العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

شرح باب الأوامر من منظومة ابن حزم الأصولية

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
قال الإمام ابن حزم في منظومته الأصولية :

باب الأوامر والنواهي:

َوَامِرُهُ حَتْمُ عَلَيْنَا وَ نَهْيُهُ ======== تُلافِيهِ بالإقْلاع عَنْهُ مُجَرَّدَا
حَرَامٌ وَفَرْضٌ طَاعَةٌ قَدْ تَيَقَّنَتْ == وَمَنْ تَرَكَ التَخْيِيرَ وَالوَقف َ سَدَّدا

__________________________________________________
قال عبد الرحمن:
قال في الإحكام في فصل (الألفاظ الدائرة بين أهل النظر) :
الأمر :إلزام الآمر المأمور عملا ما.
النهي : إلزام الناهي المنهي ترك عمل ما.
الفرض : ما استحق تاركه اللوم.
الحرام : ما استحق فاعله اللوم.
الندب : أمر بتخيير في الترك , إلا أن فاعله مأجور وتاركه لا آثم ولا مأجور.
الكراهة : نهي بتخيير في الفعل إلا أن على تركه ثوابا وليس في فعله أجر ولا إثم.
الإباحة : تسوية بين الفعل والترك لا ثواب على شئ منهما ولا عقاب. والإباحة حكم شرعي ثابت وليس كما قاله أهل الأصول من أنه حكم شرعي على سبيل التجوز , فإن الأحكام الخمسة قد سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال ابن حزم :" واقسام السنة في الشريعة : فرض أوندب أو إباحة أو كراهة أو تحريم , كل ذلك قد سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل.

والأمر لفظ دال على الإلزام , قال في الإحكام : "الذي يفهم من الأمر أن الآمر أراد أن يكون ما أمر به وألزم المأمور ذلك الأمر" .
والدليل على هذا أمور :
1-حجة العقل : فإن كل أهل الدنيا يفهمون من لفظ الأمر الإلزام لا يفهمون غيره.والذي قال بالوقف أو الإباحة دخل في عظيمتين اثنتين إحداهما –كما يقول الإمام- :"إبطال فائدة العقل , لأنه يصير حينئذ قائلا :إن الموضوع في اللغة من لفظة –افعل- : لا تفعل إن شئت,وهذا خلاف فهم جميع أهل اللغات...وهذا لا يقوله ذو مسكة عقل"
وقد قال بعض أهل الوقف : إنما صارت كأنها من بدائه العقل لكثرة استعمال الأمر على معنى الإلزام , فهو استعمال فقط وليس أصلا , ولا يمكن أن نحكم بأنها من البدائه لأن الناس تجد في طبائعها ما تجده من معنى الحتم , لن هذه المعاني أعني القول بالوقف ليست جمهورية : اي لا يدركها إلا خواص أهل المعرفة.
فكان من رد الإمام :" قد أخبرنا فيما خلا وفي سائر كتبنا بأننا مضطرون إلى معرفة أن الأشياء حقائق وأنها موجودة على حسب ما هي عليه وبأنه لا يدري أحد كيف وقع له ذلك وبينا أن هذه المعرفة التي اضطرنا إليها وخلقها الباري تعالى في أنفسنا في أول أوقات فهمنا بعد تركيبها في الجسد هي أصل لتمييز الحقائق من البواطن وهي عنصر لكل معرفة وإننا عرفنا إيجاب الأوامر ببديهة العقل وبالتمييز الموضوعين فينا لنعرف بها الأشياء على ما هي عليه فعلمنا أن الحجر صليب وأن الماء سيال في طبعه وإن انتقل إلى الجمود في بعض أحواله وأن قول القائل فلان أحمق ذم وأن قوله فلان عاقل مدح وأن الأمر عنصر من عناصر الكلام التي هي خير ودعاء واستفهام وأمر فلما استقر في النفس أن إرادة الأمر أن يفعل المأمور ما يأمره به معنى قائم في النفوس لم يكن له بد من عبارة يقع بها التفاهم

2-نص الوحي : قال تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
3- دليل الإجماع : وهي العظيمة الثانية التي دخلها القائل بالوقف أو الإباحة , قال الإمام :"خرق الإجماع , فما قال بهذا أحد قط ".
واحتج من قال بالوقف بأننا لا نجد نقلا عن العرب يفيد أنهم استعملوا الأمر للإلزام اصالة ’ فيجب التوقف وعدم الإختراع عليهم , فيكون من الرد ما قاله الإمام ابن حزم وأشار إليه من أن اللغة وضعت للإفهام ورفع الإشكال لا ان تكون مشكلة في حد ذاتها فهذا أبطل الباطل , ولو كانت مشكلة لما صح ائتمار أبدا , قال ابن حزم :"وإذ قد صح ورود الأمر من الله عز وجل وصح التخاطب بالأوامر في اللغة بين الناس , علمنا أنه لا يجوز أن يخاطبنا تعالى بما لا سبيل إلى الإئتمار له , وبالمحالات التي لا نقدر عليها , وصح أن الأمر مراد به معنى مختص بلفظه وبنيته وليس ذلك إلا كون ما خوطب به المأمور".اهـ.
فصح بالأدلة الثلاثة المتظافرة على المطلوب : ان الأمر له صيغة في ذاته , وليس كما زعم الغزالي وتبعه الرازي وغيرهم . وكما ترى فما هذه المسألة المبتدعة إلا من بركات المتكلمين الأشاعرة, وقد نقل عن ابن سريج هذا القول فالله أعلم بصحته.
ولا يصرف الأمر عن الوجوب إلا بدليل قال الإمام :


*****************


فإنْ لاحَ بُرْهَانٌ يُبَيِّنُ أَنَّهُ=== عَلَى غَيرِ ذَا صِرْنَا مَعًا لِلَّذِي بَدَا
__________________________________________________
قال في الإحكام : "وذهب قوم من الطوائف التي ذكرنا[الحنفية-المالكية-الشافعية] وجميع أصحاب الظاهر إلى القول بأن : كل ذلك على الوجوب في التحريم , أو الفعل حتى يقوم دليل على صرف شئ من ذلك إليه , أو كراهة او إباحة فتصير إليه."
وقد اعترض بعض من صار إلى الندب (ومنهم بعض الحنابلة) بأننا وجدنا في الشريعة أوامر معناها الندب , فما الذي جعل التحريم أولى من الندب !
فيرد عليهم الإمام قائلا :" وأما الذي ذكروا من أنهم قد وجدوا أوامر معناها الندب فصدقوا والوجه في ذلك أننا قد وجدنا في اللغة ألفاظا نقلت على معهودها وعن موضوعها في اللسان وعلقت على أشياء أخر فعل ذلك خالق اللغة وأهلها الذي رتبها كيف شاء عز و جل أو فعل في ذلك بعض أهل اللغة من العرب أو فعل ذلك مصطلحان فيما بينها كما نقل تعالى اسم الصلاة عن موضوعها في اللغة عن الدعاء إلى استقبال الكعبة ووقوف وركوع وسجود وجلوس بصفات محدودة لا تتعدى وكما نقل تعالى اسم الصيام عن الوقوف إلى امتناع الأكل والشرب والوطء في أيام معلومة وكما نقل اسم الكفر عن التغطية إلى أقوال محدودة ونيات معلومة فإذا قد وجدنا ذلك لزمنا إذا قام دليل على أن لفظا ما قد نقل عن موضوعه من اللغة ورتب في مكان آخر أن يعتقد ذلك وإما ما لم يقم دليل على نقله فلا سبيل إلى إحالته عن مكانه البتة" اهـ.
ومثال ذلك : قوله تعالى :( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) فقد استدل بها أهل الإباحة على مذهبهم والرد عليهم أن هذا الأمر –كما قال الإمام-خرج عن أصله لأن النبي صلى الله عليه وسلم حل بالطواف بالبيت وانحدر إلى منى ولم يصطد , فصح أنه ليس فرضا.
 
أعلى