العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أحاديث تحريم الغناء في الميزان: الحلقة الثانية: حديث الصوتين الفاجرين

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
ا

المفكر المالكي

زائر
الحديث الثاني:
أ- روى الترمذي قال:حدثنا علي بن خشرم . أخبرنا عيسى بن يونس ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف . فانطلق به إلى ابنه إبراهيم . فوجده يجود بنفسه . فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فبكى . فقال له عبد الرحمن : أتبكي ؟ أولم تكن نهيت عن البكاء ؟ قال لا . ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند مصيبة ، خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان . وفي هذا الحديث كلام أكبر من هذا .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن .

ب- وبلفظ أكمل منه رواه البيهقي في السنن: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا محمد بن الفضل بن جابر ثنا شيبان ثنا أبو عوانة عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال :
خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى النخل ، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره ففاضت عيناه ، فقال عبد الرحمن بن عوف : أتبكي وأنت تنهي الناس ، قال : إني لم أنه عن البكاء ، وإنما نهيت عن النوح ، صوتين أحمقين فاجرين ، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة ، وهذا هو رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزناً هو أشد من هذا ، وإنا بك لمحزونون ، تبكي العين ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب .

قال العلامة ابن القيم: هذا الحديث من أجود ما يحتج به على تحريم الغناء كما في اللفظ الصحيح الآخر :"إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصت عند مصيبة:خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان" وهو حديث حسن (انظر الكلام على مسألة السماع ص 318).

قال ابن القيم: وأصله في الصحيحين.

ج- وفي المستدرك: أخبرنا أبو عبد الله الأصبهاني ، ثنا أحمد بن مهران الأصبهاني ، ثنا عبد الله بن موسى ، أنبأ إسرائيل ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن جابر ، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال :
أخذ النبي صلى الله عليه و سلم بيدي فانطلقت معه إلى إبراهيم ابنه و هو يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم في حجره حتى خرجت نفسه قال : فوضعه و بكى قال فقلت : تبكي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنت تنهي عن البكاء ؟ قال : إني لم أنه عن البكاء و لكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لهو و لعب و مزامير الشيطان ، و صوت عند مصيبة لطم وجوه و شق جيوب ، و هذه رحمة ، و من لا يرحم لا يرحم ، و لولا أنه وعد صادق ، و قول حق ، و أن يلحق أولانا بأخرانا لحزنا عليك حزناً أشد من هذا ، و إنا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العني و يحزن القلب و لا نقول ما يسخط الرب .

د -وعند ابن أبي شيبة من طريق ابن أبي ليلى بنحوه (انظر مصنف ابن أبي شيبة (3/393)).

وجه الدلالة عند المانعين:

يستفاد من قوله "ورنة الشيطان" أن المراد به الغناء والمزامير قاله النووي في الخلاصة.
وقال:وكذا جاء مبينا في رواية البيهقي يعني قوله "صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان" ونقله في تحفة الأحوذي.
قال ابن القيم:فانظر إلى هذا النهي المؤكد بتسمية صوت الغناء صوتا أحمقا ولم يقتصر على ذلك حتى وصفه بالفجور ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان.
وقد أقر النبي –ص- أبا بكر الصديق على تسمية الغناء: مزمور الشيطان في الحديث الصحيح قال: فإن لم يستفد من هذا لم نستفد من نهي أبدا.

اعتراض المجيزين:

اعترض المجيزون للسماع على المانعين في هذا الحديث من جميع طرقه المذكورة عند كل من الترمذي والبيهقي والحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد والطيالسي والبزار والموصلي من طريق محمد بن أبي ليلى بما يلي:

أولا: الحديث لا يصح ولا يحتج به بمرة ولا يجوز لمن يخشى الله ويخاف عقابه "بهذا اللفظ والسند" أن يخدع به العامة وغير المختصين بالصناعة.

وذلك أن مداره في طرقه المذكورة على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي عن عطاء بن أبي رباح.
وأحاديثه من هذا الوجه باطلة لا يحتج بها ولا يجوز خداع الناس بمثلها.
قال الزيلعي فيما نقله عن النووي: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف (3/84).

و قال عمرو بن على ، عن أبى داود : سمعت شعبة يقول : ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبى ليلى .
و قال روح بن عبادة ، عن شعبة : أفادني ابن أبى ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة .
وعن يحيى بن معين قال: كان يحيى بن شعيب لا يحدث عن محمد بن أبي ليلى ما روى عن عطاء.
و قال أبو زرعة : صالح ليس بأقوى ما يكون .
و قال أبو حاتم : محله الصدق ، كان سىء الحفظ ، شغل بالقضاء فساء حفظه ، لا يتهم بشىء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ ، يكتب حديثه و لا يحتج به ، و ابن أبى ليلى و الحجاج بن أرطاة ما أقربهما .
عن أحمد بن حنبل : كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبى ليلى .
و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : كان سىء الحفظ ، مضطرب الحديث ، كان فقه ابن أبى ليلى أحب إلينا من حديثه ، فى حديثه اضطراب .
و قال أحمد بن محمد بن حفص السعدى : ذكر أحمد بن حنبل حديث ابن أبى ليلى عن عطاء " فى الضرورة يحج عن الميت " فقال : ابن أبى ليلى ضعيف ، و فى عطاء أكثر خطأ .
وقال أحمد:إنما دخل ابن أبي ليلى على عطاء وهو مريض.
وقال إبراهيم:كان أحمد بن حنبل لا يحدث عنه.
وقال ابن المديني: كان سئ الحفظ واهي الحديث.
و قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، عن يحيى بن معين : ليس بذاك .
وقال يحيى بن معين: ابن أبي ليلى ضعيف روايته.
و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى ، عن أحمد بن يونس : كان زائدة لا يروى عن ابن أبى ليلى ، و كان قد ترك حديثه .
و قال النسائى : ليس بالقوى .

قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 9/302 :
قال ابن حبان : كان فاحش الخطأ ، ردىء الحفظ ، فكثرت المناكير فى روايته ، تركه أحمد و يحيى .
و قال الدارقطنى : كان ردىء الحفظ ، كثير الوهم .
و قال ابن جرير الطبرى : لا يحتج به .
و قال يعقوب بن سفيان : ثقة عدل ، فى حديثه بعض المقال ، لين الحديث عندهم .
و قال صالح بن أحمد عن ابن المدينى : كان سىء الحفظ ; واهى الحديث .
و قال أبو أحمد الحاكم : عامة أحاديثه مقلوبة .
و قال الساجى : كان سىء الحفظ ، لا يتعمد الكذب ، فكان يمدح فى قضائه ، فأما فى الحديث فلم يكن حجة .
و قال ابن خزيمة : ليس بالحافظ ، و إن كان فقيها عالما . اهـ .

انظر في كل ما سبق العقيلي في الضعفاء الكبير (4/98) والذهبي في السير (6/310) وفي الكاشف (3/61) وابن حجر في التهذيب (9/301) وفي اللسان (7/500) وفي التقريب (2/184).

فها أنت ترى أخي القارئ حكم العلماء في ابن أبي ليلى عامة وفي روايته عن عطاء خاصة.

قال العلامة ابن القيم (ص 318): أخرجه الترمذي عن جابر بن عبد الله وأصله في الصحيحين وسنن أبي داود والبيهقي وابن ماجة.

ملحوظة هامة جدا:
بالرغم من أن ابن القيم –رحمه الله- عزا الحديث للترمذي إلا أن هذا غير صحيح فموضع الشاهد في الحديث ليس في جامع الترمذي وإنما الذي فيه مختصر بلفظ: "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة الشيطان وفي الحديث كلام أكثر من هذا" فانتبه!!

أقول: وقد تتبعت ما ذكره الحافظ ابن القيم في الصحيحين وغيرهما فظهر على الوجه التالي:
1-في صحيح البخاري :عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .........فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : وأنت يا رسول الله ، فقال : ( يا ابن عوف ، إنها رحمة ) . ثم أتبعها بأخرى ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن العين تدمع ، وإن القلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) .

2- وفي صحيح مسلم عنه أيضا: ...فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ((تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله! يا إبراهيم ! إنا بك لمحزونون)).

3-ورواه أبو داود بنحوه (مع العون (8/398)).

4-وفي سنن ابن ماجة عن أسماء بنت يزيد ، قالت :
لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال له المعزي إما أبو بكر و إما عمر أنت أحق من عظم الله حقه ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تدمع العين و يحزن القلب ، و لا نقول ما يسخط الرب ، لولا أنه وعد صادق ، و موعود جامع ، و أن الآخر تابع للأول ، لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل ما وجدنا ، و إنا بك لمحزونون .
وإسناده حسن.

5-وفي جامع الأصول لابن الأثير بنحوه (11/89) من طريق أنس بن مالك.
6-ورواه البيهقي في شعب الإيمان بنحوه (7/241).

أقول: بعد تتبع لفظ الحديث في البخاري ومسلم وأبي داود وابن ماجة وغيرها من الروايات الصحيحة وكذا في جامع الأصول لابن الأثير وشعب الإيمان للبيهقي فلم أجده باللفظ محل النزاع الذي روي من طريق ابن أبي ليلى وليس بالسند المذكور عن ابن أبي ليلى.

وعليه:فالبريق والتنميق في قوله من قال:أصله في الصحيحين وعند من تقدم ذكرهم يوحي بصحة الحديث على أساس ورود اللفظ المتنازع فيه ضمنه وما ذلك إلا من قبيل التشويش والمصادرة على المطلوب فاللفظ موضع الشاهد لم يرد فيه من تلك الطرق الآنفة والسند مختلف فهو في الصحيحين عن أنس.

وهذا كله لا يفيد من حاول الانتهاض براوية ابن أبي ليلى المتروكة التي أخرجها الترمذي والبيهقي والحاكم وابن أبي شيبة ومن وافقهم مثل: عبد بن حميد والطيالسي والبزار والموصلي لأن اللفظ مختلف بل لا يوجد في رواية الصحيحين وغيرهما مما صح!

هذا إلى جانب أن رواية الترمذي ليست بالنص الكامل الذي يريده ابن القيم مع جلالته ومكانته من النزاهة والتثبت.
ثم الأدهى والأمر أنه يزعم صحة الحديث من طريق ابن أبي ليلى رغم جزم الحفاظ بضعفه وتركه والحديث الضعيف لا يقوى بالصحيح إذا اختلف اللفظ والموضوع والسند.
وزعمه تصحيح الحديث مخالف تماما لما عليه حفاظ الحديث قاطبة.
وليته لم يفعل ولم يقل ذلك لما لقوله هذا من أثر وصدى على آرائه رحمه الله وفتاويه وأقواله التي ستصبح تحت المجهر بعد تجرؤه على الأصرار على ما قال في هذا الصدد.
وهو جزمه بأن حديث ابن أبي ليلى "في الصوتين الأحمقين" هو أجود ما احتج به المانعون للسماع لكونه صحيحا.
وذلك باعتبار أن أصله في الصحيحين وغيرهما.
في حين أن الحديث في الصحيحين ليس من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر وإنما هو من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك وفيه لم يتعرض الكلام من قريب ولا من بعيد للغناء ولا يقترب منه في شئ فكيف يحشر الكذب في الصدق ويحمل البخاري ومسلم تبعة أمر لم يتعرضا له.انتهى كلام الدكتور الثقفي على الحديث.
 
التعديل الأخير:
ا

المفكر المالكي

زائر
قلت : ولكن الدكتور الثقفي لم ينتبه أو لم يطلع على روايات الحديث الأخرى التي خلا طريقها من ابن أبي ليلى وقد استدل بها الشيخ الألباني في رسالته (تحريم آلات الطرب) وقد تكلم عنها الدكتور القرضاوي –حفظه الله- كالآتي:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة ".

ذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (427) وقال في تخريجه:
(رواه أبو بكر الشافعي في "الرباعيات" (2/22/1): حدثنا محمد بن يونس ثنا الضحاك بن مخلد ثنا شبيب بن بشر ثنا أنس بن مالك مرفوعا.
قلت (أي الألباني): وهذا إسناد رجاله موثقون غير محمد بن يونس وهو الكديمي وهو متهم بوضع الحديث لكنه توبع على هذا الحديث فأخرجه الضياء في "المختارة" (131/1) من طريقين آخرين عن الضحاك به. فالسند حسن إن شاء الله.
وقال الهيثمي في المجمع (3/13) تبعا للمنذري في "الترغيب" (4/177):"رواه البزار ورجاله ثقات"
قلت (أي الألباني): وله شاهد يزداد به قوة أخرجه الحاكم (4/40) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء عن جابر عن عبد الرحمن بن عوف قال :
"أخذ النبي صلى الله عليه و سلم بيدي فانطلقت معه إلى إبراهيم ابنه و هو يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم في حجره حتى خرجت نفسه قال : فوضعه و بكى قال فقلت : تبكي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنت تنهي عن البكاء ؟ قال : إني لم أنه عن البكاء و لكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لهو و لعب و مزامير الشيطان ، و صوت عند مصيبة لطم وجوه و شق جيوب ، و هذه رحمة ، و من لا يرحم لا يرحم ، و لولا أنه وعد صادق ، و قول حق ، و أن يلحق أولانا بأخرانا لحزنا عليك حزناً أشد من هذا ، و إنا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العني و يحزن القلب و لا نقول ما يسخط الرب" .

سكت عليه الحاكم والذهبي ورجال إسناده ثقات إلا ابن أبي ليلى سئ الحفظ فمثله لا يستشهد به ويعتضد) أ.هـ كلام الألباني.

يقول الشيخ القرضاوي:
وإذا كان الشيخ هنا قد قال: فالحديث حسن إن شاء الله تعالى والعبارة توحي بشئ من التشكيك في حسن الحديث فأنه في صحيح الترغيب والترهيب جزم بحسنه وكذلك في كتابه "تحريم آلات الطرب".
وكنت أود من مثل الشيخ الألباني في تمكنه وسعة إطلاعه وخبرته بأسانيد الحديث ورجاله ألا يعتمد على رباعيات أبي بكر الشافعي واعتبره الأساس مع أن في إسناده روايا متهما بوضع الحديث كما قال الشيخ نفسه فكيف يعتمد على حديث فيه متهم بالوضع والكذب على رسول الله وإن تابعه من تابع؟!

على أنه لم يذكر لنا الطريقين الآخرين المتابعين اللذين ذكرهما الضياء لننظر في أسانيدهما ورجالهما.
لكن الشيخ قد تقوى بما ذكر الهيثمي تبعا للمنذري من رواية البزار للحديث بسند رجاله ثقات كما قالا.
ومن المعلوم: أن كلمة (رواته ثقات) هذه لا تفيد بالضرورة تصحيح الحديث ولا تحسينه فقد تكون فيه علة انقطاع أو غير ذلك.
وهذا ما دفعني أن استوثق من رجال السند عند البزار: هل هم جميعا ثقات متفق على توثيقهم؟
فرجعت إلى الحديث في (كشف الأستار عن زوائد البزار) للهيثمي وهو يروي أحاديث الزوائد بأسانيدها –على خلاف صنعه في "مجمع الزوائد"- ووجدته يقول في الحديث (795): حدثنا عمرو بن علي ثنا أبو عاصم ثنا شبيب بن بشر البجلي قال: سمعت أنس بن مالك يقول......وذكر الحديث.

وعمرو بن علي القلاس وأبو عاصم النبيل- وهو الضحاك بن مخلد- حافظتان ثقتان مشهوران.
أما شبيب بن بشر فلا يرقى لهذه الدرجة وإن وثقه يحيى بن معين وذكره ابن شاهين في الثقات.
فقد قال عنه أبو حاتم (4/1564): لين الحديث وحديثه حديث الشيوخ.
وذكره ابن الجوزي في الضعفاء.
وقال النسائي: لا نعلم أحدا روى عنه غير أبي عاصم وكان يخطئ.
وذكره الذهبي في كتابه (المغني في الضعفاء) الترجمة (2735).

انظر:تهذيب الكمال للمزي تحقيق بشار عود الترجمة رقم (2689) وحواشيها والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ترجمة (1564) وميزان الاعتدال للذهبي (2/3657) والمغني في الضعفاء له ترجمة (2735) وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/306) وتقريب التهذيب له ترجمة (2748).

ثم يقول الدكتور القرضاوي: فمثل هذا الراوي المختلف فيه وخصوصا من قبل حفظه وأنه يخطئ كثيرا: لا يحتج به ولا يعتمد على حديثه في مواضع الخلاف ومعتركات النزاع.

قلت : وحتى ابن حبان الذي ذكره في الثقات قال عنه: "يخطئ كثيرا"! وقال عنه الحافظ ابن حجر ملخصا أقوال العلماء فيه: "صدوق يخطئ".
وقال عنه الحافظ الهيثمي في المجمع بعد تخريجه لأحد الأحاديث: "وهو ثقة وفيه ضعف".
وقال عنه الحافظ المناوي في الفيض بعد تحقيقه لأحد الأحاديث: "وشبيب لين".

ولكن هناك إشكال في هذا الحديث وهو قول الشيخ الألباني في رسالته "تحريم آلات الطرب":
وتابعه (يقصد شبيب بن بشر) عيسى بن طهمان عن أنس .
أخرجه ابن سماك في " الأول من حديثه " ( ق 87 / 2 - مخطوط ) .
وعيسى هذا ثقة من رجال البخاري كما في " مغني الذهبي " وقال العسقلاني : " صدوق أفرط فيه ابن حبان والذنب فيما استنكره من غيره " . فصح الحديث والحمد لله .

فنحن نتوقف عند هذا حتى نرى هذا الإسناد كاملا خاصة أنه من كتاب غير منشور وما زال مخطوطا.
وهناك سبب آخر لأن لفظ هذا الحديث مروي بإسناد صحيح عند الحسن البصري موقوفا عليه رواه ابن أبي الدنيا في كتابه "ذم الملاهي" برقمي 62 و 63 وصححهما الألباني. ولعل الموقوف أصح.

والله أعلم.
 
التعديل الأخير:
ا

المفكر المالكي

زائر
كنت توقفت عن الكلام في سند ابن سماك لعدم وجود الكتاب بين يدي واليوم وجدت كلام الدكتور الجديع عن الحديث حيث يقول:

(( وعليه : فهذا حديث لم نجد له عليه متابعاً سمعه من أنس , ولا شاهداً معتبراً يصلح.

فإن قلت: بلى , له متابع وشاهد.

وذكرتَ المتابع ما أخرجة أبو عمرو عثمان بن أحمد ابن السماك في " الأول من حديثه" (ق:87/ب) من طريق عبيد بن عبد الرحمن التيمي , قال حدثني عيسى بن طهمان , عن أنس ,قال: (فذكر قصة موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم). وفيه :

فدمعت عيناه , فقال له أصحابه : يانبي الله , ألم تنه عن البكاء ؟ فقال : " لم أنه , إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين :صوت عند مصيبة , النوح , والغناء , وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون".

وذكرتَ الشاهد حديث ابن عوف أو جابر المذكور قبل هذا.

(وحديث ابن عوف قال عنه الشيخ حديث منكر بهذا السياق وهو حديث طويل فيه أن الرسول بكى وقال له أتبكي يارسول الله؟ أولم تنه عن البكاء؟ قال: إنما نهيت عن النوح ,عن صوتين أحمقين فاجرين :صوت عند نعمه لهو ولعب إلى آخر ماذكر , أما حديث جابر فقال عنه الشيخ حديث ضعيف جداً وفيه أن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع) إنتهى كلامي

قلتُ : كلا , فأما ما ذكرت من المتابعة , فإن التيمي راويها نسبه الحافظ المزي في "التهذيب" (22/618) في الرواة عن عيسى بن طهمان , فقال: "أبو محمد عبيد بن عبد الرحمن التيمي البزاز الأعور مولى الصلت بن بهرام" وهذا رجل مجهول , قال فيه أبو حاتم الرازي "لا أعرفه , والحديث الذي رواه كذب" (الجرح والتعديل 2/2/410).

فإسناد هذه المتابعة واهٍ لا يعتبر به.

وكنت في التأليف الأول. ويقصد كتابه(أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان). قد عللت هذه الرواية بابن طهمان , لقول ابن حبان: " يتفرد بالمناكير عن أنس , ويأتي عنه بما لا يشبه حديثه , كأنه كان يدلس عن أبان بن أبي عياش , ويزيد الرقاشي , عنه , لا يجوز الاحتجاج بخبره , وإن اعتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير" (المجروحين2/117-118).
مع أني ثبت ثقته , وأعملت قول ابن حبان في عنعنته , لما ذكره من وقوع المنكرات في حديثه , وكأن ذلك من جهة التدليس , لكن الذي تحرر لي من بعد أن مافي رواياته من المنكرات فليس من جهته , إنما هي من جهة الرواة عنه , كما هو الشأن هنا.

وأما ما ذكرتَ من شاهد , فقد سبق أن بينت لك محله من الخبر منكر , تفرد به ابن أبي ليلى في قصة مشهورة محفوظة بدونه , والمنكر لا يصلح للاعتبار.

فسقط بهذا ما يمكن التعلق به لتقوية الحديث , ولو كان حديث ابن أبي ليلى سالماً من المعارض , لكان صالحاً للاعتبار , ولحسنا به هذا الحديث لغيره , ولكن هيهات !

وهذا التفسير الذي ذكرته هنا حول الحديث وما حال دون الحكم بثبوته , متضمن جواباً لما أورده علي الشيخ الألباني رحمه الله , وددت لو وقف عليه , فإنه ذهب في كتابة "تحريم آلات الطرب" (ص:51-55) إلى الحكم بصحته , فحسن إسناد شبيب بن بشر , وصححه بطريق عيسى بن طهمان , وقواه بحديث ابن أبي ليلى , وقد علمت ما في جميعها , فما أورده علي (ص : 38) ليس بواردٍ , لما بينته , فتأمل)) انتهى كلامه.
 
ا

المفكر المالكي

زائر
نزيد هنا أمراً هاماً:

شبيب بن بشر:

ذكرنا من قبل كلام أبي حاتم الرازي والنسائي وابن حبان وابن الجوزي والذهبي والهيثمي وابن حجر والمناوي ونزيد هنا:

ذكر الإمام الترمذي أن الإمام البخاري قال : (شبيب بن بشر منكر الحديث) (انظر ترتيب العلل الكبير ص 169).

وقال المتقي الهندي في كنز العمال في تخريج أحد الأحاديث: (وفيه شبيب بن بشر لين الحديث).

وقال الألباني في إرواء الغليل (ج 6 / ص 244): ((وشبيب بن بشر ضعيف ، قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق ، يخطئ" وقال الذهبي في "الضعفاء": "قال أبو حاتم لين الحديث". قلت: فقول الهيثمي في المجمع (7/86): "رواه البزار والطبراني ورجالهما رجال الصحيح غير شبيب بن بشر وهو ثقة" ليس منه بجيد مع تضعيف من ذكرنا لشبيب هذا))انتهى كلامه.

إذا علمت هذا علمت مدى تدليس صاحب كتاب "الرد على القرضاوي والجديع" حين ذكر من المضعفين أبو حاتم وابن حبان فقط وأتى بأقوال العلماء التي تدل على تعنتهما وجاء بقول فيه توثيق الهيثمي مع أنه قول واحد من ضمن ثلاثة أقوال للهيثمي في هذا الراوي اثنين منها فيها تضعيف الراوي ولكنه جاء بالتوثيق فقط.

وجاء بكلام للألباني في شبيب هذا حيث يقول: "فيه كلام لا يضر" وترك كلامه السابق وفيه التضعيف الصريح.

وفي مقابل ذكره لأبي حاتم وابن حبان في التضعيف نقل توثيق ابن معين وابن شاهين وابن خلفون فيما نقله عنه مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (6/211) ليكثر سواد الموثقين مع أن الجرح مفسر وعليه الأكثر والتوثيق مبهم وموجز.

واعلم أيضاً أنه اهمل الكلام في رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عامة والكلام في روايته عن عطاء خاصة -وهذا الحديث منها- وحاول جاهداً أن يجعل حديثه مقبولاً في الشواهد والمتابعات ويا ليته تابعه ثقة لهان الأمر! وإلا فقد تابعه شبيب ودونك ترجمته! فكيف يتابعان بعضهما وهما كما ترى؟؟

على أنه ينبغي التنبيه لخطأ وقعت فيه وهو نقلي عن الشيخ الألباني من الصحيحة في ابن أبي ليلى هذا حيث نقلت: (فمثله لا يستشهد به ويعتضد) والصواب من قوله هو: (فمثله يستشهد به ويعتضد) فتنبه!

وقد تكلم هذا الباحث عن هذا الحديث في كتابه هذا من صفحة 326 إلى صفحة 348.

وفي الحقيقة صاحب هذا الكتاب يحسد على طول نفسه واعتماده على الإرهاب الفكري حيث يترك ما لا يسعفه ويأتي بما يحلو له وسأحاول بإذن الله تعالى تتبع كلامه في باقي الكتاب مما يخص بحثنا.

والله اعلم.
 
ا

المفكر المالكي

زائر
رأفت المصري;2391 قال:
تسجيل متابعة ..جزاك الله خيرا .

وإياكم شيخي الفاضل .. وإن اكتشفتم أي خطأ في الموضوع فحبذا مراجعتي فيه فما وضعته هنا إلا للاستفادة من أهل العلم هنا ... وأخوكم في الله لا يدعي العصمة .
حفظكم الله.
-------------------
* تنبيه من إدارة الملتقى:
تم إغلاق الموضوع؛ حتى الانتهاء من الحلقة الأولى ... والله الموفق ،،،
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى