العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

التوازن في فتح باب الاجتهاد

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
التوازن في فتح باب الاجتهاد
عملية توازن تحقق فتح باب الاجتهاد وتحديد دائرته مع الحرص الشديد على أن يكون منضبطاً لا يلج فيه إلا أهله البالغون درجته ممن يمسِّكون بمعاقد الإجماع ويتخوَّفون من مجاوزته، وممن يعرفون استعمال الأدلة وإسقاط جزئيها على كليها، وتصريف الواقعة حسب مراتب الأدلة وأحكامها.

وتحقق أيضاً في نفس الوقت إحكام غلق الباب دون المتطفلين على موائد الكبار، المتمادين إلى درجات صعبة من خرق مستمر لحرم النص وفوت الإجماع المتحقق.

فهو توازن: يدعو إلى اجتهاد منضبط.

لقد مرَّ التاريخ الفقهي بعدة أطوار بين المبالغة في التضييق والمبالغة في التوسيع:

فقد ظل الاجتهاد الفقهي في عدة قرون تشكل الحجم الأكبر من التاريخ الإسلامي بكليته: خارج حدود الاستعمال، مقيَّد الأغلال، وأصبح تاريخاً بعد أن كان واقعاً، وآل حراماً بعد أن كان واجباً، وصارت أدواته من علوم اللغة والأصول حلياً وزينة وقد كانت يوماً آلات للحرث العلمي وأجهزة للصناعة الفقهية، ثم انحصر الجميع في أقوال الإمام وروايته ففيها المبتدى وإليها المنتهى، سوى قليل من الناس، منهم أبو شامة المقدسي المقتول ظلماً في بيته.

ومرَّ التاريخ الفقهي بمرحلة أخرى، لا تزال حاضرة إلى الساعة، فُتِحَ فيها الباب على مصراعيه:
فكل من بدأ بدراسة أول مسألة في الفقه طولب بالترجيح واتباع الدليل!
وصار الفاسق العربيد مفتياً يرد على الفقيه الجليل، وقد امتطى روح الشريعة، وبيده أزهقها فأراق دمها.

وإن الواقع يحكي كثرة الصدام بين هاتين الدعوتين:

فمن قام بالاجتهاد ودعا إلى فتح بابه تراه يبالغ إلى درجات نبصر فيها بأم أعيننا الأثر السيء لهذه الدعوى العريضة لاسيما مع الأخذ بالاعتبار ضعف بصر المتصدين للفتوى والتدريس فضلا عن غيرهم، وخطر تمزيق دائرة ضبط الناس التي حرص الشارع على تأكيدها، وفقهها عنه الأئمة.

وتجد في الطرف الآخر مَنْ ساءه ما آل إليه حال الواقع الفقهي من المتصدين للكلام في المسائل ممن لم يستكملوا مِنْ عُدَد الفقيه ما يعينهم على تحليل الكلام العربي فضلاً عن مطاولة المجتهدين من فقهاء المذاهب وجهابذة الأصوليين.

فدفعتهم هذه الصورة التشاؤمية إلى مزيد من الإفراط في إعاقة الحركة الاجتهادية إلى درجات قريبة من دُور التقليد، وإن كانت تصاغ بعبارات الشيوخ، وما عليه عمل الناس.

إذن مر التاريخ الفقهي بثلاثة أطوار رئيسة:

1- اجتهاد منضبط، برز في عصر الأئمة، وأظهر ما يكون في عصر الصحابة رضوان الله عليهم.

2- قفل باب الاجتهاد: وقع فيما يسمى بعصور التقليد والانحطاط، حسب تعبير المعاصرين.

3- فتح الباب الاجتهاد على مصراعيه: الفترة المعاصرة.

وإذا كان الصنعاني وغيره ممن أزعجهم التقليد فدعوا إلى فتح باب الاجتهاد وتسهيل مسالكه.

فإن التوازن يقتضي اليوم تضييق المسارات الاجتهادية بما يخفف من الضرر الناشيء من دخول الغوغاء.

ولا يعني هذا الرجوع إلى الخلف والتغني بأيام التقليد؛ فإن هذا لا يصدر إلا من قسمة غير حاصرة فثمة طريقة ثالثة مثالية يؤيدها النص الشرعي وعليها عمل الأئمة الكبار، وتوجبها التغيرات المتسارعة بما لا يساعد بمجرد التفكير في الانحصار على الفتاوى القديمة.

وإن كنتُ أظن أن تفصيل هذا التوازن لا يزال بحاجة إلى مزيد بيان، فهي دعوة إلى الوسط؛ لكن ما هو هذا الوسط، لم تتجه همة المقال نحو بيانه، ولكن في الثلث الأخير من كتب أصول الفقه باباً عريضاً يبصره الأعشى يسمى باب الاجتهاد والتقليد؛ أليس كذلك؟
 
أعلى