العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مقال جديد: فاصدع بما تؤمر.. للدكتور/حاتم الشريف

إنضم
20 أبريل 2008
المشاركات
122
التخصص
الشريعة..
المدينة
أم القرى
المذهب الفقهي
............
فاصدع بما تؤمر
(دروس من صدعه صلى الله عليه وسلم بالحق)

لقد أمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر الجليل الثقيل : فقال تعالى ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين – إنا كفيناك المستهزئين)) . فقام صلى الله عليه وسلم بهذا الواجب العظيم من واجبات الدعوة الرسالية , وهو (الصدع بالحق) , والذي يختلف عن مجرد (ذِكْرِ الحق) الذي قد يكون سرًّا . مما يبيّن أحد أهمّ الفروق بين (الصدع بالحق) و(ذكره) .
كما أن كل من له أدنى ذائقةٍ عربيةٍ يعرف أن هناك فرقًا بين هذين أمرين , وهما : (ذكر الحق) , و(الصدع به) . ولا يخفى أن الثاني هو الذي جاء في هذا الأمر الإلهي لنبيه صلى الله عليه وسلم .
ولكي أوضح الفرق اللغوي بين هذين التركيبين , فإني أقول : الصدع لغةً في الأمور المادية هو الشَّقُّ في الأجسام الصلبة (كصدع الزجاجة) , ولذلك فهو كذلك في الأمور المعنوية : فلا يُقال صَدَعَ إلا بمعنى شَقَّ الشيءَ الملتئمَ الصُّلْبَ . والملتئم : قد يكون ركاما من الأفكار المتوارثة التي يُسقط عنها التقادُمُ استحقاقَ المحاكمة البرهانية العقلية , حتى يأتي الصدع بالحق فيُسقط قدسية التقادم عنها , ويسمح للعقول بمحاكمتها . وقد يكون ذلك الملتئم مكوّناتٍ لتصورات مجتمعية أو مبادئ عقائديّة , كما مع مشركي العرب , فيأتي الصدع : صدمةً تدعو لتحريك العقول إلى مناقشة ذلك الركام ودراسة تلك المكونات .
وبهذا يتبيّن الفرق اللغوي بين (الصدع بالحق) و(ذكر الحق) , وأن الصدع لا يكون صدعا حتى يكون فيه من القوة ما يفرّقه عن مجرد الذِّكر , ويكون قادرا على إحداث تلك الصدمة التي تشق خندقا بين التفكير وأغشيةِ التقليد والإلْفِ والتسليم الأعمى .
ومن هنا : سوف نقف مع موقف نبوي من مواقف البطولة والشجاعة والثقة بالله تعالى , إنه موقف من مواقف الصدع بالحق المفصلية في تاريخ البشرية :
لقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم في قريش مُـعْلِـنًا على الصَّفَا , فَجَعَلَ يُنَادِي : يا بَنِي فِهْرٍ , يا بَنِي عَدِيٍّ , لِبُطُونِ قُرَيْشٍ ؛ حتى اجْتَمَعُوا . فقال صلى الله عليه وسلم :(( أَرَأَيتَـكم لو أَخْبَرتُكُم أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي , تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عليكم , أَكُنْتُم مُـصَدِّقِـيَّ ؟ قالوا : نعم , ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلا صِدْقًا . فقال صلى الله عليه وسلم : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ !! فقال أبو لَـهَبٍ : تَـبًّا لك سَائِرَ اليومِ ! أَلِـهذا جَمَعْتَنَا ؟! فَنَزَلَتْ ((تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ وَتَبَّ - ما أَغْنَى عنه مَالُهُ وما كَسَبَ)) .
لقد صدع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف بالحق , والذي تُؤخذ منه دروس عدة , سنحاول استنطاقَ بعضها من هذا الـحَدَث الجليل:
الدرس الأول : أن الصدع بالحق لابد لكي يكون صدعا أن يجمع شروطا مهمة , وهي :
1- أن يخلو من التطويل الذي يعارض كونه صدمة سريعة تؤدي مقصودها في إيقاظ سُبات التفكير في العقول .
2- أن لا تضيّعه المجاملات التي تخفِّفُ صدمتَه المقصودةَ أصالةً , فلا يصح غالبًا في سياق هذه الصدمة المقصودة أن تتضمّن مثلا : القواسمَ المشتركة , أو تعديد المحاسن الحقيقية الموجودة فعلا لدى المقصودين بالصدمة ؛ لأن ذكر ذلك لن يحقق تلك الصدمة المقصودة . هذا .. مع أن ذِكْرَ القواسم المشتركة وتلك المحاسن الموجودة سوف يظهر بعد ذلك في الخطاب الإصلاحي . كقوله صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك - : ((إنما بُعثت لأتمم المكارم)) , أي : أتمم المكارم الموجودة عند عرب الجاهلية وغيرهم .
3- أن يكون صريحا ومباشرًا إلى آخر حدٍّ يحقق ذلك المقصود .
وعلى هذا : فانتقاد الصدع بالحق بأنه كان حماسيا أو قاسيا ؛ لمجرد أنه التزم بشروط كونه صدعا , انتقادٌ خاطئ ؛ لأن هذا الانتقاد لا يريد في الحقيقة صدعًا بالحق , وإنما يريد ذِكرًا للحق , وبين (الصدع بالحق) و(ذِكْرِ الحق) من العموم والخصوص والفرقِ ما بيّناه سابقا .
الدرس الثاني : لقد قدّمَ صَدْعَه صلى الله عليه وسلم بتذكيرهم بصفته التي تقتضي قبول خبره , وهي أنه صادق أمين . فسألهم عما لو كان قد أخبرهم خبرا لا يُوجد في قرائن الأحوال ما يدل على صدقه ؛ إلا مجرد إخباره , هل كانوا سيصدقونه ؟ فقالوا : نعم ؛ لأنهم كانوا يعترفون له بالصدق والأمانة . ليمهّد لهم بذلك قبولَ خبره الجديد , والذي لم يشاهدوا له شيئًا يدل على صدقه حتى الآن ؛ إلا مجرد إخباره . فكان تذكيره صلى الله عليه وسلم بصدقه لا لغرض التفاخر , ولكن بغرض التذكير بموجبات قبول خبره . نعم .. هو جعلهم هم من يعترف له بذلك ؛ لأنه لم يكن بعد قد جابههم بالخلاف , وإلا فإنهم بعد تصريحه بخلافهم جابهوه بالتكذيب والوصف بالجنون وكل أنواع النقائص التي يمكنهم وصفه بها ؛ إلا قليلا منهم من غير أهل البهت والمكابرة .
الدرس الثالث : أن الصدع بالحق ليس هو خطة الإصلاح , ولا هو مشروعه الكامل , ولكنه بوّابةُ الإصلاح , وهو بيانه الافتتاحي القصير .
وأن الصدع بالحق ليس هو التغيير ذاته , لكنه دعوة للتغيير .
إنه يأتي على هيئة إعلان (إعلان فقط) عن حقبة جديدة , وليس هو الحقبة نفسها , لكنه عنوان من عناوينها العريضة , وقد يكون أكبر عناوينها . فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما صدع في هذه القصة بالحق , اكتفى بقوله : ((إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) , ولم يوضح معالم خطته الإصلاحية في هذا الصدع , ولم يذكر بناءه الإصلاحي التي أمضى في إنشائه وإتمامه بعد ذلك الصدع ثلاثةً وعشرين عاما , هي سنوات البعثة المحمدية المباركة . بل لقد اكتفى صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة الصادعة : ((إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) !!
الدرس الرابع: أن أسهل طريقة وأقدم خطة لمهاجمة الصدع بالحق : هي الاستخفاف به , ومحاولة الالتفاف على مقصوده في إثارة العقول للتفكير وفي دفعها دفعا إلى المناقشة والتمحيص , من خلال وصفها بأنها دعوة تافهة , ليست سوى فُقّاعاتِ إصلاحٍ خاوية .
ألا ترى كيف قابل أبو لهب صَدْعَ النبي صلى الله عليه وسلم بالحق بقوله : (( : تَبًّا لك سَائِرَ الْيَوْمِ ! ألهذا جَمَعْتَنَا ؟!)) . فهو يقول : أجمعتَنا لمجرد أن تقول لنا : ((إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) ؟!! أين هي الخطة الإصلاحية ؟! أين هي البراهين الدالة على صحة الدعوى ؟! لماذا لم تحدثنا عن أمورنا المصيرية : تجاراتنا ورحلة الشتاء والصيف وأحلافنا مع القبائل وحروب الفرس والروم على حدود أراضينا وعن مشكلة الشرق الأوسط والأدنى والشمال والجنوب؟!! لماذا لم تذكر لنا كيف نواجه مشكلة المياه العالمية ؟!! ... إنها قائمة طويلة من المشكلات , كان ينبغي على هذا المصلح (وهو قائد المصلحين صلى الله عليه وسلم) أن يُضمِّنها صدعَه بالحق من أول لحظة !! ولذلك فكان عليه أن يتلو علينا القرآن كاملا من أول يوم , وأن يفسره لنا بوحي السنة ساعة صدعه بالحق ؛ لأن القرآن الكريم والسنة الشريفة هما المتضمّنان لخطته الإصلاحية التي عرفناها من خلال متابعتنا لسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم .
هذه هي الخطة اللهبية التي كاد بها أبو لهب الصدعَ النبوي بالحق !! وهذا الكيد لم يكن ليمرَّ دون دفاعٍ رباني . فلقد استحق أبو لهب بجدارةٍ كاملةٍ أن يُنزل الله تعالى جوابًا عليه , هي سورة كاملة , تصف جهوده وجهود زوجه في الصد عن الحق الذي صدع به النبي صلى الله عليه وسلم , فهنيئًا لأبي لهب دورَه البارز في محاربة الصدع النبوي بالحق , بتلك الحجة اللهبية التي استحق بها نارا ذات لهب !!
الدرس الخامس : أنه من النتائج المتوقعة من أي صدع بالحق : علو صوت المستهزئين , ولذلك قال تعالى ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين – إنا كفيناك المستهزئين)) . فلن يصدع مصلحٌ بالحق إلا وتعالت عقبه مباشرة أصواتُ السخرية . فهي سنة من سنن الإصلاح , وتاريخ المصلحين الذي يكرر نفسه .
ففي بعض الأحيان تكون من علامات الصدق في الإصلاح علاماتٌ قد يظنها البعض دليلا على عدم الصدق , مثل ذلك السؤال الذي سأله هرقل لأبي سفيان , عندما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((فَأَشْرَافُ الناس يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟)) , فردّ أبو سفيان , ولعله كان يظن جوابه سيكون ضد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم , قائلا : ((بَلْ ضُعَفَاؤُهُم)) . غير أن المدقق سيعلم : أن السخرية هي الأسلوب الأمثل للهجوم على الصدع بالحق , من أجل إبطال مفعوله القوي في إيقاظ التفكير ؛ لأن السخرية دعوة إلى تخدير العقول (دون تعقل) لتعود إلى سباتها الذي كانت فيه , والذي جاء الصدع بالحق ليوقظها منه , لكي تتحرك نحو النقد والتمحيص . إذن فليس هناك وسيلة لإعادة العقول إلى سجن التقليد والتبعية , وإلى جُبّ التقاليد والعادات , وإلى قيود الإلف والمسلّمات الموهومة ؛ إلا أن نلغي التفكير في دعوة الصدع بالحق بالسخرية منها ؛ وكأنها شيءٌ لا يستحقُّ التفكيرَ أصلا !!
الدرس السادس : لا يخفى على متأمل كم هو مقدار الأثر الكبير للإلف والقناعات القديمة الراسخة بالتقليد والتوارث والضغط المجتمعي على قدرة العقل في رؤية وإدراك الآراء والأفكار والحقائق التي تنقدها وتُبطلها , فضلا عن فهم هذه الآراء والأفكار والحقائق , فضلا عن مناقشتها ودراستها . إنه من الطبيعي إذن أن تكون أول ردّة فعل تجاه الصدع بالحق هي عدم الفهم , ومن الطبيعي أن تكون النتيجة الأولية للصدع بالحق ظاهرُها خسارةٌ كبيرة ؛ لأن الناس لن يكونوا قادرين على استيعاب صدمته . فإذا قدّر الله تعالى لتلك الدعوة بالنجاح , فستبدأ في استقطاب العقول الأكثر قدرة على التحرّر , تدريجيا , حتى تستوي تلك الدعوة على سوقها وتؤتي ثمارها .
وهذا هو ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في صدعه بالحق : فالغالبية العظمى لم يفهموا دعوته من أول يوم , وسخروا منها , وكان عمُّه أبو لهب أوّلَـهم . فلم يكن عدمُ فهمهم دليلا على خطأ ذلك الصدع , ولا دليلا على خطأٍ في أسلوبه , ولا خطأٍ في توقيته ؛ لأن سوء الفهم إحدى السُنن المتكرّرة للصدع بالحق , ولأن سوءَ الفهم نتيجةٌ متوقَّعَةٌ له , وينبغي أن يكون ذلك واضحا عند الصادع بالحق قبل قيامه بواجبه ؛ وإلا فسوف يُصاب بصدمة كبيرة , تُفقده الثقة بنفسه وبقدرته على البلاغ .
هذه بعض دروس صَدْعِه صلى الله عليه وسلم بالحق , سوف يقتبس من حكمتها من أراد السير على طريق المصلحين على هدى وبصيرة .
9/11/1430

الشريف حاتم بن عارف العوني
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
في الحقيقة من خلال نظر متجرد إلى المقال، ومن غير استحضار أي مؤثرات أخرى: فهو مقال من الروعة بمكان، أسأل الله عز وجل أن يزيدنا وإياه من فضله.
 
التعديل الأخير:
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
وكأن الشيخ أراد معالجة بعض ردود الأفعال التي رآها بعد مقاله الأول ...
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
في الحقيقة من خلال نظر متجرد إلى المقال، ومن غير استحضار أي مؤثرات أخرى: فهو مقال من الروعة بمكان، أسأل الله عز وجل أن يزيدنا وإياه من فضله.

يبقى الكلام في سلامة إسقاط آية الصدع على ما صدع به في "سنصدع بالحق":
1- المعروف في تاريخ صدع العلماء بالحق، وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم: أنها كانت صدعاً في المسائل الكبار والحساسة.
2- أنه كان صدعاً بالحق، لا أنه صدع بأنه سيصدع بالحق؛ فإن هذا تعريض النفس للابتلاء من غير فائدة الصدع.
3- إضافة الصدع بـ " الحق" إلى المسائل المتسعة والمختلف فيها بحاجة ماسة لمراجعة جادة، وليكن قوله صواباً يحتمل الخطأ لا أنه الحق الذي يجب أن يصدع به.
4- الصدع بالحق لا يشرع مطلقاً، ولذا لم يصدع النبي صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحي إليه، بل تأخر عدة سنوات، مما يدل على التفات الشارع إلى قضية التوقيت، وأنها في محل حساس، فقد يكون لعدم مراعاته أثراً سيئاً على ما هو أحق منه وعلى ذاته نفسه مما يفوت فائدته.
5- الضعيف المظلوم المكلوم ليس بحاجة إلى أن يصدع بالحق في وجهه، ويكفيه ما فيه، وشيما الكرام تطبيب جراحه، وطي عثراته، والوقوف معه في محنته.
 
التعديل الأخير:

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين
يبقى الكلام في سلامة إسقاط آية الصدع على ما صدع به في "سنصدع بالحق":
1- المعروف في تاريخ صدع العلماء بالحق، وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم: أنها كانت صدعاً في المسائل الكبار والحساسة.
2- أنه كان صدعٌ بالحق، لا أنه صدع بأنه سيصدع بالحق؛ فإن هذا تعريض النفس للابتلاء من غير فائدة الصدع.
3- إضافة الصدع بـ " الحق" إلى المسائل المتسعة والمختلف فيها بحاجة ماسة لمراجعة جادة، وليكن قوله صواباً يحتمل الخطأ لا أنه الحق الذي يجب أن يصدع به.
4- الصدع بالحق لا يشرع مطلقاً، ولذا لم يصدع النبي صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحي إليه، بل تأخر عدة سنوات، مما يدل على التفات الشارع إلى قضية التوقيت، وأنها في محل حساس، فقد يكون لعدم مراعاته أثراً سيئاً على ما هو أحق منه وعلى ذاته نفسه مما يفوت فائدته.
5- الضعيف المظلوم المكلوم ليس بحاجة إلى أن يصدع بالحق في وجهه، وشيما الكرام تطبيب جراحه، وطي عثراته، والوقوف معه في محنته.
كل هذه الاسئلة الشيخ اجاب عليها فى ردوده
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
6- المألوف في الصدع بالحق أنه يكون في وجه أهل الشرك والإلحاد أو في مقابل أهل الأهواء والابتداع، أو في مقارعة أهل الجور والظلم، أما مسائل الفقه ونحوها فإنما يتناولها أهل العلم في المصنفات والردود في حدود دون ذلك بمراحل، وقد تغلظ كلمتهم وقد تلين، ولم يدعوا في مثل هذه المسائل المترددة أنه صدع بـ "الحق" في مقابل "الباطل"، وأنه انتقال من مرحلة السر إلى مرحلة الجهر.
7- دعوى الشيخ بأنه سيصدع بالحق، سيجعل ما سيصدع به في محل الترقب والتربص، وبه نعرف أن الشيخ ألقى نفسه في محل الابتلاء.
8- صدع النبي صلى الله عليه وسلم بالحق كان إيذاناً ببداية الدعوة الجهرية ونهاية للدعوة السرية التي أدت دورها، وما صدع به الشريف حاتم العوني لم يكن في محل السر، فقد كان يجهر هو وغيره بمثله وأكثر منه، لكن الجديد في دعواه أنه "سيصدع بالحق"
 
التعديل الأخير:

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين
6- المألوف في الصدع بالحق أنه يكون في وجه أهل الشرك والإلحاد أو في مقابل أهل الأهواء والابتداع، أو في مقارعة أهل الجور والظلم، أما مسائل الفقه ونحوها فإنما يتناولها أهل العلم في المصنفات والردود في حدود دون ذلك بمراحل، وقد تغلظ كلمتهم وقد تلين، ولم يدعوا في مثل هذه المسائل المترددة أنه صدع بـ "الحق" في مقابل "الباطل"، وأنه انتقال من مرحلة السر إلى مرحلة الجهر.
7- دعوى الشيخ بأنه سيصدع بالحق، سيجعل ما سيصدع به في محل الترقب والتربص، وبه نعرف أن الشيخ ألقى نفسه في محل الابتلاء.
8- صدع النبي صلى الله عليه وسلم بالحق كان إيذاناً ببداية الدعوة الجهرية ونهاية للدعوة السرية التي أدت دورها، وما صدع به الشريف حاتم العوني لم يكن في محل السر، فقد كان يجهر هو وغيره بمثله وأكثر منه، لكن الجديد في دعواه أنه "سيصدع بالحق"
والشيخ أجاب على كل هذا
وبخصوص رقم 8 فأقول
أن النبى والصجابة فى المرحلة الدعوة السرية كان فيهم من يظهر عبادته لله متحصنا بشرفه بعد تحصنه بالله
 

ناصر علي العلي

:: متخصص ::
إنضم
1 ديسمبر 2008
المشاركات
34
الجنس
ذكر
التخصص
أصول
الدولة
البلاد
المدينة
بلد الله
المذهب الفقهي
متبع
كفى صدعا للحق يا شيخ حاتم !!

كفى صدعا للحق يا شيخ حاتم !!

بسم الله الرحمن الرحيم



كفى صدْعًا للحق يا شيخ حاتم !!


بقلم / ناصر العلي


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فهذه جملة من الملاحظات المنهجية على مقال الشيخ حاتم " فاصدع بما تؤمر(دروس من صدعه صلى الله عليه وسلم بالحق)" المؤرخ بتاريخ 9/11/1430هـ، والذي جاء تكريساً وتأكيداً لمقاله الأول "سنصدع بالحق" المؤرخ بتاريخ 1/11/1430هـ.
(1) إن من معاني الصدع - كما ذكر أهل اللغة وذكر الشيخ بعضه- الشق والتفريق والقطع والفصل.
لكن هناك معانٍ أخر ذكرها أهل اللغة والتفسير وبخصوص قول الله تعالى: {فاصدع بما تؤمر}، منها: أَظْهِرْهُ وبيِّنه وأعلِنْه واجهرْ به وتكلمْ به وصرّحْ به، وامضِ لما تؤمر...إلخ. قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: [صَدَع بالحقِّ، إِذا تكلَّمَ به جهاراً. قال سبحانه لنبيِّه عليه السلام: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}]. وقال القرطبي في تفسيره: [قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي بالذي تؤمر به، أي: بلغ رسالة الله جميع الخلق لتقوم الحجة عليهم]، وقال محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره: [قوله تعالى: فاصدع بما تؤمر. أي : فاجهر به وأظهره، من قولهم: صدع بالحجة; إذا تكلم بها جهارا، كقولك: صرح بها. وهذه الآية الكريمة أمر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أمر به علنا في غير خفاء ولا مواربة. وأوضح هذا المعنى في مواضع كثيرة...].
والملاحظة المنهجية هنا:
لماذا أغضى الشيخ حاتم عن هذه المعاني لكلمة "الصدع"، فإنه يأتي أيضاً بمعنى "ذكر الحق" والتصريح به جهاراً؟، لماذا حرص على إجلاء أصل معنى "الصدع"، وأنه الشق والتفريق والقوة والصدمة ...إلخ ؟
لعلّ واحدا من الأسباب الظاهرة - من خلال هذين المقالين - إصرار الشيخ حاتم على انتهاج لغة القوة والقسوة وعلو الصوت والمصادمة للمشايخ والعلماء والتيار الديني السائد.
فإذا كان الصدع - عند الشيخ حاتم - فيه معنى: القوة والشق والصدمة. وأن الأمر المصدوع (موضوع الصدع) هو: قدسية التقادم، والتصورات المجتمعية، والمبادئ العقدية كمشركي العرب، وركام الأفكار المتوارثة، وأغشية التقليد والإلْف والتسليم الأعمى، وقيود المسلَّمات الموهومة، فهل هذه المعاني (الصدع والمصدوع) لائقة في حق علماء المؤسسة الدينية الرسمية، والتيار الديني السائد؟
وإذا كانت ذائقية الشيخ العربية أوحت له بهذه المعاني القاسية تجاه إخوانه، فلماذا لم تسعفه ذائقيته الإسلامية وأخوة الدين بالمعاني الأخر لكلمة "الصدع"؟!.
(2) ربط الشيخ حاتم بين آية سورة الحجر {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين}، وبين موقف النبي صلى الله عليه وسلّم على الصفا حينما نادى في قبائل قريش ليعلن دعوته جهاراً بالتوحيد.
والملاحظة المنهجية هنا:
أن جلَّ علماء التفسير وأسباب النزول وأهل السير إنما ذكروا أن آية الشعراء {وأنذر عشيرتك الأقربين} هي التي دفعت النبي صلى الله عليه وسلم بالوقوف على الصفا، ونقل الدعوة من مرحلة السرية إلى مرحلة الجهرية. وهكذا جاءت الرواية الصحيحة في كتب الحديث، كما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: "يا صباحاه!" ... الحديث.
أما آية { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} فقد ذكر كثيرٌ من المفسرين – كالطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير وغيرهم:أن خمسة نفر كانوا رؤساء المستهزئين من قريش لما تمادَوا في الشرّ، وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، أنزل اللَّه تعالى {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.وذكر القصة البيهقي في سننه الكبرى وصححها الذهبي في المهذب في اختصار سنن البيهقي.
نعم لقد أورد الطبري رواية في تفسيره بسنده، ونقلها عنه آخرون: أن موسى بن عبيدة روى عن أخيه عبد الله ابن عبيدة أنه قال: مازال النبيّ صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) فخرج هو وأصحابه. لكن موسى بن عبيدة ضعيف كما في التقريب لابن حجر. ثم على تقدير صحة الرواية، ليس فيها أنه بدأ بالصدع بالحق على الصفا بموجب هذه الآية، بل بدأ بموجب آية: {وأنذر عشيرتك الأقربين}.
(3) لب مقال الشيخ حاتم وفكرته الرئيسة دارت حول معنى الصدع وقد أجبتُ عنه، وحول موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع مشركي قريش وصدعه بالحق. ودروس الشيخ التي استقاها من هذا الموقف النبوي صلى الله عليه وسلم تَشِيْ بتنزيل هذه الحادثة على موقف الشيخ مع مخالفيه. ويمكن اشتمام رائحة هذا التنزيل للحادثة في طيّات عباراته، كقوله: "فهي سنة من سنن الإصلاح, وتاريخ المصلحين الذي يكرر نفسه"، وعبارة: " فانتقاد الصدع بالحق بأنهكان حماسيا أو قاسيا ؛ لمجرد أنه التزم بشروط كونه صدعا, انتقادٌ خاطئ؛ لأن هذاالانتقاد لا يريد في الحقيقة صدعًا بالحق, وإنما يريد ذِكرًا للحق"، وعبارة: " فلم يكن عدمُ فهمهم دليلاعلى خطأ ذلك الصدع , ولا دليلا على خطأٍ في أسلوبه , ولا خطأٍ في توقيته ؛ لأن سوءالفهم إحدى السُنن المتكرّرة للصدع بالحق"، وعبارة: " هذه بعض دروس صَدْعِه صلى الله عليه وسلم بالحق, سوف يقتبس من حكمتها من أراد السير على طريق المصلحين على هدى وبصيرة" وغيرها من العبارات.
والملاحظة المنهجية هنا:
أن تنزيل موقف النبي صلى الله عليه وسلم في صدعه بالحق على الصفا مع المشركين بموقف الشيخ حاتم - عفا الله عنا عنه - مع مخالفيه تصرف غير سائغ ولا لائق. وأرجو ألا يفهم من مقاله هذ "فاصدع بما تؤمر" أنه في موقفٍ كموقف النبي صلى الله عليه وسلم والمرسلين، وأن موقف الرادّين على مقاله "سنصدع بالحق" أنهم في موقف كموقف أبي لهب والمشركين.
إن هذا التطويع للحادثة على هذا النحو مصيبة كبرى ومفسدة عظمى، فليس صحيحا أن يكيِّف الشيخ مقاله السابق "سنصدع بالحق" بانطباق مواصفات الصدع بالحق على مقاله؛ حتى يضفي عليه مسحة شرعية، ليتقبله الناس. وليس مستساغاً لحالتنا هذه أن يخلع الشيخ على نفسه صفات الصادق الأمين المصلح البطل الشجاع، وأن يكون الرادّون عليه بمواصفات المشركين المكابرين الساخرين المستخفين المستهزئين الجاهلين اللَّهَبِيِّين ( أصحاب الحجة اللهبية).
نعم ،كان من الممكن جدًّا أن يصدع الشيخ حاتم في وجوه المتعصبة والمقلدة العميان للأشخاص بلا دليلٍ صالح أو مسوّغٍ جائز، أمَّا أن يكون الصدع متّجهاً نحو علماء المؤسسة المشهود لهم بالخير والعلم والفضل فهذا أمر غريب!!.
لقد أذكرني هذا الموقف بموقف من إذا أراد أن ينعى على متعصبة المذاهب تقليدهم الأعمى للأئمة الأربعة، راح يُوَجِّهُ صدعه بالحق في وجوه الأئمة أنفسهم، ويكيل الاتهامات عليهم، مع أن اللائمة ليست على الأئمة، إذ نصوص أقوالهم صريحة في النهي عن تقليدهم من غير أن يُعرف دليلهم!! (سأل الجدارُ المسمارَ: لِمَ تشُقُّني؟ قال المسمار: سلْ من يدُقُّني!!).
فلماذا صدع الشيخ حاتم في وجوه المشايخ العلماء الفضلاء التابعين للمؤسسة الرسمية كابن باز وابن عثيمين والفوزان وابن غديان واللحيدان والقائمة تطول؟ هل وجد منهم ما يستدعي صدعهم وصدمهم وشقَّهم؟
هل كانوا – معاذ الله – كحال مشركي العرب، أو من ذوي الأعراف الفاسدة البالية أو من ذوي العقول المتحجرة غير الفاقهة؟! إن هذا لشيء عجاب.
(4) إن شروط الصدع بالحق كما استوحاها الشيخ حاتم من حادثة الصفا: أن يكون قصيراً، صريحا (قاسياً)، بلا مجاملة أو ذكر قواسم مشتركة.
والملاحظة هي:
على فرض التسليم بهذه الشروط المستنبطة، هل امتثال هذه الشروط مع المؤسسة الدينية والتيار الديني السائد هو الأهدى والأجدى والأحكم والأسلم؟!.
إن الخلافات والمؤاخذات التي أثارها الشيخ حاتم بغية إصلاح المؤسسة الدينية -كما يظنّ- تستوجب منه طول النفس والصبر، والحوار والتشاور، وتقدير الطرف الآخر (العلماء)، والبحث عن القواسم المشتركة لتتم عملية التغيير إلى الأصلح، وإلا فلن يتمّ شيءٌ مما أمّله الشيخ بمجرد "قلْ كلمتك وامشِ"، وبــ"فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين".
(5) لقد قدّم النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وهو يصدع بالحق على المشركين على أنه الصادق الأمين تمهيداً لقبول خبره الجديد، وأقرُّوا له بذلك، كما ذكر الشيخ في مقاله.
والسؤال هنا:
بِمَ قدّم الشيخ نفسه للعلماء وللأمة؟. هل ما قدَّمه من أطروحات فكرية أو اجتهادات فقهية ستكون محل القبول والتسليم من الطرف الآخر؟.
أم أنه سيظلّ يعيش – والأعمار بيد الله – سنواتٍ عديدةً مُعلنًا بالصدع بالحق واقفاً على بوابة الإصلاح؟.
ويتضح هذا بالملاحظة التالية.
(6) إن الصدع بالحق – كما يعتقد الشيخ – مجرد إعلان عن حقبة جديدة وليس الحقبةَ نفسَها، إنما هو دعوة للتغيير وليس التغيير ذاته، إنما هو بوابة الإصلاح وليس خطة الإصلاح.
والصواب الذي أعتقده: أن الصدع بالحق هو الإصلاح ذاته والتغيير نفسه والحقبة الجديدة بعينها. فإن النبي صلى الله عليه وسلم ظلّ يدعو قومه ثلاث سنين سِرًّا، حتى نزل قول الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، فبدأ صدعه وجهره بالحق على الصفا، وبقي صادعا بالحق في كل منتدى بدعوة التوحيد، فإن التوحيد هو الإصلاح نفسه، ولن يستقيم أو يصح أيّ مشروع إصلاحي إلا به. وهكذا ظلَّ رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عشر سنين في مكة حتى هاجر إلى المدينة.
أكان يقدّم النبي صلى الله عليه وسلم طيلة هذه المدة إعلانات عن دعوة التوحيد، ويقف على بوابات الإصلاح، ويدعو إلى التغيير لا التغيير نفسه؟!
إن المعهود من الناس عندما يتنافس المرشحون في الانتخابات أن يطالبوهم بالخطط والمشاريع الإصلاحية، وإلا سقطوا إذا كان الأمر لا يعدو كونه مجرد دعايات وإعلانات.
ثم لو كان الأمر مجرد إعلانٍ وبوابةٍ لَمَا واجهته قريش ونابذته العداء منذ اللحظة الأولى لصدعه بالحق. ويتضح هذا بالملاحظة التالية.
(7) إن الشيخ خلط بين فترتي الدعوة في سريتها وجهرها، وذكر بأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يوضح معالم خطته الإصلاحية في هذا الصدع, وأنه لم يذكر بناءه الإصلاحي الذي أمضى فيه بعد ذلك الصدع ثلاثةً وعشرين عاما، هي سنوات البعثة المحمدية المباركة، بل لقد اكتفى بهذه الرسالة الصادعة: "إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ". وذكر في آخر مقاله بأن الغالبية العظمى لم يفهموا دعوة النبي صلى الله عليه من أول يوم, وكان عمُّه أبو لهب أوّلَـهم. فلم يكن عدمُ فهمهم دليلا على خطأ ذلك الصدع, ولا دليلا على خطأٍ في أسلوبه, ولا خطأٍ في توقيته؛ لأن سوء الفهم إحدى السُنن المتكرّرة للصدع بالحق.
أقول: سبحان الله العظيم! إني أتعجب من فهم الشيخ وتناقضه في هذه الفقرة. وأبتدئ بتصحيح خطأٍ - لعله سبق قلم - ألا وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمضى عشرين سنة بعد الصدع والجهر بالدعوة، وليس ثلاثةً وعشرين عاما. ثم يا تُرى إلى ماذا كان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم قبل الصدع بالحق إبان دعوته السريّة ثلاث سنوات؟ ألم تكن هي دعوة التوحيد: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}؟.
وهل يجوز أن يوصف أفصح من نطق بالضاد بلسان عربيٍّ مبين أنه لم يوضح معالم خطته في هذا الصدع؟، وهنا يجيء التناقض، إذ كيف يُثَرَّب على أبي لهبٍ والغالبية العظمى عدمُ فهمهم دعوة النبي صلى الله عليه من أول يوم, إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوضح معالم خطته؟. إنهم إذا لم يفهموا الدعوة حقًّا لم تقم عليهم الحجة الرسالية!، ومع ذلك تبت يدا أبي لهب وتب. والنبي صلى الله عليه وسلم بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة ونصح الأمة بكل معالم خطته الإصلاحية المعلومة المفهومة السهلة التي كان يفهمها الأعرابي البسيط، والمرأة، والصبي، والعبد، والحر، والملك الأعجمي، والسيّد القرشي {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}.
إن الذي أوقع الشيخ حاتم في هذه الورطات هي محاولته ليّ ذراع حادثة صدع النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ليتوافق مع حيثيات مقاله: "سنصدع بالحق". فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(8) كنتُ أتوقع - كما توقع غيري - أن يخفض الشيخ حاتم صوته، ويخفف لهجته تجاه إخوانه بل مشايخه العلماء لاسيما بعد أن صدع إخوانه بالحق أيضاً محذرين الشيخ من الورطات التي تورّط فيها، فإذا به يزداد حِدّةً وضراوة وصدعا وصدما. لماذا افتعال معركة في غير ميدانها الصحيح؟!
(9) كان من الممكن جدًّا أن يكون للمقال رونقه وبهاؤه لو أنه جاء قبل مقاله السابق:"سنصدع بالحق"، وسنفهم حينئذٍ من مقاله مباشرةً بلا عناء - انطلاقا من الموقف النبوي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي لهب ومشركي قريش - أن الصدع بالحق يتحتم أن يكون في وجوه المشركين والمنافقين والبدعيين (الصوفية والرافضة والزيدية) والمجاهرين بالفسق، والعلمانيين والليبراليين ... إلخ. فهؤلاء المنحرفون المهاجمون للتوحيد والسنة والشريعة والمستَخِفِّون بها هم الأخطر والأجدر بالردع والصدع والصدم والكدم، حينئذٍ يتحقق الائتساء والإقتداء بموقف النبي صلى الله عليه وسلم في صدعه!!
(10) ذكَّرنا الشيخ حاتم - رضي الله عنه - بهدي النبي صلى الله في صدعه بالحق مع المشركين والكافرين المحاربين للدعوة، فهل له أن يذكرنا - رحمه الله - بمواقف النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وأتباعه، بل مع الأعراب الجفاة، بل مع بعض الكفار؟
ألم يكن صلى الله عليه وسلم رؤوفا حليما معهم؟ {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}.وقال سبحانه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
مرة أخرى نذكر أخانا الشيخ حاتماً بضرورة مراجعة موقفه، والاهتداء بآيات الوحي الحكيم وهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في كيفية التعامل مع أهل العلم والذكر من أهل السنة والجماعة.
قال تعالى{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}، وقال سبحانه:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }وقال صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه)) رواه الإمام أحمد وغيره. والله أعلم
 
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
8
التخصص
فقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
حنبلي
قرأت مقالاً أدبياً أعجبني تصويره للواقع والخلاف الدائر, ومع كوني قد أوافق كاتبه من حيث بعض ألفاظه, إلا أن فكرته قوية. وهي لـ :

#####
حرر لخروجه عن آداب الحوار
المذكورة في ميثاق الملتقى
مع الاعتذار من الكاتب
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
هذا جوابي علي رَدَّينِ
هما ردُّ كلٍّ من الدكتور/الفاضل
والدكتور/ المهند
وقد بدأت بذكر جزء من كلامهما باللون الأسود , وبين أهلة , ومقدما بذكر القائل . ثم أذيله بجوابي باللون الأخضر , ومقدما بقولي : «وجوابي على هذا» .
وفق الله الجميع لما يحبه يرضاه .[FONT=&quot][/FONT]
يقول الأخ الفاضل من أبها : «يقول فضيلة الدكتور حاتم في معرض ردّه على د / عبد الله المهنّد :
(وأريد منه أن يعلم بأن العلماء قد أجمعوا بأنه لا يحق لعالم ولا للجنة من العلماء أن يُلزموا مسلما (حاكما أو محكوما) بقول لهم ما دام هناك عالم من علماء المسلمين يخالفهم باختلاف معتبر).
يبدو أن الشيخ الفاضل مستعجل جدّاً حتى في الأقوال التي ينسبها للفقهاء.
كيف يجمع العلماء على عدم إلزام الحاكم بقول ما دام في المسألة خلاف، وهم أصلاً يشترطون [FONT=&quot]–[/FONT] جمهورهم أو إجماعهم-على أن الحاكم لا بدّ أن يكون عالماً مجتهداً» .
وجوابي على هذا : حتى العامي أجمع العلماء على عدم جواز إلزامه بقول عالم , ما دام هناك خلاف معتبر في المسألة . وقد نقلت ما يدل على ذلك في كتابي (اختلاف المفتين) , ولو رجع إليه الأخوان لوجداه .
ولا يخفى أن أحد أهم الفروق بين المفتي والقاضي والحاكم التي يذكرها العلماء , ومنهم ابن القيم في( إعلام الموقعين) : أن الفتوى غير ملزمة للمستفتي , بخلاف الحكم , فإنه ملزم .
وهذا من أوضح الأمور في هذا الباب , فليت الأخوان الكريمان ترفّقا قبل الغمز واللمز والتصريح بالتجهيل , والذي إن كان باطلا فسوف يندما (حين لا ينفع الندم) أن يرياه في صحيفة الأعمال .
إنما يُلزم العامي بقول المفتي في مسائل الإجماع والتي ليس فيها خلاف معتبر , أما التي يختلف فيها العلماء اختلافا معتبرًا , فيحق للعامي فيها الأخذ بأي قول منها على وجه التديّن , ووفق اختيار منضبط , لا اتباعًا للهوى . وهذا أيضا مما أوضحته في كتابي المشار إليه بتفاصيله وقيوده ومنهجه , ولم أستعجل فيه برد دون تريّث .
ومن النصوص الواردة في كتابي المذكور : ما يلي :
ما قرره إمامُ الحرمين أبو المعالي الجويني ، حيث ذكر أوّلاً واجبَ الإمامِ الأعظم (الحاكم) تجاه البدع المخالفة للإجماع (وهي من الخلاف غير السائغ) ، ثم قال بعدها : «فأما اختلاف العلماء في فروع الشريعة ، ومسالكِ التحرّي والاجتهاد، والتأخِّي من طريق الظنون = فعليه دَرَجَ السلفُ الصالحون ، وانقرضَ صحبُ الرسول ^ الأكرمون ، واختلافُهم سببُ المباحثةِ عن أدلّة الشريعةِ ، وهو مِنّةٌ من الله تعالى ونِعْمَة ، وقد قال ^ :«اختلافُ أمتي رحمة» . فلا ينبغي أن يتعرّضَ الإمامُ لفقهاء الإسلام ، فيما يتنازعون فيه من تفاصيل الأحكام ، بل يُـقِـرُّ كلَّ إمامٍ ومتّبعيه على مذهبهم ، ولا يصدّهم عن مسلكهم ومطلبهم».
وتحدث الإمام النووي عن الإنكار في مسائل الاختلاف المعتبر , فقال : «والأصحُّ : أنه لا يغيّر ؛ لما ذكرناه . ولم يزل الخلافُ في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم (رضي الله عنهم أجمعين) ، ولا يُنكر محتسبٌ ولا غيرُه على غيره . وكذلك قالوا : ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه ، إذا لم يخالف نصًّا ، أو إجماعًا ، أوقياسًا جليًّا».
وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية :«ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره : إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تُنكر باليد ، وليس لأحد أن يُلْزِمَ الناسَ باتّباعه فيها ، ولكن يتكلّم فيها بالحجج العلمية ، فمن تبيَّـنَ له صحةُ أحدِ القولين تَـبِـعَـهُ ، ومن قلَّدَ أهلَ القولِ الآخر، فلا إنكار عليه» .
بل لقد نقل شيخُ الإسلام ابن تيمية الإجماعَ على ذلك ، فقال :«وليس للحاكم وغيره أن يبتدئ الناس بقهرهم على ترك ما يسوغ وإلزامهم برأيه واعتقاده : اتِّفَاقًا ، فلو جاز هذا ، لجاز لغيره مثلُه ، وأفضى إلى التفرُّقِ والاختلاف ».
ويُـحمَلُ كلامُ هؤلاء الأئمة على ما لو كان الإلزامُ من الحاكم لا نظرًا منه للمصلحة العامة ، ودرءًا للمفسدة ، فهذا لا يكون إلا تسلُّطًا مفضيًا إلى التفرّق والخلاف (كما قال شيخ الإسلام) . أما إذا كان إلزامُ الحاكم بأحد الأقوال السائغةِ نظرًا منه إلى المصالح العامة ، فجائزٌ ، وتجب طاعته فيه .
وهذا مبنيٌّ على أن الاختلاف السائغ يجوز فيه الأخذ بأي قولٍ من أقواله :
إما ترجيحًا بالدليل لمن لاح له الدليل المرجِّح ، أو تقليدًا منضبطًا
لمن لم يظهر له وَجْهُ الرُّجحان . فلا يجوز الإنكار في مسائل الاختلاف السائغ على من اتّبعَ أيَّ قولٍ من أقواله ، سواء أكان اتّباعُه بناءً على الدليل أو على تقليده عالمًا معتبرًا ، ما دام مبتغيًا الحقَّ في اتّباعه أو في تقليده .
وقد صح عن سفيان الثوري أنه قال : « ما اختلفَ فيه الفقهاءُ فلا أنهى أحدًا من إخواني أن يأخذ به »([1]) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية : عمن يقلِّدُ بعضَ العلماءِ في مسائلِ الاجتهاد, فهل يُنكَرُ عليه؟ أم يُـهْجَر؟وكذلك من يعمل بأحد القولين؟ فأجاب : «الحمد لله : مسائل الاجتهاد مَنْ عَمِلَ فيها بقولِ بعضِ العلماءِ لم يُنكر عليه ، ولم يُهجر ، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه . وإذا كان في المسألة قولان : فإن كان الإنسان يظهر له رُجْحَانُ أحدِ القولين عملَ به ، وإلا قلّدَ بعضَ العلماءِ الذين يُعتمد عليهم في بيان أرجح القولين » .
هذه بعض الأقوال من كتابي المذكور , بما فيها قولي : « ويُـحمَلُ كلامُ هؤلاء الأئمة على ما لو كان الإلزامُ من الحاكم لا نظرًا منه للمصلحة العامة ، ودرءًا للمفسدة ، فهذا لا يكون إلا تسلُّطًا مفضيًا إلى التفرّق والخلاف (كما قال شيخ الإسلام) . أما إذا كان إلزامُ الحاكم بأحد الأقوال السائغةِ نظرًا منه إلى المصالح العامة ، فجائزٌ ، وتجب طاعته فيه » .
[FONT=&quot][/FONT]
ثم يقول الأخ الفاضل: «وبالتالي .. فالفقهاء أصلاً إنما يتحدثون عن حاكم مجتهد، فمتى أجمعوا على أن الحاكم غير المجتهد يختار ما يشاء من الأقوال من غير إلزام بشيء؟ وهم لا يتحدثون أصلاً عن الحاكم غير المجتهد..» .
وجوابي على هذا : أنه قد تبيّن بما سبق أن الأمر بخلاف كلام أخي الكريم , وأن الكلام عن العامي المستفتي , لا عن العالم المجتهد . وهذه أيضا مسألة واضحة غاية الوضوح في كتب أصول الفقه , وكلام العلماء فيها أكثر من أن يخفى .
ثم يقول الأخ الفاضل: «اللهم إلا إن كان الدكتور الكريم يرى أن حكّام عصرنا قد بلغوا مرتبة الاجتهاد .؟
طبعاً .. لا يعنيني الآن هل هذا شرط أم لا ، انا أتحدّث عن مدى دقّة نسبة قول للفقهاء وحكايته على أنه إجماع أيضاًُ » .
وجوابي على هذا : أنه قد تبيّن الآن إذا ما كنت دقيقا أو غير دقيق .
ثم يقول الأخ الفاضل: «ثمّ إنّ معنى هذا الكلام يا دكتورنا العزيز أن للحاكم أن يختار ما يشاء من أقوال الفقهاء وحينها فبإمكانه أن يجيز السندات الربوية والقروض البنكية، ويجيز الاختلاط، ولا تكاد تجد مسألة قد سلمت من خلاف، وحينها فما كان حراماً ينقلب حلالاً حين يريد الحاكم، وبدلاً من أن يدور الحكّام في فلك الأحكام الشرعية تدور الأحكام الشرعية في فلكهم وفي محيط هوائهم، وينقطع حينها شيء اسمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنّك لا تكاد تجد مسألة من مسائل المعروف والمنكر إلا وقد وقع فيها خلاف ، فلا يكون ثمّ أمر ولا نهي إلا في الضروريّات المتعلقة بوجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وحرمة الزنا ونحوها فقط!»
وجوابي : أن الأخ الكريم لم ينتبه للقيد الذي تكرّر في كلامي مرات عدة , ومنه النص الذي نقله هو عني في فاتحة رده , وهو قيد أن يكون الاختلاف معتبرا , وذلك في قولي : «ما دام هناك عالم من علماء المسلمين يخالفهم باختلاف معتبر» . فالكلام كله عن الاختلاف المعتبر , والذي تضمن كتابي المذكور بيان ضوابط التفريق بينه وبين الاختلاف غير المعتبر .
وأعتذر عن كثرة العزو إلى كتابي ؛ لأني أريد أن يعلم الأخ أنه قد ظلمني عندما أراد أن يصورني جاهلا بما أتكلم به . ونبهت هذا التنبيه حتى لا يقال بأني أريد التباهي بعلمي فخرا وزورا , وما أبعدنا بمثل هذه التهم عن أخلاق الإسلام الذي تحمسنا للدفاع عنه .
ثم يقول الأخ الفاضل: «القضية يا فاضل ليست في إلزام الحاكم برأي هيئة كبار العلماء مثلاً، القضية تحديداً في ضرورة وجود رقابة شرعية تضبط أن تكون الأحكام على وفق النصوص الشرعية وأن تكون الاجتهادات اتباعاً للنصّ وليس النصّ والأحكام تابعاًَ لأهواء الناس.
وإذا جاز للحاكم أن يختار ما يصلح من الأقوال الفقهية فمعنى هذا أن بإمكان حكّام هذا العصر أن يشطبوا على فقه المعاملات تماماً فلا يلتفتوا لأي حكم فقهي فيه بل يضعون من الأنظمة والقوانين المستوردة من الشرق والغرب ولا ضير عليهم حينها لأنه لا تكاد تجد مسألة في المعاملات والقانون المدني قد حصل فيها إجماع بين العلماء ولو حصل فسيبقى إجماعاً ظنيّاً يمكن أن يعارض كما عارض العلماء كثيراً من الاجتهادات المحكية.
وبإمكانهم أن لا يرفعوا بكلّ المسائل الفقهية رأساً، ويختاروا ما يريدون وسيكون موافقاً لرأي بعض الفقهاء المتقدمّين وإن لم يجدوا فقطعاً سيجدون من يقرّهم من فقهاء هذا الزمان، وبالتالي فليس شيء من أحكام الشريعة ونصوص الدين ملزماً للحكّام إلا ما كان ضرورياً من ضروريات الدين كالصلاة والزكاة وحرمة الخمر والربا وبصفة إجمالية طبعاً لأن في ثنايا هذه الضروريات خلاف واسع.
أهذا .. هو الحق الذي تريد أن تصدعنا به يا دكتور ..؟
وجوابي على هذا :الحق الذي صدعت به ليس هو اتباع الأهواء , ولكنه عدم مصادرة الاختلاف السائغ , وبيان أحقية كل مسلم أن يأخذ بما شاء من الاختلاف السائغ تديّنا (لا اتباعا للهوى) ووفق ضوابط بينتها في كتابي .
ولا أريد أن أتعقب كلامك بغير هذا الرد , لأني لا أنتصر لرضا الله تعالى بغضبه , ولا للعدل والإنصاف بالظلم والبغي . وعلم الله أني أقدر على أكثر مما تقدر عليه , ولا تنقصني القدرة عليه , لكن تنقصني جرأة التهافت فيه .

ثم يبدأ جوابي على د/المهند


يقول د.المهند: «وهل أدركت الآن أنك يا حاتم العوني اقتحمت ميداناً ليس لك؟ أم أنك ستواصل الحديث عن صبرك على أذى صناديد قريش؟!
لا تظلم مالكاً يا شيخنا حاتم!
شيخنا حاتم..
أمَّا أنك ما زلت في يثرب ، فذاك ما أتمناه ولا أقطع به».
وجوابي على هذا : لست حريصا على رأيك , المهم هو : ما أنا في عين الله تعالى .
ثم يقول د.المهند: «لكني أقول وأكرر إنك إن خرجت منها فإن رجوعك إليها عسير».
وجوابي على هذا : هو أن الأمر كما تقول , فهو عسير , إلا على من يسره الله تعالى عليه . خاصة إذا تذكّرَ المسلم ما هو الأعسر من ذلك , فالأعسر هو أن يكون المرء ظانًّا نفسه في يثرب , وهو في غيرها .
ثم يقول د.المهند: «دعني أحدثك -شيخنا- عن شيء اسمه (الفقه في الدين)، بعدما حدثتنا كثيراً عن الفقه في (مصطلح الحديث). فقد رأيناك أثبت في تعليقك الأخير أن ثمة عقوقاً وقطيعةً بينك وبين التفقه. (وعليك أن تحتمل هذا الكلام فهو من جنس كلامك عن "المؤسسة الدينية" التي جعلت فقهها عائقاً في طريق الإصلاح)» .
وجوابي على هذا : أني قد تحملت منك ومن غيرك ما هو أسوأ من هذا , وستلقاه في صحائفك يوم القيامة , فإن كان خيرا فزادك الله منه !
أما دعوى العقوق الذي بيني وبين الفقه , فإني لأرجو معه أن لا أتكلم فيما أجهل , سواء أكان فقها أم علوم السنة أم غيرها . ولا أحكم بذلك , ولكن سيتبيّن ذلك للعقلاء المنصفين إذا قرأوا كلامك وكلامي .
ومن المهم أيضا : أنني لا أدري كيف عرفت بهذا العقوق الذي بيني وبين الفقه ؟!
ولا أسمح لنفسي بالدخول في هذا النوع من الكلام , وأربأ بك أخي عن مثله .
ثم يقول د.المهند: «تقول يا شيخنا : (إن العلماء قد أجمعوا بأنه لا يحق لعالم ولا للجنةٍ من العلماء أن يُلزموا مسلما (حاكما أو محكوما) بقولٍ لهم ، ما دام هناك عالم من علماء المسلمين يخالفهم باختلاف معتبر)» .
وتقول : (إذا جاز للمسلم من عموم المسلمين أن يأخذ بما يتديّن الله به من أقوال العلماء , دون جواز إلزامه بقول من أقوالهم , فالحاكم لن يكون دونه في هذا الحق).
وتقول : إنك تريد تذكيري (بالموقف المشرف للإمام مالك عندما عرض عليه الخليفة أبو جعفر المنصور أن يلزم الناس بمذهب، فرفض الإمام مالك ذلك).
شيخنا حاتم!
دعني أشرح لك .. فلربما ترحَّمت معي على مالكٍ دون أن تحمِّله فاسد رأيك.
دعني أشرح لك .. فلربما فهمت عني ، فأمسكت عن صدعك بما توهمته حقاً.
دعني [FONT=&quot]–[/FONT]أيها الشيخ- أذكرك بالفرق بين مسألتين خلطت بينهما في صدعك:
المسألة الأولى: عالم يريد أن يلزم الناس بآرائه واختياراته في عباداتهم و ممارساتهم الخاصة التي لا تعلق لها بالشأن العام. فذاك ما رفضه الإمام مالك.
المسألة الثانية: تشريعات عامة (لا إثم فيها) يقصد بها حفظ نظام الناس ، وضبط مصالح دينهم ودنياهم وسدُّ الذرائع المفضية إلى الضرر والفساد. فهذا النوع هو ما نتحدث عنه. فإن كنت تفهم أن مالكاً يرفض الإلزام بهذا النوع من الاجتهاد فعلى فهمك وفقهك السلام».
وجوابي على هذا :
أولا : من أين جئت من خبر الإمام مالك أن الخليفة كان يقصد العبادات والممارسات الخاصة دون الشأن العام ؟!! والحاصل أن الخبر عام في كل أحكام الدين عباداتها ومعاملاتها والخاصة والعامة , فهو شاملٌ للقسمين اللذين ذكرتَهما كليهما , ولا دليل على هذا التخصيص الذي تذكره , لا في الخبر نفسه , ولا فقه هذا الباب (كما يأتي توضيح واضحِه قريبا) .
ثانيا : إن رفض الإمام مالك إلزامَ الناس في الشأن الخاص , دون الشأن العام , كما يريد أخونا الكريم , فهل ثبت أن الإمام مالكًا رضي الإلزامَ في الشأن العام ؟! هذا ما يلزم أخانا إثباته , وإلا كانت دعواه ساقطة , ومغالطة غير مقبولة . ويلزمه أيضا أن يذكر لي : هل رأى عالمٌ معتبر على مر التاريخ الإسلامي أنه يلزم الحاكمَ الالتزامُ بقولٍ له في الشأن العام (حسب تعبيرك) , لمجرد أنه قول صادرٌ من المفتي الرسمي أو من الهيئة الرسمية , مع وجود قول معتبر مخالف لقولهم ؟! والحاصل أني قد نقلتُ لك (في ردي على د/ الفاضل) الإجماعَ على خلاف ما تدعيه !!
وهنا أترحم على الإمام مالك لأنك ألزمته بمخالفة الإجماع , وبتقسيم يشبه التقسيم العلماني الذي يفصل الدين عن الحياة .
ثالثا : لا أدري كيف تكون التشريعات العامة لا إثم فيها , وهي تضبط المصالح الدنيوية وهي تسد ذرائع الفساد ؟!! والله إن هذا لهو الفقه الذي لا أفقهه فعلا !! هل هي العلمانية في ثوب إسلامي , فهي تفريق صريح بين : أحكام عبادات وممارسات خاصة , ثم تشريعات عامة !! فالأولى لا يجوز فيها الإلزام وهي ممارسات خاصة (حسب تعبيرك) , والثانية هي التي يجب فيها الإلزام , هكذا مطلقا , كما هو ظاهر عبارتك , بخلاف تقريري الذي يقيد ذلك الإلزام بما تقتضيه المصلحة العامة فقط . ويبقى الأصل عدم جواز الإلزام بقولٍ معتبر دون قول معتبر آخر , وهذا ما كانت تمارسه الأمة على مر القرون والدول : فمازال الفقهاء يختلفون في العصر الواحد , وكثيرا ما كان القضاة يختلفون أيضا , وربما كان هناك مفتون رسميون على المذاهب الأربعة, وقضاة عليها كذلك , والحاكم يأخذ بقول من رأى المصلحة في قوله , دون نكير , إلا إذا خرج إلى قول غير معتبر . وفي زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم وحكام أزمانهم (من الخلافة الراشدة إلى الدولة العباسية الأولى) : الأمر فيهم أوضح وأشهر : فهل كان هناك هيئة رسمية أصلا تُلزِمُ الحاكمَ بقولها , محرمةً عليه الأخذَ بقولٍ معتبر لفقهاء آخرين لمجرد أنه على خلاف الهيئة الرسمية !
وحتى لا أطيل على أخينا الكريم النقاش , أرجو منه أن يذكر هذا التفريق : عن أي فقيه من فقهاء الإسلام أخذه ؟ حتى لا يستمر نقاشه مع (مَن على فقهه السلام) من أمثالي !
ثم إذا أدت التشريعات العامة إلى مفاسد دنيوية وفتحت الذرائع للفساد , هل سيكون فيها إثم , أم لا ؟ فما الفرق بينها وبين أحكام العبادات , مادامت جميعًا قد يُؤثَّم من أفتى فيها بغير علم , ويُؤثَّم من قصّر في اجتهاده حتى أداه اجتهاده إلى مفاسد , ومادامت المفاسد الدنيوية هي مفاسد دينية أيضا لأن الشرع حرمها ويحاسب على إفسادها .
والله إنه ليحزنني أن يتجرّأ أخي الكريم بمثل هذا الكلام !!!
ثم يقول د.المهند: «مع أنك [FONT=&quot]–[/FONT]أيها الشيخ- لم تتنبه إلى أنك تمدح الإمام مالكاً لأنه رفض أن يُـلزَم الناس بمذهبه. لكنك [FONT=&quot]–[/FONT]في الوقت نفسه- تريد أن تلزم الناس برأي وترجيح أبي جعفر المنصور الخليفة الأمي طيب القلب الذي لا يملك آلة الاجتهاد ؟!»
وجوابي على هذا : أن هذا تقوّلٌ عليّ , وأنا أطالبه بعبارة واحدة تدل على إطلاقه هذا , فإن لم يجد فليس عليه إلا أن يعترف بخطئه , وأن يطلب مني أن أحلله على هذا الكلام الذي لم أتفوّه بما يُوهم به . ولن ينفعه أن يدعي أن هذا هو فهمه لكلامي ؛ لأن هذه الدعوى لا تكفي لتبرئة ساحته من التقول . ومما نقلته على جوابي على الأخ الفاضل من أبها من كتابي اختلاف المفتين قولي « ويُـحمَلُ كلامُ هؤلاء الأئمة على ما لو كان الإلزامُ من الحاكم لا نظرًا منه للمصلحة العامة ، ودرءًا للمفسدة ، فهذا لا يكون إلا تسلُّطًا مفضيًا إلى التفرّق والخلاف (كما قال شيخ الإسلام) . أما إذا كان إلزامُ الحاكم بأحد الأقوال السائغةِ نظرًا منه إلى المصالح العامة ، فجائزٌ ، وتجب طاعته فيه » . وأرجو أن تنتبه لقيد : السواغ في قولي : «الأقوال السائغةِ» .

ثم يقول د.المهند: «أنت [FONT=&quot]–[/FONT]أيها الشيخ- تدرك أن المدارس والمستشفيات والجامعات والوزارات والمحاكم والطرقات والمطارات وسائر مرافق دولة بني العباس ليست أملاكاً خاصةً لأبي جعفر المنصور. فهل يملك أن يفرض اجتهاده وترجيحه على تلك المرافق العامة وعلى العاملين فيها والدارسين، وهو لا يملك أصلاً آلة الاجتهاد والترجيح بين العلماء المختلفين؟!» .
وجوابي على هذا , هو : مع أني قد أجبتك عن أصل فكرتك الغريبة السابقة , فإني سوف أتنزل في الجواب لأقول هنا : ولا الفقهاء كذلك , فهم لا يملكون المدارس والمستشفيات والجامعات والوزارات والمحاكم والطرقات والمطارات وسائر مرافق دولة بني العباس , فمن هو الذي يحق له الإلزام عندك ؛ إذا كان التملك هو مناط الإلزام لديك . كما أنك نسيت وجوب طاعة ولي الأمر في هذه الأمور في غير معصية , وأنه ليس لأهل مشورته إلا أن يبينوا له اجتهاداتهم , ليأخذ هو (وبالطريقة التي يراها هو محققة للاختيار المناسب) من أقوالهم المعتبرة ما يحقق المصلحة العامة , وأن لا يُلزِمَ إلا بالأمر الذي لا تتحقق المصلحةُ إلا به (مثل بعض أنظمة المرور الإلزامية) .
ثم يقول د.المهند: «كما ترى [FONT=&quot]–[/FONT]يا شيخنا- فحديثنا معك ليس عن عالمٍ يريد إلزام الناس برأيه واجتهاده في خصوصياتهم. بل هو حديث عن دولة لها نظم وتشريعات يفترض استمدادها من الشرع المطهر. فهل لديك رؤية واضحة عن كيفية سن هذه النظم والتشريعات؟!»
وجوابي على هذا : نعم لدي رؤية واضحة , ومع أن سؤالك هنا جاء في سياق يجيز لي (على رأي) أن لا أذكرها لك , فقد قيل : لا تُفِدْ مجادلا مستجهلا , فإنه ينتفع الفائدة منك مجانا , دون اعتراف بالإفادة . ولكن لأني لا أريد اعترافك وشكرك , ولكني أريد هدايتك وهداية من قد يظنك على حق , فسأضع لك هنا مختصر اجتهادي في ذلك :
1-[FONT=&quot] [/FONT]يعلم كل مُطّلِعٍ على فِقْهِ هذا الباب أن المسألة الشرعية إذا كان فيها خلاف معتبر فإنه يجوز لعوام المسلمين (فضلا عن الحكام) أن يأخذوا بأي قولٍ منها , وفق ضوابط معينة في التخيُّـرِ من بين تلك الأقوال المعتبرة . وبالتالي : لا يجوز لعالمٍ أو هيئةٍ علميةٍ أن تُلزمَ الحاكم بقولها , ما دام القول الآخر ما زال ضمن دائرة الاختلاف المعتبر ؛ إذ لا يمكن أن يكون لعوام المسلمين هذا الحق في الاختيار المنضبط , ثم لا يكون للحاكم هذا الحق .
2-[FONT=&quot] [/FONT]أهم ما يجب على الهيئات الشرعية والعلماء أن يبينوه للحكام في مسائل الاختلاف الفقهي : أن يميزوا لهم بين الأقوال المعتبرة وغير المعتبرة , بكل انضباط علمي في هذا التصنيف , دون إخفاء حقائق مهمة , ودون تصنيفٍ بلا ضوابطَ صحيحةٍ بين هذين النوعين من الاختلاف , كما يقع كثيرا . يفعل العلماء ذلك لكي يقولوا للحاكم : هذه أقوال معتبرة يجوز لك التخيُّـرَ منها ما يحقق المصلحة , وفق ضوابط معينة لهذا التخيُّـر . ثم يُتمِّمَ العلماءُ عطاءهم للحاكم بقولهم : وهذه أقوال غير معتبرة , فلا يجوز الإقدامُ عليها ؛ إلا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات , وعند تحقُّقِ شروط الاضطرار الشرعية , والتي تشمل صور الاضطرار السياسي المنطلقة من السياسة الشرعية . هذا إذا كان هناك داعٍ لذكر الأقوال غير المعتبرة , كما لو كان الحاكم مطلعا عليها أصلا .
3-[FONT=&quot] [/FONT]على الحاكم أن يسعى إلى عدم حصول انغلاق في هيئته الشرعية على رأيٍ واحدٍ واجتهادٍ واحد ؛ لأن هذا سيضيِّـقُ عليه الاطلاعَ على أقوالِ الاختلافِ المعتبر , والتي قد يكون تحقيقُ المصلحة العامة في أحدها دون الآخر . ولذلك كان من أهم وجوه إصلاح دَور الهيئات الشرعية هو تحقيقُ هذا التنوع الفقهي المنضبط فيها , لكي تكون قادرةً على استيعاب الأقوال المعتبرة في مسائل الشرع .
4-[FONT=&quot] [/FONT]يحق للهيئة الشرعية أن تنصح الحاكم بما تراه من الأقوال أرجحَ وأصوب (سواء كان هذا الترجيح باتفاق هذه الهيئة أو بأغلبية أعضائها) , ولكن لا بد أن يعترفوا له بوجود أقوال أخرى (إن وُجدت) هي أقوالٌ معتبرة , يحق له الاختيار منها ما يحقق المصلحة ؛ لأن الحاكم لا كغيره من عوام المسلمين في احتياجه في سياسته وإدارته لشؤون البلاد للآراء المتعدّدة التي يختار منها أصلحَها في قيادة شأن البلاد .
5-[FONT=&quot] [/FONT]إذا اختار الحاكمُ من الأقوال المعتبرة ما يرى أنه يحقق المصلحة , فلا يحق للهيئة الشرعية أن تعترض عليه لأنه لم يأخذ بترجيحها هي (سواء كان ترجيحها باتفاق أعضائها أو بأغلبيتهم) ؛ حيث إن ترجيحها واختيارها قولا من بين الأقوال المعتبرة لا يُلزم عمومَ المسلمين , فضلا عن الحاكم . إلا إذا ثبت أن اختيار الحاكم يحقق مفسدة ظاهرة (لا مجرد متوهمة) , فيحق للعلماء نصحه بتغيير اختياره , لا من جهة أنه خالف اختيارهم , ولكن من جهة أن المصلحة التي يسعى الحاكمُ إليها لا تَـتَحقَّـقُ باختياره . وإن كان الأصل في الأقوال المعتبرة : أنها ما كانت معتبرة ؛ إلا وهي بعيدةٌ عن تحقيق مفاسدَ ظاهرةٍ غالبة .
6-[FONT=&quot] [/FONT]أما إذا اختار الحاكم بسبب الاضطرار قولا غير معتبر , فعليه واجبُ إقناع العلماء بأنه ما اختار هذا القول أو ما اتخذ هذا القرار إلا اضطرارًا , وينبغي أن يكون إقناعه لهم بذلك إقناعا حقيقيًّا , لا إكراهًا . وإلا فليعذر الحاكمُ العلماءَ إن ساءهم ذلك , وإن رأوا أن أمانة العلم تُلزمهم ببيان ذلك علانية للناس , إذا لم يؤدّ بيانُهم إلى فتنةٍ أكبر من فتنة اتخاذ القرار غير الشرعي , وإلى خروج وفساد عريض . كما أنه إذا ظهر للعلماء أن الحاكم متأوّلٌ في اختياره المخالف للشرع , وأنه كان يظن اختياره موافقًا للشرع , فعليهم من واجب الترفّق به , كما يجب هذا الترفُّق لكل متأول (حاكما أو محكوما) , بل حق الحاكم من ذلك الرفق أكبر , حتى يقنعوه برأيهم . وهذا يبيِّنُ ضرورة أن تكون علاقة الحاكم بالعلماء علاقة قوية مبنية على الثقة والمصارحة التامة , لكي يفهم العلماءُ الحاكم , ولكي يفهم الحاكمُ العلماءَ .
هذا هو بعض التصور الصحيح لعلاقة العلماء بالحاكم , ولعلاقته بهم , مختصرًا . وكنت قد أجبت به موقع (إسلام أون لاين) بتاريخ 4/11/1430هـ , ونُشر في غيره من المواقع .
وبعرض هذا التصور على واقع علاقة الهيئة الشرعية في المملكة بالحاكم سنجد أن هناك جوانب قصور عديدة , وهناك وقائع عديدة , قريبة وبعيدة , تدل على هذا القصور . والمسؤول عن إصلاح هذه الجوانب من القصور : هم العلماءُ والحاكمُ معًا .
وهنا أنبّه إلى أن قاعدة هذه العلاقة الصحيحة السوية بين الحاكم والهيئة الشرعية وقِوامها على أمر مهم , وهو مدار عامة هذا التأصيل : ألا وهو التفريق بين الاختلاف المعتبر وغير المعتبر , والموقف من كل واحد منهما وطريقة التعامل معه ومنهج استثماره . وهذا ما كنت قد حرصت على بيانه بكل ما استطعت من جهد : في كتابي (اختلاف المفتين) , لكي لا تبقى هذه المسألةُ ضبابيةَ المعالم (كما هو واقع غالبا) , لتعاني بسبب ذلك قدرًا كبيرًا من النِّسبيّـة وعدمَ القدرة على القطعية المطلوبة فيها , وهو الأمر الذي يُفقد هذه المسألةَ قُدرتَها على الاعتماد عليها في مثل هذا التأصيل المهم . ولذلك حرصت على بيانها في كتابي المذكور , لكي لا يبقى هناك عذر بعدم استثمارها في مثل هذا التأصيل المهم جدا .
ثم يقول د.المهند: «فإذا اختلفت الآراء بين يدي أبي جعفر المنصور، فقال له بعض العلماء: (هذا النظام الذي تريد سنه فيه محذور شرعي)، وقال آخرون [FONT=&quot]–[/FONT]من معاشر المتخصصين الصادعين بالحق-: (بل هو حلال يا أمير المؤمنين).
فما المخرجُ [FONT=&quot]–[/FONT]في رأيك- إن كان أبو جعفر المنصور لا يملك آلة الترجيح؟» .
وجوابي على هذا : المخرج كالمخرج فيما لو سأل عاميٌّ فقيهين : فأجاب أحدهما بالحِلِّ والآخر بالحرمة , واعترف له الفقيهان أن كل قول من القولين معتبرٌ سائغٌ غير مقطوع ببطلانه (على حد قول الإمام الشافعي : قولي صواب يحتمل الخطأ , وقول غيري خطأ يحتمل الصواب) . وهذا المخرج هو ما شرحته في كتابي المذكور سابقا . وهنا أسألك أنت : ما هو المخرج ؟ وماذا يفعل هذا العامي ؟ هل يلزمه قول أحد المفتين مطلقا أو بعضهم مطلقا ؟
ثم يقول د.المهند: «وإذا كنت تقول إن "المؤسسة الدينية" لم تحسن تطبيق قاعدة سد الذرائع، فهل تتوقع من أبي جعفر أن يكون أمهر في تطبيقه لها؟»
وجوابي على هذا :
أولا : لا يحق لك الاستخفاف بأبي جعفر المنصور هذا الاستخفاف , أم أن كل من سوى هيئة كبار العلماء فإنه يجوز الاستخفاف به عندك ؟! فأبو جعفر ليس كما تصوره , فقد قال عنه الإمام الذهبي : «كان فحل بني العباس هيبة وشجاعة , ورأيا وحزما , ودهاء وجبروتا , وكان جماعا للمال حريصا , تاركا للهو واللعب , كامل العقل , بعيد الغور, حسن المشاركة في الفقه والأدب والعلم» . ولعله بحُسن مشاركته في الفقه في زمنه يكون أعلم من كثير ممن يُشار إليهم بالفقه في زمننا . وأبو جعفر المنصور هو القائل للإمام مالك : ««ضعْ هذا العلمَ ، ودَوِّنْ كُتُـبًا ، وتَـجَنَّبْ شدائدَ ابنِ عمر ، ورُخَصَ ابنِ عباس ، وشواذَّ ابنِ مسعود ، واقْصِدْ إلى أوسطِ الأمور ، لِتَحْمِلَ الناسَ على كُتُبِكَ وعِلْمِكَ » . فهل من وصل به العمق هذا الحد , وأن ينصح الإمام مالكا مثل هذه النصيحة الجليلة والتي تدل على بعد غوره وعلى مقدار حسن مشاركته في الفقه , يستحق أن يُستخف به ؛ لأنه ليس من هيئة كبار العلماء !!
ثانيا : قاعدة سد الذرائع متعلقة غاية التعلق بإدراك الواقعة محل البحث , وليست متعلقة غالبا بالحكم الشرعي الأصلي . فالجميع يعلم حكم فاحشة الزنا , ولكن إدراك أن أمرًا ما في واقع معيّن سيكون ذريعةً إليها أو ليس ذريعة إليها , هذا لا يعلمه الفقيه الذي لا يعرف تلك الواقعة , وإنما يعرفه من عرفها . فليس الفقيه بأولى من السياسي في إدراك سد الذرائع السياسية التي لا يعرفها الفقيه , إذا كان الفقيه لا يعرفها فعلا . وليس السياسي بدون الفقيه في إدراكها إذا كان السياسي يعلم الحكم العام للمسألة ويدرك وجوب سد الذرائع دون مفاسدها , بل الأصل حينها أن السياسي أقدر على الحكم فيها ؛ لأنه عرف الحكم وعرف وجوب سد الذريعة , وهو أدرى بالواقعة السياسية من الفقيه الذي لم يمارس الحكم ولا سياسته .
ثالثا (وهو الأهم في الجواب) : لم أقل إن المسألة ثنائية : بين أبي جعفر والهيئة الرسمية , بل هناك علماء آخرون ليسوا في الهيئة , ويدخلون في المعادلة . ويجب على علماء الهيئة أن لا يُلغوا الاجتهادَ المعتبر لهؤلاء العلماء الآخرين إذا ما قدّموه للحاكم , ويجوز للحاكم أن يأخذ بقول هؤلاء العلماء الذين خارج هيئته , ولا يلزمه قول هيئته ؛ إلا إذا كان خلاف غيرها لها من قسم الخلاف غير معتبر .
ثم يقول د.المهند: «أنت تعلم أن أبا جعفر لم يدَّع يوماً أنه درس أصول النظر و قواعد الاستدلال والترجيح ، ولا زعم أنه قرأ (موافقات) الشاطبي، ولا (أُمَّ) الشافعي ، ولا (مغني) ابن قدامة ، ولا (محلى) ابن حزمٍ...والمسألة المختلف فيها ليس مسألةً شخصيةً تخصُّه. بل هي مسألة تتعلق بتشريعٍ ونظام دولةٍ يمس الجميع.
فما رأيك يا شيخنا؟
هل لديك حلٌّ ومخرج من هذا سوى أن يوكِل أبو جعفر المنصور أمر الترجيح لمن يحسنه؟ أم أن من رأيك وفهمك وفقهك وعلمك وصدعك بالحق: أن للمنصور [FONT=&quot]–[/FONT]مهما كانت قدراته- حقَّ الترجيح والإلزام كيفما اتفق؟» .
وجوابي على هذا : أنني أظنني قد أجبتك بوضوح .
ثم يقول د.المهند: «ولك أن تلحظ أن حديثنا كله إلى الآن عن الخلاف المعتبر. فما رأيك لو انتقلنا للشقِّ الآخر، وتساءلنا: حسب منهجك المقترح، كيف يستطيع أبو جعفر المنصور أصلاً أن يميز بين الخلاف المعتبر من الخلاف غير المعتبر؟!
فإذا قال له عالم: (هذا خلاف معتبر). وقال آخر: (بل هو خلاف غير معتبر)».
وجوابي على هذا : أني تكلمت عن ذلك في كتابي المذكور , ولم أكن غافلا عنه , كما يظن لأخي الكريم . ويمكنك الرجوع إليه , لتعرف جوابي .
ثم .. الاختلاف في اعتبار الخلاف من عدم اعتباره لا ينال كل مسائل الاختلاف , فهناك مسائل لا خلاف في كون خلافها معتبرا , وهناك مسائل لا خلاف في كون خلافها غير معتبر . وأما القسم الوسط (وهو ما وقع في اعتباره الاختلاف) فستجد الحديث عنه في كتابي .
وأقصد من بيان هذا التقسيم أن تجيبني عن هذا السؤال : ماذا تقول أنت فيما لا خلافَ في كون خلافه معتبرا ؟ ولا تخالف الهيئةُ نفسُها في اعتباره ؟ هل تُلزِمُ الحاكمَ بترجيحها ؟ مع أن عوام المسلمين لا يجوز إلزامهم به هكذا !
أم أن الحلَّ عندك : هو أن يدّعي بعضُ الفقهاءِ عند الخليفة أن خلاف غيرهم من الفقهاء خلافٌ غير معتبر , وهم يعلمون أنه (في الحقيقة) خلافٌ معتبر؟! هل هذه الخيانة هي الحلّ عندك؟! أم أن خيانة كتمان العلم هي الحل ؟! بأن يُـخْفُوا عنه الخلافَ المعتبر (لو استطاعوا إخفاءه) ؟!! ثم ماذا لو اطّلع عليه عند غيرهم , ثم سألهم عن اعتباره من عدم اعتباره ؟! هل يكذبون عليه فيدعون عدم اعتباره ؟ أم يقولون الحقيقة , وهي : أن خلاف غيرنا خلافٌ معتبر , ولكننا نرجح غير قولهم , ولا يلزمك ترجيحنا ؛ لأن خلاف غيرنا معتبر , ولكن يلزمك تحقيق المصالح ودفع المفاسد وفق شرع الله الذي لا يَـخرُجُ عن اجتهادات الخلاف المعتبر ؟!
ولا تحتاج يا أخي إنشاءَ جواب جديد عن هذه الأسئلة ؛ فإن الجواب ظاهر لكل من تمعن كلامي السابق .
ثم يقول د.المهند: «فما مقترحاتك التي تطرحها على أبي جعفر المنصور، كي يواصل مسيرة الإصلاح في حدود الخلاف المعتبر؟
اقرأ هذا الكلام [FONT=&quot]–[/FONT]يا شيخنا- لتعرف الفرق بين الموقف المشرِّف للإمام مالك (رحمه الله)، وبين الفوضى اللاخلاقة التي تدعو المنصور إليها باسم الإصلاح».
وجوابي على هذا : أني قد قرأت هذا الكلام وعرفت أين هي الفوضى اللاخلاقة واللاأخلاقية ! وعرفت ما هي مشكلتنا فعلا , وإلا لما اعترضتَ مثل هذه الاعتراضات البعيدة عن الصواب الواضح .
ثم يقول د.المهند: «مع أن العجب لا ينقضي من موقفك [FONT=&quot]–[/FONT]شيخنا-، حين تمدح مالكاً بأنه رفض إلزام الناس بمذهبه. في حين أنك بالأمس تفخر بتأييدك لقرار (تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية)، مع أنه قرار ملزم للتجار لا خيار لهم فيه!!» .
وجوابي على هذا , أن أقول : والقرار الذي يسير عليه الأمر حتى الآن (وهو تذكير محلات بيع المستلزمات النسائية) كان ملزما أيضا , فهل أنت راضٍ عنه أيضا ؟!
ثم لماذا تعاود التقوّلَ عليّ , وأنا كررت أني أريد إقرار هذا القرار بضوابط , ولم أقل إني أقره هكذا مطلقا . فكيف تستجيز نسبة هذا القول إليّ , مع أني قد كررت هذا القيد مرتين في ذلك السياق المختصر ؛ لكي لا يبغي أحدٌ عليّ بنسبة قولٍ إليّ غير قولي . فقد قلت في صدعي بالحق : « كنت أصرح بدعمي لهذا المشروع بضوابط , لكن الصوت العام كان هو الرفض والممانعة ,كالعادة , دون محاولة تَفَهُّمٍ لأهمية قبوله بضوابط» . هذا هو كلامي بالحرف الواحد, وبهذا الوضوح الذي لا يقبل الخطأ في سوء فهمه !!
وليس نقاشي الآن فيما هي الضوابط , ولا في كون الممانعة كانت للقرار بضوابط أو بغير ضوابط . ولكن في نسبتك إلي القول بقبول القرار هكذا مطلقا , بفصه ونصه .
ثم يقول د.المهند: «فهل يحرم [FONT=&quot]–[/FONT]بالإجماع- الإلزام برأي مالكٍ و"المؤسسة الدينية"، في حين يجوز الإلزام برأي الإمام غازي؟! أم أن لملوك الحبشة [FONT=&quot]–[/FONT]عندك- أحكاماً تختلف عن أحكام المستضعفين من سكان حارة "المؤسسة الدينية"؟!
خلاصة القول أيها الشيخ... أن أنظمة الدولة حين تتعلق بالحلال والحرام:
فإن كان الحاكمُ يملك آلة الاجتهاد والتمييز ، فلا تبرأ ذمته إلا بأن ينيب عنه من يملكها.
كما أنه إن لم يحسن قيادة الحروب ، فواجبه أن ينيب من يحسن ذلك .
وكما أنه إذا لم يحسن القضاء بين الناس ، فواجبه أن ينيب من يحسنه .
ومتى باشر بنفسه هذه الأمور فإنه يجني على نفسه وعلى رعيته .
هذا كلام فقهائنا قديماً» .
وجوابي على هذا : فماذا يقول فقهاؤنا قديما : عن الحاكم الذي اختلف عنده الذين يحسنون , وهم العلماء أنفسهم (قبل أن يكون في تاريخ الدول الإسلامية هيئة رسمية أو بعد ذلك) , وهؤلاء المختلفون من العلماء المعترف لهم بالعلم والاجتهاد فيه هم أنفسهم يعترفون أحيانا للحاكم بأن خلافهم معتبر ؟ ولذلك فليس هناك قول من أقوالهم مقطوعًا به ؟ أو كان جمهور العلماء المعتبرين من الفقهاء القدماء على خلاف قول هيئته العلمية ؟ هل يحق للحاكم أن يأخذ بما يراه أصلح من ضمن هذه الأقوال المعتبرة ؟ أم يلزمه قول الهيئة ؟ وما هو جواب هذا الرأي الأخير على إجماع الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين على خلافه ؟!! وعلى لوازم هذا القول التي سيأتي بعضها ؟
ثم يقول د.المهند: «وهو عينه ما يقصده المتحدثون اليوم عن (دولة المؤسسات).
فالمصلح الحقيقي يدعو لمثل هذا...وأما من يدعو لمزيدٍ من المركزية والاستبداد بالرأي ممن لا يحسنه..فذاك الداعي مفسدٌ في ثوب مصلحٍ ، حتى وإن لم يشعر بذلك» .
وجوابي عن هذا أن أقول : ومن يريد أن ينقل صلاحيات الحاكم إلى بعض العلماء دون بعض , ليُسيِّـروا هم شؤونَ الدولة , ملغينَ دورَ غيرهم من العلماء في الإصلاح , بإلغائهم للخلاف المعتبر من الاعتبار , هذا هو من يريد ممارسة الاستبداد ؛ لننتقل من استبداد الحاكم إلى ولاية الفقيه وحكم المعصومين من الملالي الذين لا يجوز أن يخالفهم أحد , ولا يحق للحاكم أن يأخذ بقول معتبر لغيرهم . وهذا هو الذي يريد أن لا يكون للحاكم أي دور في اتخاذ القرار , وأنزله دون منزلة عوام المسلمين الذين لا يلزمهم الأخذ بفتوى المفتي إذا كان غيره من المفتين يخالفه بقول معتبر , فجعل عوام المسلمين أعلى من الحاكم !
ثم يقول د.المهند: «أخيراً .. شيخنا حاتم!
هل أدركت الآن الفرق بين فقهك وبين فقه مالك؟
وهل أدركت أنك اقتحمت ميداناً ليس لك؟»
وجوابي على هذا : أدركت أنك تدين لي بالاعتذار عن هذا الكلام !
ثم يقول د.المهند: «أم أنك ستواصل الحديث عن صبرك على أذى صناديد قريش؟!» .
وجوابي على هذا : أني سأواصل الصبر على أذى الظالمين من إخواني المسلمين , وأسأل الله تعالى أن لا يزيدني بغيُهم وظلمُهم إلا صبرا , أجد له لذةً من لذائذ البطولة ومتعةً تشبه متعةَ التعرض للأخطار , وأرجو أن أجد له لذة العبادة أيضا , وأن أستحضر فيه ابتغاء الأجر والثواب , فيكون الله تعالى قد جمع لي ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة .
مع أن الردَّ العلميَّ الهادئ أنكى في الإيلام وأقوى في الأذى وأبقى أثرًا وأبعد عن الإثم وأقرب إلى التوفيق من الله تعالى وإلى النصر والتأييد منه . وما مارسه بعض طلبة العلم معي يؤلم كثيرا ؛ إلا عند أزالَ ألمه بتذكُّرِ عظيم الأجر على الصبر , وبأن عاقبة الظلم وخيمة , وأن العاقبة للمتقين .
وأخيرا : كان كثير من طلبة العلم الذين انتقدوا مقالي قد ادعوا أنه ليس هناك ما يدعو لمقالي ؛ لأن الهيئة لم تصادر الخلاف المعتبر . ويقولون لي : إنك وغيرك كنتم ومازلتم تخالفون الهيئة , فما الجديد الذي تطالب به ؟ فكنت إذا قلت : إن مما أطالب به عدم مصادرة الاختلاف المعتبر , والذي كان يتم سابقا من الهيئة , بمثل البيان الذي صدر ضد فتوى جواز الأخذ من اللحية فيما تجاوز القبضة , وبمثل التشنيع والتشديد على الأقوال المعتبرة وكأنها أقوال شاذة لا اعتبار لها , وبمثل عدم اعتداد الهيئة وكثير من طلبة العلم بأي اجتهادٍ صدر من غير الهيئة , وعدم عدّهم إياه حلا إسلاميا , لمجرد أن الهيئة تعدُّه قولا مرجوحا , ولو كان من الاختلاف المعتبر ! كنت إذا قلت هذا , قيل لي : هذا كله لا وجود له !!! مع وجود شواهد الوجود في الوجود !!!
فجاء الأخوان الكريمان (الفاضل والمهند) ليؤصلا لهذا الأمر : وهو أنه على الحاكم أن يلتزم بقرار الهيئة وحدها , حتى لو كان خلاف غيرها معتبرا !! (وإن قيده أحدهما بالشأن العام) !! وهذا عين ما أنكر الآخرون عليَّ وجوده , وادعوا عدم وقوعه !! فيكفيني أن أجيب على بعض المنتقدين ببعض المنتقدين , وعليهم أن يوحدوا صفهم ضدي , قبل هذا التنازع الذي يصيبهم بالفشل وذهاب الريح .
إلا إن كان الأخوان الكريمان (الفاضل والمهند) يذهبان إلى أن كل قول يخالف قول الهيئة فهو قول غير معتبر ؛ فلا يلوماني إن قلت إذن : إن بعض إخواننا يحكمون بعصمة الهيئة !!!
ولا يصح أن يبلغ التناقض في الردّ عليَّ : أن يصدر هذا التناقض من شخص واحد , فينكر وجود ما طالبتُ الهيئةَ بإصلاحه , ثم يقرّرُ هو نفسُه أن ما أطالب بإصلاحه صالحٌ لا يحتاج إلى إصلاح !! فأرجو أن يحدّد المناقش لي موقفه من هذه المسألة :
-[FONT=&quot] [/FONT]هل يجيز للهيئة مصادرة الاختلاف المعتبر على الحاكم وغيره , أم على الحاكم وحده ؛ بحجة أنها سلطة تشريعية ملزمة ؟ فلا ينكر صاحبُ هذا الرأي عليَّ إثبات وجود ذلك , لكن ليناقشني صاحبُ هذا الرأي في صحته من عدم صحته , والتي لا يناقش فيها إلا من لا يعرف بالإجماع .
-[FONT=&quot] [/FONT]أم لا يجيز ذلك , لكنه ينكر عليَّ حصول ذلك من الهيئة ووقوعَه منهم . ولا ينكره إلا من كان بعيدا كل البعد عن الواقع , أو أنه يغالط ويكابر الحقَّ الذي لا تخفى شواهده . ولو لم يكن من شواهده إلا مذهب د/ المهند وأمثاله (من أصحاب القول السابق) لكفاه إثباتا ؛ لأنه كالاعتراف , الذي هو سيد الأدلة !
هذا هو جوابي عن هذين الردين , الذي أرجو أن يوضح الحقَّ لمبتغيه .
والله الهادي إلى سواء السبيل .
والله أعلم .
19/11/1430هـ












http://www.mmf-4.com/vb/#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT] [FONT=&quot]أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقّه (2/69) ، بإسنادٍ صحيح إلى رَوّاد بن الجراح، عن الثوري. وروّاد وإن كان مضعَّفًا وفي الثوري خاصة ، إلا أن مثل هذا النقل عن شيخه مما لا يستوجب متانةَ حفظٍ لإتقان نقله .[/FONT]


 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
هذا جوابي علي رَدَّينِ
هما ردُّ كلٍّ من الدكتور/الفاضل
والدكتور/ المهند
وقد بدأت بذكر جزء من كلامهما باللون الأسود , وبين أهلة , ومقدما بذكر القائل . ثم أذيله بجوابي باللون الأخضر , ومقدما بقولي : «وجوابي على هذا» .
وفق الله الجميع لما يحبه يرضاه .[FONT=&quot][/FONT]
يقول الأخ الفاضل من أبها : «يقول فضيلة الدكتور حاتم في معرض ردّه على د / عبد الله المهنّد :
(وأريد منه أن يعلم بأن العلماء قد أجمعوا بأنه لا يحق لعالم ولا للجنة من العلماء أن يُلزموا مسلما (حاكما أو محكوما) بقول لهم ما دام هناك عالم من علماء المسلمين يخالفهم باختلاف معتبر).
يبدو أن الشيخ الفاضل مستعجل جدّاً حتى في الأقوال التي ينسبها للفقهاء.
كيف يجمع العلماء على عدم إلزام الحاكم بقول ما دام في المسألة خلاف، وهم أصلاً يشترطون [FONT=&quot]–[/FONT] جمهورهم أو إجماعهم-على أن الحاكم لا بدّ أن يكون عالماً مجتهداً» .
وجوابي على هذا : حتى العامي أجمع العلماء على عدم جواز إلزامه بقول عالم , ما دام هناك خلاف معتبر في المسألة . وقد نقلت ما يدل على ذلك في كتابي (اختلاف المفتين) , ولو رجع إليه الأخوان لوجداه .
ولا يخفى أن أحد أهم الفروق بين المفتي والقاضي والحاكم التي يذكرها العلماء , ومنهم ابن القيم في( إعلام الموقعين) : أن الفتوى غير ملزمة للمستفتي , بخلاف الحكم , فإنه ملزم .
وهذا من أوضح الأمور في هذا الباب , فليت الأخوان الكريمان ترفّقا قبل الغمز واللمز والتصريح بالتجهيل , والذي إن كان باطلا فسوف يندما (حين لا ينفع الندم) أن يرياه في صحيفة الأعمال .
إنما يُلزم العامي بقول المفتي في مسائل الإجماع والتي ليس فيها خلاف معتبر , أما التي يختلف فيها العلماء اختلافا معتبرًا , فيحق للعامي فيها الأخذ بأي قول منها على وجه التديّن , ووفق اختيار منضبط , لا اتباعًا للهوى . وهذا أيضا مما أوضحته في كتابي المشار إليه بتفاصيله وقيوده ومنهجه , ولم أستعجل فيه برد دون تريّث .
ومن النصوص الواردة في كتابي المذكور : ما يلي :
ما قرره إمامُ الحرمين أبو المعالي الجويني ، حيث ذكر أوّلاً واجبَ الإمامِ الأعظم (الحاكم) تجاه البدع المخالفة للإجماع (وهي من الخلاف غير السائغ) ، ثم قال بعدها : «فأما اختلاف العلماء في فروع الشريعة ، ومسالكِ التحرّي والاجتهاد، والتأخِّي من طريق الظنون = فعليه دَرَجَ السلفُ الصالحون ، وانقرضَ صحبُ الرسول ^ الأكرمون ، واختلافُهم سببُ المباحثةِ عن أدلّة الشريعةِ ، وهو مِنّةٌ من الله تعالى ونِعْمَة ، وقد قال ^ :«اختلافُ أمتي رحمة» . فلا ينبغي أن يتعرّضَ الإمامُ لفقهاء الإسلام ، فيما يتنازعون فيه من تفاصيل الأحكام ، بل يُـقِـرُّ كلَّ إمامٍ ومتّبعيه على مذهبهم ، ولا يصدّهم عن مسلكهم ومطلبهم».
وتحدث الإمام النووي عن الإنكار في مسائل الاختلاف المعتبر , فقال : «والأصحُّ : أنه لا يغيّر ؛ لما ذكرناه . ولم يزل الخلافُ في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم (رضي الله عنهم أجمعين) ، ولا يُنكر محتسبٌ ولا غيرُه على غيره . وكذلك قالوا : ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه ، إذا لم يخالف نصًّا ، أو إجماعًا ، أوقياسًا جليًّا».
وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية :«ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره : إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تُنكر باليد ، وليس لأحد أن يُلْزِمَ الناسَ باتّباعه فيها ، ولكن يتكلّم فيها بالحجج العلمية ، فمن تبيَّـنَ له صحةُ أحدِ القولين تَـبِـعَـهُ ، ومن قلَّدَ أهلَ القولِ الآخر، فلا إنكار عليه» .
بل لقد نقل شيخُ الإسلام ابن تيمية الإجماعَ على ذلك ، فقال :«وليس للحاكم وغيره أن يبتدئ الناس بقهرهم على ترك ما يسوغ وإلزامهم برأيه واعتقاده : اتِّفَاقًا ، فلو جاز هذا ، لجاز لغيره مثلُه ، وأفضى إلى التفرُّقِ والاختلاف ».
ويُـحمَلُ كلامُ هؤلاء الأئمة على ما لو كان الإلزامُ من الحاكم لا نظرًا منه للمصلحة العامة ، ودرءًا للمفسدة ، فهذا لا يكون إلا تسلُّطًا مفضيًا إلى التفرّق والخلاف (كما قال شيخ الإسلام) . أما إذا كان إلزامُ الحاكم بأحد الأقوال السائغةِ نظرًا منه إلى المصالح العامة ، فجائزٌ ، وتجب طاعته فيه .
وهذا مبنيٌّ على أن الاختلاف السائغ يجوز فيه الأخذ بأي قولٍ من أقواله :
إما ترجيحًا بالدليل لمن لاح له الدليل المرجِّح ، أو تقليدًا منضبطًا
لمن لم يظهر له وَجْهُ الرُّجحان . فلا يجوز الإنكار في مسائل الاختلاف السائغ على من اتّبعَ أيَّ قولٍ من أقواله ، سواء أكان اتّباعُه بناءً على الدليل أو على تقليده عالمًا معتبرًا ، ما دام مبتغيًا الحقَّ في اتّباعه أو في تقليده .
وقد صح عن سفيان الثوري أنه قال : « ما اختلفَ فيه الفقهاءُ فلا أنهى أحدًا من إخواني أن يأخذ به »([1]) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية : عمن يقلِّدُ بعضَ العلماءِ في مسائلِ الاجتهاد, فهل يُنكَرُ عليه؟ أم يُـهْجَر؟وكذلك من يعمل بأحد القولين؟ فأجاب : «الحمد لله : مسائل الاجتهاد مَنْ عَمِلَ فيها بقولِ بعضِ العلماءِ لم يُنكر عليه ، ولم يُهجر ، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه . وإذا كان في المسألة قولان : فإن كان الإنسان يظهر له رُجْحَانُ أحدِ القولين عملَ به ، وإلا قلّدَ بعضَ العلماءِ الذين يُعتمد عليهم في بيان أرجح القولين » .
هذه بعض الأقوال من كتابي المذكور , بما فيها قولي : « ويُـحمَلُ كلامُ هؤلاء الأئمة على ما لو كان الإلزامُ من الحاكم لا نظرًا منه للمصلحة العامة ، ودرءًا للمفسدة ، فهذا لا يكون إلا تسلُّطًا مفضيًا إلى التفرّق والخلاف (كما قال شيخ الإسلام) . أما إذا كان إلزامُ الحاكم بأحد الأقوال السائغةِ نظرًا منه إلى المصالح العامة ، فجائزٌ ، وتجب طاعته فيه » .
[FONT=&quot][/FONT]
ثم يقول الأخ الفاضل: «وبالتالي .. فالفقهاء أصلاً إنما يتحدثون عن حاكم مجتهد، فمتى أجمعوا على أن الحاكم غير المجتهد يختار ما يشاء من الأقوال من غير إلزام بشيء؟ وهم لا يتحدثون أصلاً عن الحاكم غير المجتهد..» .
وجوابي على هذا : أنه قد تبيّن بما سبق أن الأمر بخلاف كلام أخي الكريم , وأن الكلام عن العامي المستفتي , لا عن العالم المجتهد . وهذه أيضا مسألة واضحة غاية الوضوح في كتب أصول الفقه , وكلام العلماء فيها أكثر من أن يخفى .
ثم يقول الأخ الفاضل: «اللهم إلا إن كان الدكتور الكريم يرى أن حكّام عصرنا قد بلغوا مرتبة الاجتهاد .؟
طبعاً .. لا يعنيني الآن هل هذا شرط أم لا ، انا أتحدّث عن مدى دقّة نسبة قول للفقهاء وحكايته على أنه إجماع أيضاًُ » .
وجوابي على هذا : أنه قد تبيّن الآن إذا ما كنت دقيقا أو غير دقيق .
ثم يقول الأخ الفاضل: «ثمّ إنّ معنى هذا الكلام يا دكتورنا العزيز أن للحاكم أن يختار ما يشاء من أقوال الفقهاء وحينها فبإمكانه أن يجيز السندات الربوية والقروض البنكية، ويجيز الاختلاط، ولا تكاد تجد مسألة قد سلمت من خلاف، وحينها فما كان حراماً ينقلب حلالاً حين يريد الحاكم، وبدلاً من أن يدور الحكّام في فلك الأحكام الشرعية تدور الأحكام الشرعية في فلكهم وفي محيط هوائهم، وينقطع حينها شيء اسمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنّك لا تكاد تجد مسألة من مسائل المعروف والمنكر إلا وقد وقع فيها خلاف ، فلا يكون ثمّ أمر ولا نهي إلا في الضروريّات المتعلقة بوجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وحرمة الزنا ونحوها فقط!»
وجوابي : أن الأخ الكريم لم ينتبه للقيد الذي تكرّر في كلامي مرات عدة , ومنه النص الذي نقله هو عني في فاتحة رده , وهو قيد أن يكون الاختلاف معتبرا , وذلك في قولي : «ما دام هناك عالم من علماء المسلمين يخالفهم باختلاف معتبر» . فالكلام كله عن الاختلاف المعتبر , والذي تضمن كتابي المذكور بيان ضوابط التفريق بينه وبين الاختلاف غير المعتبر .
وأعتذر عن كثرة العزو إلى كتابي ؛ لأني أريد أن يعلم الأخ أنه قد ظلمني عندما أراد أن يصورني جاهلا بما أتكلم به . ونبهت هذا التنبيه حتى لا يقال بأني أريد التباهي بعلمي فخرا وزورا , وما أبعدنا بمثل هذه التهم عن أخلاق الإسلام الذي تحمسنا للدفاع عنه .
ثم يقول الأخ الفاضل: «القضية يا فاضل ليست في إلزام الحاكم برأي هيئة كبار العلماء مثلاً، القضية تحديداً في ضرورة وجود رقابة شرعية تضبط أن تكون الأحكام على وفق النصوص الشرعية وأن تكون الاجتهادات اتباعاً للنصّ وليس النصّ والأحكام تابعاًَ لأهواء الناس.
وإذا جاز للحاكم أن يختار ما يصلح من الأقوال الفقهية فمعنى هذا أن بإمكان حكّام هذا العصر أن يشطبوا على فقه المعاملات تماماً فلا يلتفتوا لأي حكم فقهي فيه بل يضعون من الأنظمة والقوانين المستوردة من الشرق والغرب ولا ضير عليهم حينها لأنه لا تكاد تجد مسألة في المعاملات والقانون المدني قد حصل فيها إجماع بين العلماء ولو حصل فسيبقى إجماعاً ظنيّاً يمكن أن يعارض كما عارض العلماء كثيراً من الاجتهادات المحكية.
وبإمكانهم أن لا يرفعوا بكلّ المسائل الفقهية رأساً، ويختاروا ما يريدون وسيكون موافقاً لرأي بعض الفقهاء المتقدمّين وإن لم يجدوا فقطعاً سيجدون من يقرّهم من فقهاء هذا الزمان، وبالتالي فليس شيء من أحكام الشريعة ونصوص الدين ملزماً للحكّام إلا ما كان ضرورياً من ضروريات الدين كالصلاة والزكاة وحرمة الخمر والربا وبصفة إجمالية طبعاً لأن في ثنايا هذه الضروريات خلاف واسع.
أهذا .. هو الحق الذي تريد أن تصدعنا به يا دكتور ..؟
وجوابي على هذا :الحق الذي صدعت به ليس هو اتباع الأهواء , ولكنه عدم مصادرة الاختلاف السائغ , وبيان أحقية كل مسلم أن يأخذ بما شاء من الاختلاف السائغ تديّنا (لا اتباعا للهوى) ووفق ضوابط بينتها في كتابي .
ولا أريد أن أتعقب كلامك بغير هذا الرد , لأني لا أنتصر لرضا الله تعالى بغضبه , ولا للعدل والإنصاف بالظلم والبغي . وعلم الله أني أقدر على أكثر مما تقدر عليه , ولا تنقصني القدرة عليه , لكن تنقصني جرأة التهافت فيه .

ثم يبدأ جوابي على د/المهند


يقول د.المهند: «وهل أدركت الآن أنك يا حاتم العوني اقتحمت ميداناً ليس لك؟ أم أنك ستواصل الحديث عن صبرك على أذى صناديد قريش؟!
لا تظلم مالكاً يا شيخنا حاتم!
شيخنا حاتم..
أمَّا أنك ما زلت في يثرب ، فذاك ما أتمناه ولا أقطع به».
وجوابي على هذا : لست حريصا على رأيك , المهم هو : ما أنا في عين الله تعالى .
ثم يقول د.المهند: «لكني أقول وأكرر إنك إن خرجت منها فإن رجوعك إليها عسير».
وجوابي على هذا : هو أن الأمر كما تقول , فهو عسير , إلا على من يسره الله تعالى عليه . خاصة إذا تذكّرَ المسلم ما هو الأعسر من ذلك , فالأعسر هو أن يكون المرء ظانًّا نفسه في يثرب , وهو في غيرها .
ثم يقول د.المهند: «دعني أحدثك -شيخنا- عن شيء اسمه (الفقه في الدين)، بعدما حدثتنا كثيراً عن الفقه في (مصطلح الحديث). فقد رأيناك أثبت في تعليقك الأخير أن ثمة عقوقاً وقطيعةً بينك وبين التفقه. (وعليك أن تحتمل هذا الكلام فهو من جنس كلامك عن "المؤسسة الدينية" التي جعلت فقهها عائقاً في طريق الإصلاح)» .
وجوابي على هذا : أني قد تحملت منك ومن غيرك ما هو أسوأ من هذا , وستلقاه في صحائفك يوم القيامة , فإن كان خيرا فزادك الله منه !
أما دعوى العقوق الذي بيني وبين الفقه , فإني لأرجو معه أن لا أتكلم فيما أجهل , سواء أكان فقها أم علوم السنة أم غيرها . ولا أحكم بذلك , ولكن سيتبيّن ذلك للعقلاء المنصفين إذا قرأوا كلامك وكلامي .
ومن المهم أيضا : أنني لا أدري كيف عرفت بهذا العقوق الذي بيني وبين الفقه ؟!
ولا أسمح لنفسي بالدخول في هذا النوع من الكلام , وأربأ بك أخي عن مثله .
ثم يقول د.المهند: «تقول يا شيخنا : (إن العلماء قد أجمعوا بأنه لا يحق لعالم ولا للجنةٍ من العلماء أن يُلزموا مسلما (حاكما أو محكوما) بقولٍ لهم ، ما دام هناك عالم من علماء المسلمين يخالفهم باختلاف معتبر)» .
وتقول : (إذا جاز للمسلم من عموم المسلمين أن يأخذ بما يتديّن الله به من أقوال العلماء , دون جواز إلزامه بقول من أقوالهم , فالحاكم لن يكون دونه في هذا الحق).
وتقول : إنك تريد تذكيري (بالموقف المشرف للإمام مالك عندما عرض عليه الخليفة أبو جعفر المنصور أن يلزم الناس بمذهب، فرفض الإمام مالك ذلك).
شيخنا حاتم!
دعني أشرح لك .. فلربما ترحَّمت معي على مالكٍ دون أن تحمِّله فاسد رأيك.
دعني أشرح لك .. فلربما فهمت عني ، فأمسكت عن صدعك بما توهمته حقاً.
دعني [FONT=&quot]–[/FONT]أيها الشيخ- أذكرك بالفرق بين مسألتين خلطت بينهما في صدعك:
المسألة الأولى: عالم يريد أن يلزم الناس بآرائه واختياراته في عباداتهم و ممارساتهم الخاصة التي لا تعلق لها بالشأن العام. فذاك ما رفضه الإمام مالك.
المسألة الثانية: تشريعات عامة (لا إثم فيها) يقصد بها حفظ نظام الناس ، وضبط مصالح دينهم ودنياهم وسدُّ الذرائع المفضية إلى الضرر والفساد. فهذا النوع هو ما نتحدث عنه. فإن كنت تفهم أن مالكاً يرفض الإلزام بهذا النوع من الاجتهاد فعلى فهمك وفقهك السلام».
وجوابي على هذا :
أولا : من أين جئت من خبر الإمام مالك أن الخليفة كان يقصد العبادات والممارسات الخاصة دون الشأن العام ؟!! والحاصل أن الخبر عام في كل أحكام الدين عباداتها ومعاملاتها والخاصة والعامة , فهو شاملٌ للقسمين اللذين ذكرتَهما كليهما , ولا دليل على هذا التخصيص الذي تذكره , لا في الخبر نفسه , ولا فقه هذا الباب (كما يأتي توضيح واضحِه قريبا) .
ثانيا : إن رفض الإمام مالك إلزامَ الناس في الشأن الخاص , دون الشأن العام , كما يريد أخونا الكريم , فهل ثبت أن الإمام مالكًا رضي الإلزامَ في الشأن العام ؟! هذا ما يلزم أخانا إثباته , وإلا كانت دعواه ساقطة , ومغالطة غير مقبولة . ويلزمه أيضا أن يذكر لي : هل رأى عالمٌ معتبر على مر التاريخ الإسلامي أنه يلزم الحاكمَ الالتزامُ بقولٍ له في الشأن العام (حسب تعبيرك) , لمجرد أنه قول صادرٌ من المفتي الرسمي أو من الهيئة الرسمية , مع وجود قول معتبر مخالف لقولهم ؟! والحاصل أني قد نقلتُ لك (في ردي على د/ الفاضل) الإجماعَ على خلاف ما تدعيه !!
وهنا أترحم على الإمام مالك لأنك ألزمته بمخالفة الإجماع , وبتقسيم يشبه التقسيم العلماني الذي يفصل الدين عن الحياة .
ثالثا : لا أدري كيف تكون التشريعات العامة لا إثم فيها , وهي تضبط المصالح الدنيوية وهي تسد ذرائع الفساد ؟!! والله إن هذا لهو الفقه الذي لا أفقهه فعلا !! هل هي العلمانية في ثوب إسلامي , فهي تفريق صريح بين : أحكام عبادات وممارسات خاصة , ثم تشريعات عامة !! فالأولى لا يجوز فيها الإلزام وهي ممارسات خاصة (حسب تعبيرك) , والثانية هي التي يجب فيها الإلزام , هكذا مطلقا , كما هو ظاهر عبارتك , بخلاف تقريري الذي يقيد ذلك الإلزام بما تقتضيه المصلحة العامة فقط . ويبقى الأصل عدم جواز الإلزام بقولٍ معتبر دون قول معتبر آخر , وهذا ما كانت تمارسه الأمة على مر القرون والدول : فمازال الفقهاء يختلفون في العصر الواحد , وكثيرا ما كان القضاة يختلفون أيضا , وربما كان هناك مفتون رسميون على المذاهب الأربعة, وقضاة عليها كذلك , والحاكم يأخذ بقول من رأى المصلحة في قوله , دون نكير , إلا إذا خرج إلى قول غير معتبر . وفي زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم وحكام أزمانهم (من الخلافة الراشدة إلى الدولة العباسية الأولى) : الأمر فيهم أوضح وأشهر : فهل كان هناك هيئة رسمية أصلا تُلزِمُ الحاكمَ بقولها , محرمةً عليه الأخذَ بقولٍ معتبر لفقهاء آخرين لمجرد أنه على خلاف الهيئة الرسمية !
وحتى لا أطيل على أخينا الكريم النقاش , أرجو منه أن يذكر هذا التفريق : عن أي فقيه من فقهاء الإسلام أخذه ؟ حتى لا يستمر نقاشه مع (مَن على فقهه السلام) من أمثالي !
ثم إذا أدت التشريعات العامة إلى مفاسد دنيوية وفتحت الذرائع للفساد , هل سيكون فيها إثم , أم لا ؟ فما الفرق بينها وبين أحكام العبادات , مادامت جميعًا قد يُؤثَّم من أفتى فيها بغير علم , ويُؤثَّم من قصّر في اجتهاده حتى أداه اجتهاده إلى مفاسد , ومادامت المفاسد الدنيوية هي مفاسد دينية أيضا لأن الشرع حرمها ويحاسب على إفسادها .
والله إنه ليحزنني أن يتجرّأ أخي الكريم بمثل هذا الكلام !!!
ثم يقول د.المهند: «مع أنك [FONT=&quot]–[/FONT]أيها الشيخ- لم تتنبه إلى أنك تمدح الإمام مالكاً لأنه رفض أن يُـلزَم الناس بمذهبه. لكنك [FONT=&quot]–[/FONT]في الوقت نفسه- تريد أن تلزم الناس برأي وترجيح أبي جعفر المنصور الخليفة الأمي طيب القلب الذي لا يملك آلة الاجتهاد ؟!»
وجوابي على هذا : أن هذا تقوّلٌ عليّ , وأنا أطالبه بعبارة واحدة تدل على إطلاقه هذا , فإن لم يجد فليس عليه إلا أن يعترف بخطئه , وأن يطلب مني أن أحلله على هذا الكلام الذي لم أتفوّه بما يُوهم به . ولن ينفعه أن يدعي أن هذا هو فهمه لكلامي ؛ لأن هذه الدعوى لا تكفي لتبرئة ساحته من التقول . ومما نقلته على جوابي على الأخ الفاضل من أبها من كتابي اختلاف المفتين قولي « ويُـحمَلُ كلامُ هؤلاء الأئمة على ما لو كان الإلزامُ من الحاكم لا نظرًا منه للمصلحة العامة ، ودرءًا للمفسدة ، فهذا لا يكون إلا تسلُّطًا مفضيًا إلى التفرّق والخلاف (كما قال شيخ الإسلام) . أما إذا كان إلزامُ الحاكم بأحد الأقوال السائغةِ نظرًا منه إلى المصالح العامة ، فجائزٌ ، وتجب طاعته فيه » . وأرجو أن تنتبه لقيد : السواغ في قولي : «الأقوال السائغةِ» .

ثم يقول د.المهند: «أنت [FONT=&quot]–[/FONT]أيها الشيخ- تدرك أن المدارس والمستشفيات والجامعات والوزارات والمحاكم والطرقات والمطارات وسائر مرافق دولة بني العباس ليست أملاكاً خاصةً لأبي جعفر المنصور. فهل يملك أن يفرض اجتهاده وترجيحه على تلك المرافق العامة وعلى العاملين فيها والدارسين، وهو لا يملك أصلاً آلة الاجتهاد والترجيح بين العلماء المختلفين؟!» .
وجوابي على هذا , هو : مع أني قد أجبتك عن أصل فكرتك الغريبة السابقة , فإني سوف أتنزل في الجواب لأقول هنا : ولا الفقهاء كذلك , فهم لا يملكون المدارس والمستشفيات والجامعات والوزارات والمحاكم والطرقات والمطارات وسائر مرافق دولة بني العباس , فمن هو الذي يحق له الإلزام عندك ؛ إذا كان التملك هو مناط الإلزام لديك . كما أنك نسيت وجوب طاعة ولي الأمر في هذه الأمور في غير معصية , وأنه ليس لأهل مشورته إلا أن يبينوا له اجتهاداتهم , ليأخذ هو (وبالطريقة التي يراها هو محققة للاختيار المناسب) من أقوالهم المعتبرة ما يحقق المصلحة العامة , وأن لا يُلزِمَ إلا بالأمر الذي لا تتحقق المصلحةُ إلا به (مثل بعض أنظمة المرور الإلزامية) .
ثم يقول د.المهند: «كما ترى [FONT=&quot]–[/FONT]يا شيخنا- فحديثنا معك ليس عن عالمٍ يريد إلزام الناس برأيه واجتهاده في خصوصياتهم. بل هو حديث عن دولة لها نظم وتشريعات يفترض استمدادها من الشرع المطهر. فهل لديك رؤية واضحة عن كيفية سن هذه النظم والتشريعات؟!»
وجوابي على هذا : نعم لدي رؤية واضحة , ومع أن سؤالك هنا جاء في سياق يجيز لي (على رأي) أن لا أذكرها لك , فقد قيل : لا تُفِدْ مجادلا مستجهلا , فإنه ينتفع الفائدة منك مجانا , دون اعتراف بالإفادة . ولكن لأني لا أريد اعترافك وشكرك , ولكني أريد هدايتك وهداية من قد يظنك على حق , فسأضع لك هنا مختصر اجتهادي في ذلك :
1-[FONT=&quot] [/FONT]يعلم كل مُطّلِعٍ على فِقْهِ هذا الباب أن المسألة الشرعية إذا كان فيها خلاف معتبر فإنه يجوز لعوام المسلمين (فضلا عن الحكام) أن يأخذوا بأي قولٍ منها , وفق ضوابط معينة في التخيُّـرِ من بين تلك الأقوال المعتبرة . وبالتالي : لا يجوز لعالمٍ أو هيئةٍ علميةٍ أن تُلزمَ الحاكم بقولها , ما دام القول الآخر ما زال ضمن دائرة الاختلاف المعتبر ؛ إذ لا يمكن أن يكون لعوام المسلمين هذا الحق في الاختيار المنضبط , ثم لا يكون للحاكم هذا الحق .
2-[FONT=&quot] [/FONT]أهم ما يجب على الهيئات الشرعية والعلماء أن يبينوه للحكام في مسائل الاختلاف الفقهي : أن يميزوا لهم بين الأقوال المعتبرة وغير المعتبرة , بكل انضباط علمي في هذا التصنيف , دون إخفاء حقائق مهمة , ودون تصنيفٍ بلا ضوابطَ صحيحةٍ بين هذين النوعين من الاختلاف , كما يقع كثيرا . يفعل العلماء ذلك لكي يقولوا للحاكم : هذه أقوال معتبرة يجوز لك التخيُّـرَ منها ما يحقق المصلحة , وفق ضوابط معينة لهذا التخيُّـر . ثم يُتمِّمَ العلماءُ عطاءهم للحاكم بقولهم : وهذه أقوال غير معتبرة , فلا يجوز الإقدامُ عليها ؛ إلا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات , وعند تحقُّقِ شروط الاضطرار الشرعية , والتي تشمل صور الاضطرار السياسي المنطلقة من السياسة الشرعية . هذا إذا كان هناك داعٍ لذكر الأقوال غير المعتبرة , كما لو كان الحاكم مطلعا عليها أصلا .
3-[FONT=&quot] [/FONT]على الحاكم أن يسعى إلى عدم حصول انغلاق في هيئته الشرعية على رأيٍ واحدٍ واجتهادٍ واحد ؛ لأن هذا سيضيِّـقُ عليه الاطلاعَ على أقوالِ الاختلافِ المعتبر , والتي قد يكون تحقيقُ المصلحة العامة في أحدها دون الآخر . ولذلك كان من أهم وجوه إصلاح دَور الهيئات الشرعية هو تحقيقُ هذا التنوع الفقهي المنضبط فيها , لكي تكون قادرةً على استيعاب الأقوال المعتبرة في مسائل الشرع .
4-[FONT=&quot] [/FONT]يحق للهيئة الشرعية أن تنصح الحاكم بما تراه من الأقوال أرجحَ وأصوب (سواء كان هذا الترجيح باتفاق هذه الهيئة أو بأغلبية أعضائها) , ولكن لا بد أن يعترفوا له بوجود أقوال أخرى (إن وُجدت) هي أقوالٌ معتبرة , يحق له الاختيار منها ما يحقق المصلحة ؛ لأن الحاكم لا كغيره من عوام المسلمين في احتياجه في سياسته وإدارته لشؤون البلاد للآراء المتعدّدة التي يختار منها أصلحَها في قيادة شأن البلاد .
5-[FONT=&quot] [/FONT]إذا اختار الحاكمُ من الأقوال المعتبرة ما يرى أنه يحقق المصلحة , فلا يحق للهيئة الشرعية أن تعترض عليه لأنه لم يأخذ بترجيحها هي (سواء كان ترجيحها باتفاق أعضائها أو بأغلبيتهم) ؛ حيث إن ترجيحها واختيارها قولا من بين الأقوال المعتبرة لا يُلزم عمومَ المسلمين , فضلا عن الحاكم . إلا إذا ثبت أن اختيار الحاكم يحقق مفسدة ظاهرة (لا مجرد متوهمة) , فيحق للعلماء نصحه بتغيير اختياره , لا من جهة أنه خالف اختيارهم , ولكن من جهة أن المصلحة التي يسعى الحاكمُ إليها لا تَـتَحقَّـقُ باختياره . وإن كان الأصل في الأقوال المعتبرة : أنها ما كانت معتبرة ؛ إلا وهي بعيدةٌ عن تحقيق مفاسدَ ظاهرةٍ غالبة .
6-[FONT=&quot] [/FONT]أما إذا اختار الحاكم بسبب الاضطرار قولا غير معتبر , فعليه واجبُ إقناع العلماء بأنه ما اختار هذا القول أو ما اتخذ هذا القرار إلا اضطرارًا , وينبغي أن يكون إقناعه لهم بذلك إقناعا حقيقيًّا , لا إكراهًا . وإلا فليعذر الحاكمُ العلماءَ إن ساءهم ذلك , وإن رأوا أن أمانة العلم تُلزمهم ببيان ذلك علانية للناس , إذا لم يؤدّ بيانُهم إلى فتنةٍ أكبر من فتنة اتخاذ القرار غير الشرعي , وإلى خروج وفساد عريض . كما أنه إذا ظهر للعلماء أن الحاكم متأوّلٌ في اختياره المخالف للشرع , وأنه كان يظن اختياره موافقًا للشرع , فعليهم من واجب الترفّق به , كما يجب هذا الترفُّق لكل متأول (حاكما أو محكوما) , بل حق الحاكم من ذلك الرفق أكبر , حتى يقنعوه برأيهم . وهذا يبيِّنُ ضرورة أن تكون علاقة الحاكم بالعلماء علاقة قوية مبنية على الثقة والمصارحة التامة , لكي يفهم العلماءُ الحاكم , ولكي يفهم الحاكمُ العلماءَ .
هذا هو بعض التصور الصحيح لعلاقة العلماء بالحاكم , ولعلاقته بهم , مختصرًا . وكنت قد أجبت به موقع (إسلام أون لاين) بتاريخ 4/11/1430هـ , ونُشر في غيره من المواقع .
وبعرض هذا التصور على واقع علاقة الهيئة الشرعية في المملكة بالحاكم سنجد أن هناك جوانب قصور عديدة , وهناك وقائع عديدة , قريبة وبعيدة , تدل على هذا القصور . والمسؤول عن إصلاح هذه الجوانب من القصور : هم العلماءُ والحاكمُ معًا .
وهنا أنبّه إلى أن قاعدة هذه العلاقة الصحيحة السوية بين الحاكم والهيئة الشرعية وقِوامها على أمر مهم , وهو مدار عامة هذا التأصيل : ألا وهو التفريق بين الاختلاف المعتبر وغير المعتبر , والموقف من كل واحد منهما وطريقة التعامل معه ومنهج استثماره . وهذا ما كنت قد حرصت على بيانه بكل ما استطعت من جهد : في كتابي (اختلاف المفتين) , لكي لا تبقى هذه المسألةُ ضبابيةَ المعالم (كما هو واقع غالبا) , لتعاني بسبب ذلك قدرًا كبيرًا من النِّسبيّـة وعدمَ القدرة على القطعية المطلوبة فيها , وهو الأمر الذي يُفقد هذه المسألةَ قُدرتَها على الاعتماد عليها في مثل هذا التأصيل المهم . ولذلك حرصت على بيانها في كتابي المذكور , لكي لا يبقى هناك عذر بعدم استثمارها في مثل هذا التأصيل المهم جدا .
ثم يقول د.المهند: «فإذا اختلفت الآراء بين يدي أبي جعفر المنصور، فقال له بعض العلماء: (هذا النظام الذي تريد سنه فيه محذور شرعي)، وقال آخرون [FONT=&quot]–[/FONT]من معاشر المتخصصين الصادعين بالحق-: (بل هو حلال يا أمير المؤمنين).
فما المخرجُ [FONT=&quot]–[/FONT]في رأيك- إن كان أبو جعفر المنصور لا يملك آلة الترجيح؟» .
وجوابي على هذا : المخرج كالمخرج فيما لو سأل عاميٌّ فقيهين : فأجاب أحدهما بالحِلِّ والآخر بالحرمة , واعترف له الفقيهان أن كل قول من القولين معتبرٌ سائغٌ غير مقطوع ببطلانه (على حد قول الإمام الشافعي : قولي صواب يحتمل الخطأ , وقول غيري خطأ يحتمل الصواب) . وهذا المخرج هو ما شرحته في كتابي المذكور سابقا . وهنا أسألك أنت : ما هو المخرج ؟ وماذا يفعل هذا العامي ؟ هل يلزمه قول أحد المفتين مطلقا أو بعضهم مطلقا ؟
ثم يقول د.المهند: «وإذا كنت تقول إن "المؤسسة الدينية" لم تحسن تطبيق قاعدة سد الذرائع، فهل تتوقع من أبي جعفر أن يكون أمهر في تطبيقه لها؟»
وجوابي على هذا :
أولا : لا يحق لك الاستخفاف بأبي جعفر المنصور هذا الاستخفاف , أم أن كل من سوى هيئة كبار العلماء فإنه يجوز الاستخفاف به عندك ؟! فأبو جعفر ليس كما تصوره , فقد قال عنه الإمام الذهبي : «كان فحل بني العباس هيبة وشجاعة , ورأيا وحزما , ودهاء وجبروتا , وكان جماعا للمال حريصا , تاركا للهو واللعب , كامل العقل , بعيد الغور, حسن المشاركة في الفقه والأدب والعلم» . ولعله بحُسن مشاركته في الفقه في زمنه يكون أعلم من كثير ممن يُشار إليهم بالفقه في زمننا . وأبو جعفر المنصور هو القائل للإمام مالك : ««ضعْ هذا العلمَ ، ودَوِّنْ كُتُـبًا ، وتَـجَنَّبْ شدائدَ ابنِ عمر ، ورُخَصَ ابنِ عباس ، وشواذَّ ابنِ مسعود ، واقْصِدْ إلى أوسطِ الأمور ، لِتَحْمِلَ الناسَ على كُتُبِكَ وعِلْمِكَ » . فهل من وصل به العمق هذا الحد , وأن ينصح الإمام مالكا مثل هذه النصيحة الجليلة والتي تدل على بعد غوره وعلى مقدار حسن مشاركته في الفقه , يستحق أن يُستخف به ؛ لأنه ليس من هيئة كبار العلماء !!
ثانيا : قاعدة سد الذرائع متعلقة غاية التعلق بإدراك الواقعة محل البحث , وليست متعلقة غالبا بالحكم الشرعي الأصلي . فالجميع يعلم حكم فاحشة الزنا , ولكن إدراك أن أمرًا ما في واقع معيّن سيكون ذريعةً إليها أو ليس ذريعة إليها , هذا لا يعلمه الفقيه الذي لا يعرف تلك الواقعة , وإنما يعرفه من عرفها . فليس الفقيه بأولى من السياسي في إدراك سد الذرائع السياسية التي لا يعرفها الفقيه , إذا كان الفقيه لا يعرفها فعلا . وليس السياسي بدون الفقيه في إدراكها إذا كان السياسي يعلم الحكم العام للمسألة ويدرك وجوب سد الذرائع دون مفاسدها , بل الأصل حينها أن السياسي أقدر على الحكم فيها ؛ لأنه عرف الحكم وعرف وجوب سد الذريعة , وهو أدرى بالواقعة السياسية من الفقيه الذي لم يمارس الحكم ولا سياسته .
ثالثا (وهو الأهم في الجواب) : لم أقل إن المسألة ثنائية : بين أبي جعفر والهيئة الرسمية , بل هناك علماء آخرون ليسوا في الهيئة , ويدخلون في المعادلة . ويجب على علماء الهيئة أن لا يُلغوا الاجتهادَ المعتبر لهؤلاء العلماء الآخرين إذا ما قدّموه للحاكم , ويجوز للحاكم أن يأخذ بقول هؤلاء العلماء الذين خارج هيئته , ولا يلزمه قول هيئته ؛ إلا إذا كان خلاف غيرها لها من قسم الخلاف غير معتبر .
ثم يقول د.المهند: «أنت تعلم أن أبا جعفر لم يدَّع يوماً أنه درس أصول النظر و قواعد الاستدلال والترجيح ، ولا زعم أنه قرأ (موافقات) الشاطبي، ولا (أُمَّ) الشافعي ، ولا (مغني) ابن قدامة ، ولا (محلى) ابن حزمٍ...والمسألة المختلف فيها ليس مسألةً شخصيةً تخصُّه. بل هي مسألة تتعلق بتشريعٍ ونظام دولةٍ يمس الجميع.
فما رأيك يا شيخنا؟
هل لديك حلٌّ ومخرج من هذا سوى أن يوكِل أبو جعفر المنصور أمر الترجيح لمن يحسنه؟ أم أن من رأيك وفهمك وفقهك وعلمك وصدعك بالحق: أن للمنصور [FONT=&quot]–[/FONT]مهما كانت قدراته- حقَّ الترجيح والإلزام كيفما اتفق؟» .
وجوابي على هذا : أنني أظنني قد أجبتك بوضوح .
ثم يقول د.المهند: «ولك أن تلحظ أن حديثنا كله إلى الآن عن الخلاف المعتبر. فما رأيك لو انتقلنا للشقِّ الآخر، وتساءلنا: حسب منهجك المقترح، كيف يستطيع أبو جعفر المنصور أصلاً أن يميز بين الخلاف المعتبر من الخلاف غير المعتبر؟!
فإذا قال له عالم: (هذا خلاف معتبر). وقال آخر: (بل هو خلاف غير معتبر)».
وجوابي على هذا : أني تكلمت عن ذلك في كتابي المذكور , ولم أكن غافلا عنه , كما يظن لأخي الكريم . ويمكنك الرجوع إليه , لتعرف جوابي .
ثم .. الاختلاف في اعتبار الخلاف من عدم اعتباره لا ينال كل مسائل الاختلاف , فهناك مسائل لا خلاف في كون خلافها معتبرا , وهناك مسائل لا خلاف في كون خلافها غير معتبر . وأما القسم الوسط (وهو ما وقع في اعتباره الاختلاف) فستجد الحديث عنه في كتابي .
وأقصد من بيان هذا التقسيم أن تجيبني عن هذا السؤال : ماذا تقول أنت فيما لا خلافَ في كون خلافه معتبرا ؟ ولا تخالف الهيئةُ نفسُها في اعتباره ؟ هل تُلزِمُ الحاكمَ بترجيحها ؟ مع أن عوام المسلمين لا يجوز إلزامهم به هكذا !
أم أن الحلَّ عندك : هو أن يدّعي بعضُ الفقهاءِ عند الخليفة أن خلاف غيرهم من الفقهاء خلافٌ غير معتبر , وهم يعلمون أنه (في الحقيقة) خلافٌ معتبر؟! هل هذه الخيانة هي الحلّ عندك؟! أم أن خيانة كتمان العلم هي الحل ؟! بأن يُـخْفُوا عنه الخلافَ المعتبر (لو استطاعوا إخفاءه) ؟!! ثم ماذا لو اطّلع عليه عند غيرهم , ثم سألهم عن اعتباره من عدم اعتباره ؟! هل يكذبون عليه فيدعون عدم اعتباره ؟ أم يقولون الحقيقة , وهي : أن خلاف غيرنا خلافٌ معتبر , ولكننا نرجح غير قولهم , ولا يلزمك ترجيحنا ؛ لأن خلاف غيرنا معتبر , ولكن يلزمك تحقيق المصالح ودفع المفاسد وفق شرع الله الذي لا يَـخرُجُ عن اجتهادات الخلاف المعتبر ؟!
ولا تحتاج يا أخي إنشاءَ جواب جديد عن هذه الأسئلة ؛ فإن الجواب ظاهر لكل من تمعن كلامي السابق .
ثم يقول د.المهند: «فما مقترحاتك التي تطرحها على أبي جعفر المنصور، كي يواصل مسيرة الإصلاح في حدود الخلاف المعتبر؟
اقرأ هذا الكلام [FONT=&quot]–[/FONT]يا شيخنا- لتعرف الفرق بين الموقف المشرِّف للإمام مالك (رحمه الله)، وبين الفوضى اللاخلاقة التي تدعو المنصور إليها باسم الإصلاح».
وجوابي على هذا : أني قد قرأت هذا الكلام وعرفت أين هي الفوضى اللاخلاقة واللاأخلاقية ! وعرفت ما هي مشكلتنا فعلا , وإلا لما اعترضتَ مثل هذه الاعتراضات البعيدة عن الصواب الواضح .
ثم يقول د.المهند: «مع أن العجب لا ينقضي من موقفك [FONT=&quot]–[/FONT]شيخنا-، حين تمدح مالكاً بأنه رفض إلزام الناس بمذهبه. في حين أنك بالأمس تفخر بتأييدك لقرار (تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية)، مع أنه قرار ملزم للتجار لا خيار لهم فيه!!» .
وجوابي على هذا , أن أقول : والقرار الذي يسير عليه الأمر حتى الآن (وهو تذكير محلات بيع المستلزمات النسائية) كان ملزما أيضا , فهل أنت راضٍ عنه أيضا ؟!
ثم لماذا تعاود التقوّلَ عليّ , وأنا كررت أني أريد إقرار هذا القرار بضوابط , ولم أقل إني أقره هكذا مطلقا . فكيف تستجيز نسبة هذا القول إليّ , مع أني قد كررت هذا القيد مرتين في ذلك السياق المختصر ؛ لكي لا يبغي أحدٌ عليّ بنسبة قولٍ إليّ غير قولي . فقد قلت في صدعي بالحق : « كنت أصرح بدعمي لهذا المشروع بضوابط , لكن الصوت العام كان هو الرفض والممانعة ,كالعادة , دون محاولة تَفَهُّمٍ لأهمية قبوله بضوابط» . هذا هو كلامي بالحرف الواحد, وبهذا الوضوح الذي لا يقبل الخطأ في سوء فهمه !!
وليس نقاشي الآن فيما هي الضوابط , ولا في كون الممانعة كانت للقرار بضوابط أو بغير ضوابط . ولكن في نسبتك إلي القول بقبول القرار هكذا مطلقا , بفصه ونصه .
ثم يقول د.المهند: «فهل يحرم [FONT=&quot]–[/FONT]بالإجماع- الإلزام برأي مالكٍ و"المؤسسة الدينية"، في حين يجوز الإلزام برأي الإمام غازي؟! أم أن لملوك الحبشة [FONT=&quot]–[/FONT]عندك- أحكاماً تختلف عن أحكام المستضعفين من سكان حارة "المؤسسة الدينية"؟!
خلاصة القول أيها الشيخ... أن أنظمة الدولة حين تتعلق بالحلال والحرام:
فإن كان الحاكمُ يملك آلة الاجتهاد والتمييز ، فلا تبرأ ذمته إلا بأن ينيب عنه من يملكها.
كما أنه إن لم يحسن قيادة الحروب ، فواجبه أن ينيب من يحسن ذلك .
وكما أنه إذا لم يحسن القضاء بين الناس ، فواجبه أن ينيب من يحسنه .
ومتى باشر بنفسه هذه الأمور فإنه يجني على نفسه وعلى رعيته .
هذا كلام فقهائنا قديماً» .
وجوابي على هذا : فماذا يقول فقهاؤنا قديما : عن الحاكم الذي اختلف عنده الذين يحسنون , وهم العلماء أنفسهم (قبل أن يكون في تاريخ الدول الإسلامية هيئة رسمية أو بعد ذلك) , وهؤلاء المختلفون من العلماء المعترف لهم بالعلم والاجتهاد فيه هم أنفسهم يعترفون أحيانا للحاكم بأن خلافهم معتبر ؟ ولذلك فليس هناك قول من أقوالهم مقطوعًا به ؟ أو كان جمهور العلماء المعتبرين من الفقهاء القدماء على خلاف قول هيئته العلمية ؟ هل يحق للحاكم أن يأخذ بما يراه أصلح من ضمن هذه الأقوال المعتبرة ؟ أم يلزمه قول الهيئة ؟ وما هو جواب هذا الرأي الأخير على إجماع الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين على خلافه ؟!! وعلى لوازم هذا القول التي سيأتي بعضها ؟
ثم يقول د.المهند: «وهو عينه ما يقصده المتحدثون اليوم عن (دولة المؤسسات).
فالمصلح الحقيقي يدعو لمثل هذا...وأما من يدعو لمزيدٍ من المركزية والاستبداد بالرأي ممن لا يحسنه..فذاك الداعي مفسدٌ في ثوب مصلحٍ ، حتى وإن لم يشعر بذلك» .
وجوابي عن هذا أن أقول : ومن يريد أن ينقل صلاحيات الحاكم إلى بعض العلماء دون بعض , ليُسيِّـروا هم شؤونَ الدولة , ملغينَ دورَ غيرهم من العلماء في الإصلاح , بإلغائهم للخلاف المعتبر من الاعتبار , هذا هو من يريد ممارسة الاستبداد ؛ لننتقل من استبداد الحاكم إلى ولاية الفقيه وحكم المعصومين من الملالي الذين لا يجوز أن يخالفهم أحد , ولا يحق للحاكم أن يأخذ بقول معتبر لغيرهم . وهذا هو الذي يريد أن لا يكون للحاكم أي دور في اتخاذ القرار , وأنزله دون منزلة عوام المسلمين الذين لا يلزمهم الأخذ بفتوى المفتي إذا كان غيره من المفتين يخالفه بقول معتبر , فجعل عوام المسلمين أعلى من الحاكم !
ثم يقول د.المهند: «أخيراً .. شيخنا حاتم!
هل أدركت الآن الفرق بين فقهك وبين فقه مالك؟
وهل أدركت أنك اقتحمت ميداناً ليس لك؟»
وجوابي على هذا : أدركت أنك تدين لي بالاعتذار عن هذا الكلام !
ثم يقول د.المهند: «أم أنك ستواصل الحديث عن صبرك على أذى صناديد قريش؟!» .
وجوابي على هذا : أني سأواصل الصبر على أذى الظالمين من إخواني المسلمين , وأسأل الله تعالى أن لا يزيدني بغيُهم وظلمُهم إلا صبرا , أجد له لذةً من لذائذ البطولة ومتعةً تشبه متعةَ التعرض للأخطار , وأرجو أن أجد له لذة العبادة أيضا , وأن أستحضر فيه ابتغاء الأجر والثواب , فيكون الله تعالى قد جمع لي ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة .
مع أن الردَّ العلميَّ الهادئ أنكى في الإيلام وأقوى في الأذى وأبقى أثرًا وأبعد عن الإثم وأقرب إلى التوفيق من الله تعالى وإلى النصر والتأييد منه . وما مارسه بعض طلبة العلم معي يؤلم كثيرا ؛ إلا عند أزالَ ألمه بتذكُّرِ عظيم الأجر على الصبر , وبأن عاقبة الظلم وخيمة , وأن العاقبة للمتقين .
وأخيرا : كان كثير من طلبة العلم الذين انتقدوا مقالي قد ادعوا أنه ليس هناك ما يدعو لمقالي ؛ لأن الهيئة لم تصادر الخلاف المعتبر . ويقولون لي : إنك وغيرك كنتم ومازلتم تخالفون الهيئة , فما الجديد الذي تطالب به ؟ فكنت إذا قلت : إن مما أطالب به عدم مصادرة الاختلاف المعتبر , والذي كان يتم سابقا من الهيئة , بمثل البيان الذي صدر ضد فتوى جواز الأخذ من اللحية فيما تجاوز القبضة , وبمثل التشنيع والتشديد على الأقوال المعتبرة وكأنها أقوال شاذة لا اعتبار لها , وبمثل عدم اعتداد الهيئة وكثير من طلبة العلم بأي اجتهادٍ صدر من غير الهيئة , وعدم عدّهم إياه حلا إسلاميا , لمجرد أن الهيئة تعدُّه قولا مرجوحا , ولو كان من الاختلاف المعتبر ! كنت إذا قلت هذا , قيل لي : هذا كله لا وجود له !!! مع وجود شواهد الوجود في الوجود !!!
فجاء الأخوان الكريمان (الفاضل والمهند) ليؤصلا لهذا الأمر : وهو أنه على الحاكم أن يلتزم بقرار الهيئة وحدها , حتى لو كان خلاف غيرها معتبرا !! (وإن قيده أحدهما بالشأن العام) !! وهذا عين ما أنكر الآخرون عليَّ وجوده , وادعوا عدم وقوعه !! فيكفيني أن أجيب على بعض المنتقدين ببعض المنتقدين , وعليهم أن يوحدوا صفهم ضدي , قبل هذا التنازع الذي يصيبهم بالفشل وذهاب الريح .
إلا إن كان الأخوان الكريمان (الفاضل والمهند) يذهبان إلى أن كل قول يخالف قول الهيئة فهو قول غير معتبر ؛ فلا يلوماني إن قلت إذن : إن بعض إخواننا يحكمون بعصمة الهيئة !!!
ولا يصح أن يبلغ التناقض في الردّ عليَّ : أن يصدر هذا التناقض من شخص واحد , فينكر وجود ما طالبتُ الهيئةَ بإصلاحه , ثم يقرّرُ هو نفسُه أن ما أطالب بإصلاحه صالحٌ لا يحتاج إلى إصلاح !! فأرجو أن يحدّد المناقش لي موقفه من هذه المسألة :
-[FONT=&quot] [/FONT]هل يجيز للهيئة مصادرة الاختلاف المعتبر على الحاكم وغيره , أم على الحاكم وحده ؛ بحجة أنها سلطة تشريعية ملزمة ؟ فلا ينكر صاحبُ هذا الرأي عليَّ إثبات وجود ذلك , لكن ليناقشني صاحبُ هذا الرأي في صحته من عدم صحته , والتي لا يناقش فيها إلا من لا يعرف بالإجماع .
-[FONT=&quot] [/FONT]أم لا يجيز ذلك , لكنه ينكر عليَّ حصول ذلك من الهيئة ووقوعَه منهم . ولا ينكره إلا من كان بعيدا كل البعد عن الواقع , أو أنه يغالط ويكابر الحقَّ الذي لا تخفى شواهده . ولو لم يكن من شواهده إلا مذهب د/ المهند وأمثاله (من أصحاب القول السابق) لكفاه إثباتا ؛ لأنه كالاعتراف , الذي هو سيد الأدلة !
هذا هو جوابي عن هذين الردين , الذي أرجو أن يوضح الحقَّ لمبتغيه .
والله الهادي إلى سواء السبيل .
والله أعلم .
19/11/1430هـ












http://www.mmf-4.com/vb/#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT] [FONT=&quot]أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقّه (2/69) ، بإسنادٍ صحيح إلى رَوّاد بن الجراح، عن الثوري. وروّاد وإن كان مضعَّفًا وفي الثوري خاصة ، إلا أن مثل هذا النقل عن شيخه مما لا يستوجب متانةَ حفظٍ لإتقان نقله .[/FONT]


 
أعلى