العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الفرق بين النكاح والرجعة

إنضم
21 مايو 2009
المشاركات
116
الجنس
ذكر
الكنية
أبو البراء
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الأردن
المدينة
عمّان
المذهب الفقهي
الشافعي
أولاً : النكاح :
تعريفه : النِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ نَكَحَ ، يُقَال : نَكَحَ يَنْكِحُ الرَّجُل وَالْمَرْأَةُ نِكَاحًا : مِنْ بَابِ ضَرَبَ ، قَال ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ : يُطْلَقُ عَلَى الْوَطْءِ ، وَعَلَى الْعَقْدِ دُونَ الْوَطْءِ ، وَيُقَال : نُكِحَتِ الْمَرْأَةُ : تَزَوَّجَتْ ، وَنَكَحَ فُلاَنٌ امْرَأَةً : تَزَوَّجَهَا ، قَال تَعَالَى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ }[1] ، وَنَكَحَ الْمَرْأَةَ : بَاضَعَهَا[2] .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ : اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ النِّكَاحِ :
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ : النِّكَاحُ عَقْدٌ يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ بِالأُْنْثَى قَصْدًا ، أَيْ يُفِيدُ حِل اسْتِمْتَاعِ الرَّجُل مِنَ امْرَأَةٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ [3] .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : النِّكَاحُ عَقْدٌ لِحِل تَمَتُّعٍ بِأُنْثَى غَيْرِ مَحْرَمٍ وَمَجُوسِيَّةٍ وَأَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ بِصِيغَةٍ [4] .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ : النِّكَاحُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إِبَاحَةَ وَطْءٍ بِلَفْظِ إِنْكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ تَرْجَمَتِهِ [5] .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ : النِّكَاحُ عَقْدُ التَّزْوِيجِ ، أَيْ عَقْدٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ لَفْظُ نِكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ تَرْجَمَتُهُ [6] .
حَقِيقَةُ النِّكَاحِ :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَقِيقَةِ النِّكَاحِ إِلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ :
الرَّأْيُ الأَْوَّل : أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي مِنْهُمْ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ مُجَرَّدًا عَنِ الْقَرَائِنِ - أَيْ مُحْتَمِلاً لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ بِلاَ مُرَجِّحٍ خَارِجٍ - يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ ؛ لأَِنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ ، فَتَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهَا ، كَمَا فِي قَوْل اللَّهِ تَعَالَى : { وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ }[7] بِخِلاَفِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى : { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ }[8]، لإِِسْنَادِهِ إِلَيْهَا ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْعَقْدُ لاَ الْوَطْءُ إِلاَّ مَجَازًا [9] .
الرَّأْيُ الثَّانِي : أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ يَنْصَرِفُ إِلَى الْعَقْدِ مَا لَمْ يَصْرِفْهُ دَلِيلٌ لأَِنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْقُرْآنِ وَالأَْخْبَارِ ، وَلأَِنَّ النِّكَاحَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ اللَّذَيْنِ يَنْعَقِدُ بِهِمَا عَقْدُ النِّكَاحِ ، فَكَانَ حَقِيقَةً فِيهِ كَاللَّفْظِ الآْخَرِ ، وَقَدْ قِيل : لَيْسَ فِي

[1]سورة النساء / 3

[2] المصباح المنير ، ولسان العرب ، والقاموس المحيط ، والمعجم الوسيط .

[3]الدر المختار ورد المحتار 2 / 258 - 260 ، وفتح القدير 3 / 99.

[4] الشرح الصغير وحاشية الصاوي 2 / 332 - 334 -.

[5] مغني المحتاج 3 / 123 - ، وحاشية الرملي على شرح روض الطالب 3 / 98 ، ونهاية المحتاج 6 / 174 ، والقليوبي 3 / 206 .

[6] كشاف القناع عن متن الإقناع 5 / 5

[7] سورة النساء / 22

[8] سورة البقرة / 230

[9] الدر المختار ورد المحتار 2 / 260 ، ومغني المحتاج 3 / 123 ، والإنصاف 8 / 4 - 5 .
 
إنضم
21 مايو 2009
المشاركات
116
الجنس
ذكر
الكنية
أبو البراء
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الأردن
المدينة
عمّان
المذهب الفقهي
الشافعي
الْكِتَابِ لَفْظُ النِّكَاحِ بِمَعْنَى الْوَطْءِ إِلاَّ قَوْلُهُ تَعَالَى :{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } لِخَبَرِ : حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ [1] ، وَلِصِحَّةِ نَفْيِهِ عَنِ الْوَطْءِ ، وَلأَِنَّهُ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ وَلاَ يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إِلاَّ إِلَيْهِ فَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْعُرْفُ [2] .
الرَّأْيُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ ، وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ فِيهِمَا أَوْ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ فِيهِمَا .
وَقَال بَهْرَامُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ : وَيُسْتَعْمَل لَفْظُ النِّكَاحِ - فِي الشَّرْعِ - فِي الْوَجْهَيْنِ ، لَكِنْ عَلَى سَبِيل الْحَقِيقَةِ فِيهِمَا جَمِيعًا .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ : إِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا بِالاِشْتِرَاكِ كَالْعَيْنِ .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ : هُوَ مُشْتَرَكٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ ، قَال الْمَرْدَاوِيُّ : وَعَلَيْهِ الأَْكْثَرُ .
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ : هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا مَعًا ، فَلاَ يُقَال : هُوَ حَقِيقَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادِهِ ، بَل عَلَى مَجْمُوعِهِمَا ، فَهُوَ مِنَ الأَْلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ ، قَال ابْنُ رَزِينٍ : هُوَ الأَْشْبَهُ ، قَال الْمَرْدَاوِيُّ : وَالْفَرْقُ بَيْنَ الاِشْتِرَاكِ وَالتَّوَاطُؤِ : أَنَّ الاِشْتِرَاكَ يُقَال عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَقِيقَةً بِخِلاَفِ الْمُتَوَاطِئِ ، فَإِنَّهُ لاَ يُقَال حَقِيقَةً إِلاَّ عَلَيْهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ [3] .

ثانياً : الرجعة :
تعريف الرجعة : الرَّجْعَةُ اسْمُ مَصْدَرِ رَجَعَ ، يُقَال : رَجَعَ عَنْ سَفَرِهِ ، وَعَنِ الأَْمْرِ يَرْجِعُ رَجْعًا وَرُجُوعًا وَرُجْعَى وَمَرْجِعًا ، قَال ابْنُ السِّكِّيتِ : هُوَ نَقِيضُ الذَّهَابِ ، وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى فَيُقَال : رَجَعْتُهُ عَنِ الشَّيْءِ وَإِلَيْهِ ، وَرَجَعْتُ الْكَلاَمَ وَغَيْرَهُ أَيْ رَدَدْتُهُ قَال تَعَالَى :{ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ }[4]
وَرَجَعَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى أَهْلِهَا بِمَوْتِ زَوْجِهَا أَوْ بِطَلاَقٍ ، فَهِيَ رَاجِعَةٌ ، وَالرَّجْعَةُ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ ، وَالرَّجْعَةُ بَعْدَ الطَّلاَقِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ [5].
وَالرَّجْعِيُّ نِسْبَةٌ إِلَى الرَّجْعَةِ ، وَالطَّلاَقُ الرَّجْعِيُّ : مَا يَجُوزُ مَعَهُ لِلزَّوْجِ رَدُّ زَوْجَتِهِ فِي عِدَّتِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ : تَعَدَّدَتْ تَعْرِيفَاتُ الْفُقَهَاءِ لِلرَّجْعَةِ عَلَى النَّحْوِ الآْتِي :
عَرَّفَهَا الْعَيْنِيُّ بِأَنَّهَا اسْتِدَامَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ .
وَعَرَّفَهَا صَاحِبُ الْبَدَائِعِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا " اسْتِدَامَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ الْقَائِمِ وَمَنْعُهُ مِنَ الزَّوَال "[6] .
وَعَرَّفَهَا الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهَا " عَوْدُ الزَّوْجَةِ الْمُطَلَّقَةِ لِلْعِصْمَةِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ "[7] .
وَعَرَّفَهَا الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِقَوْلِهِ : رَدُّ الْمَرْأَةِ إِلَى النِّكَاحِ مِنْ طَلاَقٍ غَيْرِ بَائِنٍ فِي الْعِدَّةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ [8] .
وَعَرَّفَهَا الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا " إِعَادَةُ مُطَلَّقَةٍ غَيْرِ بَائِنٍ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ "[9] .


دَلِيل مَشْرُوعِيَّةِ الرَّجْعَةِ وَحِكْمَتُهَا :
إِنَّ ارْتِجَاعَ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الإِْصْلاَحِ ، لِذَلِكَ نَجِدُ الشَّرِيعَةَ الإِْسْلاَمِيَّةَ قَدْ نَظَّمَتْ أَحْكَامَهَا . . وَقَدْ أَشَارَ الْكَاسَانِيُّ إِلَى حِكْمَةِ الرَّجْعَةِ بِقَوْلِهِ : " إِنَّ الْحَاجَةَ تَمَسُّ إِلَى الرَّجْعَةِ ؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ قَدْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَنْدَمُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى

[1] حديث : " حتى تذوقي عسيلته " . أخرجه البخاري ( فتح الباري 9 / 464 ط السلفية ) من حديث عائشة رضي الله عنهَا

[2] شرح الخرشي 3 / 165 ، والفواكه الدواني 2 / 21 ، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل 3 / 403 ، والدر المختار ورد المحتار 2 / 260 ، ومغني المحتاج قيم 3 / 123 ، والإنصاف 8 / 4 ، 5 ، وكشاف القنَاع 5 / 5 ، 6 ، والمغني 6 / 445 .

[3] رد المحتار والدر المختار 2 / 260 ، ومواهب الجليل 3 / 403 ، والخرشي مع العدوي 3 / 164 ، ومغني المحتاج 3 / 123 ، والإنصاف 8 / 5 ، 6 ، وكشاف القناع 5 / 5 ، 6 .

[4] سورة التوبة / 83 .

[5] المعجم الوسيط، والمصباح المنير، مادة : ( رجع )

[6] البناية على الهداية 4 / 591 ، وبدائع الصنائع 3 / 181

[7]الشرح الكبير ص 369 ، والخرشي 4 / 79

[8] مغني المحتاج 3 / 335

[9] كشاف القناع 5 / 341، الناشر دار الباز - مكة، والروض المربع شرح زاد المستقنع 6 / 601
 
إنضم
21 مايو 2009
المشاركات
116
الجنس
ذكر
الكنية
أبو البراء
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الأردن
المدينة
عمّان
المذهب الفقهي
الشافعي
مَا أَشَارَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَل جَلاَلُهُ بِقَوْلِهِ : { لاَ تَدْرِي لَعَل اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا }[1] فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّدَارُكِ ، فَلَوْ لَمْ تَثْبُتِ الرَّجْعَةُ لاَ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ ، لِمَا عَسَى أَنْ لاَ تُوَافِقَهُ الْمَرْأَةُ فِي تَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَلاَ يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهَا فَيَقَعُ فِي الزِّنَا"[2] لِذَا شُرِعَتِ الرَّجْعَةُ لِلإِْصْلاَحِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهَذِهِ حِكْمَةٌ جَلِيلَةٌ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ .
وَقَدْ ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الرَّجْعَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ ، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ :
- أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا }[3] وقَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا }[4] .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا[5] ، فَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ تَطْلِيقَةً ، فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَال : يَا مُحَمَّدُ ، طَلَّقْتَ حَفْصَةَ وَهِيَ صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ ؟ فَرَاجِعْهَا[6] .
وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ النَّاسُ وَالرَّجُل يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ ، حَتَّى قَال رَجُلٌ لاِمْرَأَتِهِ : وَاللَّهِ لاَ أُطَلِّقُكِ فَتَبِينِي مِنِّي وَلاَ آوِيكِ أَبَدًا ، قَالَتْ : وَكَيْفَ ذَاكَ ؟ قَال : أُطَلِّقُكِ فَكُلَّمَا هَمَّتْ عِدَّتُكِ أَنْ تَنْقَضِيَ رَاجَعْتُكِ ، فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَسَكَتَتْ عَائِشَةُ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَل الْقُرْآنُ : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }[7]
قَالَتْ عَائِشَةُ : فَاسْتَأْنَفَ النَّاسُ الطَّلاَقَ مُسْتَقْبَلاً ، مَنْ كَانَ طَلَّقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقَ[8] .
وَالإِْمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ بِقَصْدِ الإِْصْلاَحِ لاَ الإِْضْرَارِ [9] .
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ الرَّجْعَةِ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِهَا ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ، فَقَدْ جَاءَ فِي الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ مَا نَصُّهُ " قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ إِذَا طَلَّقَ دُونَ الثَّلاَثِ ، وَالْعَبْدَ دُونَ اثْنَتَيْنِ ، أَنَّ لَهُمَا الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ "[10]

ويتشابه النكاح مع الرجعة في
أنه يجوز للزوج أن يطلقها وهي في عدتها ويولي منها ويظاهر منها لبقاء الزوجية ببينهما. وهل يصح له أن يخالعها ؟ فيه قولان : الأول يصح لبقاء أحكام لزوجية بينهما ، وهذا ما نصه في الأم . والثاني : لا يصح لأن الخلع للتحريم وهي محرمة عليه ، وهذا ما نصه في الإملاء .
وكذلك لو مات أحدهما ورثه الآخر ، لبقاء الزوجية إلى الموت .
المطلقة رجعياً محرمة عليه قبل الرجعة تحريم المبتوتة ، وبه قال ابن عباس وابن عمر وهو مذهب مالك وعطاء وأكثر الفقهاء . وقال أبو حنيفة وأصحابه : يحل له وطؤها ، بل جعل ذلك لها رجعة .



[1] سورة الطلاق / 1

[2] بدائع الصنائع 3 / 181

[3] سورة البقرة / 228

[4] سورة البقرة / 231

[5] حديث عمر بن الخطاب أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها . أخرجه أبو داود 2 / 712 ، والحاكم 2 / 197، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي

[6] حديث أنس : " أن النبي طلق حفصة . . . . " أخرجه الحاكم 4 / 15، وضعف الذهبي أحد رواته في ميزان الاعتدال 1 / 482

[7] سورة البقرة / 229

[8] حديث عائشة : " كان الناس والرجل يطلق امرأته " أخرجه الترمذي ( 3 / 488 عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ثم أسنده مرة أخرى عن هشام بن عروة عن أبيه دون ذكر عائشة، وقال : " هذا أصح يعني مرسلاً " .

[9] أحكام القرآن لابن العربي 1 / 191، 199

[10] الروض المربع 6 / 601
 
إنضم
21 مايو 2009
المشاركات
116
الجنس
ذكر
الكنية
أبو البراء
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الأردن
المدينة
عمّان
المذهب الفقهي
الشافعي
تلخيص الفرق بين النكاح والرجعة بنقاط :

1. يُشْتِرطُ كَوْنُ الرَّجعةِ فِي الْعِدَّةِ بعكسِ النِّكاح .
2. َتَصِحّ الرجعةُ بِلَا وَلِيٍّ ، قال تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا }[1]. والنكاح لا يصح إلا بولي ، فإن عقدت المرأة لم تصح، قال r ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ) [2] .
3. وتَصِحُّ الرجعة بلَا شُهُودٍ ، وعند الشافعية في الإملاء أن الشهادة واجبة مع التلفظ بها لقوله تعالى { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ }[3] . وذهب الحنفية إلى استحباب الإشهاد عليها . وفي النكاح إلا بالإشهاد ، قال r ( لا نكاح إلا بولي وشاهدين )[4]
4. تَصِحُّ الرجعة بلَا رِضًى ، لأنه رفع تحريم طرأ على عقد النكاح ، قال تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا }. والنكاح لا يصح إلا بالرضا
5. تَصِحُّ بِغَيْرِ لَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ ، فهي تصح بالقول القادر عليه أو بالإشارة من الأخرس، قال أبو حنيفة : إذا قبلها بشهوة أو لمسها وقعت الرجعة . وقال مالك إن نوى بالوطء الرجعة صحت . والنكاح لا يصح إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح .
6. َتَصِحُّ الرجعة فِي الْإِحْرَامِ أثناء الحج . ولا يصح النكاح للحاج ما دام محرماً .
7. الرجعة لَا تُوجِبُ مَهْرًا . وفي النكاح لا بد من وجود مهر بينهما ، قال r (التمس ولو خاتماً من حديد)
8. لا يجوز تعليق الرجعة على شرط . ويصح النكاح على شرط .
9. ليس من سنن الرجعة أن يسبقها خُطبة، والنكاح يستحب أن يُسبق بخُطبة تكون قبل العقد .
10.ليس من سنن الرجعة أن يولم الزوج بوليمة. وفي النكاح يسن أن يولم بسببه لقوله r (أولم ولو بشاة)


[1] البقرة 228 .

[2] أخرجه الترمذي وابو داود وابن ماجة والدارقطني .

[3] الطلاق 2 .

[4]
 
إنضم
3 يناير 2009
المشاركات
94
الجنس
ذكر
الكنية
أبو الحسن
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الهند
المدينة
لكناو
المذهب الفقهي
لم يتحدد بعد
رد: الفرق بين النكاح والرجعة

شكرا على هذا الإتقان في التقديم
 
أعلى