً. هكذا قرَّر المؤلِّفُ رحمه الله.
قال ابن عثيمين-رحمه الله-: ولا دليل على ذلك من كتاب الله تعالى، ولا من سُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولا من إجماع أهل العلم.
والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وقّتَ مدَّة المسح، ليُعرَفَ بذلك انتهاء مدَّة المسح، لا انتهاء الطَّهارة. فالصَّحيحُ أنَّه إِذا تَمَّت المدَّةُ، والإِنسان على طهارة، فلا تبطل، لأنها ثبتت بمقتضى دليل شرعيٍّ، وما ثبت بمقتضى دليل شرعيٍّ، فلا ينتقض إِلا بدليل شرعيٍّ آخر، ولا دليل على ذلك في هذه المسألة، والأصلُ بقاء الطَّهارة، وهذا اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
س101: ماذا لو قلنا: إنه يجب الوضوء على من تم مسحه من باب الاحتياط فقط؟
جـ101: قال ابن عثيمين –رحمه الله-: الاحتياط بابٌ واسعٌ، ولكن ما هو الاحتياط؟ هل هو بلزوم الأيسر؟ أو بلزوم الأشدِّ؟ أو بلزوم ما اقتضته الشَّريعة؟ الأخير هو الاحتياط.
فإِذا شككنا هل اقتضته الشَّريعةُ أم لا؟ اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ: فقال بعضهم: نسلك الأيسرَ ؛ لأن الأصلَ براءة الذِّمَّة؛ ولأنَّ الدينَ مبنيٌّ على اليُسر والسُّهولة.
وقال آخرون: نسلك الأشدَّ ؛ لأنه أحوط، وأبعد عن الشُّبهة.
ولكن في مسألة نقض الوُضُوء عندنا أصل أصَّله النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو قوله في الرَّجُل يُخيَّل إِليه أنَّه يجدُ الشَّيء في بطنه في الصَّلاة، فقال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً».
فلم يوجب النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الوُضُوء إلا على من تيقَّن سبب وجوبه، ولا فرق بين كون سبب الوجوب مشكوكاً فيه من حيث الواقعُ كما في الحديث، أو من حيث الحكمُ الشَّرعي، فإِن كُلاًّ فيه شَكٌّ، هذا شكٌّ في الواقع هل حصل النَّاقض أم لم يحصُل، وهذا شكٌّ في الحكم؛ هل يوجبه الشَّرع أم لا؟.
فالحديث: دَلَّ على أن الوُضُوء لا ينتقض إلا باليقين، وهنا لا يقين.
وعلى هذا؛ فالرَّاجح ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا تنتقض الطَّهارة بانتهاء المدَّة، لعدم الدَّليل.
وأيُّ إِنسان أتى بدليل فيجب علينا أن نتَّبع الدَّليل، وإذا لم يكن هناك دليلٌ فلا يسوغ أن نُلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، لأنَّ أهل العلم مسؤولون أمام الله، ومؤتمنون على الشَّريعة؛ ولهذا جاء في الحديث: «أنهم ورثة الأنبياء».
س102: مالحكم في المذهب لوبرئ ماتحت الجبيرة، أو انحلت العمامة، أو انتهت مدة المسح؟
جـ102:على المذهب لو برئ ما تحت الجبيرة، لزمه أن يستأنف الطَّهارة إِذا كانت في أعضاء الوُضُوء.
وإِذا كانت في أعضاء الغسل، كما لو اغتسل من جنابة ومسح عليها لزمه أن يغسل ما تحتها، ولا يلزمه الغسل كاملاً، لأن الموالاة على المذهب لا تُشترط في الغسل.
وكذلك لو انحلَّت الجبيرةُ استأنفَ الطَّهارةَ في الوُضُوءِ إِذا كانت في أحد أعضاء الوُضُوء.
والصَّحيح كما سبق: أنه لا تبطل الطَّهارة لبرء ما تحتها، أو انتقاضها، ويعيد شدَّها في الحال، أو متى شاء؛ لأن الجبيرة ـ على القول الرَّاجح ـ لا يُشترط لوضعها الطَّهارةُ كما سبق.
***************
******************************
***********
تم الباب..
هذا والله أعلى، وأعلم، واجل، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين..
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا ماينفعنا وزدنا علماً وعملاً يارب العالمين..