د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
مشقق الفروع طور خاص لوحده
الإمام أبو حنيفة هو أول من شقق الفروع، هذا بشهادة الإمام الشافعي، فنعم الشاهد، ونعم المشهود له.
ولأبي حنيفة في هذه المقامات الراقية منازل مختصة فقد أقام مدرسته بسعتها على أصول أهل الكوفة، فكان بناؤه لها بدعاً في هذا الأمر ليخط بذلك خطط المدارس الفقهية، ويستفتح أبوابها، فَعَلَ ذلك في غمرة اشتغال الناس بأمانة الإسناد، مما أوجب عليه شديد الكلام لخروجه عن المألوف.
وقد تميزت مجالس أبي حنيفة النعمان بصورة جديدة: سؤالات واعتراضات، فإذا قاس نازعه أصحابُه، وإذا استحسن لم يجر معه أحد.
وقد اضطر مع ضعف بضاعته الحديثية، وتورعه عن قبول كل رواية لاسيما مع شيوع الكذب حتى في دويرته الكوفة: إلى أن يقول ما يعتقده من الأحكام بحسب الأصول التي اعتبرها مما ولَّد له الكثير من الأقوال التي لا تعرف إلا عنه.
ولك أن تقول: كان أبو حنيفة متشددا في قبول الأخبار، وهذا أدق من الدعوى عليه برد النصوص، فإن تفاريعه تفيدك ضرورةً تقديمه الخبر إذا ثبت عنده على القياس، كما قرره عنه أصحابه، وقرره عنه أيضاً الأئمة الكبار.
وقد كان مِنْ أظهر ما أخذه أهلُ الحديث على أبي حنيفة: إحداثه الأقوال، وَقَعَ هذا بسبب استقلاله في البناء على أصول أهل الكوفة.
وقد كان من أجوبة ابن حزم الظاهري على منتقديه من أهل الرأي حينما أخذوا عليه شذوذه عن أقوال الجمهور: أن ما يقال فيه يقال في إمامهم أبي حنيفة حرفاً بحرف، ثم لا تجد ابن حزم إلا وهو يستغرق في تعداد ما انفرد به أبو حنيفة مما لا يعرف لأحدٍ مِنْ خلق الله قبله.
وكان عذر أبي حنيفة ظاهراً، فإنه قد اتسع في تشقيق المسائل، وضاق ذراعه عن تمييز صحيح الحديث بسبب اتساع نطاق الروايات، ولم يكن بذاك الخبير بها، وهي لم تدون بعد على جهة التمييز، فاشترط أبو حنيفة لقبولها ما اشترط، فاستطاع أن يرتب فصول مدرسته وإن كان ذاك سبباً في فوات جملة عريضة من العلم.
وقد كان ينبغي أن يحذق هذا المأخذ أصحابه من بعده، فيعيدوا ترتيب أوراق إمامهم بحسب ما استجد من العلم وفات الإمام.
وفي المقابل فإنه قد غلب على جماعات من المحدثين في تلك الأزمنة الاشتغال بمعرفة الإسناد عن معرفتهم بفقه متنه فضلا عن معرفتهم بما اضطلع به أبو حنيفة من بناء الأصول وتوليد الفروع، فلقد كان يسيل غرباً، ويغرد فردا، ولذا فإن أبا حنيفة لوحده يشكِّل طوراً خاصاً من أطوار الفقه، وهذه سيما المجددين والأفذاذ، الرجل منهم يكون بأمة، وبمثلهم يحلو النشيد:
ملأنا البر حتى ضاق عنا ----- وماء البحر نملؤه سفينا
التعديل الأخير: