ما رأي الأخ الكريم في هذه الفتوى : 
هل تأثر ابن تيمية بابن حزم ؟ وهل تأثر  ابن حزم بابن عبد البر ؟
 		        	السؤال : قال لي صديق متعلم ويشتغل في طلب العلم : إن الإمام ابن تيمية قد تأثر  بالإمام ابن حزم الظاهري ، وابن حزم قد تأثر بالإمام ابن عبد البر ، فهل  هذا صحيح ؟ . أرجو أن تتكرموا بالإجابة على هذا السؤال بشيء من التفصيل . 
 		 	  	         الجواب : 
الحمد لله
 أولاً:
 ابن تيمية :
 هو شيخ الإسلام أحمد تقي الدين أبو العباس بن عبد  الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني .
 ولد يوم الاثنين ، عاشر – وقيل : ثاني عشر - من  ربيع الأول سنة 661هـ ، في حرّان .
 قال تلميذه ابن عبد الهادي رحمه الله عنه : " ثم لم  يبرح شيخنا رحمه الله في ازدياد من العلوم وملازمة الاشتغال والإشغال ، وبث  العلم  ونشره ، والاجتهاد في سبل الخير حتى انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل ،  والزهد  والورع ، والشجاعة والكرم ، والتواضع والحلم والإنابة ، والجلالة والمهابة ،  والأمر  بالمعروف والنهي عن المنكر ، وسائر أنواع الجهاد ، مع الصدق والعفة  والصيانة ، وحسن  القصد والإخلاص ، والابتهال إلى الله وكثرة الخوف منه ، وكثرة المراقبة له ،  وشدة  التمسك بالأثر ، والدعاء إلى الله ، وحسن الأخلاق ، ونفع الخلق والإحسان  إليهم ،  والصبر على من آذاه والصفح عنه والدعاء له ، وسائر أنواع الخير" انتهى .
 امتحن الشيخ مرات ، فأوذي ، ودخل السجن عدة مرات  بسبب حسد الأقران .
 وفي ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة من سنة ( 728  هـ ) توفي شيخ الإسلام بقلعة دمشق التي كان محبوساً فيها .
 ثانياً:
 ابن حزم :
 هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن  صالح بن خلف الفارسي الأصل ، ثم الأندلسي القرطبي .
 ولد بـ " قرطبة  "  لآخر يوم من رمضان ،  في سنة أربع وثمانين وثلاث مائة .
 نشأ في تنعم ورفاهية ، وكان والده وزيراً من كبراء  أهل قرطبة ، وكذلك وزر أبو محمد في أول حياته.
 قال  أبو عبدالله الحميدي : " كان ابن حزم حافظاً للحديث وفقهه ، مستنبطاً  للأحكام من  الكتاب والسنة ، متفنناً في علوم جمة ، عاملاً بعلمه ، ما رأينا مثله فيما  اجتمع له  من الذكاء ، وسرعة الحفظ ، وكرم النفس ، والتدين ، وكان له في الأدب والشعر  نفسٌ  واسع ، وباع طويل ، وما رأيت مَن يقول الشعر على البديهة أسرع منه " .
 ومن  أشهر كتبه : "المحلَّى" و "الإحكام لأصول الأحكام" و "الفِصَل في الملل  والأهواء  والنَّحَل" .
 توفي عشية يوم الأحد لليلتين بقيتا من شعبان ، سنة  ست وخمسين وأربع مائة .
 ثالثاً :
 ابن عبد البر :
 هو الحافظ يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن  عاصم ، أبو عمر النَّمَري القرطبي الأندلسي .
 ولد  ابن عبد البر بـ " قرطبة " يوم الجمعة ، في ربيع الآخر ، سنة ثمان وستين  وثلاثمائة  .
 نشأ  ابن عبد البر في أسرة علمية ، فأبوه وجده كانا من العلماء ، ونشأ في مدينة  معروفة  بالعلم وكثرة العلماء ، كانت يومئذٍ عاصمة الأندلس .
 سمع  ابن عبد البر من كثير من علماء الأندلس ، وأخذ عنهم شتى العلوم .
 قال  الذهبي رحمه الله : " وكان في أصول الديانة على مذهب السلف ، لم يدخل في  علم الكلام  ، بل قفا آثار مشايخه رحمهم الله " .
 وقال الحميدي : " أبو عمر ، فقيه حافظ ، مكثر ، عالم بالقراءات وبالخلاف في  الفقه ،  وبعلوم الحديث والرجال ، قديم السماع كثير الشيوخ " .
 أشهر مؤلفاته : " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " و "  الاستيعاب في  معرفة الأصحاب " و " جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله " .
 توفي يوم الجمعة ، في ربيع الآخر ، سنة ثلاث وستين وأربعمائة من الهجرة  بمدينة "  شاطبة " في شرق الأندلس .
 رابعاً :
 تلك  هي تراجم مختصرة لأولئك الأعلام الثلاثة ، وأما تأثر شيخ الإسلام ابن تيمية  بابن  حزم ، فلم نجد في ترجمة شيخ الإسلام ما يدل على ذلك ، بل يلفت نظر الباحث  أمران :
 الأول : انتقاد شيخ الإسلام ابن تيمية لابن حزم – رحمهما الله – في جوانب  كثيرة ،  من أهمها :
 أ.  اعتقاده في صفات الله تعالى الذي خالف فيه أهل السنَّة .
 ب.  مبالغته في التمسك بالظاهر في مسائل الفقه مع نفي القياس الجلي وعدم النظر  إلى  المعاني .
 ج.  شدته أحياناً على المخالفين له في الرأي ، وتسفيه آرائهم .
 قال  شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
 "لكن قد خالط ـ يعني ابن حزم ـ من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل  الصفات ما  صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك ، فوافق هؤلاء في اللفظ  وهؤلاء  في المعنى ، وبمثل هذا صار يذمه من يذمه من الفقهاء والمتكلمين وعلماء  الحديث  باتباعه لظاهر لا باطن له .. مضموماً إلى ما في كلامه من الوقيعة في  الأكابر ،  والإسراف في نفي المعاني ، ودعوى متابعة الظواهر" انتهى .
 "  مجموع الفتاوى " ( 4 / 19 ) .
 وللأسف فدعوى بعض الظاهريين المعاصرين أن شيخ الإسلام ابن تيمية تأثر بابن  حزم غير  صحيحة ، بل بالغ بعضهم فقال : " لولا ابن حزم ما راح ابن تيمية ولا جاء " !  وهؤلاء  كتموا كلام شيخ الإسلام السابق نقله عنه في انتقاد ابن حزم ، فنقلوا ما  قبله ، وما  بعده ، مع أنه في موضع واحد ، وفي الصفحة نفسها ، وإنصافاً لابن حزم سنذكره  بعد  قليل ، وهو يدل على عدل شيخ الإسلام رحمه الله في حكمه على الآخرين .
 الثاني : الثناء على ابن حزم في سعة اطلاعه ، وتمسكه بالنصوص ، وتمييزه بين  الحديث  الصحيح والضعيف ، وفي مخالفته للمرجئة والأشاعرة في معظم مسائل "الإيمان" ،  وفي  "القدَر" .
 قال  شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
 وإن  كان " أبو محمد بن حزم " في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم  بالحديث وأكثر  تعظيما له ولأهله من غيره ... .
 وإن  كان له من الإيمان والدين والعلوم الواسعة الكثيرة ما لا يدفعه إلا مكابر ؛  ويوجد  في كتبه من كثرة الاطلاع على الأقوال ، والمعرفة بالأحوال ، والتعظيم  لدعائم  الإسلام ، ولجانب الرسالة ما لا يجتمع مثله لغيره ، فالمسألة التي يكون  فيها حديث  يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح ، وله من التمييز بين الصحيح والضعيف  والمعرفة بأقوال  السلف ما لا يكاد يقع مثله لغيره من الفقهاء .
 "  مجموع الفتاوى " ( 4 / 19 ، 20 ) .
 وشيخ الإسلام ابن تيمية بحر من بحور العلم ، وقد كان واسع القراءة والاطلاع  ، ومن  ضمن ذلك اطلاعه على كتب ابن حزم رحمه الله ، ولا مانع أن يكون قد استفاد  مما فيها  من العلم ، ومما يدل على أنه قرأها : نقده لما فيها من أخطاء ، واستدراكه  على  اعتقاد ابن حزم ومنهجه في الفقه ، وتعقبه في الحديث ومسائل الإجماع وغيرها ،  وهذا  لا يكون إلا ممن نظر واطلع على تلك المصنفات لذلك الإمام ، لكنه لم يكتسب  صفاته في  شدته على أئمة الهدى ، ولم يعتقد ما يعتقده ابن حزم في الصفات وغيرها مما  خالف فيه  أهل السنَّة ، ولم يقل بقوله في " نفي القياس " ، فأين ذلك التأثر المزعوم .
 وقد  زعم بعض الكتَّاب أن ابن تيمية تأثر بحدة ابن حزم رحمه الله ! وهذا أيضاً  غير صحيح  ، فابن حزم كان حادّاً على رؤوس أهل السنَّة وأئمتها ، وأما شيخ الإسلام  فهو يجلهم  ويعظمهم ، وما كان منه من حدَّة فهي على رؤوس بعض أهل البدع والضلال .
 خامساً :
 أما  تأثر ابن حزم بابن عبد البر : فبينهما من العلاقة ما يجعل ابنَ حزم  مستفيداً من ابن  عبد البر ، وكيف لا وهو من شيوخه ، ويبدو أن التأثير العلمي والأدبي هو  الأبرز في  هذه العلاقة ، ويبدو ذلك من خلال أمور :
 أ.   تلقى ابن حزم عن ابن عبد البر علم الحديث .
 ب. صاحبه في الأخذ عن شيوخه كذلك أمثال : ابن  الفرضي وابن الجسور ، ولذا كان يطلق عليه – أحياناً – لفظة " صاحبنا " .
 ج. روى عن ابن عبد البر في مواضع عدة من كتبه بلفظ  السماع مرة ، وبلفظ الإجازة مرة أخرى .
 قال القاضي عياض رحمه الله في ترجمة ابن عبد البر :
 وسمع منه أبو محمد ابن حزم .
 " ترتيب المدارك وتقريب المسالك " ( 8 / 128 ) .
 د. كان ابن حزم يذكر ابن عبد البر في مصنفاته ،  ويطلق عليه صفة : " الإمامة " و " الاجتهاد ".
 هـ . كان يذكر بعض كتب ابن عبد البر ويثني عليها في  مصنفاته .
 ومن ذلك قوله – وهو يسرد كتب علماء الأندلس - :
 ومنها : كتاب " التمهيد " لصاحبنا أبي عمر يوسف بن  عبد البر ، وهو الآن في الحياة ، لم يبلغ سن الشيخوخة ، وهو كتاب لا أعلم  في الكلام  على فقه الحديث مثله أصلاً ، فكيف أحسن منه  .
 ومنها : كتاب " الاستذكار " ، وهو اختصار التمهيد  المذكور .
 ولصاحبنا أبي عمر ابن عبد البر المذكور كتب لا مثل  لها :
 منها : كتابه المسمى بـ " الكافي " في الفقه على  مذهب مالك وأصحابه ، خمسة عشر كتاباً اقتصر فيه على ما بالمفتي الحاجة إليه  وبوَّبه  وقربه فصار مغنياً عن التصنيفات الطوال في معناه.
 ومنها : كتابه في الصحابة سمَّاه كتاب " الاستيعاب  " في أسماء المذكورين في الروايات والسير والمصنفات من الصحابة رضي الله  عنهم  والتعريف بهم وتلخيص أحوالهم ومنازلهم وعيون أخبارهم ، على حروف المعجم ،  اثنا عشر  جزءاً ، ليس لأحد من المتقدمين مثله على كثرة ما صنفوا في ذلك.
 " رسائل ابن حزم " ( 2 / 179 ، 180 ) بعنوان " في  فضل الأندلس وذكر رجالها " .
 قال  الدكتور ليث سعود جاسم وفقه الله :
 أما  طبيعة العلاقة بين ابن حزم وابن عبد البر : فقد كانت علاقة تلمذة وصداقة ,  فقد  تلقّى ابن حزم عن ابن عبد البر علمَ الحديث , وصاحَبه في الأخذ عن شيوخه  كذلك ،  أمثال : ابن الفرضي وابن الجَسور , ولو تصفّحنا كتاب " الأحكام في أصول  الأحكام "  لابن حزم لوجدنا أنّه يروي عن ابن عبد البر في مواضع عدة من الكتاب , بلفظ  السماع  مرة , وبلفظ الإجازة مرة أخرى .
 وقد توهّم البعض في أنَّ ابن عبد البر كان تلميذاً لابن حزم , ولعلّ ذلك  سبب شهرة  ابن حزم التي نالها لعلمه , فضلاً عن الظروف السياسيةِ التي مر بها ,  والمناظرات  الحادة التي ناظر بها علماء عصره , ولكن بتتبـّع ما كتبه ابن عبد البر من  الكتب  المطبوعة , وبعض ما وقعت عليه من المخطوط لم أجد إشارة تشير إلى أنه قد نقل  عن ابن  حزم أو رَوى عنه .
 ثم  إن ابن حزم يَذكر ابن عبد البر في بعض رسائله , ويُضفي عليه صفة الإمامة  والاجتهاد  . " وحسبك بأبي محمد مثنياً " , وكان من أقرانه , وجرت بينهما مناظرات  ومنافرات ,  ومع ذلك فيروي عنه بالإجازة ، وكان يثني على مؤلفات ابن عبد البر , وقد  قدّم لنا  ابن حزم في رسالته " فضل الأندلس " قائمة بهذه المؤلفات القيمة .
 ويبدو أنه لم يتعرّض لابن عبد البر بلفظ شديد أو جارح ، على ما عُرف عنه  ابن حزم ,  على الرغم من أنَّ ابن عبد البر قد ردّ على ابن حزمٍ في كتابه " التمهيد " ،  و "  الاستذكار " ، لكن هذه الردود كانت تلميحاً وليست تصريحاً ، ومع هذا  الاختلاف في  الرأي : فإن ابن عبد البر كان " ينبسط لابن حزم ، ويأنس به " .
 "  ابن عبد البر الأندلسي وجهوده في التاريخ " ( ص 148 ، 149 ) .