محمد بن حسين الأنصاري
:: متخصص ::
- إنضم
- 20 أبريل 2008
- المشاركات
- 122
- التخصص
- الشريعة..
- المدينة
- أم القرى
- المذهب الفقهي
- ............
قال الامام ابن عبد البرـ رحمه الله ـ:
ومن أدب العالم ترك الدعوى لما لا يحسنه، وترك الفخر بما يحسنه إلا أن يضطر إلى ذلك كما اضطر يوسف عليه السلام حين قال: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}؛ وذلك أنه لم يكن بحضرته من يعرف حقه فيثني عليه بما هو فيه ويعطيه بقسطه، ورأى هو أن ذلك المقعد لا يقعده غيره من أهل وقته إلا قصر عما يجب لله عز وجل من القيام به من حقوقه، فلم يسعه إلا السعي في ظهور الحق بما أمكنه، فإذا كان ذلك فجائز للعالم حينئذٍ الثناء على نفسه، والتنبيه على موضعه، فيكون حينئذٍ تحدث بنعمة ربه عنده على وجه الشكر لها .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث صدقات النبي حين تنازع فيه العباس وعلي : (( والله لقد كنت فيها بارًا تابعًا للحق، صادقًا )) ولم يكن ذلك تزكية لنفسه رضي الله عنه . وأفضح ما يكون للمرء دعواه بما لا يقوم به، وقد عاب العلماء ذلك قديمـًا وحديثـًا. (جامع بيان العلم 1/576)
& بهذا يتضح أن للمسألة أصل في الشرع، وعليه لا يصح ألبتة القول بالحرمة وعدم الجواز مطلقا لمدح النفس،بل إن ذلك متوقف على تحقيق المصلحة ودرء المفسدة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :
أنا أعلم أن أقواما كذبوا علي وقالوا للسلطان أشياء وتكلمت بكلام احتجت إليه؛ مثل أن قلت : من قام بالإسلام أوقات الحاجة غيري؟
ومن الذي أوضح دلائله وبينه؟ وجاهد أعداءه وأقامه لما مال؟ حين تخلى عنه كل أحد؛ ولا أحد ينطق بحجته ولا أحد يجاهد عنه وقمت مظهرًا لحجته مجاهدًا عنه مرغبًا فيه؟ (الفتاوى 3/163)
هذه النقولات عن العلماء تبين أن العالم إذا احتاج إلى مدح نفسه، أو كتابه، أو معلومة أتى بها، أو مسألة ما حقق القول فيها = يجوز له ذلك بشرطه، وهو أن يكون صادقا فيما يقول، مُحقًا فيما ادعاه من التجديد وغيره، وحتى يقبل كلام هذا العالم ينبغي ألا يُشم منه رائحة الإطراء الزائد لنفسه عن حد المعقول، لأن ذلك مما تمجُّه الأسماع، وتنفر منه الطباع، ولا ترضى به العقول، وقد يسبب رد الحق من ضعاف النفوس، فيجعلون ذلك سبيلا للتصنيف والتجريح لصاحب ذاك القول، ويتفننون في إصدار الأحكام عليه مثل قولهم: معجب بنفسه.. لايقدر العلماء..فيه غرور.. هل قيل لا بن تيمية أنت معجب بنفسك؟!!
وهل كان ابن القيم حين أثنى على كتابه لم يؤلف أحد من المتقدمين مثل هذا الكتاب مغرورا؟
إذا رد العالم قول عالم آخر ببراهين واضحة وأدلة بيّنة، فإن هذا لا يعني الحط من قدره لا من قريب ولا من بعيد، لأن الحق أحق أن يتبع، ولا يُتسارع في الرد على هذا العالم، لأنه فلان، أو علان قبل النظر في الأدلة والبراهين القائمة بهذا القول الذي أتى به ، لأن الدليل والبرهان هو المعيار الصحيح في رد الأقوال من عدمه، قال الله تعالى: {قل هاتوا برها نكم إن كنتم صادقين}
& وقد يثني الإنسان على نفسه أحيانا من باب التحدث بنعمة الله، كما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه حين قال: (ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله ، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني لرحلت إليه).
وقال ابن حجر في فتح الباري (11/291) في شرحه لقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله …) : ( قال ابن الجوزي : إن قيل كيف ساغ لسعد أن يمدح نفسه ومن شأن المؤمن ترك ذلك لثبوت النهي عنه ؟ فالجواب أن ذلك ساغ له لما عيره الجهال بأنه لا يحسن الصلاة ! فاضطر إلى ذكر فضله . والمدحة إذا خلت عن البغي والاستطالة، وكان مقصود قائلها إظهار الحق وشكر نعمة الله لم يكره، كما لو قال القائل: إني لحافظ لكتاب الله، عالم بتفسيره، وبالفقه في الدين، قاصداً إظهار الشكر، أو تعريف ما عنده ليستفاد، ولو لم يقل ذلك لم يعلم حاله.
ولهذا قال علي : (سلوني عن كتاب الله)، وساق _ يعني ابن الجوزي _ في ذلك أخباراً وآثاراً عن الصحابة والتابعين تؤيد ذلك.
& وقد يمدح نفسه بسبب أنه كتب مسألة وفيها بيانٌ لخطأ من أخطأ فيها من أهل العلم قبله، وأراد بذلك أن يبين مدى ثقته بما حرره وأصله.
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ وهو يُثني على أحد كتبه: "جلاء الأ فهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام" وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها،بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه، وصحيحها من حسنها، ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانًا شافيًا، ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد، ثم مواطن الصلاة ومحالها، ثم الكلام في مقدار الواجب منها، واختلاف أهل العلم فيه، وترجيح الراجح، وتزييف المزيف، ومخبر الكتاب فوق وصفه (زاد المعاد1/85)
وقال ابن رجب - رحمه الله - في "الفرق بين النصيحة والتعيير" (33): (وأما بيان خطأِ من أخطأ من العلماء قبله، إذا تأدب في الخطاب، وأحسن الرد والجواب، فلا حرج عليه، ولا لوم يتوجه إليه. وإن صدر منه الاغترار بمقالته فلا حرج عليه).
& وقد يُثني العالم على نفسه لمصلحة يراها هو ليس بالضرورة أن تظهر لي أو لك. وهذا وقع من ابن الجوزى كثيراً وخاصة في كتابين له (( صيد الخاطر)) و (( لفتة الكبد إلى نصيحة الولد)).
& نخلص مما سبق أن الضابط في مدح النفس الضرورة والحاجة، كأن لا يعرف مثلاً فيضطر بذكر محاسنه للناس حتى يعرف وهذا ما ذكره القرطبي رحمه الله في تفسيره عند قوله تعالى: {اجعلني على خزائن الأرض إن حفيظ عليم}
& في مثل هذا الموضوع لا بد من تعزيز مبدأ حسن الظن بالآخرين، وحمل كلامهم على الصواب مهما أمكن، فلا تعجل في الحكم على الناس، ولا تتشوف إلى تصنيف كل حديث، فالتريّث مبدأ الحكماء.. والتأني خلق العظماء.. فاصبروا فإن البر ليس بالإيضاع!
& أما تشهي الإنسان بذكر محاسنه في كل مجلس، ونشر فضائله في كل نادٍ، بلا مبرر ولا ثمت حاجة أو ضرورة؛ أمر مذموم عقلا وشرعا، وممجوج عرفا وطبعا.
فمن الناس من إذا تكلم عن العلم أوهم الناس بأنه حجة العصر، وإذا تحدث عن الشجاعة ظننته الهزبر، أو الكرم غرّك بقوله حتى حسبته حاتمي العصر. حديثه مختصر بين عندي.. ولي.. وقلت.. وكتبت.. وفعلت.. الخ
والشيخ/ حاتم.. ليس من هذا النوع.. حاشاه أن يكون كذلك.. بل فيه من التواضع والحلم ما لا يصدقه إلا من جالسه وعرفه..
مع ما جمعه من شرف العلم والنسب.. ووفرة العقل.. وهكذا النبلاء في كل ملة..