محمد بن فائد السعيدي
:: متخصص ::
- إنضم
- 23 مارس 2008
- المشاركات
- 677
- التخصص
- الحديث وعلومه
- المدينة
- برمنجهام
- المذهب الفقهي
- شافعي
تحدث الشيخ وليد السعيدان عن مسائل مهمة في كتابه "قواعد البيوع وفرائد الفروع" ومن هذه المسائل مسألة التورق، قال الشيخ"
ومنها : مسألة التورّق : وهي من جملة المعاملات المنتشرة أيضاً في زماننا هذا ، وصورتها أن يشتري الإنسان السلعة لا ليستعملها وإنما ليبيعها ويستفيد من ثمنها ، وسميت بمسألة التورق ، لأن المقصود من عقدها الورِق الذي هو الفضة ، أو الورَق المعروف عندنا في زماننا ، وعلى كل حالٍ هل هي جائزة أم لا ؟ أقول :- فيه خلاف طويل بين أهل العلم رحمهم الله تعالى فقال بعضهم بالجواز ، وقال بعضهم بالحرمة والأصل المتقرر عندنا في المعاملات الحل والإباحة ، فالدليل يطلب من القائل بالتحريم ، لا من القائل بالحل ، لأن الأصل معه ، وقد استدلوا على تحريم هذه المعاملة بعدة أدلة فمن هذه الأدلة :- حديث : (( نهى النبي e عن بيع المضطر )) وهذا الرجل الذي اشترى السلعة في حقيقته إنما فعل ذلك لأنه مضطر إلى الورق ، فهو يدخل في عموم النهي عن بيع المضطر ، ومن أدلتهم : الأحاديث التي تنهى عن العينة ، ومسألة التورق فرع منها ، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه : (( إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان ، إنما هي نقد بنقدٍ بينهما سلعة )) ، وقال عمر بن عبدالعزيز : " التورق أُخيّة الربا " ، وشدّد فيها أبو العباس تقي الدين رحمه الله تعالى ، وقال الآخرون : إن حديث النهي عن بيع المضطر مع ما فيه من ضعفٍ في سنده فليس بمفيد لتحريم مسألة التورق ، لأن النهي عن بيع المضطر ليس نهيا مطلقاً وإنما النهي فيما إذا استغل اضطراره فزيد عليه زيادة مجحفة ، وسواءً أكان الثمن حالاً أو مؤجلاً ، وإلا فلو عمل الناس بإطلاق هذا الحديث لتضرر المضطر لأنه لن يجد أحداً يبيعه أو يشتري منه ، وهذا ضرر عليه لا بد من رفعه فقيد إطلاق الحديث بعلته فالنهي منصب على الزيادة المجحفة عليه أو النقص المجحف عليه ، أما البيع أو الشراء كما يبيع الناس ويشترون فهذا لم ينه عنه ، ومسألة التورق يشترط فيها أن تكون الزيادة التي بسبب التأخير زيادة معقولة يتعارف عليها الناس وتقبل فيما بينهم ، فليست هي من قبيل بيع المضطر في شيء بل إنه حصل بها من تفريج الكرب وتحصيل الأمور المهمة من زواجٍ ومسكن ومركب ما يعلمه الخاص والعام ، وأما أحاديث العينة ، فهي في العينة ، وأين العينة من التورق ! فإن المشتري في العينة هو عين البائع الأول ، أعني أن صاحب السلعة الأول باعها لآخر مؤجلة بألف مثلاً ثم اشتراها هو بعينه حالة بخمسمائة ، فهذا هو عين الربا والنص ورد في ذلك وهذا هو الذي يصدق عليه قول ابن عباس ، نقد بنقد بينهما سلعة ، أما التورق فإن المشتري للسلعة بعد شرائها ليس هو البائع الأول بل هو رجل أجنبي عن العقد الأول ، والناس قد يشترون السلع ولا يريدون استعمالها وإنما يريدون ثمنها أو التجارة بها ، وأما قول عمر بن عبد العزيز :" هي أُخيّة الربا "، فلا يؤخذ منه تشريع باتفاق المسلمين ويناقش بإجازة غيره لها ، بل هي المخلص من الربا ، وباب خير فتح للناس ولله الحمد ولم يأت دليل مستقيم يعتمد عليه في تحريمها ، فالبراءة الأصلية في مثل هذه المعاملة مستصحبة ، فالأصل فيها الحل والإباحة وهو الذي يفتي به غالب علماء هذه البلاد المباركة - حفظ الله حيهم ورحم ميتهم - وذلك مراعاة لأحوال الناس فيما لم يرد فيه دليل يمنع منه وقولهم هو الموافق للأصول وسماحة الشريعة والله أعلم .