العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل ترتضون ذلك المسلك في التفسير ؟

إنضم
14 نوفمبر 2009
المشاركات
350
التخصص
الفقه والأصول والبحث القرآني
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
[font=arial (arabic)]
يسلك بعض المفسرين مسلكا لا أتسرع بالحكم عليه فأضيع فائدة البحث؛ وإنما أطرحه للنظر من قبل طلاب العلم، والمتأملين في كتابالله سبحانه. وأعرض أولا هذا المنهج من خلال استلالي لكلمات للشيخ المفسر عبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني رحمه الله، حيث يقول في كتابه قواعد التدبر الأمثل دار القلم ط 2009[/font] :
[font=arial (arabic)]
ولما كان من المقطوع به أنه لا يمكن أن تتعارض دلالة قرآنية صحيحة مع حقيقة ثابتة، كان من الواجب متى ثبتت حقيقة ما ثبوتا قطعيا فهم النص القرآني الذي تحدث عنها أو أشار إليها بما ينسجم معها. وبعد هذا فمن الخير أن تشطب الاحتمالات المخالفة التي أوردها المفسرون، هذا بشرط الوصول إلى الحقيقة النهائية علميا. أما ادعاء الوصول إلى الحقيقة النهائية دون برهان قطعي فإنه لا يلغي الاحتمالات المخالفة، بل يظهر الفهم النهائي للنص غير مجزوم به[/font].
[font=arial (arabic)]
ص 235
[/font]
[font=arial (arabic)]
ويقول[/font]:
[font=arial (arabic)]
قال أهل التفسير : دحا الأرض بمعنى بسطها وأوسعها[/font].
[font=arial (arabic)]
وقد بحثت في معاني هذه المادة في لغة العرب، فوجدت أن البسط والتوسيع من معاني الدحو، هو الذي أخذ به أهل التفسير، ويمكن حمله على ما يظهر من الأرض لأعين الرائين من الناس، إلا أنني وجدت أيضا من معاني الدحو ما هو أقرب إلى واقع حال الأرض الذي يقرره علماء الهيئة، وبهذا المعنى تظهر إحدى الروائع القرآنية[/font].
[font=arial (arabic)]
ص 322

[/font]
[font=arial (arabic)]
وهو قبله قرر فقال[/font] :
[font=arial (arabic)]
ومن الأمور المهمة التي على المتدبر لكتاب الله مراعاتها، اعتماد دلالات الكلمات القرآنية في عصر نزول القرآن، لا وفق ما تطورت إليه الكلمة بعد ذلك في العصور الإسلامية، ولا وفق المصطلحات التي تمت بعد عصر التنزيل، كمصطلحات الفقهاء، وكم يقع بعض المتدبرين في الخطأ لأنه يغفل عن هذا الأمر الأساسي المهم[/font].
[font=arial (arabic)]
ص 319

[/font][font=arial (arabic)]
وكما قاله قبل، فقد قاله بعد[/font] :
[font=arial (arabic)]
وأؤكد أنه ينبغي الحذر من أن يتأثر المتدبر لكلام الله بمعنى اصطلاحي متأخر عن عصر التنزيل، اصطلح عليه الفقهاء أو الأصوليون أو غيرهم من العلماء في مختلف العلوم الإسلامية، أو أن يتأثر بمعنى شاع في العرف العام بعد عصر التنزيل، فيفهم معنى الكلمة القرآنية على هذا الأساس[/font].
[font=arial (arabic)]
إن من يتأثر بمثل هذا يخرج الكلمة القرآنية عن دلالتها الأصلية، وعن معناها المقصود عند التنزيل[/font].
[font=arial (arabic)]
وينجم عن ذلك الانحراف في الفهم عن المعنى المراد[/font].
[font=arial (arabic)]
ص 323

[/font]
[font=arial (arabic)]
فكيف تقولون في كلام الشيخ المفسر عبد الرحمن الميداني؟ هل ترون فيه
[/font][font=arial (arabic)]
وهذا المسلك في التفسير قد استعمله الرجل المجاهد سيد قطب رحمه الله في ظلاله على سورة الزلزلة، فقال[/font] :

{ [font=arial (arabic)]فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره . ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره[/font] } . .
[font=arial (arabic)]
ذرة . . كان المفسرون القدامى يقولون : إنها البعوضة . وكانوا يقولون : إنها الهباءة التي ترى في ضوء الشمس . . فقد كان ذلك أصغر ما يتصورون من لفظ الذرة[/font] . . .
[font=arial (arabic)]
فنحن الآن نعلم أن الذرة شيء محدد يحمل هذا الاسم ، وأنه أصغر بكثير من تلك الهباءة التي ترى في ضوء الشمس ، فالهباءة ترى بالعين المجردة . أما الذرة فلا ترى أبداً حتى بأعظم المجاهر في المعامل . إنما هي « رؤيا » في ضمير العلماء! لم يسبق لواحد منهم أن رآها بعينه ولا بمجهره . وكل ما رآه هو آثارها[/font]!
[font=arial (arabic)]
فهذه أو ما يشبهها من ثقل ، من خير أو شر ، تحضر ويراها صاحبها ويجد جزاءها[/font]! . .
[font=arial (arabic)]


ألا ترون الصواب أن يقال : بل الذرة هي تلك الهباءة التي كانت معروفة للعربي الذي نزلت عليه الآية، حتى لو اصطلحنا نحن على معانا جديدة لتلك اللفظة؟
[/font]
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
يبدو أنك - أبا يوسف - تشير إلى تناقض كلام الشيخ، حيث رفض حمل الألفاظ القرآنية والنبوية على اصطلاحات المُحدَثين، ثم إنه بيّن أنه متى ثبتت الحقيقة العلمية النهائية وجب اطّراح أقوال المفسرين والأخذ بدلالة الآية على الحقيقة العلمية الجديدة الاكتشاف، فتناقضت بذلك أطراف الكلام، وتخالفت أطراره .

أقول :

لمناقشة الأمر على تمامه، وبيان أنه ليس من التناقض في شيء؛ فللناقش كلاً من النقطتين على انفراد :


النقطة الأولى :

وجوب حمل ألفاظ الكتاب والسنة على ما تداوله العرب آنذاك من دلالات هذه الكلمات؛ لا على ما اصطلح عليه المتأخرون .


أقول :

هذا ما اتفق عليه أئمة الأصول والتفسير، وقد نص عليه غير واحد منهم .

وعلى ذلك فقد أنكروا استدلال المعتزلة - مثلا - بقول الله تعالى : (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) على خلق القرآن، حيث قالوا :

المحدَث هو : المخلوق، وضده القديم، أي الخالق، باعتبار أنه غير محدَث .


فردّ عليهم الأئمة بالقاعدة التي سبق التنبيه عليها، وبيانها هنا :

أن لفظ الحدوث في الدلالة على "المخلوق" من اصطلاحات المتأخرين من المتكلمين، ولم يعنِ به العرب في أصل كلامهم ما اصطلح عليه أخيراً، وعليه فإنه لا يجوز حمل ألفاظ الشرع على اصطلاح المتقدمين .


هذه النقطة الأولى، وهي قاعدة من قواعد التفسير مقررة عند أهل العلم .

وأترك ههنا فسحة يلجُ منها من يريد المشاركة، وأستبين فيها تعليق أبي يوسف، حتى أتابع وإياه ومن يشارك من الإخوة النقطة الثانية .
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
أشير إلى أنه الكثير من المصطلحات المحدثة إنما هي جانب من الدلالة اللغوية الأصلية للفظ فعادة هي لا تخرج عن اللفظ ، جاء في لسان العرب : والذَّرُّ صِغارُ النَّمل، واحدته ذَرَّةٌ؛ قال ثعلب: إِن مائة منها وزن حبة من شعير فكأَنها جزء من مائة، وقيل: الذَّرَّةُ ليس لها وزن، ويراد بها ما يُرَى في شعاع الشمس الداخلِ في النافذة؛ ومنه سمي الرجل ذَرّاً وكني بأَبي ذَرٍّ.

فمصطلح الذرة اليوم هو جانب من اللفظ اللغوي القديم و لم يخرج عنه إلا أن حمل كل دلالة الآية على هذا الجانب اللغوي من اللفظ يحتاج دليلا شرعيا و الأصل تفسير اللفظ بما عهدته العرب لكن إن حملنا مثلا دلالة آية على كروية الأرض لأن بعض دلالات اللفظ اللغوية تجيز ذلك فهذا جائز لوجود الإجماع بأن الأرض كروية يخصص اللفظ بهذا المعنى فهذه قرينة شرعية أتاحت لنا ذلك و الله أعلم
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
جزاكم الله خيرا أخانا الحبيب عبد الحكيم على هذه المشاركة الطيّبة، ففيها تمام الكلام على النقطة الأولى .


أما النقطة الثانية التي ينبغي أن نناقشها هنا، هي مسألة حمل الألفاظ القرآنية على المكتشفات الحديثة، فأقول :

لا تخلو هذه المكتشفات من أحد اثنين :


- الأول :

إما أن تَحمل هذه الممكتشفات مصطلحات معيّنة زائدة على الاستعمال اللغوي للكلمة، كما في المثال الذي أورده الشيخ عبد الحكيم في المشاركة السابقة - استعمال كلمة "الذرة" - إذ استعملت هذه الكلمة - اصطلاحاً - على معنى لم تعهده العرب فيها في أصل الاستعمال اللغوي، وإن كان لعلاقة - كما هو الأصل في أي مصطلح أن يكون بينه وبين المعنى اللغوي في الأصل نوع علاقة - .


فمثل هذا لا ينبغي حمل اللفظ القرآنيِّ عليه، إذ لم تعهده العرب وقت تنزّل القرآن، الأمر الذي يُحتّم أنه غير مقصود قطعاً، وإلّا لزم منه الخطاب بما لا يُفهم، وهو ممنوع .



- الثاني :

أن توافق هذه المكتشفات الألفاظ القرآنية موافقة لأصل وضع هذه الألفاظ لغة، مثل كلمة "دحاها" الوارد في كلام الشيخ في النص الأول الذي نقله أبو يوسف - حفظه الله - .

ومثل هذا لا ضير في تفسير القرآن به، وحمل ألفاظه عليه، إذ إن اللفظ استعمل استعمالا يوافق الوضع اللغوي في الأصل، وهو مما تعرفه العرب من معنى الكلمة وقت التنزيل، إلا أن المعاني لما تعددت لهذا اللفظ؛ حمله بعضهم على بعضها دون بعضها الآخر، فلما وافقت المكتشفات الحديثة أحد هذه المعاني للفظ؛ فكأنها عيّنته، فلا جرم حسُن حملها عليه .
وقد انتفى بذلك المحذور الأول، الذي سبق بيانه في النقطة السابقة .



غنيٌّ عن الذكر أن هذا إنما هو باعتبار الشروط الأخرى التي نصّ عليها العلماء في جواز التفسير العلمي، ومنها المنصوص في كلام الشيخ الميداني رحمه الله من كون هذه المكتشفات "حقائق نهائية" لا نظريات مجردة .
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
أقول :

وعلى هذا فلا تناقض - فيما أرى - في كلام الشيخ الميداني، وأراه كذلك على الغاية من الضبط المنهجي .

فما رأيكم الذي ترونه في هذا المسلك الذي أشرتم إليه في بداية الكلام ؟
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
جزى الله الشيوخ الفضلاء كل خير وأزيد من باب الفائدة فأقول :
قد كتب في هذا الموضوع بعض المؤلفات المفيدة يحسن بطالب العلم الاطلاع عليها ومنها :
1 - التفسير العلمي للقرآن في الميزان تأليف أحمد عمر أبو حجر ( رسالة دكتوراه ) من مطبوعات دار قتيبة .
2 - اتجاهات التفسير في العصر الحديث تأليف عبد المجيد عبد السلام المحتسب .
3 - التفسير ( معالم حياته - منهجه اليوم ) لأمين الخولي وأصله في دائرة المعارف ( 5 / 348 - 374 )
4 - منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير للدكتور فهد الرومي من مطبوعات مؤسسة الرسالة
5 - المفسر ( شروطه - آدابه - مصادره ) تأليف أحمد قشيري سهيل وهي رسالة علمية من مطبوعات مكتبة الرشد .
بالإضافة إلى ما ذكره الشاطبي ثم ما كتبه محمد حسين في كتابه ( التفسير والمفسرون ) في الجزء الثالث من الكتاب وكذلك ما ذكره الشيخ محمد رشيد رضا وغيره .
ولا يخفى ان هذا موضوع قد كتب فيها مؤلفات كثيرة منها ما أشير إليه هناومنها ما لم يذكر مما يدل على وجود اتجاهات حول هذا الموضوع وأقول باختصار :
من المعلوم أن كتاب الله يفسر بالكتاب نفسه وبالسنة وبأقوال الصحابة والتابعين وبلغة العرب وقد قرر هذا المفسرون قديماً وحديثاً ولكل منها ضوابط وشروط وقواعد ذكرها العلماء .
ولا يجوز أن يفسر القرآن بما لا يندرج تحت هذه المصادر الأربعة بالاتفاق فالقرآن نزل بلغة العرب فما لا تقبله لغة العرب لا يسوغ التفسير به وهذه المسألة التي نتحدث فيها متعلقة بالاستعمال اللغوي ومدى قابلية الاستعمال لهذه الاستنباطات ، وعليه فنقول :
التفسير باللغة يجوز إذا توفرت فيه الشروط التالية :
1 - أن يكون التفسير بالمعنى الأغلب في لغة العرب دون الخفي إلا أن يأتي ما يدل على خلاف ذلك وقد نص على هذا ابن جرير الطبري في تفسيره في أكثر من موضع ( 2 / 768 ) ( 5 / 337 ) ( 7 / 509 ) وأبو جعفر النحاس كما في إعراب القرآن ( 5 / 132 )
2 - أن ينظر في معاني الأسماء والأفعال والحروف حسب استعمالاتها في اللغة إذ قد يختلف المعنى مفرداً وتركيبا وقد اشار إلى هذا ابن جرير ( 1 / 299 ) والسيوطي في الإتقان ( 1 / 461 ) وغيرهما
3 - أن يكون فهم اللغة وفق القرائن من المتكلم والمخاطَب والخطاب وهو القرآن نفسه وينظر في المعهود في استمعالات القرآن ولا يكتفى بالإعراب اللغوي بعيدا عن هذه المسائل وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير ( ص 81 ) والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ( 1 / 34 ) وابن القيم كما في التفسير القيم ( ص 268 )
4- معرفة أسباب النزول للآيات .
5 - أن ينظر في دلالة السياق وقد نبه إلى هذا الزركشي في البرهان ( 2 / 200-201 ) ومن الكتب التي تهتم بهذا كثيرا كتاب المفردات للراغب فهو يفسر الكلمة مختلفا من موضع إلى موضع حسب السياق .
6 - أن يقدم العرف الشرعي على اللغوي عند التعارض إذ هناك ألفاظ عرفية شرعية كالصلاة والزكاة والحج والصوم ونحو ذلك فمرجع ذلك عرف الشارع .
7- ان يرجع في فهم معاني اللفاظ في اللغة إلى أهل الشأن من المتقدمين كالفراء وأبي عبيد القاسم بن سلام وابن قتيبة والزجاج والنحاس وغيرهم من الأئمة المشهورين من أئمة اللغة ممن هم على معتقد أهل السنة والجماعة وثمة كتب كثير اهتمت بالتفسير اللغوي للقرآن من جميع النواحي اللغوية ( الإعراب ، فقه اللغة ، مجاز اللغة ....)
8 - أن ينظر في فهم الصحابة للغة فهم أوسع علماً بها فهم أهلها وهم أعلم باستعمالاتها وهم الحاضرون حال نزول القرآن .
9 - أن يكون على علم بالإعراب وأقوال أهل الشان فيه .
10 - أن يهتم بالمعاني المقصودة والمقاصد المعهودة للشارع إذ الألفاظ قوالب المعاني وقد يستعمل اللفظ لمعنى غير متبادر فينبغي ان يكون المفسر عالماً بمقاصد الشارع في أبواب العقيدة والفقه والسلوك وغير ذلك ليستعملها في الفهم .
ينظر للفائدة المصادر السابقة لا سيما كتاب المفسر ( شروطه -آدابه - مصادره )
 
إنضم
14 نوفمبر 2009
المشاركات
350
التخصص
الفقه والأصول والبحث القرآني
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ الكريم رأفت .. ابتداء أشكرك على اهتمامك وتدارسك، وأعتذر عن تأخيري في التذاكر؛ حيث إن لي جدولا يتحدد فيه استعمالي لشيكة الإنترنت بصورة منتظمة.

جيد منكم طرح هذا الأصل، فالمشتغلون بالتفسير يدركون اصولهم جيدا، وأنهم يفسرون القرآن بالقرآن، وبالسنة، وباللغة، وأن هذه الموارد الثلاثة منها ما يكون ملزما لا تقبل مادته الاجتهاد، ومناه ما يكون للاجتهاد فيه مجال. وحينما نطبق مثلا على لفظة (الذرة) نجد أن أه لاللغة قالوا في الذرة هي الواحدة من دقاق التراب الذي يلصق بالكف إلى وضعتها على الأرض ورفعتها، وكما نقله القرطبي عن ابن عباس، وقيل هي النمل الصغير كما قاله بعضهم، وكما هو في مختار الصحاح.

وعلى كل فتلك - في مجملها - هي المعاني التي نزل بها اللفظ القرآني وفهمه به الأوائل، فذلك هو مدلول اللغة، وأما الذرة بمعنى (النواة التي تدور في فلكها إلكترونيات كالمجموعة الشمسية) فهو اصطلاح علمي معملي حادث، لا يمكن أن نحمل اللفظ القرآني عليه لمجرد انتشاره في استعمالنا وغفلتنا عن المعنى العربي الأصلي. إذا لماذا تكون دراساتنا لأصول التفسير ومعرفتنا لموارده؟

ومن الأمثلة التي ذكرها الدكتور الشيخ مساعد الطيار في هذا الباب قوله تعالى ( أقطار.... ) فيستدل بها البعض على كروية الأرض لأن الأقطار جمع قطر، وهو الذي يقسم الدائرة.. ولكن هذا لا يصلح؛ لأن استعمال القطر على هذا المعنى هو استعمال علمي حادث لا استعمال قرآني أصيل.

ومن ممتع ما أورده من أخبار المذاكرة أني طرحت تلك المسألة على زوجي، فقالت: وماذا ستقول لو قيل لك إن القرآن صالح لكل زمان ومكان ويخاطب الناس بما يفهمون ويدركون؟

فقلت: القرآن صالح لكل زمان ومكان حتى مع فهمنا للمعاني الأصلية للكلمات، لأن الذي يستدل بعموم صلاحية القرآن على حمل اللفظ على المعنى الصحيح كأنه يقول: إن القرآن وجدناه لا يصلح لكل زمان ومكان إذا قصرناه على معانيه التي نزل بها، ولا يملك شاهدا عليه، فالقرآن صالح لكل زمان ومكان بمعانيه الأصلية، فلا وجه لذلك الإيراد.

ومن هنا أستدرك على ما أورده الشيخ الفاضل عبد الحكيم؛ من كون الإجماع على حقيقة ما يسمح بحمل اللفظ عليها.

إن الذي يحدد صلاحية اللفظ للاستعمال في المعنى هو اللغة، وليس كون هذا المعنى حقيقيا حتى لو وقع الإجماع على كونه حقيقيا. فكونه حقيقيا مجمع عليه لا يجعل اللفظ دالا عليه؛ فقد يكون في أعلى درجات الحقيقية، ولكن اللفظ لا علاقة له به.

الآن لو قلت لك : والأرض ذات الصدع. أي ذات الدوران حول الشمس. ستقول لي لا فاللغة لا تساعدك. فسأقول لك ولكن العالم كله مجمع بالمشاهدة على أن الأرض تدور حول الشمس، إذا الصدع هو الدوران حول الشمس. فهذا ظاهر البطلان.

ربما تقول لي: ولكن هذا مثال لا ينتظم معنا لأن الدحو في (دحاها) يحتمل، فأقول : إذا أرجعت الأمر إلى اللغة، وهو المطلوب.

وهذا هو معنى ما فصله الشيخ رأفت في توضيحه للشيخ عبد الحكيم، فهو يرجع الجواز إلى اللغة مرة أخرى. فهي إذا الميزان.

ومن هنا أقول : لا يمكن تفسير الذرة بأنها المعروفة الآن في اصطلاحتنا المعملية (النواة والإلكترونيات) كما فسرها الشهيد سيد قطب رحمه الله.

بل حتى ما قاله العلامة المفسّر الميداني رحمه الله من جواز حمل الدحو على الكروية؛ لأن الدحو بهذا المعنى لم يكن يخطر أصلا على ذهن العربي الأول، حتى لو كان من المعاني الثابتة حينها؛ لأنه يعني أن يبقى جزء من القرآن غير مفهوم لدى الأوائل، ولو حملناه على ما فهموه فهو صالح لنا كذلك. ولا أتصور أن يقال: هو البسط والتوسيع في حق الاوائل، وهو استدارتها في حقنا !

والله الموفق للصواب
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ الكريم رأفت .. ابتداء أشكرك على اهتمامك وتدارسك، وأعتذر عن تأخيري في التذاكر؛ حيث إن لي جدولا يتحدد فيه استعمالي لشيكة الإنترنت بصورة منتظمة.

جيد منكم طرح هذا الأصل، فالمشتغلون بالتفسير يدركون اصولهم جيدا، وأنهم يفسرون القرآن بالقرآن، وبالسنة، وباللغة، وأن هذه الموارد الثلاثة منها ما يكون ملزما لا تقبل مادته الاجتهاد، ومناه ما يكون للاجتهاد فيه مجال. وحينما نطبق مثلا على لفظة (الذرة) نجد أن أه لاللغة قالوا في الذرة هي الواحدة من دقاق التراب الذي يلصق بالكف إلى وضعتها على الأرض ورفعتها، وكما نقله القرطبي عن ابن عباس، وقيل هي النمل الصغير كما قاله بعضهم، وكما هو في مختار الصحاح.

وعلى كل فتلك - في مجملها - هي المعاني التي نزل بها اللفظ القرآني وفهمه به الأوائل، فذلك هو مدلول اللغة، وأما الذرة بمعنى (النواة التي تدور في فلكها إلكترونيات كالمجموعة الشمسية) فهو اصطلاح علمي معملي حادث، لا يمكن أن نحمل اللفظ القرآني عليه لمجرد انتشاره في استعمالنا وغفلتنا عن المعنى العربي الأصلي. إذا لماذا تكون دراساتنا لأصول التفسير ومعرفتنا لموارده؟

ومن الأمثلة التي ذكرها الدكتور الشيخ مساعد الطيار في هذا الباب قوله تعالى ( أقطار.... ) فيستدل بها البعض على كروية الأرض لأن الأقطار جمع قطر، وهو الذي يقسم الدائرة.. ولكن هذا لا يصلح؛ لأن استعمال القطر على هذا المعنى هو استعمال علمي حادث لا استعمال قرآني أصيل.

ومن ممتع ما أورده من أخبار المذاكرة أني طرحت تلك المسألة على زوجي، فقالت: وماذا ستقول لو قيل لك إن القرآن صالح لكل زمان ومكان ويخاطب الناس بما يفهمون ويدركون؟

فقلت: القرآن صالح لكل زمان ومكان حتى مع فهمنا للمعاني الأصلية للكلمات، لأن الذي يستدل بعموم صلاحية القرآن على حمل اللفظ على المعنى الصحيح كأنه يقول: إن القرآن وجدناه لا يصلح لكل زمان ومكان إذا قصرناه على معانيه التي نزل بها، ولا يملك شاهدا عليه، فالقرآن صالح لكل زمان ومكان بمعانيه الأصلية، فلا وجه لذلك الإيراد.

ومن هنا أستدرك على ما أورده الشيخ الفاضل عبد الحكيم؛ من كون الإجماع على حقيقة ما يسمح بحمل اللفظ عليها.

إن الذي يحدد صلاحية اللفظ للاستعمال في المعنى هو اللغة، وليس كون هذا المعنى حقيقيا حتى لو وقع الإجماع على كونه حقيقيا. فكونه حقيقيا مجمع عليه لا يجعل اللفظ دالا عليه؛ فقد يكون في أعلى درجات الحقيقية، ولكن اللفظ لا علاقة له به.

الآن لو قلت لك : والأرض ذات الصدع. أي ذات الدوران حول الشمس. ستقول لي لا فاللغة لا تساعدك. فسأقول لك ولكن العالم كله مجمع بالمشاهدة على أن الأرض تدور حول الشمس، إذا الصدع هو الدوران حول الشمس. فهذا ظاهر البطلان.

ربما تقول لي: ولكن هذا مثال لا ينتظم معنا لأن الدحو في (دحاها) يحتمل، فأقول : إذا أرجعت الأمر إلى اللغة، وهو المطلوب.

وهذا هو معنى ما فصله الشيخ رأفت في توضيحه للشيخ عبد الحكيم، فهو يرجع الجواز إلى اللغة مرة أخرى. فهي إذا الميزان.

ومن هنا أقول : لا يمكن تفسير الذرة بأنها المعروفة الآن في اصطلاحتنا المعملية (النواة والإلكترونيات) كما فسرها الشهيد سيد قطب رحمه الله.

بل حتى ما قاله العلامة المفسّر الميداني رحمه الله من جواز حمل الدحو على الكروية؛ لأن الدحو بهذا المعنى لم يكن يخطر أصلا على ذهن العربي الأول، حتى لو كان من المعاني الثابتة حينها؛ لأنه يعني أن يبقى جزء من القرآن غير مفهوم لدى الأوائل، ولو حملناه على ما فهموه فهو صالح لنا كذلك. ولا أتصور أن يقال: هو البسط والتوسيع في حق الاوائل، وهو استدارتها في حقنا !

والله الموفق للصواب


استرك على استدراكك فأظنك لم تفهم ما قصدته ، تكلمت عن الاجماع من الناحية الاصولية و هو تخصيص النص المشترك لعدة معاني بمعنى واحد لوجود الاجماع على ذلك و هذا صحيح في كل النصوص فأظنك لم تنتبه للكلام رغم انه واضح للمهتم بمثل هذه المواضيع إنما يحمل الاصطلاح على ما اتفق عليه اهل الفن في استعماله لا على ما فهمته يا أخي الكريم ، ربما لو رجعت لتعريف الاجماع و شرحه في كتب الأصول فهمت ما كنت أرمي إليه.


فخلاصة ما قلته لا يمكن حمل كل اللفظ على أحد معانيه إلا بدليل و الإجماع واحد من هذه الأدلة ، فقولك مثلا ان الذرة المعروفة اليوم لا دخل لها باللفظ اللغوي هو خطأ بل هو اصطلاح اصله المعنى اللغوي فالذرة هي الشيئ الصغير لذلك إطلقت على النمل لصغرة و أطلقت على دقاق التراب لنفس السبب لكن حمل كل اللفظ القرآني على ذلك هو الخطأ فأكيد أن الله عز و جل لن يترك مثقال ذرة و لو كانت قدر الذرة المعروفة اليوم دون محاسبة لكن جعل لفظ الذرة في القرآن هو ذاته ذرة اليوم هو الخطأ.

و الله أعلم

 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
و هذا كلام الشنقيطي رحمه الله من أضواء البيان لفهم الموضوع جيدا



في هذه الآية الكريمة وصف الأرض بأن الله تعالى " دحاها " ، وجاء في آية أخرى أنه " طحاها " بالطاء ، وجاء في آية أخرى أنه بسطها ، وهي قوله تعالى : وإلى الأرض كيف سطحت [ 88 \ 20 ] .

وقد اختلف في تفسير قوله : " دحاها " ، فقال ابن كثير : تفسيره ما بعده أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها [ 79 \ 31 - 32 ] وهذا قول ابن جرير عن ابن عباس .

وقال القرطبي : " دحاها " أي : بسطها .

والعرب تقول : دحا الشيء إذا بسطه .

وقال أبو حيان : " دحاها " بسطها ومهدها للسكنى والاستقرار عليها ، ثم فسر ذلك التمهيد بما لا بد منه من إخراج الماء والمرعى ، وإرسائها بالجبال .

[ ص: 423 ] ومما ذكر يتأتى السكنى والمعيشة حتى الملح والمأكل والمشرب ، وهذا هو كلام الزمخشري بعينه .

وقال الفخر الرازي : " دحاها " : بسطها ، فترى أن جميع المفسرين تقريبا متفقون على أن دحاها بمعنى بسطها .

وقول ابن جرير وابن كثير : إن " دحاها " فسر بما بعده لا يتعارض مع البسط والتمهيد ، كما قال أبو حيان : إنه ذكر لوازم التسكن إلى المعيشة عليها من إخراج مائها ومرعاها ; لأن بهما قوام الحياة .

ومما يستأنس به أن الدحو معروف بمعنى البسط ، قول ابن الرومي :



ما أنس لا أنس خبازا مررت به يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر ما بين رؤيتها في كفه كرة


وبين رؤيتها قوراء كالقمر إلا بمقدار ما تنداح دائرة


في صفحة الماء ترمي فيه بالحجر



وقد أثير حول هذه الآية مبحث شكل الأرض أمبسوطة هي أم كروية مستديرة ؟

وإذا رجعنا إلى أمهات كتب اللغة نجد الآتي :

أولا : في مفردات الراغب : قال " دحاها " ، أزالها من موضعها ومقرها .

ومنه قولهم : دحا المطر الحصى من وجه الأرض ، أي : جرفها ، ومر الفرس يدحو دحوا : إذا جر يده على وجه الأرض فيدحو ترابها .

ومنه أدحي النعام ، وقال : الطحو كالدحو ، وهو بسط الشيء والذهاب به والأرض وما طحاها ، وأنشد قول الشاعر :



طحا بك قلب في الحسان طروب



أي ذهب بك .

وفي معجم مقاييس اللغة ، مادة دحو : الدال والحاء والواو أصل واحد يدل على بسط وتمهيد .

يقال : دحى الله الأرض يدحوها دحوا إذا بسطها . ويقال : دحا المطر الحصى [ ص: 424 ] عن وجه الأرض ، وهذا لأنه إذا كان كذلك فقد مهد الأرض .

ويقال للفرس ، إذا رمى بيده رميا لا يرفع سنبكه عن الأرض كثيرا : مر يدحو دحوا ، ومن الباب أدحي النعام : الموضع الذي يفرخ فيه ، أفعول من دحوت ، لأنه يدحوه برجله ثم يبيض فيه ، وليس للنعامة عش .

وفي لسان العرب مادة دحا ، والدحو : البسط ، دحى الأرض يدحوها دحوا : بسطها .

وقال الفراء في قوله عز وجل : والأرض بعد ذلك دحاها قال : بسطها ، وذكر الأدحي مبيض النعام في الرمل ; لأن النعامة تدحوه برجلها ، ثم تبيض فيه .

وذكر حديث ابن عمر : " فدحا السيل فيه بالبطحاء " ، أي : رمى وألقى .

قال : وسئل ابن المسيب عن الدحو بالحجارة ، فقال : لا بأس به ، أي : المراماة بها والمسابقة .

وعن ابن الأعرابي : هو يدحو بالحجر ، أي يرمي به ويدفعه ، والداحي : الذي يدحو الحجر بيده ، وأنشد لأوس بن حجر بمعنى ينزع قوله :



ينزع جلد الحصى أجش مبترك كأنه فاحص أو لاعب داح


؟

وفي حديث أبي رافع : " كنت ألاعب الحسن والحسين - رضوان الله عليهما - بالمداحي " ، هي أحجار أمثال القرصة ، كانوا يحفرون حفرة يدحون فيها بتلك الحجارة ، فإذا وقع الحجر فيها غلب صاحبها ، وإن لم يقع غلب .

والدحو : هو رمي اللاعب بالحجر والجوز وغيره . اهـ .

وما ذكره صاحب اللسان عن أبي رافع لا زال موجودا حتى الآن بالمدينة ، ويسمى الدحل باللام ، كما وصف تماما .

وبعد إيراد أقوال أصول مراجع اللغة ، وما تقدم من أقوال المفسرين . فإننا نواجه الجدل القائم بين بعض علماء الهيئة ، وبعض العلماء الآخرين ، في موضوع شكل الأرض ، ولعلنا نوفق بفضل من الله إلى بيان الحقيقة في ذلك ، حتى لا يظن ظان تعارض القرآن ، وما يثبت من علوم الهيئة أو يغتر جاهل بما يقال في الإسلام .

[ ص: 425 ] وبتأمل قول المفسرين نجدها متفقة في مجموعها : بأن " دحاها " مهدها وسهل الحياة عليها ، وذكر لوازم التمكين من الحياة عليها من إخراج الماء ، والمرعى ، ووضع الجبال ، وهو المتفق مع نصوص القرآن في قوله :ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا [ 78 \ 6 - 7 ] .


وكل ذلك من باب واحد ، وهو تمهيدها والتمكين للعيش عليها ، وليس فيه معنى التكوير والاستدارة .

وإذا جئنا إلى كتب اللغة نجدها كلها ، تنص على أن الدحو : البسط ، والرمي ، والإزالة ، والتمهيد ، فالبسط والتمهيد والرمي بالحجر المستدير في الحفرة الصغيرة معان مشتركة ، وكلها تفسر " دحاها " بمعنى بسطها ومهدها . وأن الأدحية مبيض النعام لا بيضه كما يقولون ، وسمي بذلك ; لأنها تدحوه بيدها لتبيض فيه ، إذ لا عش لها .

وعليه ، فلا دليل من كتب اللغة على أن الدحو هو التكوير ، ولكن ما قول العلماء في شكل الأرض ، بصرف النظر عن كون القرآن تعرض له أو لم يتعرض ؟

إذا رجعنا إلى كلام من نظر في علم الهيئة من المسلمين ، فإنا نجدهم متفقين على أن شكل الأرض مستدير .

وقبل إيراد شيء من أقوالهم ننبه على أنه لا علاقة لهذا البحث بموضوع الحركة ، سواء للأرض أو غيرها ، فذاك بحث مستقل ، ليس هذا محله ، وإنما البحث في الشكل .

أما أقوال العلماء في شكل الأرض ، فإن أجمع ما وقفت عليه ، وأصرح ، وأبين ، هو كلام ابن تيمية في رسالة الهلال ، جاء فيها : قال في موضع منها قوله : وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع من علماء الأمة ، أن الأفلاك مستديرة ، قال تعالى : ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر [ 41 \ 37 ] ، وقال : وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون [ 21 \ 37 ] ، وقال تعالى : لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون [ 36 \ 40 ] .

[ ص: 426 ] قال ابن عباس : في فلكة مثل فلكة المغزل . وهكذا هو في لسان العرب : الفلك الشيء المستدير . ومنه يقال : تفلك ثدي الجارية إذا استدار . قال تعالى : يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل [ 39 \ 5 ] ، والتكوير هو التدوير . ومنه قيل : كار العمامة وكورها ، ولهذا يقال للأفلاك : كروية الشكل ; لأن أصل الكرة كورة - تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا .

وقال : الشمس والقمر بحسبان [ 55 \ 5 ] مثل حسبان الرحى ، وقال : ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت [ 67 \ 3 ] وهذا إنما يكون فيما يستدير من أشكال الأجسام دون المضلعات من المثلث أو المربع أو غيرهما ، فإنه يتفاوت ; لأن زواياه مخالفة لقوائمه . والجسم المستدير متشابه الجوانب والنواحي ، ليس بعضه مخالفا لبعض .

وجاء فيه قوله أيضا : وقال الإمام أبو الحسين : أحمد بن جعفر بن المنادي ، من أعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار ، في متون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من أصحاب أحمد : لا خلاف بين العلماء أن السماء على مثال الكرة ، وأنها تدور بجميع ما فيها من الكواكب ، كدورة الكرة على قطبين ثابتين غير متحركين ، أحدهما في الشمال ، والآخر في ناحية الجنوب .

قال : ويدل على ذلك أن الكواكب جميعها تدور من المشرق تقع قليلا على ترتيب واحد في حركتها ومقادير أجزائها ، إلى أن تتوسط السماء ، ثم تنحدر على ذلك الترتيب ، فكأنها ثابتة في كرة تديرها جميعها دورا واحدا .

هذه نبذة من أقوال علماء المسلمين في شكل الأفلاك ، ثم قال : وهذا محل القصد بالذات ، وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع حركاتها من البر والبحر مثل الكرة .

قال : ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب ، لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد ، بل على المشرق قبل المغرب .

قال : فكرة الأرض مثبتة في وسط كرة السماء ، كالنقطة في الدائرة ، يدل على ذلك أن جرم كل كوكب يرى في جميع نواحي السماء ، على قدر واحد ، فيدل ذلك على بعد ما [ ص: 427 ] بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد ، فاضطرار أن تكون الأرض وسط السماء . اهـ . بلفظه .

فهذا نقل لإجماع الأمة ، من إمام جليل في علمي المعقول والمنقول ، على أن الأرض على شكل الكرة ، وقد ساق الأدلة الاضطرارية من حركة الأفلاك على ذلك .

ومن جهة العقل أيضا يقال : إن أكمل الأجرام هو المستدير كما قال في قوله : ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت [ 67 \ 3 ] .

وعليه ، فلو قدر لسائر على وجه الأرض ، وافترضنا الأرض مسطحة كسطح البيت أو القرطاس مثلا ، لكان لهذا السائر من نهاية ينتهي إليها ، وهي منتهى التسطيح أو يسقط في هاوية ، وباعتبارها كرة ، فإنه يكمل دورته ، ويكررها ولو سار طيلة عمره لما كان لمسيره منتهى ، لأنه يدور على سطحها من جميع جهاتها . والعلم عند الله تعالى .

تنبيه .

كان من الممكن أن نقدم هذه النتيجة من أول الأمر ما دامت متفقة في النهاية مع قول علماء الهيئة ، ولا نطيل النقول من هنا وهناك ، ولكن قد سقنا ذلك كله لغرض أعم من هذا كله ، وقضية أشمل وهي من جهتين :

أولاهما : أن علماء المسلمين مدركون ما قال به علماء الهيئة ، ولكن لا من طريق النقل أو دلالة خاصة على هذه الجزئية من القرآن ، ولكن عن طريق النظر والاستدلال ; إذ علماء المسلمين لم يجهلوا هذه النظرية ، ولم تخف عليهم هذه الحقيقة .

ثانيتهما : مع علمهم بهذه الحقيقة وإدراكهم لهذه النظرية ، لم يعز واحد منهم دلالتها لنصوص الكتاب أو السنة .

وبناء عليه نقول : إذا لم تكن النصوص صريحة في نظرية من النظريات الحديثة ، لا ينبغي أن نقحمها في مباحثها نفيا أو إثباتا ، وإنما نتطلب العلم من طريقه ، فعلوم الهيئة من النظر الاستدلال ، وعلوم الطب من التجارب والاستقراء ، وهكذا يبقى القرآن مصانا عن مجال الجدل في نظرية قابلة للثبوت والنفي ، أو التغيير والتبديل ، كما لا ينبغي لمن لم يعلم حقيقة أمر في فنه أن يبادر بإنكارها ما لم تكن مصادمة لنص صريح

[ ص: 428 ] وعليه أن يتثبت أولا ، وقد نبهنا سابقا على ذلك في مثل ذلك في قصة نبي الله سليمان مع بلقيس والهدهد حينما جاءه ، فقال : أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين [ 27 \ 22 ] ، وقص عليه خبرها مع قومها ، فلم يبادر - عليه السلام - بالإنكار لكون الآتي بالخبر هدهدا ، ولم يكن عنده علم به ولم يسارع أيضا بتصديقه ; لأنه ليس لديه مستند عليه ، بل أخذ في طريق التثبت بواسطة الطريق الذي جاءه الخبر به ، قال : سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين [ 27 \ 27 ] ، وأرسله بالكتاب إليهم ، فإذا كان هذا من نبي الله سليمان ، ولديه وسائل وإمكانيات كما تعلم ; فغيره من باب أولى .

تنبيه آخر .

إذا كان علماء الإسلام يثبتون كروية الأرض ، فماذا يقولون في قوله تعالى : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت إلى قوله وإلى الأرض كيف سطحت [ 88 \ 17 - 20 ] . وجوابهم كجوابهم على قوله تعالى : حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة [ 18 \ 86 ] ، أي في نظر العين ; لأن الشمس تغرب عن أمة ، وتستمر في الأفق على أمة أخرى ، حتى تأتي مطلعها من الشرق في صبيحة اليوم الثاني ، ويكون بسط الأرض وتمهيدها ، نظرا لكل إقليم وجزء منها لسعتها وعظم جرمها .

وهذا لا يتنافى مع حقيقة شكلها ; فقد نرى الجبل الشاهق ، وإذا تسلقناه ووصلنا قمته وجدنا سطحا مستويا ، ووجدنا أمة بكامل لوازمها ، وقد لا يعلم بعض من فيه عن بقية العالم ، وهكذا . والله تعالى أعلم .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
14 نوفمبر 2009
المشاركات
350
التخصص
الفقه والأصول والبحث القرآني
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
[font=&quot]جزاكم الله خيرا الشيخ عبد الحكيم[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]وما ذكرتموه هو كان أحد الأوجه المحتملة عندي مع مراعاة نقطتين[/font] :[font=&quot][/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot]الأولى: أن هذا وارد على بعض مفردات كالذرة، وإنما أتناول مسلكا تفسيريا، لذا أبقيت على الوجه الذي يتأدى به الغرض[/font].

[font=&quot]الثاني: أنه حتى مع وروده على بعض المصطلحات فإنه ينسحب المفهوم عليه، فيقال: وهل يمكن أن يراد باللفظ بعض معانيه التي لم تكن مرادة[/font].

[font=&quot]أما (الدحو) وما يراد به في القرآن، فهو على ما ذكره أهل التفسير، من انبساط الأرض وتيسيرها للإنسان. وهذا لا يعاكس القول بكروية الارض، لأن الكروية الشاملة لا تنافي الانبساط، وإن أية كرة هي منبسطة بالنسبة إلى سطحها، وهذا ما خاطب الله تعالى به من أنزل عليهم القرآن، حيث يشاهدون الأرض منبسطة ممهدة، وهذا ما يخاطبنا الله تعالى به الآن، فلازلنا نرى الارض منبسطة ممهدة ولازلنا نلمس تلك النعمة، وسنظل نلمسها ونستطلع رحمة الله وحكمته بها حتى الحين الموعود. ولازال الانتقال من دحو الأرض إلى كرويتها التي تثبتها اليقينية العلمية وهو ماقام به المفسر الشيخ عبد الرحمن الميداني محل نظر وهو قضية هذا الطرح[/font].

[font=&quot]ولكن يبقى أن يورد أحدهم قالة الصحابي الجليل سلمان الفارسي - فيما تسعفني به ذاكرتي[/font] - :

) [font=&quot]لم يأت أهل هذه الآية بعد[/font] (

[font=&quot]فلو قيل لنا : ما وجه منعكم أن يدخل معنى الدحو الذي هو التكوير أو الاستدارة في مثل هذا النوع من الآي؟[/font]
[font=&quot]فكيف يمكن أن نجيب؟[/font]
[font=&quot]تذكير: لو حضرت نيتنا في تلك التذاكرات لوجدنا أثرها العظيم بعد قضاء نحبنا وما هو ببعيد[/font]
 
إنضم
18 مارس 2017
المشاركات
17
الكنية
أبو مالك
التخصص
فقه لغة
المدينة
الصالحية الجديدة
المذهب الفقهي
مقارن
رد: هل ترتضون ذلك المسلك في التفسير ؟

جزاكم الله خيرا، جميعا،،،
 
أعلى