الموضع الثاني في الفتاوى: فإنه لما حكى إلزام القائلين بنجاسة المني أنه من جنس المذي...
فإنه صدر صوابه بقوله:
(وأما الوجه الثالث: وهو إلحاقه بالمذي، فقد منع الحكم في الأصل على قول بطهارة المذي، والأكثرون سلموه وفرقوا بافتراق الحقيقتين، ....)
ويظهر هذا الجواب حين نعرف أن القول بطهارة المذي غير مشهور، ولا هو من مثارات الخلاف، وفي المسألة عدة إجماعات، لكن ابن تيمية رحمه الله كأنه اعتبر وجاهة القول بطهارته، لاسيما مع انتصاره للقول بطهارة المني، وكأنه لا يمانع من القول بطهارة المذي أيضاً إذا ثبت كونه لازماً للقول بطهارة المني.
وأما الموضع الثالث فهو في اختيارات ابن تيمية لابن عبد الهادي (رقم 74):
- وذهب إلى أن المذي يجزئ فيه النضح، قال: وقد روي عن أحمد أنه طاهرٌ كالمني، و [على] القول بنجاسته فهل يُعفى عن يسيره؟ على قولين هما روايتان عن أحمد.
وأما الموضع الرابع: فهو في شرح العمدة فإنه قال: (1 / 104، 105):
وأما المذي فيعفى عنه في أقوى الروايتين؛ لأن البلوى تعم به ويشق التحرز منه فهو كالدم بل أولى للاختلاف في نجاسته والاجتزاء عنه بنضحه.
والموضع الخامس والأخير في شرح العمدة أيضاً (1 / 100، 101):
وظاهر المذهب: أنه نجس.
وعنه: أنه طاهر اختاره أبو الخطاب في خلافه:
- لما روى سهل بن حنيف قال: ( كنت القي من المذي شدة وكنت أكثر من الاغتسال فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: يجزيك من ذلك الوضوء. فقلت: يا رسول الله كيف أصنع بما يصيب ثوبي؟ قال: يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصابه) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد ولفظه ( فتمسح ) بدل قوله ( فتنضح به)، والأثرم ولفظه ( يجزئك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه فلم يأمره بغسل فرجه منه )
- ولو كان واجبا لأمره.
- ويحمل الأمر بالنضح وبالغسل في حديث علي على الاستحباب .
- ولأنه جزء من المني إذا يخرج بسبب الشهوة من مخرج المني لكنه لم يستحكم بكمال الشهوة.
ثم قال ابن تيمية:
(والأول هو المشهور لكن يكفي نضح المحل منه في إحدى الروايتين كما ذكره الشيخ للحديث المذكور
وحمله على هذا أولى من حمله وسكوته عن غسله على مجرد الاستحباب؛ فإن الأصل في الأمر الوجوب لاسيما في مثل هذا
وسكوته عن غسل الفرج منه قد يكون لعلم المستمع فإنه كان عالما بنجاسته ولكن سأل عن موجب خروجه وعن كيفية التطهر منه
ولأنه متردد بين المني لأنه جزء منه وبين البول لكونه لم يكمل وهو مما يشق التحرز منه فأجرا فيه النضح كبول الغلام والأخرى لا يجزئ إلا الغسل لما روي عن علي قال كنت رجلا مذاء فاستحييت أن اسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمرت المقداد فسأله فقال يغسل ذكره ويتوضأ وإذا أمر بغسل الذكر فكذلك سائر المحال.)
في الموضع الأخير من شرح العمدة وهو من كتبه المتقدمة ربما بدا منه منه ميل إلى القول بنجاسة المذي والاجتزاء منه بالنضح مع اعتباره واستدلاله للقول بطهارة المذي.
لكن مجموع النقولات السابقة تفيد ميله إلى القول بطهارة المذي لاسيما أنه لم يقم عنده دليل على نجاسته، وأنه لازمٌ قوي للقول بطهارة المني الذي انتصر له ابن تيمية، ويتأكد نسبة القول بطهارة المذي إلى ابن تيمية لو كان قائلاً أن ما يعفى عنه لمشقة التحرز عنه هو طاهر، فإن للفقهاء اتجاهين اثنين، فإن كان الأمر كذلك فقد أشار ابن تيمية رحمه الله إلى ظهور هذا المعنى في المذي.